«لا» 21 السياسي -
لمعرفة سر الإنجازات/ الجرائم «الإسرائيلية» في بلد مكشوف سياسياً وأمنياً واقتصادياً ومالياً مثل لبنان، يلزمنا العودة إلى نهاية حرب تموز/ يوليو 2006 وبدء عملية إعادة بناء الضاحية الجنوبية وكل قرى الجنوب والبقاع، التي تُمثل بمعظمها البيئة الحاضنة للمقاومة، ليتبين أن هناك سبعة أسباب وراء الإنجاز «الإسرائيلي»، كلها مرتبطة بجمع «داتا» واسعة حول الضاحية وبقية مناطق نفوذ المقاومة، وهي على الشكل الآتي:

«الداتا» الهندسية:
لا داعي للتذكير بأن الطيران «الإسرائيلي» الاستطلاعي على أنواعه، ولاسيما المُسيّرات، لم يغب عن سماء لبنان طوال فترة ثمانية عشر عاماً منذ انتهاء حرب 2006، وبلغت الطلعات الجوية في الأجواء اللبنانية أكثر من 35 ألف طلعة بين طيران مُسيّر وطيران حربي. هذه الطلعات كان هدفها الأساس جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات الهندسية لعملية إعادة بناء الضاحية وتشكيل صورة ثلاثية الأبعاد حول الأماكن الحسّاسة في الضاحية، فالطيران كان يأخذ صوراً تفصيلية لعملية الحفر والبناء في كل الضاحية ويراكم تلك المعلومات ويُحلّلها طوال تلك الفترة، وهي بطبيعة الحال معلومات يُريد من خلالها التعرف على معظم بنية المقاومة فوق أرض الضاحية الجنوبية وتحتها.

«الداتا» المرئية:
وهي قسمان: الأول والأهم هو كاميرات المراقبة التي انتشرت كالفطر في كل شوارع وأزقة الضاحية الجنوبية بعد عملية إعادة البناء، وربط تلك الكاميرات بشبكة الانترنت (انترنت، مودم، راوتر... وغيرها، وكلها عمل عليها «الإسرائيلي» وغيره في السنوات الأخيرة حسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية)، ما سهل على «الإسرائيلي» اختراقها وجمع كمية هائلة من المعلومات عن كل إنسان يتحرك في الضاحية الجنوبية. أما القسم الثاني فهو شبكة الجواسيس على الأرض بالتأكيد، ولاسيما غداة الانهيار المالي والنقدي في خريف العام 2019.

«الداتا» الصوتية:
بطبيعة الحال اخترق «الإسرائيلي» شبكات الاتصال الأرضية والخلوية في لبنان، وهي مهمة سهلة، ومن خلال هذا الاختراق أيضاً تمكن من جمع معلومات قيمة جداً عن حركة المقاومة وبيئتها. كما تمكن من جمع البصمات الصوتية للكثير من قادة المقاومة وكوادرها.
«الداتا» المعلوماتية:
لقد سبق أن حذر كثيرون من أن جهات أجنبية -وبتسميات مختلفة- بادرت إلى الحصول -مجاناً أو بالمال، وبعناوين مختلفة- على «داتا» ضخمة تخص كل لبناني ولبنانية، وآخرها فضيحة منصة(impact) في العام 2023، وقبلها فضيحة برنامج الأمم المتحدة في وزارة المالية (2017).

التكنولوجيا الغربية:
ليس خافياً على أحد أن الولايات المتحدة وحلفاءها، وخصوصاً بريطانيا، وضعوا كل إمكانياتهم التجسسية تحت تصرف «إسرائيل»، وهي تمتد من قاعدة التجسس البريطانية في قبرص إلى قاعدة إنجرليك الأمريكية في تركيا، وغيرهما من القواعد الأمريكية في سورية والعراق وبعض دول الخليج، إضافة إلى الأقمار الصناعية التي ترصد أنفاس كل خصوم «إسرائيل» في المنطقة، ويندرج في السياق نفسه برنامج التجسس «الإسرائيلي» على الهواتف الخلوية المعروف باسم «بيغاسوس».

العلاقة مع أجهزة مخابراتية عربية:
صحيح أن العلاقة بين «الموساد» وبعض أجهزة المخابرات العربية هي علاقة غير مقيدة بتاريخ محدد، إذ إن بعض تلك الأجهزة العربية تتعاون مع «الإسرائيليين» منذ نشوء تلك «الدول العبرية»؛ غير أن هذه الظاهرة نشطت وتوسعت غداة حرب تموز/ يوليو 2006، من خلال الاجتماعات الدورية لقادة أجهزة مخابراتية عربية بحضور قيادة «الموساد». وزادت وتيرة التنسيق وتبادل المعلومات مع اندلاع الحرب على سورية لتضم دولاً جديدة في ظل مرحلة التطبيع التي انطلقت لاحقاً في سياق ما تسمى «المعاهدات الإبراهيمية».

الحرب السورية:
إن مشاركة حزب الله في الحرب السورية شكّلت فرصة ذهبية لـ»الإسرائيلي» لجمع معلومات عن كوادر الحزب من مستوى قادة إلى مستوى كادر وسطي وأحياناً إلى مستوى مقاتل، وهذا يعني أن أكثر من 80٪ من جسم الحزب المقاتل الذي شارك في الحرب السورية كان منكشفاً، وزاد الطين بلة الاعتماد على الهواتف الخلوية والظهور في الـ»سوشيل ميديا».

 ماهــر أبـــي نـــادر 
كاتب وصحفي -  «180 بوست»