«لا» 21 السياسي -
قرأت قبل سنوات حواراً للمؤرخ اليمني حسين الحبيشي ذكر فيه أن «الطاهريين» كانوا آخر من فرض حكماً سيادياً يمنياً بحرياً على البحرين الأحمر والعربي وبينهما باب المندب؛ أي مع بدايات القرن العاشر الهجري/ الخامس عشر الميلادي، وبعدها وصلت أساطيل المماليك فالعثمانيين فالهولنديين ثم الإنجليز والأمريكيين.
ينقل المؤرخ العربي اللبناني جورج حوراني في كتابه «الملاحة العربية» -كما ينقل عنه موسى السادة- أنه وفي ظل الخلافة الراشدة وتحديداً الخليفة عمر بن الخطاب كانت القدرات العربية البحرية متواضعة ومحصورة في البحارنة والعمانيين واليمنيين.
لم يتمكن الخليفة من استغلال البحر، فرغم اختراع البحارنة للشراع المثلث، وبراعة العمانيين واليمنيين في الإبحار، مستشهداً برحلات المسعودي إلى «بحر الزنج»، أي خليج عدن، إلا أن أسباباً كثيرة حدت من تقدم البحرية العربية، وتحديداً في البحر الأحمر، لافتقارهم إلى حل تكنولوجي للشعاب المرجانية الضخمة التي تمثل سداً.
اليوم، وبعد أكثر من ألف سنة، تمكن اليمنيون ولأول مرة من فرض سطوتهم على البحار وصولاً للمتوسط، والمعضلة: التكنولوجيا البحرية وقلة الموارد، حُلّت بالسلاح الصاروخي والطيران المسيّر، وقبل ذلك وبعده بالإيمان والإرادة.
«ليسوءوا وجوهكم» هي آية من آيات الله وليست مجرد مناورات بحرية. خمسة قرون من الغزو والاحتلال الصهيو-صليبي انتهت في يومٍ ضرب «أبو جبريل» أرامكو وبرج خليفة، وعند ليلةٍ عصفت ظلماتها يافا وعسقلان.
وأن يكون طارق عفاش والمحرمي وصغير بن عزيز هم الرهان الصهيوني في مواجهة آيات الله ومناورات رجال الله فذلك والله بشارة للمؤمنين؛ فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون.
معركة الأمة اليوم هي مع الصهيوني، «الإسرائيلي» والأمريكي على حد سواء. أما أدوات هؤلاء من متصهيني الأعراب ومرتزقتهم من «أبو قرش وقرشين» فلا يمكن الحديث عنهم إلا من باب التوصيف الوظيفي لهم لا غير.
مثلاً مليشيات ما تسمى «حراس الجمهورية» والتي يديرها طارق عفاش، والمتواجدة في جنوب الساحل الغربي، قد تم إنشاؤها وتمويلها من قبل الإماراتيين (كقفازات صهيونية لزجة) لغرض محدد، وهو حماية باب المندب لصالح الكيان «الإسرائيلي».
كذلك هو الأمر بالنسبة لمرتزقة أبوظبي في المحافظات الجنوبية المحتلة ممن ينضوون فيما يسمى المجلس الانتقالي والذين يحتلون موقعاً وظيفياً متأخراً -مقارنةً بمرتزقة طارق- بالنسبة للإماراتيين ومن خلفهم «الإسرائيليين» برغم كل ما يعرضونه من خدمات وبأسعار أقل وبمقابل زهيد.
وبرغم كل زعيق ونعيق ونهيق هؤلاء وأولئك بشأن محليتهم «الوطنية»، إلا أن تصدرهم لتنفيذ أوامر صهاينة اليمامة لحراسة وحماية السفن «الإسرائيلية» أو المتجهة إلى «إسرائيل» المارة عبر خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر ينسف كل ادعاءاتهم ولا يثير في نفس الوقت إلا الشفقة عليهم. ولن يُقلقوا أحداً إلا بنباحهم على جنبات طريق القوافل.
بالنسبة لمرتزقة كشوفات الريال لا الدرهم فمهما ناورتم حول ما يحدث في غزة وارتداداته في البحر الأحمر فمن البديهي أن تدركوا أن كل تحالف عسكري بحري هو «إسرائيلي» ومن أجل حماية كيان الاحتلال، سواء شارك فيه هذا الكيان رسمياً أم لم يشارك.
الأسبوع الفائت يتبجح وزير خارجية حكومة المرتزقة الزنداني في لقاء مع صحيفة «النهار» بأن ضرب الحديدة ليس كافياً، بل يجب دعمهم على الأرض!
وقاحة لا تنبئ بمفاجأة، بقدر ما تشير إلى سقوط أخير في متوالية الارتهان والعمالة وخسارة مستحقة في متتالية الخسران والهزيمة.
في خطابه الأخير تحدث السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي عن أثر فعل الإسناد اليمني البحري العظيم ومستجدات هذا الأثر، حيث صار «الأمريكي في غاية الانزعاج من عملياتنا البحرية؛ لأنه فشل في تأمين الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي في البحر الأحمر. الأمريكي منزعج من فشله في البحر لأنه يؤثر على سمعته ونفوذه وغطرسته وسيطرته. ومع انزعاجه يسعى الأمريكي إلى إيقاف العمليات البحرية من خلال عدوانه المستمر. ينفِّذ كل أسبوع عدداً من الغارات، ويواصل ضغوطه السياسية والاقتصادية على بلدنا. يحاول باستمرار أن يورِّط الآخرين، ولاسيما التحالف السعودي الإماراتي، في التصعيد من جديد، في خدمة واضحة للعدو الإسرائيلي. السعودي وغيره يعرفون أن تورطهم في اليمن واشتراكهم مع الأمريكي في معركة مباشرة لإسناد العدو الإسرائيلي سيكون مخزياً لهم وعاراً عليهم وسيكلفهم الخسائر الرهيبة دون تحقيق الأهداف».
قبل أشهر نشرت مجلة «ناشيونال ريفيو» الأمريكية تقريراً تحت عنوان «سياسة الردع التي ينتهجها بايدن في البحر الأحمر فشلت»، تحدّثت فيه بإسهاب عن تداعيات الفعل البحري اليمني وتأثيرات ذلك على هيمنة أمريكا على الملاحة البحرية، معتبرة أن ما يشهده مضيق باب المندب يشكّل كارثة أكبر بكثير من مجرد إحراق ناقلة النفط؛ لأنه مؤشر إلى أن زمن التفوق الأمريكي والهيمنة على خطوط الإمداد البحري ينتهي، علماً أن ذلك التفوق هو ما ضمِن للولايات المتحدة الرخاء لمدة 200 عام.
وفي لقاء له مع وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، يقول رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هيرتسوغ: «نحن في حرب مع إمبراطورية شريرة تمنع طرق التجارة التي أنشأتها الإمبراطورية البريطانية منذ مئات السنين كجزء من النظام العالمي».
لقد صدق المجرم هرتسوغ وهو كذوب. فمعركة اليمنيين اليوم في إسناد غزة تنسف نظامكم وتخسف بإمبراطوريتكم وتعصف بصهيونيتكم وتقصف كيانكم وتنظف البحر من قذارتكم والبر من سوءاتكم.
يعلق الصحفي السويدي مالكوم كييوني على الأمر بالقول: «الاعتراف بعجزنا في البحر الأحمر هو الاعتراف بأن عصر الهيمنة الغربية قد انتهى بالفعل، وفي ظل قلة الخيارات سنستمر في السماح للحوثيين بتفجير سفننا ثم نتظاهر بأن الأمر لا يهم».
أخيراً، فمن المرويات الميثولوجية عن البحر الأحمر أن سفن هذا البحر لم تكن تصنع بالطريقة العادية نفسها التي تصنع منها باقي السفن في البحار الأخرى؛ إذ لا تدخل المسامير الحديدية في صناعتها، بينما يتم ربط الألواح الخشبية للسفينة بنوع من الحبال ثم يتم طلاؤها بالقار؛ والسبب «وجود صخور مغنطيسية في البحر تقوم بجذب الحديد إليها».
إن أسطورة الجبال أو الصخور المغناطيسية الموجودة في قاع البحر الأحمر التي تقوم بجذب السفن التي يدخل الحديد والمسامير في صناعتها، والتي تلقفها بعض الجغرافيين والمؤرخين المسلمين كالمسعودي والإدريسي وابن جبير وابن بطوطة والقزويني والنويري وغيرهم وترددت لدى المصادر اللاتينية كما عند ماركو بولو والمصادر العبرية كما لدى الحاخام عوباديا في القرن الخامس عشر الميلادي، تعود للقرون الأولى، وقد حاول البعض معالجة تلك الأسطورة والتطرق إلى أصولها، ومن ذلك ما فعله ألبرت حوراني الذي افترض أن الكاتب الهندي القديم بهوجا (Bhoja) هو أول من تناول الصخور المغناطيسية في كتاباته باللغة السنسكريتية.
وبعيداً عن كل ما سبق فهاهي جبال المغناطيس يعود بها من جديد مجاهدو القوات المسلحة اليمنية إلى البحر الأحمر جاذبةً العالم الصهيوني الإمبريالي الاستيطاني إلى قاع جهنم، وفي القاع سقر.