العدو في الفناء الخلفي
- تم النشر بواسطة اليمن بالحبر الغربـي / لا ميديا

اليمن بالحبر الغربـي -
يمكن أن نستخلص من علاقة الحوثيين بالرئيس الراحل صالح طريقة عملهم. تقدم الحوثيون وزاد نفوذهم من خلال التعاون البراغماتي المحدود المرن، مع الحفاظ على استقلالهم. هذا السلوك يميّز أيضاً علاقاتهم مع إيران والفلسطينيين، إلى حد ما على الأقل.
إن استهواء رؤية الحوثيين وكيلاً لإيران، أو حلقة في شبكة الوكلاء، أو لاعباً في محور المقاومة لا أكثر ولا أقل -بالتأكيد في عيون إسرائيل حالياً-هو أمر واضح؛ ولكنه خاطئ. الحوثيون لا يتبعون إيران، مع التزامهم بها في إطار تحالف محكم، يشمل أيضاً المساعدات العسكرية المقدمة للجماعة من إيران التي ربما بدأت عام 2009 وازدادت لاحقاً. يعبّر التحالف مع إيران عن هيمنة الخط العدواني الموالي لطهران، وعن أيديولوجية مشتركة وحتى تبعية عسكرية. ورغم أنه يعتمد على المصالح المشتركة، لكنه يهدف في المقام الأول إلى خدمة المصالح اليمنية الداخلية.
لقد تصرف الحوثيون مراراً بطريقة لا تصب بالضرورة في مصلحة الإيرانيين. مثلاً، بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في آذار/ مارس 2023، حرص الحوثيون على إظهار استقلاليتهم في ممارسات مختلفة: شن هجمات في المناطق المتنازع عليها، والتدريبات والعروض العسكرية، التي كان أكبرها وأكثرها إثارة للإعجاب في أيلول/ سبتمبر 2023.
إن مشاركتهم في حرب السيوف الحديدية لا يعد جزءاً من رد فعل إقليمي (يخدم إيران)، بل هو تعبير عن دعمهم المستقل للقضية الفلسطينية ومعارضة إسرائيل والولايات المتحدة. ومع ذلك، فهي تعبّر في المقام الأول عن المصالح الداخلية. وفي الشأن الفلسطيني، أعرب الحوثيون على مر السنين عن دعمهم للفلسطينيين ونضالهم، على غرار الحكومة المركزية في اليمن (وقبل ذلك في دول الشمال والجنوب منذ الستينيات).
وإلى جانب الدعم وإظهار التضامن مع حماس والفلسطينيين، أضاف الحوثيون أيضاً بُعداً عملياً. لقد اقترحوا على سبيل المثال، في إطار صفقة تبادل الرهائن والأسرى مع السعودية عام 2020، إطلاق سراح أسرى من قوات التحالف، ومن بينهم عنصران من القوات الجوية السعودية، مقابل إطلاق سراح عشرات الفلسطينيين الذين يخضعون للمحاكمة في السعودية أو متهمين بدعم الإرهاب. لم تُنفذ الصفقة، ولكنها عكست استعداد الحوثيين للعمل من أجل الفلسطينيين. وربما ساعد الحوثيون في نقل الأسلحة من إيران إلى حماس عبر البحر الأحمر بمساعدة حزب الله.
أما عن دوافعهم الداخلية، فقد استغل الحوثيون أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأهمية باب المندب الجيوسياسية، من أجل تعزيز مكانتهم الداخلية والخارجية. إنهم يؤطرون مشاركتهم في الحرب، من 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، على أنها انحياز للفلسطينيين ومعارضة عملية للتحركات الإسرائيلية في غزة. وفي الجبهة البحرية أيضاً، التي شنوها بعد نحو شهر، ادعى الحوثيون أنهم لا يعتزمون التعدي على حرية الملاحة الدولية، ولكنهم سيمنعون السفن التي لها علاقات مع إسرائيل من المرور عبر باب المندب، أو الإبحار في البحر الأحمر. وقد خدمهم هذا النهج جيداً حتى بعد إنشاء التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة، إذ فسّروا إطلاق الطائرات المسيّرة والصواريخ على أنها ممارسات للذود عن سيادتهم في اليمن من عدوان الدول الغربية التي تعمل لصالح إسرائيل.
لخدمة حملة نصرة غزة، روج الحوثيون أهدافاً إقليمية وداخلية، واكتسبوا تعاطفاً ودعماً في اليمن، وفي العالم العربي والإسلامي، على اعتبار أنهم يشنون ببسالة حملة لمواجهة الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى وإسرائيل. ويبدو أنهم حتى الآن يحققون مكاسب من ممارساتهم دونما عقاب. إن استعراضهم للقوة العسكرية يخدمهم كذلك في ردع السعودية والإمارات، حتى لا يستأنفا مشاركتهما في الحرب في اليمن. كما إنها تشكل ضغطاً في المفاوضات مع السعودية.
لقد برز في الآونة الأخيرة طموح مثير مقلق، وهو سعي أحد قياداتهم، عبدالملك الحوثي، إلى إعادة تأسيس نسخة مطوّرة من الدولة الدينية الزيدية التي كانت موجودة سابقاً في اليمن، وخاصة في المناطق الشمالية من اليمن. وقد عزا البعض هذه النية إلى الحوثيين منذ سنوات، لكن دون دليل ملموس. وفي ضوء نجاحاتهم الأخيرة وزيادة وتحسن قدرتهم على إنتاج الأسلحة بشكل مستقل، فقد يكون هذا هو الوقت المناسب لتحقيق ذلك. وحتى لو لم يتحقق حلم إعادة تأسيس الدولة الزيدية في اليمن قريباً، يجب على إسرائيل أن تتبنى رؤية وخطة عمل تعكس وجهة نظر مختلفة تجاه التهديد الحوثي. كمن يفترض، على سبيل المثال، أن انتهاء الحرب في غزة لا يبشر بالضرورة بوقف العدوان اليمني، أو استعادة الأمن لطرق الملاحة في البحر الأحمر، أو تعويل حل مشكلة الحوثيين على طهران.
عنبال نسيم لوفطون
موقع «ماكو N12» العبري
المصدر اليمن بالحبر الغربـي / لا ميديا