
داني سيترينوفيتش - موقع (STIMSON) الأمريكي
ترجمة خاصة:أقلام عبدالملك مانع / لا ميديا -
في ظل عدم وجود معلومات أكثـر عن رجال القبائل الحوثيين المؤثرين، إلى جانب الهجمات المستمرة على هذه الأهداف، من المرجح أن تجد «إسرائيل» صعوبة في بث الخوف بين كبار قادة الجماعة
شكوك كثيرة أثارها بدء وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» وحماس في غزة، المدعوم أمريكياً وعربياً. ومن تلك الشكوك حقيقة ما إذا كان الحوثيون سيوقفون هجماتهم على «إسرائيل» دعماً للقضية الفلسطينية وغيرها.
ولقد كان إطلاق الحوثيين أربع طائرات مسيّرة على «إيلات»، في الذكرى الثانية لهجوم حماس على «إسرائيل» في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مؤشراً آخر إلى خلل في الاستراتيجية «الإسرائيلية» ضد الجماعة اليمنية المسلحة، التي بدأت بمهاجمة «إسرائيل» وملاحتها في البحر الأحمر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023.
حينها، وجدت «إسرائيل» نفسها غير مستعدة لمواجهة هذا التهديد. افتقرت إلى المعلومات الاستخبارية عن الجماعة، رغم تاريخها الحافل بالخطابات المعادية لـ»إسرائيل» واليهود. ظن القادة «الإسرائيليون» أن استخدام القوة ضد الحوثيين سيخلق توازن ردع مشابهاً للتوازن الذي سعت «إسرائيل» إلى بنائه ضد حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، وأنه سيجبر الجماعة على وقف إطلاق النار على «إسرائيل» وملاحتها في البحر الأحمر. لكن على عكس أمور أخرى في «محور المقاومة» المدعوم من إيران، يبدو أن الحوثيين لا يتمتعون بمركز ثقل يُمكن لـ«إسرائيل» استهدافه بنجاح.
ابتداءً من 20 تموز/ يوليو 2024، شنت «إسرائيل» سلسلة هجمات استهدفت بشكل رئيسي البنية التحتية للحوثيين في ميناء الحديدة، محطات لتوليد الطاقة، ومطار العاصمة اليمنية صنعاء. ورغم أن هذه الهجمات كلفت الحوثيين والشعب اليمني ثمناً باهظاً، اقتصادياً بالأساس، إلا أنه ثمن لا يعجز الحوثيون عن تحمله؛ بل وعلى العكس، لقد زاد هذا الصراع شعبية الجماعة، واعتبرته أيضاً تعزيزاً لمكانتها الإقليمية والدولية.
كانت القيادة الإيرانية أول من أدرك هذه الحقيقة؛ ففي ظل القيود المفروضة على حزب الله والمليشيات الشيعية في العراق، كان الحوثيون في وضع أفضل ليصبحوا خط المواجهة في الصراع ضد «إسرائيل». ولذلك، زادت إيران مساعداتها العسكرية للحوثيين للحفاظ على وتيرة هجماتهم ضد «إسرائيل» وملاحتها البحرية.
لذلك، فحتى لو صمد وقف إطلاق النار بين «إسرائيل» وحماس، فمن غير المرجح أن تنتهي مشكلة «إسرائيل» مع الحوثيين. لن يكون من الممكن إعادة إحياء الحوثيين، فهم يعتبرون أنفسهم الآن مدافعين عن محور المقاومة بأكمله، وليس حماس فقط. لذلك، قد يطلق الحوثيون صواريخ وطائرات مسيّرة على «إسرائيل»، احتجاجاً على هجماتها ضد مكونات أخرى من المحور، تماماً كما أعلنوا مسؤوليتهم سابقاً عن إطلاق النار على «إسرائيل» بسبب هجماتها على طهران وبيروت، وبسبب دخول اليهود إلى الحرم القدسي الشريف، المسجد الأقصى، ثالث أقدس المواقع الإسلامية. ولقد أشار بيان الحوثيين الأخير بشأن الهجمات «الإسرائيلية» في لبنان إلى نواياهم المستقبلية ونظرتهم إلى أنفسهم كحماة للمحور.
على «إسرائيل» الاستعداد لمعركة طويلة ونشطة ضد اليمن، بعيداً عن الحرب في غزة. لا يمكن أن تستند هذه الاستراتيجية إلى عمليات «الرصاصة الفضية»، مثل الاغتيالات، التي استخدمتها «إسرائيل» ضد قيادة حزب الله.
عند التخطيط لمثل هذه الحملة، تحتاج «إسرائيل» إلى تعويض قصور فهمها لخصمها وضعف حضورها في منطقة البحر الأحمر. إن التفاخر المُبالَغ فيه بقدرة «إسرائيل» على تغيير النظام في صنعاء يُقلل أهمية سلسلة طويلة من الأنشطة، ليس فقط العسكرية، التي تحتاج «إسرائيل» إلى تنفيذها للحد من تهديد الحوثيين.
أولاً وقبل كل شيء: تحتاج «إسرائيل» إلى تعزيز استخباراتها، مع التركيز على فهم القدرات الاستراتيجية للجماعة اليمنية المنظمة، بما في ذلك مواقع صواريخها ومنصات إطلاقها. ورغم أن اغتيال عدد من كبار مسؤولي حكومة الحوثيين مؤخراً يشير إلى تحسن ملحوظ في الاستخبارات «الإسرائيلية»، إلا أنه في ظل عدم وجود معلومات أكثر عن مواقع رجال القبائل الحوثيين المؤثرين، إلى جانب الهجمات المستمرة على هذه الأهداف، من المرجح أن تجد «إسرائيل» صعوبة في بث شعور بالخوف بين كبار قادة الجماعة.
إلى جانب ذلك، يجب على «إسرائيل» العمل بالتعاون مع الأسطول الخامس الأمريكي ودول المنطقة، مثل الإمارات المتحدة والمملكة السعودية، التي لها أيضاً مصلحة في إضعاف الحوثيين. تحتاج «إسرائيل» إلى تقليص قدرة إيران -والصين- على تزويد الحوثيين بمكونات منظوماتهم الاستراتيجية (إذ تم مؤخراً اعتراض العديد من هذه الشحنات في عدن)، بالإضافة إلى جمع معلومات استخباراتية حول عناصر فيلق القدس الإيراني في اليمن الذين يعملون على تطوير قدرات الحوثيين، وخاصة في مجال الصواريخ.
وقبل كل شيء، يجب على «إسرائيل» ترسيخ وجودها في البحر الأحمر بما يسمح لها بمرونة عملياتية، وتكوين تحالف مع دول الخليج ذات الصلة، وعناصر في جنوب اليمن بقيادة مجموعات مثل «مجلس القيادة»، برئاسة رشاد العليمي، والتي تسعى إلى إزاحة نظام الحوثيين.
ما دام الحوثيون في السلطة، فمن المرجح أن يستخدموا قدراتهم الاستراتيجية ضد «إسرائيل»، وتمكين إيران من ترسيخ موطئ قدمها في هذه المنطقة الاستراتيجية. ورغم وجهة نظر كبار المسؤولين «الإسرائيليين» بأن الحرب التي خاضتها «إسرائيل» لمدة 12 يوماً ضد إيران من شأنها ردع الحوثيين، لكن يبدو أن العكس هو الصحيح.
لذلك، يجب على «إسرائيل» الاستعداد لحملة طويلة ومتواصلة، تجمع بين التحركات العملياتية والسياسية والضغط الاقتصادي، لقطع الإمدادات الإيرانية والصينية عن الحوثيين، مع تقليص قدرات الإنتاج الذاتي اليمنية. وحدها حملة منسقة، لا عمليات متفرقة، هي القادرة على تقليص قدرة الحوثيين على تشكيل تهديد كبير على «إسرائيل»، سواءً بالنيران المباشرة أو بمهاجمة السفن المتجهة إليها. في غضون ذلك، قد يكون من الحكمة أن يمتنع السياسيون «الإسرائيليون» عن الثناء على الخطوات التي اتخذوها حتى الآن ضد التهديد الحوثي.
المصدر ترجمة خاصة:أقلام مانع / لا ميديا