حكايتي التي لم تكتمل مع الرئيس الشهيد الصماد
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
لم تمضِ سوى أسابيع قليلة منذ استقراري الدائم حتى الآن في العاصمة صنعاء. انقضت ساعات العمل بطيئة وثقيلة ذلك اليوم في القناة التي كانت في طور البناء وشاركت في تأسيسها بكل جهد وتفانٍ وإخلاصٍ وسهرٍ ونصب (وفُصلت منها لاحقاً تعسفياً وبلا حقوق ولا إحم ولا دستور ولا قانون ولا إنصاف - وليس هذا موضوعنا الآن!).
وصلت البيت عند العاشرة مساءً مقبوض القلب وشارد العقل لأتلقى اتصالاً فاجعاً من زميلٍ يعلمني باستشهاد الرئيس صالح الصماد! وتحول البيت إلى مأتم ملؤه البكاء والحزن والدعاء. تلك حكاية لا تختلف ربما عن حكاية عايشها ملايين اليمنيين تلك الليلة وما تلاها من ليالٍ لا قمر فيها ولا نجوم، ونهاراتٍ لا صماد بها ولا شموس!
«قررنا عمل سلسلة تلفزيونية وثائقية عن الشهيد الرئيس صالح الصماد». من هنا بدأت حكايتي الخاصة مع الشهيد. كُلفت بالإشراف على مجموعة من الزملاء حسب تقسيم العمل، وبعد أن أنجزوا ما أوكلوا به لم يعجب صاحب القناة ما فعلوه، كعادته في التقليل من جهود الآخرين، فتم تكليفي مباشرةً بكل العمل، على الأقل كنصوص وتأليف ومعالجة.
زملاء آخرون جمعوا كمّاً هائلاً من اللقاءات والحوارات والانطباعات عن الشهيد الصماد وكمّاً أوفر من مقابلاته وحواراته وفيديوهاته القديمة والحديثة ومجموعة من المتعلقات الورقية صحافة ومواقعَ ومدوناتٍ... و«جر يا علي عطروس!».
عشرات الساعات، إن لم تكن المئات، قضيتها أمام شاشة الكمبيوتر وخلف ذاكرتي التيراجيجا حباً وغباً وشهوداً ومشاهد وشهاداتٍ...
تعرفت من جديد على جوانب أخرى لم أعرفها في الشهيد الصماد، كتبت عن بعضها (رجل دولة وخطيب وثقافي ومجاهد وكاريزما وطهارة وحزن وحسم وجرأة وكرم... الخ) في مناسبات سابقة عن ذكرى استشهاده، وبإمكان من أحب العودة إليها في موقع صحيفة «لا»، ومن أهم ما اكتشفته من جديد حبه للناس كل الناس وحب كل الناس له، ثقافته القرآنية المتجذرة والمنعكسة في أقواله وأفعاله، شخصيته المتحدية وكاريزميته المتجاوزة...
أنجزنا الجزء الأول من الوثائقية بعنوان «الفلاح الذي صار رئيساً» بافتراض إنجاز أجزاء أخرى عن الشهيد. كان الجزء الأول محصوراً بخطوط عامة في سيرة الشهيد الذاتية بدءاً من فلاحته في «بني معاذ» وانتهاءً برئاسته في صنعاء. بقية السيرة كان من المأمول أن تمر على سيرته السياسية القصيرة زمناً والكبيرة أثراً بدءاً من ترؤسه للمكتب السياسي لأنصار الله ثم استشاريته الرئاسية وليس ختاماً برئاسته للجمهورية...
غير أن ما حدث هو أن صاحب القناة اكتفى بالجزء الأول، مقللاً من الجهد المبذول فيه (كان التعليق الصوتي والإخراج للرائع هيثم منصور) ملغياً بقية الفصول وبقية المشاهد.
حزنت لابتسار العمل واقتصاره على المقدمة، رغم جمالها على الأقل في بعدها الفني (ولمن أراد المشاهدة بإمكانه إيجاد العمل في شبكة النت)، وصعقت لمعرفتي لاحقاً بحجم الميزانية التي رصدت للعمل (بالملايين) ولم أنل منها سوى «كتب الله أجرك»!
لم ينصفني أحد في ذلك، كما لم يفعلوا مع ما تعرضت له من ضيم وظلم بإخراجي من القناة (التي صارت اليوم مقتصرة على مذيعين ومصور وزوامل)، وتساءلت حينها كما أتساءل اليوم: هل كان الرئيس الشهيد الصماد سينصفني لو كان حياً؟! لتأتيني الإجابة في الآية الكريمة: «إلا من أتى الله بقلب سليم»، وليمطرني غيث الإيجاب تأكيداً وجزماً للإجابة القاطعة التي يرتلها الناس دعوات رحمة في كل ذكرى للصماد.
سأختم هذه العجالة بما كتبته ذات ذكرى:
«الاحتفاء بذكرى الشهيد الصماد ستغيظ بالتأكيد الكثيرين ممن يتبوؤون بعض المواقع القيادية في السلطة والحكومة، وقد انكشفوا وتعروا ومايزالون عن بعض ما كان لدى الصماد وادعوا ملكيته وامتلاكه زوراً وتزييفاً للحقائق والوقائع والوجوه، وسيكون الاحتفال بألقاب ومناقب الصماد أشبه بصوان عزاء لدى المتساقطين عن طريق الرجل والساقطين من عيون الشهيد. أولئك البعض ممن غسلوا تراب الجهاد وغبار الجبهات عن وجوههم بماء ورد المناصب وكولونيا سُحب الشيكات، وممن نسوا الله فأنساهم أنفسهم والصماد.
وبرغم كل حزن الذكرى وألم الفاجعة يبقى الصماد شاهد أسطورة وشهيد ملحمة وسيظل نبراس حقٍّ وحقيقة ومقياس نصرٍ وانتصار، ولا نقول ما يغضب ربنا، فقط نهمس في آذان البعض قبل أن تقرصها عدالة السماء: «أتحسدون الصماد حتى في موته ومماته؟! عيشوا بعضاً من عطره لتمطركم الحياة ببعض طهره وكفى!» (أ. هـ).
المصدر «لا» 21 السياسي