
رفيق الحمودي / لا ميديا -
تتزايد معاناة اليمنيين يوماً بعد يوم، بسبب الحرب الظالمة والعدوان الأمريكي - السعودي - الإماراتي، الذي يُشن منذ أكثر من عشرة أعوام، إلى جانب الحصار البري والبحري والجوي وغلق كافة المنافذ البرية باستثناء منفذ الوديعة في محافظة حضرموت المحتلة.
ومع بداية موسم الحج أو العمرة، وقبيل شهر رمضان تحديداً، تزداد حركة اليمنيين وتنقلاتهم من وإلى الجارة المسماة بالسعودية، والتي لم ترعَ حق الجوار، من خلال منفذ الوديعة، لكونه المنفذ البري الوحيد معها، فيتزايد الزحام على المنفذ فوق ما هو عليه أصلاً من زحام طيلة العام، وتتفاقم معه أزمة المسافرين والمغتربين، بسبب سوء المعاملة والابتزاز والإهمال، سواء من الجانب اليمني الواقع أصلاً تحت وطأة الاحتلال أو من الجانب السعودي.
منفذ الوديعة البري، الواقع في مديرية زمخ ومنوخ بمحافظة حضرموت، وتحديداً في الشق الصحراوي من الحدود الشمالية الشرقية ضمن المناطق التي تسيطر عليها قوات الاحتلال السعودي - الإماراتي ومرتزقتها، تحول بعد قيام العدوان بتدمير منافذ حرض وعلب والبقع، من منفذ ثانوي إلى منفذ رئيس تمر عبره مئات السيارات والشاحنات المتعددة يومياً، بحيث أصبحت شريحة واسعة من اليمنيين تتأثر بشكل كبير من أي قرارات أو قيود تطال المنفذ من قبل الاحتلال ومرتزقته المسيطرين على المنفذ.
ومنذ سنوات تتكرر الصور المأساوية اليومية أمام منفذ الوديعة، بتكدس مئات السيارات في طوابير طويلة، مخلّفة معاناة إنسانية لآلاف المسافرين اليمنيين الذين يجدون أنفسهم عالقين في الصحراء الحدودية، بانتظار السماح لهم بالعودة إلى ديارهم، أو النفاذ إلى جارة السوء.
طوابير طويلة من الناس وانتظار يستمر أياماً، وسيارات تمتد هي الأخرى لعدة كيلومترات تحت الشمس وقيظ الصحراء، حيث لا يتعامل موظفو المنفذ إلا مع السماسرة، وجلهم -بحسب شكاوى مسافرين- موظفون وعسكريون تتم المعاملات عبرهم وعبرهم فقط. فتحول المنفذ -باعتراف قيادات في حكومة الارتزاق- إلى بؤرة كبرى من بؤر الفساد والابتزاز والجبايات والممارسات غير القانونية، فضلاً عما يعانيه من سوء للخدمات وتهالك لمبانيه، وغياب أي قانون يحكم موظفيه، وعشوائية إجراءاتهم.
وفي السنوات الأخيرة، تزايدت شكاوى السائقين وأصحاب مكاتب النقل والمسافرين من الممارسات الابتزازية وعمليات الفساد التي تحدث في المنفذ.
وبحسب الشكاوى، فإن أشخاصاً بمنفذ الوديعة يفرضون مبالغ مالية تتراوح بين 400 و800 ريال سعودي على كل باص نقل، فيما يتعرض المغتربون الوافدون إلى نهب وابتزاز بالقوة من قبل عدد من المكاتب، من بينها مجموعة «العالمية»، التي يملكها رجل الأعمال الشيباني، حيث يتم أخذ جبايات منهم تبلغ أربعة آلاف ريال سعودي على كل سيارة تدخل اليمن، تحت مسمى «تريبتك»، دون وجه قانوني، وبتواطؤ وحماية من قبل ما تسمى مصلحة الجمارك وعصابات المرتزق هاشم الأحمر، التي تسيطر عسكريا على المنفذ.
ولم يتوقف الفساد في المنفذ عند ابتزاز المسافرين؛ ولكن تعدى إلى أبعد من ذلك، حيث كشفت تقارير اقتصادية أن منفذ الوديعة أن حجم الفساد في منفذ الوديعة يقدر بأكثر من مائة وثلاثة مليارات ريال سنوياً، تذهب لجيوب العصابات التي تدير المنفذ وتوفر له الحماية المزعومة ولجيوب نافذين.
كما يتحصل لوبي الفساد هناك على ما يزيد عن عشرة ملايين ريال سنوياً مقابل تجديد التراخيص بطرق غير قانونية، فضلاً عن تمرير الشاحنات المحملة بالأثاث المستخدم مقابل رسوم تتراوح بين 50 و80 ألف ريال يمني دون تفتيش، وكذا تقاضيهم رشاوى من سائقين أجانب تصل إلى أكثر من ثلاثة آلاف ريال سعودي مقابل السماح لهم بالعبور قبل غيرهم.
وتؤكد التقارير كذلك أن مافيا ولوبي الفساد تفرض رسوماً غير قانونية على وزن الشاحنات، إضافة إلى السماح للحمولات غير النظامية بالمرور مقابل مبالغ مالية تزيد عن100 ألف ريال بمتوسط سنوي يصل إلى نصف مليار ريال من الميزان فقط.
كما قام لوبي الفساد في المنفذ بتأجير أراضٍ تابعة للمنفذ ومنح تراخيص للمكاتب وفرض رسوم إضافية على الكهرباء والنظافة، فضلاً عن فرض رسوم على مكاتب التلخيص الجمركي، تصل إلى 40 ألف ريال شهرياً، تحت تسمية الخدمات وإجبار المكاتب على دفع360 ألف ريال شهرياً، تحت تسمية رواتب موظفين، وإنشاء ما يسمى مكاتب خاصة بالتخليص الجمركي.
وبحسب الإحصائيات الرسمية لعدد السيارات اليومية التي تمر من منفذ الوديعة، فإن العدد يصل إلى أربعمائة سيارة يومياً في الأيام العادية، وتتضاعف في المواسم والأعياد ورمضان وغيرها، فيما قدرت المبالغ المنهوبة يومياً بمبلغ مليون ونصف المليون ريال سعودي، وبمعدل45 مليون ريال سعودي شهرياً، وما يزيد عن نصف مليار سعودي سنوياً، بما يعادل103 مليارات ريال يمني. ونشرت مؤخراً فيديوهات عديدة من المنفذ لموظفين يأخذون رسوماً غير قانونية وصلت حد أخذ رسوم على ختم كل جواز سفر.
إزاء كل ذلك، تتكبد الأسر المسافرة والأفراد غير القادرين على دفع رشاوى، أو يرفضون الخضوع للابتزاز، معاناة الانتظار الطويل، الذي قد يستغرق أياماً، في ظل التجاهل وعدم وجود جهة يتم الرجوع إليها أو حكومة قادرة على ردع تصرفات موظفيها، ما يضطرهم في النهاية الى الإذعان لرغبات أولئك المبتزين الذين يتلذذون بمعاناة أبناء جلدتهم ويتصرفون وفق شريعة وقوانين الغاب، حيث لا وجود لحسيب أو رقيب على أفعالهم أو محاسبة على فسادهم.
المصدر رفيق الحمودي / لا ميديا