طريق «أبراهام» ضرورة وليس خيالا
- تم النشر بواسطة ترجمة خاصة:إياد الشرفـي / لا ميديا

ترجمة خاصة إياد الشرفي / لا ميديا -
لفترة طويلة، تم تحديد الشرق الأوسط من خلال انقساماته. لقد نشبت الحروب بسبب خطوط مرسومة على الرمال، وتغيرت التحالفات مع رياح القوة، وظل الرخاء حكراً على قِلة من الناس، بينما تُرِك الكثيرون ليواجهوا ما ترتب على هذه الصراعات.
ولكن ماذا لو كان من الممكن إعادة تشكيل هذه الأرض القديمة، الغنية بالتاريخ والمثقلة بالصراعات؟ ماذا لو لم يكن المستقبل يتحدد بالانقسام، بل بالحاجة الضرورية للتجارة؟ ماذا لو كانت هناك، بدلاً من خطوط المعركة، طرق تجارية تربط ليس فقط الأسواق ولكن المصائر؟
إنه مسار يتجاوز نقاط الضعف القديمة ونقاط الاختناق البحرية التي أبقت العالم رهينة الابتزاز الجيوسياسي، ويفتح بدلاً من ذلك شرياناً جديداً للتجارة عبر الأراضي نفسها التي كانت، منذ أجيال، بؤر خلاف.
لم يعد الاقتصاد العالمي يعتمد على مرور واحد عبر قناة السويس، ذلك النفق الخطير الذي انكشفت هشاشته عندما جنحت سفينة واحدة وأرسلت إشارات صدمة للتجارة العالمية.
ولن يظل مضيق هرمز نقطة ضغط، حيث يمكن لتهديدات إيران الجريئة أن تحدد سعر النفط باستفزاز مدروس.
إن هذا الطريق التجاري الجديد من شأنه أن يفعل أكثر من مجرد تقديم بديل، بل إن من شأنه أن يكسر الاحتكار، ويؤدي إلى تآكل نفوذ أولئك الذين سيطروا لفترة طويلة على سلاسل التوريد العالمية، ويؤسس لمسار تجاري مرن وغير قابل للهجوم، ولا يمكن تحويل مساره يوما كما حدث في البحر الأحمر.
إلا أن أهمية هذا الممر لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل إنه في جوهره ثورة سياسية.
إن إسرائيل، التي طالما كانت بمثابة موقع معزول في منطقة معادية، لن تكون بعد الآن دولة تحت الحصار، بل حجر الزاوية في بنية اقتصادية تخدم مصالح كل من يمر عبرها.
إن الشرق الأوسط لم يعد عدواً يجب محاربته، بل أصبح شريكاً لا غنى عنه، وسوف يصبح أمنه مسألة ذات أهمية ملحة لكل دولة يعتمد ازدهارها على استقرار هذا الطريق التجاري.
إن دول الخليج، تلك الركائز الأساسية للتجارة الحديثة الناشئة من الصحراء، لن تجد في إسرائيل منافساً بل حليفاً، تربطها معها ضرورة مشتركة تتمثل في حماية هذا الشريان الحيوي.
إن إيران، التي ستصبح حرة ولم تعد مقيدة بالنماذج القديمة للحرب بالوكالة والعزلة الاقتصادية، سوف ترى في هذا الطريق فرصة للتكامل والازدهار واستبدال ركود العقوبات بديناميكية التجارة.
التحدي الأساسي للمتطرفين
غير أن وراء حسابات القوة والتجارة تكمن حقيقة أعظم بكثير: التحدي الأساسي الذي يواجه المتطرفين الذين استغلوا لفترة طويلة اليائسين والمنبوذين.
حيثما يوجد الرخاء، لا يوجد مكان لسموم التطرف. فحيث توجد فرص العمل، ليست هناك حاجة لأمراء الحرب. حيثما وُجدت التجارة، تنهار قصة المظالم الأبدية تحت وطأة الفرص الاقتصادية.
إن حماس وحزب الله والحوثيين -هذه الكيانات التي يعتمد وجودها على إدامة اليأس- سوف تجد نفسها غير قادرة على التمكين، بل وغير ذات أهمية. إن «طريق ابراهام» التجاري من شأنه أن يفعل ما فشلت أجيال من الدبلوماسية في تحقيقه: تقديم شيء أقوى من إغراء الدمار.
وتمتد التداعيات إلى ما هو أبعد من الشرق الأوسط. إن القوى العظمى في العالم -تلك التي سعت، بدرجات متفاوتة من الالتزام، إلى تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة- ستجد في هذا المشروع وسيلة حقيقية وملموسة لتحقيق هذه الغاية.
الولايات المتحدة، المتورطة منذ وقت طويل في صراعات الشرق الأوسط، قد تجد أخيرا نموذجا للسلام من خلال الرخاء بدلا من السلام من خلال القوة.
وأوروبا، التي غالبا ما تكون تحت رحمة إمدادات الطاقة غير المستقرة، سوف تجد إجابة لاعتمادها على طرق النقل غير الموثوقة. وحتى الشبح المتنامي لمبادرة «الحزام والطريق» الصينية، التي تسعى إلى جذب الشرق الأوسط إلى مدارها، قد تجد ثقلاً موازناً في هذا الجهد الذي تقوده المنطقة، وهو جهد لا يرتكز على التبعية، بل على النمو المتبادل.
ومع هذا التحول ستأتي مسيرة الابتكار. شبكات السكك الحديدية عالية السرعة تمتد عبر الصحارى والجبال، والأنفاق التي تحفر تحت الأراضي القديمة، ومراكز اللوجستيات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لتبسيط حركة البضائع، والبنية التحتية التي تعمل بالطاقة الشمسية والتي تحول الشمس الحارقة إلى محرك للتنقل الاقتصادي.
ولن يكون هذا مجرد طريق تجاري؛ وسوف يكون ذلك بمثابة معجزة تكنولوجية، وعرضاً لما يمكن للمنطقة أن تحققه عندما تحول تركيزها من مظالم الماضي إلى إمكانيات المستقبل.
ولكن مثل هذا المشروع لا يأتي دون تحدياته. لا بد أن تتوافر الإرادة السياسية لدفع هذه الرؤية إلى الأمام، ولإزالة الحواجز التي ظلت لفترة طويلة غير قابلة للتغيير. ولا بد من تأمين الاستثمارات، وسحبها من صناديق الثروة السيادية، والمؤسسات المالية العالمية، وقادة القطاع الخاص الذين يدركون أن مصالحهم تكمن في استقرار النظام التجاري الجديد.
وفوق كل ذلك، ينبغي ضمان الأمن، وتحييد تهديدات أولئك الذين يسعون إلى تخريب هذا المستقبل، قبل أن يتمكنوا من ترسيخ جذورهم.
وهذا ليس مجرد مشروع تجاري. إنه مشروع حضاري. وإجابة على السؤال الذي ظل يلوح في الأفق في الشرق الأوسط لأجيال: ماذا يأتي بعد الحرب، وبعد الثورات، وبعد دورات الانتقام والقصاص؟ «طريق ابراهام» التجاري هو الجواب. فهو رؤية للشرق الأوسط باعتباره مفترق طرق ليس للصراع، بل للتجارة، وتأكيد على أن الطرق القديمة لا ينبغي أن تكون المستقبل، وأن المنطقة لا ينبغي أن تكون ساحة معركة، بل سوقاً، وأن الرخاء يمكن أن يكون الموحد العظيم حيث فشلت السياسة.
ويستعد منتدى العلاقات الخارجية لكشف النقاب عن تقرير بحثي سيوضح، بكل تفصيل، المخطط التفصيلي لهذا التحول. هذا ليس تكهناً؛ هذه هي الاستراتيجية. وهذا ليس أملاً مجرداً؛ هذه خطة ملموسة. إن «طريق ابراهام» التجاري ليس خيالاً، بل ضرورة. والآن هو الوقت المناسب لجعل ذلك حقيقة.
المدير التنفيذي
لمنتدى العلاقات الخارجية
المصدر ترجمة خاصة:إياد الشرفـي / لا ميديا