تقرير / لا ميديا -
في «مربع الهدى»، شرق الشجاعية وسط قطاع غزة، حيث كانت دبابات الاحتلال تتوغل بأصوات الحديد والعجرفة، كان المقاومون يرصدون، يتربصون، ويعدّون للعدو كميناً لا يُنجو من نيرانه أحد.
العملية الكبيرة والمركبة التي أعلنت عنها سرايا القدس - الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أمس، والتي استهدفت 40 جندياً صهيونياً، لم تكن مجرد اشتباك، بل مسرحاً من الضبط والسيطرة الميدانية، أعادت فيه المقاومة تعريف مفهوم «النصر التكتيكي» في ميادين الحرب الحديثة.
بتخطيط محكم، بدأ الهجوم. ست عبوات ناسفة زُرعت مسبقاً على مسارات تقدم الآليات، انفجرت في توقيت متتابع. توقف الزحف. ارتبكت القيادة الميدانية للقوات الصهيونية. لم تمنحهم سرايا القدس وقتاً للتفكير؛ إذ تحوّل الانفجار الأول إلى شرارة لهجوم متعدد المستويات: صواريخ مضادة للدروع تستهدف الدبابات، وصاروخ موجه من طراز (107) يضرب منزلاً لجأ إليه عشرة جنود هاربين، ليحوّل ملجأهم إلى قبور مغلقة.
ثم كان الختام رصاصاً حارقاً من أفواه الرشاشات. اشتباك مباشر أنهى العملية بجثث متفحمة وصرخات مذعورة، كما وصفها قائد العملية، الذي قال في تصريحات إعلامية: «جنود العدو فقدوا المبادرة، واكتفوا بالصراخ والهروب». وأوضح أن العملية نفذت الأربعاء الماضي كما تم التخطيط لها تماماً، في تطابق تام مع تضاريس مسرح العمليات، وكأن الأرض نفسها كانت تقاتل معهم.
وأكد قائد العملية: «عاينا جثثاً متفحمة لجنود وضباط العدو»، الذي يكذب ويتستر على خسائره.

 يوم دامٍ جديد للعدو
لم يكد العدو الصهيوني يستوعب آثار الكارثة التي ضربته في الشجاعية، حتى تكبد، أمس، خسائر جديدة كبيرة في خان يونس جنوب قطاع غزة.
وتحدث الإعلام الصهيوني عن 3 «حوادث صعبة» تعرض لها جنوده في غزة.
واضطرت قوات العدو للاعتراف بمقتل ثلاثة جنود وإصابة أربعة، بعضهم حالاتهم حرجة.
وفي تفاصيل ما حصل، تحدثت وسائل إعلام العدو أن دبابة تابعة للفرقة (53) تعرضت لصاروخ مضاد للدروع، في خان يونس، قُتل على إثره جندي وأصيب ثلاثة. وأثناء محاولات الإنقاذ، وقع انفجار بدبابة ثانية، أدى إلى إصابة قائد الفرقة.
تقرير قوات الاحتلال أقر لاحقاً بأن «مطلق الصاروخ خرج من أحد الأزقة خلف الدبابة، ورغم رصده، لم يتمكن الطاقم من مواجهته قبل الانفجار»، في دلالة واضحة على تفوق المقاومة ميدانياً حتى في أقرب الاشتباكات.

خطة الصهاينة.. إبادة البشر ومحو المدن
العدو الصهيوني المهزوم في أرض المواجهة يرد دائماً بمواصلة إبادة السكان ومحو مدن قطاع غزة، في مسعى لتحقيق هدف اقتلاع الفلسطينيين من غزة.
وفي موازاة كل نصر ميداني، هناك وجع إنساني ضخم يتراكم كغبار المقابر على وجوه الناجين. 57,268 شهيداً و135,625 إصابة، وأكثر من 12 ألف مفقود تحت الأنقاض، هي حصيلة المجزرة المستمرة، منذ بدء العدوان في 7تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وفي الساعات الأربع والعشرين الأخيرة وحدها، استشهد 138 فلسطينياً وأصيب 452، معظمهم من طالبي المساعدات. مجزرة الخيام في المواصي بخان يونس كانت إحدى أكثر الجرائم فظاعة؛ 15 شهيداً من عائلة واحدة، سُوّيت خيمتهم بالأرض تحت نيران الطائرات.
مدفعية الاحتلال لم تكتفِ بذلك، بل واصلت قصف خيام النازحين في رفح، ونسفت منازل سكنية في شمال خان يونس. ومع صدور تهديدات إخلاء جديدة في ستة بلوكات سكنية، يعيش سكان خان يونس لحظة إبادة عرقية صاخبة لا يريد العالم أن يسمعها، تُنفذ بصواريخ وتحذيرات مدججة بالقنابل.

هدنة مرتقبة
سياسياً, قال مسؤول فلسطيني مطلع إن حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس سلمت، مساء أمس، ردها على اقتراح وقف إطلاق النار في غزة، إلى الوسطاء، مضيفاً أنه إيجابي وينبغي أن يساعد في التوصل إلى اتفاق.
وأعلنت حركة حماس، مساء الخميس، أنها تجري مشاورات مع الفصائل الفلسطينية بشأن عرض قدّمه الوسطاء لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، وأنها ستعلن قرارها النهائي بعد انتهائها من ذلك.
وأكدت حماس، في بيان، أنها «ستسلّم القرار النهائي للوسطاء بعد انتهاء المشاورات، وستعلن ذلك رسمياً».
ووفقاً لما قالت «نيويورك تايمز» إنه تصريحات عن مسؤولين أمنيين صهاينة ومصادر فلسطينية مقربة من حماس، ينص المقترح الجديد على إطلاق سراح عشرة أسرى أحياء وإعادة جثامين 18 آخرين على خمس مراحل موزعة خلال فترة وقف إطلاق نار تستمر 60 يوماً.
كما نص المقترح على التزام حماس بعدم إقامة «مراسم إطلاق سراح» علنية أو مصورة عند تسليم الأسرى.
في المقابل، سيفرج العدو عن مختطفين فلسطينيين خلال المراحل المتفق عليها. وتقول المصادر إن هذه الترتيبات ستتم برعاية وضمانات من وسطاء دوليين، خاصة قطر ومصر، لضمان الالتزام بالاتفاق وتسهيل تنفيذه.
ولفتت المصادر إلى أنه «لا تزال هناك نقاشات مستمرة حول عدد من التفاصيل الفنية»، من بينها «آليات إدخال المساعدات الإنسانية، خرائط الانسحاب، وترتيبات ما بعد فترة الهدنة البالغة 60 يوماً»، في حال لم تكن هذه الفترة كافية للتوصل إلى اتفاق شامل ونهائي إضافة لتفاصيل أخرى.

تهجير 30 عائلة والقتل بالجوع في زنازين الاحتلال
المعاناة تمتد إلى الضفة، حيث تشتعل الأرض بحملات القمع. الغاصبين الصهاينة يهاجمون البيوت، وقوات العدو تختطف العشرات، وتصيب آخرين بالرصاص. ثلاثون عائلة هُجّرت قسراً من عرب المليحات، فيما تمضي آلة الاستيطان بتغوّلها المحمي رسمياً.
وفي السجون، لا تنتهي المأساة. مجدو، النقب، أيالون... كلها أسماء سجون تحوّلت إلى مقابر بطيئة للأسرى. 73 شهيداً من الأسرى منذ بدء العدوان. الجرب، التهاب الأمعاء، التجويع الممنهج، التعذيب، والحرمان من أدنى شروط الحياة... القاصرون عشرة أفراد يتشاركون لقمة واحدة، وينامون جوعى، يحلمون برغيف خبز.
إحدى هذه الحالات كانت في آذار/ مارس الماضي، عندما انهار المختطف وليد أحمد (17 عاما) في ساحة سجن مجدو واستشهد. وكشف تقرير كتبه طبيب حضر تشريح الجثمان بتكليف من عائلة الأسير الشهيد، أن جسد الشهيد وليد كان خالياً تقريباً من الأنسجة الدهنية (التي لا يمكن لجسم الإنسان أن يعيش بدونها)؛ وذلك بسبب التجويع الشديد.
وأصيب عدد كبير من الأسرى بالجرب والتهاب الأمعاء، الأمر الذي جعلهم لا يقوون على النهوض من فراشهم، حتى من أجل الذهاب إلى المرحاض. وأفاد عدد منهم بأن «المسعفين يحضرون إلى القسم، وينظرون من النافذة ويعطوننا أكامول ويقولون: كُلوا أرزاً وخبزاً، بدون أي شيء آخر».