عادل بشر / لا ميديا -
مع دخول وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن، شهره الثالث، إلا أن تبعات وتداعيات وكذلك أسباب إعلان ترامب مساء السادس من أيار/ مايو الماضي، وقف إطلاق النار مع القوات المسلحة اليمنية، لازالت محل اهتمام مراكز البحوث الأمريكية والغربية، لاسيما بعد حرب الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع الكيان الصهيوني والتي استمرت 12 يوماً، وانعكاس ذلك على توازن القوى في اليمن، بين صنعاء وفصائل المرتزقة الموالية للسعودية والإمارات.
في هذا الإطار نشر معهد الشرق الأوسط (MEI) الأمريكي تحليلاً مطولاً بعنوان «توازن القوى في اليمن بعد وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة والحوثيين»، أكد فيه أن وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن، يصب بالدرجة الأساسية في مصلحة الأولى، خصوصاً بعد أن أثبت العدوان الأمريكي الأخير على اليمن، تحت مسمى عملية «الراكب الخشن» أن هذه العملية «أكثر صعوبة مما توقعته واشنطن».
وأشار المعهد المختص بالأبحاث وقضايا الشرق الأوسط، إلى أنه ورغم حملة القصف الأمريكية الأخيرة لهزيمة القوات المسلحة اليمنية وإضعاف قدراتها العسكرية، إلا أن صنعاء أظهرت «صمودًا مستمرًا في وجه الغارات الجوية وحافظت على قيادتها سليمة».
ولفت إلى أن صنعاء تمكنت خلال الفترة الماضية التي تلت وقف إطلاق النار، من إعادة ترتيب قواتها، وإصلاح الأضرار التي تعرضت لها البنية التحتية المدنية بسبب الغارات الأمريكية و«الإسرائيلية» على الموانئ اليمنية المطلة على البحر الأحمر كميناء الحديدة والموانئ المجاورة له، بالإضافة إلى مطار صنعاء الدولي.
وأوضح أن إعلان صنعاء «النصر على الولايات المتحدة»، إضافة إلى العمليات اليمنية المستمرة بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد الكيان الصهيوني، دعماً للشعب الفلسطيني، وإغلاق البحر الأحمر وباب المندب في وجه الملاحة الصهيونية منذ أواخر 2023م، كل ذلك عزز مكانة القوات المسلحة اليمنية داخلياً وإقليمياً وكذلك لدى «محور المقاومة».. مشيراً إلى أن عدد المقاتلين اليمنيين في ازدياد منذ معركة «طوفان الأقصى»، حيث زادت عملية التعبئة والتجنيد، بشكل أكبر، حدّ تعبيره.
ويرى المعهد الأمريكي بأن ظهور صنعاء كقوة لا يستهان بها، في ظل موقفها المساند لقطاع غزة، خاصة فيما يتعلق باستخدامها الناجع لورقة البحر الأحمر، كعنصر ضغط على الكيان الصهيوني، ثم «جلب قوة عظمى عالمية إلى طاولة المفاوضات للتفاوض على هدنة». هذا أيضاً «جعل الحوثيين شريكًا مرغوبًا فيه لمجموعة من اللاعبين الذين يتشاركون مشاعرهم المعادية للغرب وأبرزهم روسيا والصين»، مرجحاً أن «تكتسب صنعاء أهمية استراتيجية أكبر في المستقبل».
وذكر التحليل أن القوات المسلحة اليمنية تمكنت من تطوير الصواريخ واستهدفت بها السفن الحربية الأمريكية والسفن التجارية الأمريكية والبريطانية و»الإسرائيلية» في البحر الأحمر، وإلى عمق الكيان الصهيوني.

تفاقم أزمة المرتزقة
وفيما يتعلق بحكومة المرتزقة وما يسمى بـ»المجلس الرئاسي» الذي شكلته السعودية عام 2022م، أشار المعهد الأمريكي، إلى أن هؤلاء يواجهون «الكثير مما قد يخسرونه في سياق وقف إطلاق النار بين واشنطن وصنعاء». كما أن «توازن القوى الحالي»، وفقاً لذات التحليل، يُنذر بتأجيج الانقسامات الداخلية بين مكونات مجلس المرتزقة، لاسيما مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في المحافظات المحتلة.
وأكد التحليل أن من يُسمى بـ«رئيس المجلس الرئاسي» رشاد العليمي، «لايزال عاجزًا عن ممارسة قيادة فعّالة على جميع مفاصل الدولة المؤسسية والعسكرية». لافتاً إلى أنه «ومنذ توقيع الهدنة في نيسان/ أبريل 2022، تدهورت الأوضاع الاقتصادية بسرعة في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة عدن، وتفاقمت بسبب سوء الإدارة طويل الأمد على جميع المستويات الإدارية».
وتطرق التحليل إلى ما تعانيه المناطق الواقعة تحت سيطرة المرتزقة وخاصة محافظة عدن، من انهيار اقتصادي وتدهور خدمات الرعاية الاجتماعية الأساسية، وارتفاع معدل التضخم إلى ما يزيد عن 30٪، الأمر الذي تسبب في حدوث احتجاجات واسعة ضد حكومة المرتزقة، ووصلت «المظاهرات الشعبية التي تحركها الأزمة الاقتصادية إلى مدينة تعز».
وأضاف «علاوة على ذلك، أدى المأزق إلى تأجيج المشاحنات العامة بين ممثلي حكومة عدن، الذين يلومون بعضهم البعض على حالة الطوارئ في محاولة لتحويل الانتباه عن فضائح الفساد والصراعات الشخصية على السلطة، الأمر الذي أثر سلبياً حتى على تمويل المانحين».

«المجلس الانتقالي»
وأفاد تحليل المعهد الأمريكي بأن ما يسمى بـ»المجلس الانتقالي» التابع للإمارات ويسيطر على محافظة عدن ويسعى لتحقيق أهدافه الانفصالية، عمل على استخدام مشاركته في مؤسسات الدولة ضمن ما يطلق عليه «مجلس القيادة الرئاسي» لتعظيم قوته الاقتصادية والعسكرية، مثل إعادة توجيه عائدات مرافق ميناء عدن وفرض رسومات على الوقود المستورد وتحصيلها لصالح «الانتقالي» إلا أنه فشل في توفير الخدمات للمواطنين، وفي هذا السياق اندلعت احتجاجات شعبية في أكبر المدن الخاضعة لسيطرة «الانتقالي» وخاصة عدن والمكلا، حيث ألقت احتجاجات نسائية غير مسبوقة في عدن باللوم على «المجلس الانتقالي» و«حكومة المرتزقة» في أزمة الكهرباء، ونتيجة لذلك قامت «سلطات عدن» بحظر المظاهرات العامة في المدينة، كما تعرضت النساء المطالبات بتحسين ظروف المعيشة، للاعتداء من قبل مجندات من قوات الأمن التابعة للانتقالي.
وبحسب التحليل فقد عملت السعودية منذ الهدنة عام 2022م على مواجهة مصالح «المجلس الانتقالي الجنوبي» وراعيته الخارجية، الإمارات في الجنوب بهدف استعادة نفوذ أكبر في اليمن.. وقد حققت ذلك جزئيًا من خلال دعم جهات سياسية وعسكرية موالية لها أهداف مناهضة للانتقالي، بما في ذلك المجلس الوطني الحضرمي، وقوات درع الوطن، التي تعمل كوحدات احتياطية.. كما سعت الرياض إلى التواصل مع قيادات الشبكات القبلية المحلية.
وأكد أن ما وصفها بـ«الاستراتيجية السعودية» تهدف من وراء ذلك إلى «تعزيز وضع المملكة سواءً حافظ اليمن على وحدته بمرور الوقت أم لا»، فمن جهة تسعى الرياض إلى بناء شبكات نفوذ، تحديدًا في الجنوب، تحسبًا لقيام دولة انفصالية، ومن جهة أخرى السيطرة على الجزء الحضرمي من حدود اليمن مع المملكة.

أطماع السيطرة على الحديدة
في سياق متصل أوضح تحليل معهد الشرق الأوسط أن وقف إطلاق النار بين صنعاء وواشنطن قلّل من فرص شنّ هجوم بري على ميناء الحديدة، من قبل أدوات الإمارات بقيادة العميل طارق عفاش، مشيراً إلى أن نجاح الهجوم «مستبعد للغاية دون غطاء جوي أمريكي».
وأكد أن الحملة البرية التي طالما حلم مرتزقة الإمارات بتنفيذها للسيطرة على مدينة الحديدة، لم تتحقق لعدة أسباب أبرزها إحجام الولايات المتحدة عن توفير غطاء جوي منسق لقوات المرتزقة، خصوصاً وأن عملية «الراكب الخشن» أثبتت أنها أكثر صعوبة مما توقعته واشنطن، وكذلك بسبب مخاوف السعودية من تعرضها لضربات انتقامية تنفذها قوات صنعاء في حال دعمها لهجوم بري.