
اليمن بالحبر الغربي -
خلق الجيش اليمني روتيناً خطيراً للبحرية الأمريكية، وعرف بالضبط كيفية استخدام هذا الروتين لتجاوز حاملة طائرات وسفن صواريخ متطورة. فكيف نجحت الحيلة؟ وما الذي يميّز الطائرة (اليمنية) بدون طيار التي أطلقت على «إسرائيل»؟ وما الذي يمكننا فعله لمنع مثل هذه الضربات القاتلة في المستقبل؟
لقد تمكن الحوثيون من اختراق دفاعات سفن البحرية الأمريكية، وكذلك نظام الكشف «الإسرائيلي»، وحلقت الطائرة المسيّرة المتفجرة حتى ضربت قلب «تل أبيب». لقد فوجئ العالم كله بهذا الإنجاز، وهو محق في ذلك؛ فلم يتمكن أي عدو من ضرب «غوش دان» (أو «تل أبيب») من هذه المسافة.
يبدو التحدي أكثر شراسة عندما يدرك المرء أن أراضي «إسرائيل» كانت محمية من هجوم الحوثيين باستخدام تقنيات الكشف الأكثر تقدماً على هذا الكوكب: حاملة الطائرات الأمريكية ومجموعة البوارج التابعة لها، وأجهزة الاستشعار السعودية والمصرية، وبالطبع كل براءة اختراع تمكن الرأس اليهودي من اختراعها والجيب الصهيوني من شرائها.
الآن خذ كل هذه القوة والحكمة، وضع الحوثيين أمامها: جيش «إرهابي» يمني يكره «إسرائيل» والولايات المتحدة ويملك ما يقرب من نصف مليون رجل مسلح، وخصمهم على بعد آلاف الكيلومترات، والطريق تصطف على جانبيه السفن الحربية ولن تسمح لهم أي دولة بالمرور البري.
لكن هذه صورة خادعة، فخلف قوات الحوثيين هناك مركز منظم يعرف كيف يستفيد من القليل الذي لديه، وقد تمكن من الاستفادة القصوى من المواقف المستحيلة منذ العام 2005. وبعد التدريب ضد الجيش السعودي منذ العام 2015 عندما تدخل في الحرب الأهلية في اليمن، تحول مركز الحوثيين إلى المواجهة مع الولايات المتحدة و»إسرائيل».
ويبدو أن الحوثيين استعدوا جيداً لهذه الحملة، فقد تمكنوا من العمل على جميع الأنظمة والأدمغة، وتجاوز راداراتها وطائراتها المقاتلة، وإثبات مدى خداع واجهتهم المهملة.
إن كل سحر جيد يتم إجراؤه وجهاً لوجه ينقسم إلى ثلاثة أجزاء؛ ففي البداية، يتم تقديم موقف روتيني ومألوف، وكائن لا يمكن أن يفاجئك، كالعملة المعدنية على سبيل المثال، ثم سيقوم الساحر بتحريكه بسرعة من يد إلى أخرى وبلغة جسد مفرطة. والخطوة الثانية هي التحدي؛ حيث يسألك الساحر سؤالاً بسيطاً للغاية: في أي يد توجد العملة المعدنية؟ كم عدد القطع النقدية التي لديّ هنا؟ ماذا سيحدث بعد ذلك؟ الوضع روتيني، لذا فإن الإجابة واضحة. لكن في المرحلة الثالثة، يعميك الساحر: تظهر العملة من العدم، أو فجأة تظهر أربع عملات! إنك تعتاد على شيء بسيط، وما هي النتيجة؟ طائرة يمنية بدون طيار في غرفة المعيشة.
يعتمد السحر اليمني على حقيقة أنه رغم قوة السفن الحربية الأمريكية، كان مقاتلو «العم سام» سلبيين في هذه القصة، حيث كانت الخطوة الأولى في سحر الحوثيين هي خلق روتين هجوم للبحرية الأمريكية: يتم إطلاق طائرات بدون طيار بطيئة تحلق على ارتفاع منخفض وصواريخ كروز سريعة وصواريخ باليستية مضادة للسفن معاً بشكل أو بآخر...
والبحرية الأمريكية تحب الأنماط، ولذلك وضعت إجراءات وخلقت وضعاً مألوفاً.
لكن في ظهر 17 تموز/ يوليو جاءت المرحلة الثانية للحوثيين، حيث رد الأمريكيون كالمعتاد، مع أجهزة الاستشعار وعناصر النار الخاصة بهم مبعثرة ومركزة على الأهداف، عندما وقعت الهجمات في قطاعات قريبة من بعضها البعض، ولكن ليست متداخلة. وبينما تبادل ستيف وجيمس وستيف الثاني التحيات في مواقع التحكم في المدمرات، تسلل المسار الرئيسي بين القطاعات: طائرة بدون طيار بعيدة المدى تسمى «يافا».
و«يافا» هي طائرة من عائلة طائرات «صماد»، والحوثيون هم أكثر من استخدموها باحتراف، حيث تعمل الطائرة بدون طيار في أيديهم منذ العام 2018، وتمكنوا بواسطتها من ضرب مطار أبوظبي والبنية التحتية النفطية السعودية وغيرها من الأهداف البعيدة والمحمية.
وكانت طائرة «صماد 3» حتى الآن تعتبر العمود الفقري للحوثيين عندما يتعلق الأمر بمهام تمتد من 1500 إلى 1700 كيلومتر، ويمكنها أن تنطلق بسرعة تزيد عن 200 كم/ ساعة، وذلك بفضل محرك قوته 17 حصاناً، ولكن الذهاب إلى أبعد من ذلك من الممكن أن يؤثر في المدى والسرعة والثبات، وهنا يأتي دور النموذج الجديد، فطائرة «يافا» هي نسخة ماراثونية من «صماد 3».
وحصلت «يافا» على محرك أكثر قوة (20 حصاناً) ويعمل في دورات أقل قليلاً ويوفر قوة دفع أكبر بكثير بدون زيادة استهلاك الوقود بشكل كبير، وبدلاً من خزان الوقود على الظهر، تلقت «يافا» جسماً أوسع، يحتوي بالكامل على الوقود تقريباً، وجناحاً ممدوداً، وبهذه الطريقة، تمكن الحوثيون من تقليل مقاومة الهواء وتحقيق أقصى مدى، وهو أطول من أي طائرة إيرانية بدون طيار بهذا الحجم، حيث يمكنها الطيران من اليمن إلى «رودس» (جزيرة يونانية).
وبطريقة ما، فإن «يافا» تمثل حلاً ممتازاً؛ فحتى الآن كلفت هذه الطائرات بدون طيار حوالى 20,000 دولار، وهو سعر مناسب، ويظهر مدى الإبداع، حيث كانت طائرة «صماد» فعالة بما يكفي بحيث تضيف التغييرات البسيطة نسبياً 50٪ إلى نطاقها.
ولم يفشل التطوير، فقد تسللت «يافا» بين موجات الهجوم التي كان بحارة البحرية الأمريكية متأكدين من أنهم أسقطوها، واخترقت خط الكبح الذي حددوه.
بفضل التخطيط الذكي للطريق، حلقت «يافا» بطيار آلي يستطيع أن يتخذ مساراً معقداً إلى حد ما، والحفاظ على الارتفاع حتى في ضوء تغيير التضاريس، والمناورة عند الضرورة، وقد تم تنفيذ الرحلة على ارتفاع منخفض بشكل خاص، من آسيا إلى أفريقيا، ومن إريتريا إلى السودان، ومن هناك إلى مصر وقناة السويس.
غير أن من غير الواضح ما إذا كانت الطائرة قد بقيت فوق البحر الأحمر أو قطعت اليابسة أيضاً، فرحلة طويلة فوق البحر كانت ستعرضها لأنظمة كشف متكاملة في المملكة العربية السعودية ومصر، والتي كان من الممكن أن تفهم أن هناك شيئاً غير عادي يحدث.
وإذا كانت الطائرة بالفعل مرت فقط فوق البحر، فستلتزم بطرق السفن، وبهذه الطريقة، يمكن لمشغلي الرادار الذين يكتشفون فجأة حركة مشبوهة أن يعتبروها عودة طائرة دورية بحرية بدون طيار وليس هجوماً من اليمن.
ربما حلقت الطائرة فوق الأرض، واستخدمت التضاريس وأبحرت خلف خط الرادار بالقرب من شواطئ البحر الأحمر، ما كان سيجعل أنظمة الكشف أكثر صعوبة. ومع ابتعاد الطائرة عن مصر شمالاً إلى البحر الأبيض المتوسط، يبدو أنها اتخذت منعطفاً قبل أن تنحرف غرباً نحو «إسرائيل». وعندما توجهت نحو ساحل «تل أبيب» بعد رحلة استغرقت 16 ساعة و2600 كيلومتر، انخفضت إلى ارتفاع صفري أقل من 100 متر، وصولاً إلى الهدف.
هذه هي الطريقة التي عمل بها الحوثيون على البحرية الأمريكية وأجهزة الاستشعار المتقدمة الخاصة بها، متجاوزين رادارات الدول على طول الطريق. لكن كيف عملوا علينا؟ فقد فاتنا كل شيء، حيث افترضنا أن الولايات المتحدة ستدمر كل ما يخرج من اليمن، كما فعلت منذ يناير، وأن أي هجوم آخر سيوجه إلى «إيلات» ويسقط على مرمى طائراتنا.
بهذه الطريقة خلقنا وضعاً روتينياً لأنفسنا، فمن كان يفكر في «تل أبيب» كهدف؟ لقد انخفضت يقظتنا، وحتى عندما تم اكتشاف حركة خافتة في الهواء، لم يتم التعامل معها على أنها محاولة اختراق، بسبب خطأ بشري، وتلقينا نداء الاستيقاظ بعد ذلك بقليل، على شكل انفجار في منتصف الليل، أسفر عنه مقتل «إسرائيلي» وجرح ثمانية.
لقد فكر اليمنيون حقاً في كل شيء، والمرجح أنهم اقتربوا من «إسرائيل» عبر طريق ليس بعيداً عن الطرق التي تستخدمها طائرات الركاب التي تقترب من مطار بن غوريون، وكانت الفكرة هي أن يكون من الصعب على الجيش «الإسرائيلي» إسقاط «يافا» بنيران مضادة للطائرات، خوفاً من الإضرار بالرحلات التجارية.
صحيفة
«كالكاليست» العبرية
المصدر اليمن بالحبر الغربـي / لا ميديا