«لا» 21 السياسي -
يروي الشاعر المصري الراحل أحمد فؤاد نجم أنه حين كان مسجوناً في آخر عهد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر أتت أمه لزيارته وكانت تبكي لموت ناصر، فتعجب لبكائها سجانه، وسألها عن السبب، فقالت له: «عمود الخيمة وقع يا حمار»، وكتب الفاجومي من بعدها راثياً عبدالناصر بقصيدة «زيارة إلى ضريح عبدالناصر»:
السكة مفروشة تيجان الفل والنرجس
والقبة صهوة فرس عليها الخضر بيبرجس
والمشربية عرايس بتبكي والبكا مشروع
من دا اللي نايم وساكت والسكات مسموع
سيدنا الحسين؟
ولا صلاح الدين ولا النبي!
ولا الإمام؟
دستور يا حراس المقام
ولا الكلام بالشكل دا ممنوع!
على العموم
أنا مش ضليع في علوم الانضباط
أبويا كان مسلم صحيح
وكان غبي
وكان يصلي ع النبي
عند الغضب والانبساط
أبويا كان فلاح تعيس
في ليلة ظلمة خلفوه
وف خرقة سودا لفلفوه
وف عيشة غبرا طلعوه
وعشة مايلة سكنوه
ولصموه
وطلسموه
ودجنوه
وجهزوه
وجوزوه على عماه
فكان محير في هواه
ما بين أمي والجاموسة
وكان يخاف يقتل ناموسة
وكان خجول خجول
خجول
وكان دايما يقول:
أستغفر الله العظيم، من باب الاحتياط
أبويا طلعتوه حمار
فكان طبيعي يجيبني جحش
لا اعرف نبي من أجنبي
ولا مين ما جاش ولا مين ما رحش
موسى نبي
عيسى نبي
محمد نبي
ويا قلبي صلي ع النبي
وكل وقت وله أدان
وكل عصر وله نبي
واحنا نبينا كده
من ضلعنا نابت
لا من سماهم وقع
ولا من مرة شابت
ولا انخسف له القمر
ولا النجوم غابت
أبوه صعيدي وفهم
قام طلعه ضابط
ضبط على قدنا وع المزاج ضابط
فاجومي من جنسنا
ما لوش مرة سابت
فلاح قليل الحيا
إذا الكلاب عابت
ولا يطاطيش للعدا
مهما السهام صابت
عمل حاجات معجزة
وحاجات كتير خابت
وعاش ومات وسطنا
على طبعنا ثابت
وان كان جرح قلبنا
كل الجراح طابت
ولا يطولوه العدا
مهما الأمور جابت!
***

الشاعر الكبير نزار قباني وهو من كتب على هامش النكسة ذامّاً ناصر، رثاه بعد وفاته بقصيدة رائعة، منها:

قتلناكَ يا جبل الكبرياء
وآخرَ قنديلِ زيتٍ يضيءُ لنا في ليالي الشتاء
وآخرَ سيفٍ من القادسية!
قتلناكَ نحنُ بكلتا يدينا
وقُلنا المنيَّة!
لماذا قبلتَ المجيءَ إلينا؟!
فمثلُكَ كانَ كثيراً علينا
سقيناكَ سُمَّ العروبةِ حتى شبعتْ
رميناكَ في نارِ عمَّانَ حتى احترقتْ
أريناكَ غدرَ العروبةِ حتى كفرتْ
لماذا ظهرتَ بأرضِ النفاقْ؟!
لماذا ظهرتْ؟!
فنحنُ شعوبٌ من الجاهلية
ونحنُ التقلّبُ، نحنُ التذبذب... والباطنيّة
نُبايعُ أربابنا في الصباح
ونأكلُهم حينَ تأتي العشية!
وإشارة قباني إلى عمّان في قصيدته تشير إلى أحداث ما عرف بـ»أيلول الأسود»، والتي بدأت في 6 أيلول/ سبتمبر 1970 وقادت إلى 28 أيلول/ سبتمبر 1970، وهو يوم رحيل جمال عبدالناصر قهراً مما فعله الملك الحسين بالمقاومة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات.
***
بعد ذلك بعقود يخاطب قباني السيد الشهيد القائد حسن نصر الله في رسالته الشعرية «من نزار قباني إلى السيد حسن نصر الله»:
يا من يصلّي الفجر في حقل من الألغام
لا تنتظر من عرب اليوم سوى الكلام
لا تنتظر منهم سوى رسائل الغرام
لا تلتفت إلى الوراء يا سيدنا الإمام
فليس في الوراء غير الجهل والظلام
وليس في الوراء غير الطين والسخام
وليس في الوراء إلا مدن الطروح والقزام
حيث الغنيّ يأكل الفقير
حيث الكبير يأكل الصغير
حيث النظام يأكل النظام
يا أيها المسافر القديم فوق الشوك والآلام
يا أيها المضيء كالنجمة والسّاطع كالحسام
لولاك مازلنا على عبادة الأصنام
لولاك كنا نتعاطى علناً حشيشة الأحلام
اسمح لنا أن «نبوس» السيف في يديك
اسمح لنا أن نجمع الغبار عن نعليك
لو لم تجئ يا سيدنا الإمام
كنا أمام القائد العبري
مذبوحين كالأغنام
سيذكر التاريخ يوماً قرية صغيرةً
بين قرى الجنوب، تدعى «معركة»
قد دافعت بصدرها عن شرف الأرض
وعن كرامة العروبة
وحولها قبائل جبانة وأمة مفككة
من بحر صيدا يبدأ السؤال
من بحرها يخرج آل البيت كل ليلة كأنهم أشجار برتقال
من بحر صُور يطلع الخنجر والوردة والموال...
ويطلع الأبطال!
يا أيها السيف الذي يلمع بين التبغ والقصب
يا أيها المهر الذي يصهل في برية الغضب
إياك أن تقرأ حرفاً من كتابات العرب
فحربهم إشاعة وسيفهم خشب
وعشقهم خيانة، ووعدهم كذب
إياك أن تسمع حرفاً من خطابات العرب
فكلها نحوٌ وصرفٌ وأدب
وكلها أضغاث أحلام ووصلات طرب
يا سيدي يا سيد الأحرار
لم يبقَ إلا أنت في زمن السقوط والدمار
في زمن التراجع الثوري
والتراجع الفكري
والتراجع القومي
واللصوص والتجار
في زمن الفرار
الكلمات أصبحت للبيع والإيجار
لم يبقَ إلا أنت
تسير فوق الشوك والزجاج
والإخوة الكرام نائمون فوق البيض كالدجاج
وفي زمان الحرب يهربون كالنعاج
يا سيدي
في مدن الملح التي يسكنها الطاعون والغبار
في مدن الموت التي تخاف أن تزورها الأمطار
لم يبقَ إلا أنت تزرع في حياتنا النخيل والأعناب والأقمار
لم يبقَ إلا أنت، إلا أنت، إلا أنت
فافتح لنا بوابة النهار!
***
رحل عبدالناصر، ومن بعد رحيله بعشرات السنين، يخاطبه الشاعر الكبير صلاح الدكاك في قصيدته «انتظرناك» مزاوجاً بين حلم قد ذهب وواقع لم يتغير، قائلاً:
انتظرناك تخرجُ من كوخ حزنِك
ندركُ أنَّا جَنينا عليك بأحلامنا وحماقاتنا
وخمَشْنا بأظفارنا العاطفيةِ قلبَكْ
ندركُ أنَّا رَمَينا على كتفيك المهيبينِ أشواقَ عشرين شعباً
وأعباءَ عشرين شعباً تهدُّ الجبالا
وكنتَ تداري ذبولكَ عنَّا
وتذوي رويداً رويدا
وتنزفُ فينا وريداً وريدا
وكنا نسوق عليك الدَّلالا
وكنا لفرط محبتنا لك
عن نزفِ روحك، لا آبهين وجدّ ثَمالى
انتظرناك تجتازُ يا سيدي سنواتِ النكوصِ الطِّوالا
لكي تتربَّعَ أُفْقَ نهاراتنا السودِ شمساً
وفي ليلنا العربيِّ هلالا
انتظرناك تطوي البعيدَ وتغزلُ قطنَ «الصعيد»
على أضلُع الشعبِ في زمن البردِ جلبابَ دفءٍ... وشالا
وتمطرُ غلَّ مُرِيديك من «بَرَدَى» لـ»الفراتِ»
نبيذاً حراماً حلالا
وتتلو على ظمأ الشرق معجمَ طُهرك عذباً زلالا
انتظرناك تخرج من «طور سيناء» إنجيلَ حُبٍّ
وآياتِ خصبٍ وربَّاً تَعَالى
تعيدُ لـ»مصر العروبةِ» هيبتَها والجلالا
وتضبطُ بوصلةَ السَّيرِ صوب فلسطين يا سيدي
وتقود النضالا
انتظرناك...
غَضَّنَ أرواحَنا سأمُ السنوات التي تتوالى
على قحط واقعنا العربيِّ، عجافاً ثِقالا
فهل عُدْتَ حقاً
ليرتدَّ طرفُ الزمان بصيراً
وتنجبَ أيامُ مصرَ الحبالى
أخيراً... «جمالا»؟!
أكادُ أرى -يا أبانا- المُحالا
أكاد أرى -يا أبانا- المُحالا!
***
يحكي الكاتب والصحفي العربي الكبير محمد حسنين هيكل عن آخر يوم في حياة عبدالناصر، وكان هيكل معه في بيت أنور السادات وأراد ناصر كوباً من الشاي، فأصر السادات على أن يحضّره له بنفسه، وهو ما تعجّب له هيكل. وبعدها بساعات مات ناصر مسموماً.
بعيداً عن إسقاطات سقوط عمود الخيمة، من ناصر إلى نصر الله، فإن الأخير، وإن استشهد فإن خيمة المقاومة لم ولن تسقط، فـ»نصر الله، بعد عقود من الهزائم، أعاد الثقة العربيّة بالقدرة على دحر «إسرائيل». هو لم يخسر أرضاً، بل لعب دوراً أساسيّاً في تحرير الجنوب في 2000 ثم قاد عمليّة صدَّ العدوّ ببطولة نادرة في 2006. أصبح نصر الله بإطلالاته العدة فرداً من أفراد العائلة، ولهذا فإن غيابه سيترك فراغاً لا يُعوَّض. خطبه أعطت كثيرين الوُجهة وحدّدت المخاطر والفرص. كانت ثقته بالنصر مطلقة، وهي انتقلت إلى ملايين من العرب الذين عانوا قبله من انهزامية قاتلة بعد هزيمة 1967. عادته أنظمة الخليج تماماً كما عادته «إسرائيل»، وتلاقت الجهتان في محاولة النيل والتخلّص منه. قد نكتشف بعد حين أنّ النظامين السعودي والإماراتي موّلا العمليّة التي أدّت إلى قتل نصر الله (وقتل المئات من سكّان الأبنية الستّة، والذين لم تذكرهم التقارير الغربيّة المنبهرة بـ»الضربة الجراحية» لطيران العدوّ). هناك حالة انكسار بين الناس، والبعض يشعرُ باليتم المُبكِر. لكن نصر الله، خلافاً لعبدالناصر، يترك وراءه عقيدة وتنظيماً محكماً ومؤسّسات. هي ستستمرّ بغيابه بالدرجة التي يشعر أتباعه بأن الإخلاص له يكمن في الاستمرار في مسيرة المقاومة»، كما يقول أسعد أبو خليل.
غير أن اللافت أنه وفي مثل اليوم، 28 أيلول/ سبتمبر، الذي قتل فيه أذيال الصهاينة «ناصر»، اغتال الصهاينة أنفسهم فيه سيد شهداء القدس، أمين عام حزب الله، سماحة السيد حسن نصر الله، بغارات غادرة على الضاحية الجنوبية لبيروت، وكأن الصهاينة أرادوا التذكير بالتاريخ، فليس من قبيل المصادفة أن يغتالوا الرجلين في اليوم نفسه، وإن بفارق نصف قرن.
***

يعود الدكاك للرثاء، وهو من أبدع فيه وفي الغناء الشعري أيضاً، ليرثي مادحاً جنوب الشهيد العظيم حسن نصر الله قائلاً:
قيل لي هل تحبُّ «نصر اللهِ»؟!
قلت حدَّ الجنون، حدَّ التماهي
أيها الذَّنْب لا غُفرتَ وحسبي
بك في الحشرِ قُربةً لإلهي
«هو كفرٌ»؟! نعم، وإني بكفري
في هوى «سيِّد الجنوبِ» أباهي
وضلالي العظيم «نصرٌ» فأكرِم
بالضلالات باسقات الجباهِ
هكذا الحرُّ لا ترى شانئيهِ
غيرَ سِقطِ الرجال والأشباهِ
«حسنُ» القومِ في محاجرِ قبحٍ
مثلما الليث في عيونِ الشِّياهِ
أيها الأمَّةُ الهزيمةُ شاء
الله أن تبرئي بنصر اللهِ
سيّدٌ كان أمَّةً من فعالٍ
في ملايين أمّةٍ من شفاهِ
قمرٌ عن جبينه الشمسُ تروي
للصباحات والندى كلَّ زاهِ
غرّة أقلعت بنا للثريا
من حضيضٍ الخنى ودرْك السَّفاهِ
من حزيران ذلَّةٍ وصَغارٍ
لحزيرانِ رفعةٍ وتباهِ
يا «أيارَ التحريرِ» سال دهوراً
وشفَت نارُه غليلَ المياهِ
قبلك العنكبوت كان هزبراً
آمرٌ في الحمى هواهُ وناهِ
قبل أن ينفخ الـ»قصيرُ» بـ»صُورٍ»
لم يكن «أوهنُ البيوت» بِواهِ
كانت الحرب قبل «راغبِ حربٍ»
في حساب اليهود فصلَ رفاهِ
غسلت عارَنا ملاحمُ تموُّزٍ
وجبَّتْ ملاحمَ الأفواهِ
يا جنوب الحسين عِمتَ جنوباً
كان بين الجهات أهدى اتجاهِ
داوِ بـ»الموسويِّ» روحي، وصِلني
بتراتيل روحه الأوَّاهِ
واجْلُ بـ»الصدرِ» ما اعترى صدرَ صبٍّ
مسَّه جبُّ إخوةٍ في الملاهي
كلّ طبٍّ خلا هواكَ هوانٌ
والهوى لا يطيبُ بالإكراهِ!
***
ويجاور الدكاك نصه الشعري إلى النثري ككفين يغرفان ويغرقان من وإلى بحر الصدق والعشق، فينزف لا عزاء ولا مواساة، فصاحب المناسبة هو كل العزاء وكل المواساة:
«قدرك أن تحمل على كاهلك الباسقِ كل الشرف العربي، في زمن يحمل فيه جلُّ الكواهل العربية أحذية الخنوع والذل والخيانة.
عليهم أن يخونوا وأن ينبطحوا ما استطاعوا انبطاحاً. وعليك أن تعيش قدرك الكبير كلفةً وشموخاً، محلقاً فوق مجال رؤية الأعين العربية العمياء والمرمدة بالهوان، وفوق طاقة الرقاب العربية الناكصة على أن تستشرف مداك الفسيح والمفتوح على الملاحم التاريخية والبطولات غير المسبوقة التي لا تتسع لها سجلات وأضابير القوم المتخمة حتى الجشاءة بالهزائم والهزال والعهر المتمترس بدعاوى العقلانية و»ضرورات الأمر الواقع».
لقد كدنا نعد الخيانة ماركة عربية حصرية، لولا وفاؤك ونخوتك وفدائيتك يا سيدي، فلماذا تصر على أن تخدش كل هذا العماء العربي العميم برمشك الوضاء، وأن تذب بأنفاسك العاطرة كل هذه العفونة العربية عن أبجديتنا وتاريخنا وجيناتنا الوجودية؟!
أجفانك قرّحتها الأحزان، وقبضتك لاتزال تسند سقف الحرية شاهقاً عن أن يقع على رؤوس البشرية المذعنة الكسيحة التي تستحم بعرقك ودمك على دكة الفُرجة والأماسي الحمراء اللاهية، وعن هياكل قومك التي تقوست ذلاً وهي تسن لك خناجر الغيلة ومفخخات الدناءة لتجهز على آخر الرجال، الرجال الذين مرت قرون منذ أن قطعت الأصلاب العربية صلتها بهم وباتت تنجب خدجاً ومسوخاً ومواليد شوهاء.
ضمِّدْ جراحك بالجراح، واضرب حيفا وما بعد حيفا. شعاع جبينك فلسطين المحتلة من الناقورة إلى أم الرشراش، وقبضتك السنديان لا تبترها عجينة ليثيوم لئيمة، ولا يشوش على هزيم رعودك نباح جِراء التكتك الصهيونية التي ترقُص ذيولُها طرباً لوجعك.
أثخنهم، فإنهم يألمون بجراحك، ويألمون ببواريدك معاً.
يا سيد الجنوب الكبير بلا ضفاف، والجنوب ليس جهة، بل اختزال لكل الجهات التي تؤدي إلى الحرية؛ لا نعزي فيك، فأنت عزاؤنا، ولا نواسي فأنت كل المواساة في سرادق عزائنا الكبير الذي رفعت سقفه سماءً للانتصارات من أيار التحرير إلى تموز الملحمة إلى تشرين الفداء والإسناد المفتوح حتماً على تحرير فلسطين بدءاً من الضاحية الجنوبية.
رضوان الله عليك شهيداً، وعلى رضوانك الشهيد، وعلى شهداء الرضوان وهم ينحتون مفاتيح العودة كاتيوشا وصواريخ دقيقة وكورنيت من صخر الجنوب الصلب والمقاوم».
***
وأختم بهذه الشهادة (لا يستطيع المرء جمع ملايين الشهادات والقصائد) للإعلامي المصري العربي في قناة «المنار» عمرو ناصيف:
«عاوز أقول لكل اللي حسدوني لعلاقتي وقربي من السيد:
أنا النهار ده اللي باحسدكم
لما اتعرض عليا الشغل في «المنار»، من 25 سنة، كنت ناوي أعتذر، كنت أخشى الاقتراب من الحزب، حتى لا أصدم ولو بشائبة تعكر صورته ومكانته التي رفعتها علاقتي بالسيد إلى حد القداسة. وحينما عرفت أن سماحته هو من اختارني، لم أقوَ على الاعتذار.
وعمليا ومعيشيا، كان الفارق هائلا بين ضآلة الراتب الشهري في «المنار»، مقارنة بدخلي في مصر، ورغم متاعب السفر والانتقال، والبحث عن سكن، وأثاث، وتكاليف الحياة المرهقة في لبنان، فإن كل وأي تعب ومعاناة أهوَن من أن أرد للسيد طلبا أو عرضا، وقررنا أن يكون التعاقد لسنتين فقط.
خلال السنتين، رأيت، وقابلت، وحاورت وحدثت، وزرت السيد مرات لا أعرف عددها؛ لكنني أعرف أن صخرة كآبة كانت تكبر في صدري كلما شارفت مدة التعاقد على الانتهاء، فطلبت التمديد حتى وصل إلى ربع قرن.
اليوم، أحسدكم يا من حسدتموني؛ فليس فيكم من ذاق نعمة السمو والارتقاء كلما انحنى ليقبل يد السيد، ليس بينكم من شم رائحة الجنة في عناقه، من تقاسم معه الطعام والشراب، من كان يشكو بين يديه، ليس بينكم من مازحه السيد، من دعا له بشكل شخصي، ليس بينكم من كان يسأله: كيف الوالدة أم عمرو؟ كيف الست أم حسين؟ حسين وين صار هلأ؟ الله يخلي لك ياه! ليس منكم من كان يسأله السيد: شو القصة يا بو حسين؟ شو اللي مضايقك؟ ليس فيكم من صلى خلفه، ليس فيكم من سبب مشكلات ومشكلات مع حرسه الخاص، وكان يصر على الوقوف خلف السيد مباشرة في الصلاة، ليقيه أي غدر، فيحسم السيد الأمر بالتفاتة وابتسامة، ليس بينكم من كان يصفه السيد بالمحب الصادق، ليس بينكم من لم يملك تكاليف الحج، فيستأذنه السيد (أقسم بالله يستأذنه) ويقول: «تسمح لي يا بو حسين أشارك في التكاليف من جيبي الخاص؟»، ثم أفاجأ بأنه سدد المبلغ بالكامل، ليس بينكم من كان يشعر أن السيد أبوه، وابنه، وأستاذه، وحبيبه، ودليله إلى الله...
اليوم أحسدكم يا من حسدتموني، فالسيد كان نفحة من الجنة على الأرض، ويا بئس من غادرته النفحة، وأبقته في جحيم الدنيا!».
***
كتب الزميل الرائع وليد مانع:
«من كان يوالي سماحة سيد المقاومة فإن سيد المقاومة قد مات - عليه الصلاة والسلام... ومن كان يوالي المقاومة فإن المقاومة باقية لن تموت.
من كان يعبد المجاهد في سبيل العدل فإن المجاهد (عليه الصلاة والسلام) قد ارتقى إلى جوار ربه شهيدا... ومن كان يعبد العدل فإن العدل (سبحانه وتعالى) حي لا يموت».

علي عطروس