«الصيّاد» في غرفة نوم نتنياهو.. والميركافا في مصيدة الرضوان.. الجزء الأول
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
مجدداً.. دحر «الشرق الأوسط الصهيوني»
في حرب تموز 2006، أراد المشروع الأمريكي «الإسرائيلي» أن يعيد تشكيل «الشرق الأوسط» من البوابة اللبنانية، وكانت النتيجة معاكسة تماماً، وتحوّل حزب الله إلى لاعب إقليمي بارز، والحرب التي يخوضها الحزب الآن لا تتعلّق بمصيره ككتلة مقاومة ووجوده الاجتماعي والسياسي فقط، وإنما بمستقبل منطقة غرب آسيا بأكملها، وهو الآن يخوض المواجهة المباشرة دفاعاً عن لبنان وسورية والعراق وإيران واليمن، وقبل كلّ ذلك دفاعاً عن استقلال شعوب منطقة غرب آسيا، من بوابة فلسطين. انتصار حزب الله في هذه الحرب سيعني ولادة مشرق جديد، بعربه وتُركه وكُرده وفُرسه، بديلاً من «الشرق الأوسط» الذي أفشله في المرة الأولى عام 2006 وسيُسقطه من جديد في هذه الحرب.
الصدمة
ما تعرض له حزب الله في أسابيع قليلة لم يتعرض له حزب أو حركة مقاومة أو حركة تحرر من قبل، بل ولو كان بعض ما تعرض له قد تعرضت له دول بكل إمكانياتها لانهارت، ولنا في نكسة حزيران/ يونيو 1967 خير مثال.
«انطلقت الحرب الشاملة للعدو ضد لبنان وفق برنامج أولي استند إلى عمل استخباراتي وتقني هائل، قبل أن تنتقل إلى المرحلة التالية من خلال العمليات البرية التي لا تفتقر أيضاً للتقنيات، لكنها تحتاج إلى البشر قبل كل شيء»، بحسب إبراهيم الأمين، رئيس تحرير «الأخبار» اللبنانية، والذي يصور البداية الصادمة بدقة، حيث «بدأ العدو حربه بضربات قاسية تستند إلى برنامج عمل الاستخبارات الفعّالة. وأظهرت الأحداث أن معلوماته كانت دقيقة جداً حول تفاصيل حسّاسة تخص المقاومة وآلية عملها وحركة قادتها».
خلال فترة وجيزة، تمكن الاحتلال من اغتيال قادة من الصف الأول للحزب، وربما أهم الشخصيات الموجودة في هرم القيادة، قبيل أن يبدأ بشن عمليته البرية.
وعن ذلك، يقول الخبير العسكري اللواء الركن المتقاعد ماجد القيسي لموقع «عربي 21» إن «حزب الله تأثر بشكل كبير نتيجة تعرضه لضربات قوية طالت أهم مراكز ثقله، المتمثلة بقياداته، من الأمين العام إلى قادة الصفين الأول والثاني، وهذا بدوره أدى إلى تضرر منظومة القيادة والسيطرة، التي تعتبر أهم عناصر مراكز الثقل في بنية الحزب بشكل كبير».
وهم «الشرق الأوسط الإسرائيلي»
عطفاً على الصورة الممزعة ظاهرياً والموضحة أعلاه، «عمّت إسرائيل موجة من الفرح والاحتفال، وهذا أمر طبيعي. الأمر الذي لا أفهمه هو كيف خرج ساسة من جميع الأحزاب، ومحللون عسكريون كبار، وجنرالات متقاعدون، والعديد من الشخصيات الأُخرى، ليقولوا بصوت عالٍ: ها قد بدأت حقبة جديدة في الشرق الأوسط، ها قد أصبح الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل، فجأة، قوة مؤثرة وحاسمة في العمليات في الشرق الأوسط»، «إن حزب الله في طريقه إلى الهزيمة - بعد أن تم شلّه»؛ بل إنهم قالوا إن «النصر التام يبدو قابلاً للتحقق، وعلينا مواصلة العمل بكل طاقتنا من أجل هزيمة حزب الله وحماس بصورة نهائية، وإضعاف إيران، وتحييد سيطرتها على التنظيمات الدائرة في فلكها»، وفقاً لمقال الجنرال الصهيوني المتقاعد اسحق بريك في صحيفة «معاريف» العبرية.
الاستنزاف اللاتماثلي
وبناءً على الصورة ذاتها أعلاه، طرح الأمريكيون و»الإسرائيليون»، ساحبين خلفهم أدواتهم اللبنانية والعربية أيضاً، مقاربة لما بعد مرحلة حزب الله، يقيناً بنجاعة استراتيجية الاستنزاف «الإسرائيلية» والتي تقوم افتراضاً على تبديل الأدوار بين الأطراف في الحرب اللاتماثلية؛ فعوضاً عن أن يستنزف الفاعل اللانظامي الأضعف قدرات الطرف النظامي الأقوى، عبر استهداف نقاط القوة بما تيسر له من السبل اللا تقليدية، يعمد الطرف الأقوى، وهو «إسرائيل»، إلى استنزاف العنصر البشري والقيادي من أجل خلق صدمات عنيفة تفقد الخصم توازنه وقدرته على المبادرة، وإحداث شلل في منظومة اتخاذ القرار، بالإضافة إلى استنزاف القدرات التسليحية المحدودة بالتزامن مع قطع خطوط الإمداد، وذلك وفقاً لمديات زمنية مطولة لم تكن في حسبان الفاعل اللانظامي، أي حزب الله وكذلك حماس، تزامناً مع مساعٍ مباشرة وناعمة لإحداث شرخ بين المقاومة وعمقها الجماهيري، سواء عبر الإرهاب المتمثل باستهداف المدنيين وتدمير الممتلكات أو عبر تكثيف زخم السيولة الإعلامية والمعلوماتية للضغط على العقل الجمعي وإضعاف المناعة النفسية لبيئة المقاومة.
جدلية الاختراق
ثمة جدلية خاطئة خاض بها الكثيرون الحرب الصهيونية ضد لبنان - بقصد أو بدون، وتُظهر المقاومة -بحسب الكاتب السوري ورد كاسوحة- «ليس كمشلولة فقط، بل كمُخترَقة، في وقت بدا فيه الأمر أقرَبَ إلى اختراق سلاسل التوريد والعبث بها منه إلى التفوّق التكنولوجي الذي جرى الترويج له عقب حصول مجزرة البيجر. الخلط بين الأمرين، أو عدم اتضاح الفارق بين الحرب السيبرانية ونظيرتها الاقتصادية (لأنّ ما جرى هو بمنزلة تفكيك جزئي لسلاسل التوريد بغرض جعل الشحنة التي وصلت إلى الخصم عديمة القيمة من حيث قدرتها على الحماية من الحرب الإلكترونية) أظهرَ المقاومة في صورة أضعَف مما عليه في الحقيقة».
وعليه فإن «الاختراق الذي حصَلَ بهذا المعنى لم يكن فارقاً كما أُشيع في السردية الصهيونية؛ لأنّ معيار النجاح في الاختراق من عدمه هو في القدرة على شلّ الأعمال القتالية التي هي غاية الغايات بالنسبة إلى هذا النوع من الحرب، وليس بنية الاتصالات».
أوهن من بيت العنكبوت
وبمثل ما كان شعار «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت» أبرز ما أبدعه أمين عام حزب الله، سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله، غداة تحرير جنوب لبنان عام 2000، بحيث شكّل رأس حربة الحرب النفسية لزعزعة ثقة المستوطنين بقدرة الكيان على البقاء، وقدرة جيشه على حمايتهم، كان الهدف معاكساً بزعزعة الثقة بقدرة المقاومة عبر إصابتها بالحزمة القاتلة التي وجّهها الكيان بمعونة أمريكية وغربية لحزب الله، وانتهت باغتيال الأمين العام وعدد كبير من قيادات المقاومة الكبار والميدانيين، وإصابة بنيته وبيئته بخسائر كبرى عبر ضربات أجهزة المناداة وأجهزة الاتصال والغارات التي استهدفت الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، للقول: أنتم أوهن من بيت العنكبوت، وليس الكيان!
الأكيد أن قيادة الكيان نجحت خلال أسبوعين باستعادة ثقة مستوطنيها بقوة جيش الاحتلال وأجهزة مخابراته، والتعافي المؤقت من لعنة «أوهن من بيت العنكبوت»، بينما اهتزّت ثقة الكثيرين من مؤيدي المقاومة وبيئتها بقدرتها على الوفاء بما وعدتهم به من قدرات وقوة، ولولا هذا التحوّل المزدوج لما تجرأ الكيان على التفكير بعملية برية كان يُحجم عنها دائماً لخشيته من الفشل.
لكن منذ مطلع هذا الشهر، والأحداث المتلاحقة تفعل باتجاه معاكس تماماً، فالضربة الإيرانية أصابت الكيان إصابات قاتلة، أظهرت هشاشة منظومته الدفاعية وعجزه الاستخباري، بينما تكفلت أيام الحرب البرية الممتدة منذ أول الشهر بإظهار قوة المقاومة واقتدارها، بحيث إنها نهضت من أضخم ضربة يمكن لها أن تقضي على دول وجيوش، وأظهرت بسالةً وقوةً وتنظيماً واقتداراً، لا يلبث أن يفاجئ بما يقدّمه الميدان من وقائع تفوّق المقاومة على جيش الاحتلال، بما أعاد الثقة لجمهور المقاومة ومؤيديها وبيئتها بأنها عند وعودها، بل إنها أهلٌ لثقتهم، لما يقوله نهوضها السريع والمبهر والمذهل رغم قسوة ما تعرّضت له، ويقابل ذلك تراجع درجة الثقة داخل الكيان بقدرة جيش الاحتلال على صناعة الانتصار على هذه المقاومة، لما أظهرته رغم كل الضربات القاسية التي تلقتها، لتعاود عبارة «أوهن من بيت العنكبوت» حضورها مجدداً في كوابيس العقل الجمعي الصهيوني الواهم والواهن.
انبعاث الفينيق
أيام قليلة ما بعد صدمة الاغتيالات باشرت أجهزة حزب الله عملية تدقيق واسعة ودقيقة، وهي عملية مستمرة حتى اللحظة، وهدفها ليس معرفة مصادر العدو فقط، أو التمييز بين البشري منها والتقني، بل أيضاً معرفة آلية عمل العدو، بما يعطّل ما تبقّى في برنامج عدوانه القائم على أساس استخباراتي. وقد قطعت المقاومة شوطاً كبيراً في التحقيقات، ما مكّنها من الحصول على إجابات حول أسئلة شديدة التعقيد. لكنّ أحداً لا يعرف هذه النتائج، وسيكون من الصعب توقع إعلانها في وقت قريب، بحسب «الأخبار» اللبنانية.
عوامل وأسباب عدة وراء ثبات حزب الله ورجاله واستعادة زمام المبادرة، منها -كما يقول أسعد أبو خليل- أن عناصر المقاومة «يتمتّعون بميّزات تمنع انهياره:
- قيادة نصر الله، وهذا العامل لن يختفي بغيابه. سيبقى نصر الله ماثلاً أمام العناصر مُرشِداً وهادياً. كما أنّ الرغبة في الانتقام له ستزيد عزيمة المقاتلين وشكيمتهم (والانتقام لنصر الله سيكون مساراً طويلاً قد يطال في تشعّباته دولاً مختلفة).
- عنصر العقيدة الدينيّة - السياسيّة. لم يكن عنصر العقيدة قويّاً عند أحزاب الحركة الوطنيّة، وقراءة كتاب «18 برومير» لماركس لم يكن يشكّل عقيدة للأحزاب والفصائل الشيوعية. عقيدة «حزب الله» تصل السياسي بالديني والعسكري وتقلّل من عنصر الخوف، وهذا العنصر هو إنساني وطبيعي.
- يعلم الحزب أنه لا يمكن أن يتراخى أو أن يهن؛ لأن أعداءه (أمريكا و»إسرائيل» وحلفاء التطبيع) سينقضّون على لبنان لبناء نظام إسرائيلي».
القادة الجدد
خلال مؤتمر صحفي في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية لبيروت، أكّد مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله، محمد عفيف، أن «منظومة الإمرة والسيطرة في المقاومة تعمل على أكفأ وجه، وخطوط الدعم العسكري واللوجستي عادت إلى ما كانت عليه، ويوجد من المقاتلين الأكفاء أعداد تفوق حاجة الجبهة وطبيعة المناورة القتالية في الميدان».
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، عن مسؤول «إسرائيلي»، قوله إن حزب الله أعاد تعزيز صفوف قيادته بعناصر كانت أسماؤهم غير معروفة سابقاً لـ»إسرائيل»، ما أتاح له مواصلة القتال رغم الخسائر الكبيرة التي تكبدها.
وقال المسؤول «الإسرائيلي» بأن القادة الجدد كانوا في السابق قادة من مستوى أدنى؛ ما ساهم في قدرة حزب الله على تنفيذ عمليات عسكرية رغم الضغوطات المتزايدة.
إعادة إنتاج المنظومة
يعيد البعض أسباب النهوض المتسارع والمتصاعد لقوة حزب الله إلى تفتت القيادة وظهور ما يسمى «لامركزية القرار الميداني»، وهو ما منح المقاومة تكتيكاً يعتمد على نشاط مجموعات منعزلة لا يعرف بعضها بعضا، لكنها تعمل وفق تعليمات قيادة محلية صغيرة أو وفقاً للتوجه الشخصي وغلبة العواطف على المقاتلين لا يلتزم بتوازن الردع العسكري والسياسي.
ورغم الضربات الموجعة التي تلقاها الحزب، فهناك مجموعة من المؤشرات التي تدعم فرضية تماسكه وقدرته على إعادة إنتاج منظومة القيادة والتحكم، وهي:
- الأداء الميداني الكفؤ والممنهج لتشكيلاته القتالية، ما يعني أن الحزب استطاع سريعاً ردم فجوة القيادة لديه، والتكيف مع تطورات المعركة. فإلى الآن ما زال الجيش «الإسرائيلي» يناور على الحافة الأمامية للحدود من دون أن يحقق أي توغل فعلي في العمق.
- من الواضح أن المقاومة استعادت زمام المبادرة في الميدان؛ فصواريخها باتت تتوزع على قوس ناري أكثر عمقاً وزخماً، ما تسبب في إلحاق الأذى في الأصول المادية العسكرية والمدنية، وأفقد المستوطنين أي ضمانة أمنية للمكوث في منطقة الشمال.
- الاستدراك الجزئي للثغرة الأمنية البنيوية، وخلق ديناميات تواصل وتنسيق أقل خطورة وانكشافاً، يدلل على ذلك الفشل في استهداف بعض قيادات المستوى العسكري إلى الآن، والتي يعدها «الإسرائيلي» مسؤولة عن إدارة الدفة العسكرية حالياً.
- ثنائية الخطاب والميدان، أو تناسق الرؤية السياسية مع الأداء العسكري، الذي تجلى في خطاب نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، وما تلاه من ترجمة ميدانية مباشرة تؤكد تماسك الجسم القيادي للحزب.
- الشرعية الصلبة التي تسبغها الحاضنة الاجتماعية على الفعل المقاوم، حتى في خضم دفعها للأثمان الباهظة، نتيجة لتمسكها بهذا الخيار، إن لناحية التضحية بالأنفس والمصالح الاقتصادية أو ما تتكبده من عناء النزوح واللااستقرار الاجتماعي، وذلك رغم استهدافها بشتى أنواع القوة، بغية التفكيك بينها وبين المقاومة.
سحب الثقة
جاءت المعادلات النارية التي رسمتها المقاومة عبر صواريخها واستهداف طائراتها المسيّرة لتقول إن المقاومة لا تزال تملك بنك أهداف دسماً وقدرات استخبارية وازنة ومؤثرة، بما طرح الكثير من الأسئلة حول أهليّة جيش الاحتلال وقدرته على إقامة التوازن في وجهها، ما استنفد بنك أهدافه ومظاهر تفوقه الاستخباري، وبدا أنه يذهب -كما في غزة- إلى تدمير المساكن وقتل المدنيين.
كما تتفوّق المقاومة اليوم في معركة الثقة، التي يخسرها الكيان، فيخسر ثقة مستوطنيه بعدما فاز بها لأيام، لترتفع الأسئلة مجدداً عن قدرة جيش الاحتلال على ضمان أمن الكيان، بينما تزداد ثقة بيئة المقاومة والبيئة اللبنانية والعربية في أنها قوة استثنائية تصعب هزيمتها.
بنيامين.. بنيامينا
«بما تبقَّى من قواته، يستطيع حزب الله جرَّنا إلى حرب استنزاف دموية ومؤلمة؛ فبرغم الضربات التي تلقّاها خلال الآونة الأخيرة، أثبت الحزب قدرته على التعافي، وما برح يحتفظ بلا مركزية انتشار عناصره المسلحة في الجنوب اللبناني، ليقطع على إسرائيل، ولو لفترة، أمل عودة المستوطنين إلى منازلهم المحاذية لخطّ التماس مع لبنان». هذه عبارات تلغرافية، صاغ بها رئيس غرفة عمليات الجيش الصهيوني الأسبق، الجنرال احتياط يسرائيل زيف، تقديراً للموقف، بعد هجوم إحدى مسيَّرات حزب الله على قاعدة عسكرية «إسرائيلية» تابعة لوحدة «غولاني» جنوب مدينة حيفا، ما أودى بحياة 4 جنود، وإصابة 51 آخرين، قُدِّرت حالات 5 منهم بالخطيرة.
الذي جرى في قاعدة «بنيامينا» الصهيونية وما تبعه من تصاعد كمي وكيفي لعمليات المقاومة الإسلامية في لبنان يمكن تصنيفه بكسر قواعد اللعبة مع العدو، وهو يشير إلى الخروج من مرحلة التقاط الأنفاس والدخول إلى مرحلة الإيلام، كما توعد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم: «قررنا معادلة جديدة اسمها معادلة إيلام العدو». قاسم تعهد أيضاً بل وبشر بـ»أننا من سيمسك رسن العدو ويعيده إلى الحظيرة». وكان الظن أن الإيلام وصل ذروته بتلك العملية؛ غير أن المفاجآت تستمر في صفع الصهاينة ليلاً ونهاراً.
عند سرير نتنياهو
وكان أن أعلن محمد عفيف مسؤولية الحزب «الكاملة والتامة والحصرية» عن استهداف منزل رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، متوعّداً إياه بالقول: «إن عيون مجاهدي المقاومة ترى وآذانهم تسمع، فإن لم تصل إليك أيدينا في هذه المرّة، فإنّ بيننا وبينك الأيام والليالي والميدان».
وسجلت حالة من الرعب في الأوساط «الإسرائيلية» في أعقاب استهداف منزل نتنياهو؛ إذ أكد ديوان رئيس الوزراء «الإسرائيلي» أن طائرة مسيّرة أطلقت من لبنان أصابت بشكل مباشر منزل نتنياهو في قيساريا جنوب حيفا.
واعتبرت مصادر عسكرية «إسرائيلية» أن وصول مسيّرة حزب الله إلى مكان يعيش فيه رئيس الوزراء يعد فشلاً ذريعاً لأجهزة الأمن.
وفي بيان، أكدت غرفة عمليات المقاومة الإسلامية أنها قررت «تأديب العدو وإظهار بعض قدراتها في أي وقت أو أي مكان تريده».
وقالت وسائل إعلام لبنانية إن هذه العمليات تكشف عن «إحاطة استخبارية متقدمة وتطور هائل للمعدات التي استخدمها حزب الله، وعن احتراف في التكتيك العسكري»، خصوصاً أنها جاءت بعد تصريحات متكررة لوزير الدفاع «الإسرائيلي»، يوآف غالانت، أكد فيها أنه نجح في القضاء على معظم قدرات حزب الله الصاروخية وتلك المتعلقة بالمسيّرات.
ونقلت إذاعة جيش العدو عن مصدر في الشاباك، أنه تمّ تكثيف إجراءات الحراسة حول كبار الشخصيات بعد استهداف منزل بنيامين نتنياهو. وفي الوقت الذي انشغلت فيه «إسرائيل» بتتبّع مُسيّرات حزب الله، أظهرت صور سمحت الرقابة العسكرية «الإسرائيلية» بنشرها لمنزل نتنياهو تضرر نافذة غرفة نوم أصابتها واحدة من ثلاث مُسيّرات أطلقها حزب الله واستهدفته السبت الماضي.
ونشرت «القناة الـ12» العبرية صورتين لنافذة متضررة في منزل نتنياهو في قيساريا، وقالت إن «إحدى المُسيّرات التي أطلقها (حزب الله) أصابت بشكل مباشر منزل رئيس الوزراء الخاص وألحقت به أضراراً خارجية». وأوضحت أن المُسيّرة «أصابت نافذة غرفة نوم في منزل نتنياهو، ولم تخترق المنزل بسبب التحصينات، وتسببت بأضرار خارجية فقط».
وأشارت إلى أن تحليل الصور كشف أن المُسيّرة تشبه تلك التي ضربت قاعدة التجنيد التابعة للواء غولاني وقتلت أربعة جنود وأصابت العشرات، «وبسبب هيكلها وطيرانها على ارتفاعات عالية، يصعب اكتشافها واعتراضها». وتعليقاً على الخبر، قالت «يديعوت أحرونوت»، إن جيران نتنياهو يخشون من البقاء قرب منزله بسبب إمكانية تكرار الهجوم مستقبلاً. وتحدثت عن أنه سيغيّر أماكن إقامته بعد الهجوم على منزله في قيساريا.
أنين صفعة عاصفة
عند تحليل تباين الخطاب العسكري «الإسرائيلي» قبل عملية قاعدة غولاني وبعدها، يلاحظ أنه قبلها اشتعلت نشوة الانتصار «الإسرائيلية»، وأعلن وزير الحرب، يوآف غالانت، خلال جلسة وزارية، أنه «لم يبقَ لدى حزب الله سوى أقل من ثلث صواريخه وقذائفه». وأمام حشد من قوات الاحتياط، أردف غالانت، وهو يشير إلى الجنوب اللبناني: «لن نسمح لحزب الله بالعودة إلى القرى».
وفي تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي (X)، نقلتها صحيفة «معاريف»، اعتبر غالانت «قصف بيروت واغتيال نصر الله بمثابة تصفية حسابات شخصية مع حزب الله»؛ وعاد بذاكرته إلى أيلول/ سبتمبر 1997، وبلدة الأنصارية، والكمين الذي نصبه حزب الله حينها لأصدقائه، وأودى بحياة 12 جندياً تحت قيادة المقدّم يوسي كوركين.
بعد عملية حيفا، استحالت النشوة «الإسرائيلية» إلى أنين صفعة عاصفة، نعتها وزير الحرب ذاته بعد زيارة مقر قاعدة غولاني، بأنها «ضربة موجعة، تنطوي على نتائج مؤلمة، ينبغي التحقيق فيها، ودراسة حيثياتها، واستيعاب دروسها سريعاً».
وبالمثل عندما نجا رئيس حكومة العدو من محاولة اغتياله بمُسيّرة فشل جيشه في اكتشافها أو اعتراضها لم يكن لدى بنيامين نتنياهو، وكل فريقه السياسي والأمني، سوى التصرف باستعلاء، انطلاقاً من فكرة أنهم يستغربون أن يفكر أحد، أي أحد في هذا العالم، بأن يمس رأس السلطة في «إسرائيل». وحتى عندما حاول «بيبي» إظهار قوته بشريط دعائي قصير، تصرّف بناءً على قناعته بأنه لا يُمسّ، قبل أن يقول لنا إن من يفكر، فقط يفكر، بالوصول إليه، سيدفع الثمن غالياً.
الصيّاد 107
يستشرف الخبير «الإسرائيلي» رون بن يشاي، ما يمكن وصفه بـ»مستقبل عسكري قاتم» في الصراع «الإسرائيلي» المسلّح مع حزب الله، ويعزوه إلى منظومات الأسلحة «الإيرانية» التي يمتلكها الحزب، لاسيما المسيَّرة الانتحارية «الصيّاد 107»، التي استهدفت جنود قاعدة غولاني ومنزل نتنياهو.
ووفقاً لتقريره المنشور بصحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، يرى الخبير العسكري «الإسرائيلي» المخضرم أن المسيَّرة التي يدور الحديث عنها تعتلي قائمة أفضل الوسائل القتالية لدى حزب الله، لما لها من إمكانات تفرض تحدياً كبيراً عند محاولة إسقاطها، فارتفاعها واتجاهها يتغيران بشكل متكرر، وهو ما يحول دون اكتشافها بالوسائل البصرية، ويبعدها عن شاشات الرادار بدرجة كبيرة، خلافاً لمسيَّرات أخرى مصنوعة من المعدن.
وفيما تعتمد «إسرائيل» في ملاحتها العسكرية على مسارات الأقمار الاصطناعية الأمريكية، يرى بن يشاي أن مسيَّرات حزب الله المتفجرة، خاصةً «الصيّاد 107»، مزودة بآليات ملاحية مستقلة، بالإضافة إلى الملاحة عبر مسارات الأقمار الصناعية الصينية والروسية، التي تمكِّنها من مواصلة مسارها، وضرب هدفها بدقة، حتى لو كان هناك تشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) بمختلف أنواعه. ويعترف الخبير «الإسرائيلي»: «تحاول مؤسسات الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، منذ بداية المواجهة مع حزب الله على الأقل، توفير آلية يمكن من خلالها كشف واعتراض مسيَّرات حزب الله؛ لكنها تنتظر تفعيل برنامج الاعتراض بأشعة الليزر من الأرض أو الطائرات؛ لكن تلك الآلية لن تدخل الخدمة قبل منتصف العام القادم 2025».
حتى حينه، كما يقول بن يشاي، لا يمكن أبداً التعويل في تحييد مسيَّرات حزب الله على منظومات «إسرائيل» الدفاعية، خاصةً «القبة الحديدية»، و»مقلاع داوود»، و»سهم 3»؛ وحتى مع استخدام برنامج الليزر، تحلق المسيَّرات بمستوى منخفض جداً من سطح الأرض، وتتخفَّى بين التلال والجبال، لتفويت إمكانية رصدها بأي طريقة.
ولا يقتصر افتراض التحديات العسكرية المستقبلية التي تواجهها «إسرائيل» على أنواع معيّنة من أسلحة حزب الله، وإنما تشمل آليات قتاليةً أخرى، لا ينكر الجيش «الإسرائيلي» نفسه قدراتها العسكرية والاستراتيجية، ويدّعي تمكّن الحزب من بنائها وإخفائها في عمق قرى جنوب لبنان على مدى عقود عدة؛ وتأتي في طليعتها بطبيعة الحال المسيَّرات التكتيكية من طراز «الصيّاد 107»، وهي، وفقاً لتعريف الجيش «الإسرائيلي»، إحدى أهم الآليات المتطورة في جمع المعلومات الاستخباراتية، فضلاً عن قدراتها الهجومية.
يبلغ مدى «الصيّاد 107»، 100 كيلومتر تقريباً، ويتراوح طول جناحها ما بين 1.5 أمتار ومترين؛ وتسلل هذا النوع من المسيَّرات إلى المجال «الإسرائيلي» عشرات المرات على مدى سنوات المواجهة، وخلَّف وراءه أضراراً جسيمةً في المواقع والمنشآت العسكرية «الإسرائيلية». وإلى جانب مسؤولية «الصيّاد 107» عن عملية قاعدة «غولاني» الأخيرة في حيفا، لم تغب مسؤولية الطراز ذاته أيضاً عن إصابة وتدمير إحدى المنشآت العسكرية في مدينة نهاريا في 9 أيلول/ سبتمبر الماضي، فضلاً عن مواقع حيوية «إسرائيلية» أخرى.
المصدر «لا» 21 السياسي