اليمن بالحبر الغربي -
القوة الأمريكية تتراجع الآن؛ بسبب فقدان الإرادة اللازمة للالتزام بتأمين الممر البحري الحيوي في مضيق باب المندب، عبر البحر الأحمر وقناة السويس، لربط أوروبا وآسيا، والإنتاج والاستهلاك. لكن الدولة التي تحركت لتحل محل القوة الأمريكية المتراجعة هذه المرة لا تؤيد التجارة الحرة العالمية أو حرية الملاحة. إنها ليست قوة داعمة للاستقرار، بل تسعى إلى تقويض سيادة الدول عبر تمكين الهيئات الدولية التي تسيطر عليها.
جمهورية الصين الشعبية تملأ وبقوة الفراغ الذي خلفته القوة الأمريكية وتدمجه بدقة في مبادرة «الحزام والطريق»، التي تشكل تحدياً استراتيجياً، وتحاول إقامة نظام جديد من القواعد الدولية التي تسعى إلى تقويض القوة والسيطرة الأمريكيتين، وقد نجحت بكين في تحاشي التهديد الذي يشكله الحوثيون على الشحن الدولي وإغلاق مضيق باب المندب ومن خلاله البحر الأحمر بأكمله - ممر العبور في قناة السويس بشكل أساسي.
بعد فترة وجيزة من بدء الإغلاق، وضعت الصين -مع الحوثيين وإيران- استراتيجية لتشكيل هيكل شحن بديل وآمن - مركز تنسيق يسمح به الحوثيون (وبالتبعية المرور الذي تسمح به إيران عبر مضيق هرمز) للمرور بأمان عبر مضيق باب المندب.
إن الهيكل التنظيمي الدولي الفعلي الناشئ ومركز التنسيق يمنعان أية شحنات نقل بحرية متجهة إلى «إسرائيل» مباشرة أو غير مباشرة.
بعبارة أخرى، إذا كان لشركة «ميرسك» للشحن أي تواصل مع «إسرائيل»، فإن خط «ميرسك» بأكمله -حتى الطرق التي لا علاقة لها بـ»إسرائيل»- لن يتمكن من المرور بأمان. هكذا بدأ الحوثيون، بمساعدة صينية وروسية، في إنشاء ممر شحن آمن عبر القناة والمضيق، والذي يبدأ بدوره في حظر التجارة الأمريكية والأوروبية التي لا تنظمها جماعة الحوثيين.
تعمل الصين على إنشاء هيكل شحن كامل يحظر على أمريكا، وكذلك على «إسرائيل» وحلفائها، دخوله إذا لم يلتزموا بالولاء للحوثيين. ويعمل الحوثيون عن كثب في هذه القضية بالذات - بصرف النظر عن تعاون الإيرانيين- مع الصينيين. ويعمل الصينيون على إنشاء هيكل شحن بديل يقوّض إحدى الوظائف الأساسية للبحرية الأمريكية، والتي بموجبها تكون الضامن الحقيقي لحرية البحار.
إن الصورة المدمرة التي يتم خلقها للقوة الأمريكية المتآكلة والإرادة الغادرة، تهيئ أيضاً الظروف لنشوء هيكل شحن بديل وآمن للصين، ويمنع من لم ترضَ عنهم بكين. في النهاية، من المرجح أن يتطور هذا الهيكل بحيث لا يكون له أي صلة بالشرق الأوسط. فإذا تنافست «تويوتا» -مثلاً- مع الصين، وأرادت الصين عرقلة الشركة، فيمكنها استخدام دورها باعتبارها ضامناً لحركة المرور البحري العالمية، لمعاقبة الشركة ومنعها من المرور بالتنسيق مع حلفائها مثل إيران والحوثيين.
يتطلب الهيكل الناشئ الاتفاق مع الصين، وستضطر الدول والشركات إلى تحمل عواقب سياسات النظام الصيني -ليس فقط فيما يتعلق بالسياسات تجاه الحوثيين أو الشرق الأوسط على نطاق أوسع، ولكن أيضاً تجاه الصين (ومن خلال هذا أيضاً لروسيا وإيران) من أجل طموحاتها الخاصة- للحصول على شحن مناسب عبر قناة السويس. ستكون للدول أو الشركات التي تعدها الصين منافسة تكاليف باهظة مقارنة بالشركات الصينية. إن منع المرور من الطرق التي تربط مباشرة بين أوروبا وآسيا -والتي لا تشمل السلع فحسب، بل أيضاً المواد الخام الحيوية والمعادن النادرة- يمكن أن يضيف تكاليف باهظة على النقل البحري، ما يجعل السلع غير منافسة.
إن هذا الهيكل الذي تشكله الصين مع إغلاق البحر الأحمر، هو في الواقع مسرحية لاستراتيجية شاملة لا ترسخ نظام شحن عالمي جديداً فحسب ليحل محل حريّة الملاحة البحرية التي ضمنتها بريطانيا والولايات المتحدة على مدى القرون الخمسة الماضية، بل لنظام اقتصادي بديل وجديد بالكامل أكدت الصين مزاياه الهيكلية.
إن نجاح الحوثيين في شل أعظم قوة بحرية في التاريخ عن حماية تجارتها الحيوية عبر ممر بحري حاسم، يعد إهانة وطنية مستمرة ومتفاقمة. لم تغلق إيران مضيق هرمز بعد؛ لكنها حققت بالفعل من خلال وكيلها انتصاراً عظيماً في البحار على الولايات المتحدة.
لقد فرض هذا تكلفة اقتصادية باهظة على المنطقة والعالم، وسيستمر في ذلك. لقد ظهرت البوادر الأولى لأنماط جديدة من التجارة وطرق النقل، وبعضها قد يكون في الواقع تطوراً اقتصادياً إيجابياً وقوياً جداً. ولكن عموماً، يظل التأثير الاقتصادي لإغلاق البحر الأحمر وقناة السويس مدمراً للإنتاج والإمدادات اللوجستية والتكاليف في أوروبا وآسيا. مع أن الضرر المادي الذي يلحق بالغرب بسبب هذه التأثيرات الاقتصادية هائل، إلا أنه ليس الجانب الأكثر أهمية في هذه المشكلة، بل هي التداعيات الاستراتيجية والجيوسياسية.
على المستوى الإقليمي، لقد تضررت مكانة الولايات المتحدة الإقليمية باعتبارها قوة عظمى إلى الحد الذي جعل تحالفات الدول واتفاقيات السلام مع «إسرائيل» تحت الضغط؛ بسبب فشلها في الحفاظ على دورها المركزي باعتبارها حارساً للبحار في العالم. الواقع أن بعض اتفاقيات السلام هذه -مثل اتفاقية مصر مع «إسرائيل»- قد لا تصمد.
قد يتغير التنسيق مع الغرب، مع تزايد النظرة إلى الولايات المتحدة ليس على أنها حصاناً قوياً، بل باعتبارها حماراً أعرج. كان الفشل في كبح جماح الحوثيين سبباً في تقنين نهاية الولايات المتحدة كقوة عظمى فاعلة وجذابة لدول المنطقة.
باختصار: إن الفشل في كبح جماح الحوثيين في البحر الأحمر يمثل حجر الزاوية في بناء نظام عالمي جديد بقيادة منافستنا الصين، وهدفه تقليص سيادة الولايات المتحدة، وتقويض أمننا الاقتصادي، وإعاقة مكانتنا الجيوستراتيجية.

ديفيد ورمسر - 
موقع (jewish policy center) الصهيوني