حـوار / عادل عبده بشر / لا ميديا -
«16 عاماً قضاها في معتقلات الاحتلال الصهيوني، وبعضها في سجون السلطة الفلسطينية باعتباره معارضاً لـ«اتفاقية أوسلو».. رافق القيادي في حركة حماس ومؤسس كتائب القسام الشهيد صالح العاروري لسنوات في سجني «مجدو» و«النقب» الصهيونيين، ولم يسلم أيضاً من مطاردات الاحتلال لنحو ثمان سنوات، لدوره النضالي وكذلك نشاطه في حركة الجهاد الإسلامي آنذاك، وخلال الـ15 عاماً الأخيرة استمر في مقارعة الكيان الصهيوني بصفته الشخصية والأكاديمية.
الباحث الفلسطيني المتخصص في الشؤون السياسية و«الإسرائيلية» والتأريخية محمد فارس جرادات، يتحدث من مدينة جنين الفلسطينية، في حوار أجرته معه صحيفة «لا» من صنعاء، عن مستجدات العدوان على غزة والضفة الغربية، ودور جبهات الإسناد في محور المقاومة.

اغتيال العاروري
البعض وصف جريمة اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس المجاهد صالح العاروري ورفاقه، الثلاثاء الماضي، بأنه نجاحاً للكيان الصهيوني وضربة موجعة للمقاومة الفلسطينية، فيما قال آخرون بأن استشهاد العاروري، يؤسس لمعادلات حرب جديدة.. ما رأيكم أنتم؟
هذا الاغتيال المفجع والمؤلم للشيخ والقائد الكبير صالح العاروري الذي خبرناه خلف سجون الاحتلال سنوات طويلة، عشنا في ذات السجن، وفي ذات الزنزانة، واجتمعنا على مائدة واحدة وتنقلنا من سجن إلى سجن، خبرناه في روحه الوحدوية وعقله الإيماني وأفقه الواسع، هذا الإنسان الذي استطاع أن يكون واسطة عقد محور المقاومة بما يمثله في بعده الفلسطيني وباعتباره القائد المؤسس لكتائب عز الدين القسام في حركة حماس.
هذا الاغتيال الإجرامي في الحقيقة، نعم، هي ضربة موجعة للمقاومة الفلسطينية، المقاومة خسرت إنسانا يمثل أكثر من مجرد قائد وأكثر من مجرد عضو في حركة المقاومة أو مؤسس في «طوفان الأقصى»، هذا المكان ربما لا يوجد الآن من يملأه ضمن المعطيات الراهنة، لا يمكن ملء الفراغ بهذه السهولة، وبالتالي «الإسرائيلي» بعد ثلاثة شهور من محاولاته تحقيق إنجازات نوعية ضد الشعب الفلسطيني وضد محور المقاومة منذ «طوفان الأقصى»، استطاع بهذه الضربة، لأول مرة أن يحقق إنجازاً نوعياً في حربه الوحشية ضد الشعب والأمة، لكن في كل الأحوال هذه الضربة الموجعة لا يمكن أن تسجل حالة انتصار أو حالة هزيمة في صفوف المقاومة، لأن مشروع الشيخ صالح هو الصمود وتحقيق المواجهة المستمرة واستنزاف المحتل عبر النقاط المتواصلة وهو في تاريخه هكذا فعل، وهكذا تواصل حركات المقاومة.. فسبق أن خسرت المقاومة فتحي الشقاقي مؤسسة الجهاد الإسلامي وخسرت أحمد ياسين مؤسسة حركة حماس، وخسرت قادة كثيرين. بالتأكيد هذا سبّب لها أوجاعا وحالة من المد والجزر، لكن طبيعة حركات المقاومة أنها تستوعب الضربة وتمضي مستفيدة من هذا الفشل وهذه الضربة، وبالتالي فإن هذا الاغتيال، إن كان يؤسس لحرب جديدة في المنطقة أو لا.. المعطيات تقول إن «الإسرائيلي» من خلال اغتيال الشيخ صالح وقبله اغتيال السيد رضي موسوي ثم الاغتيال الأمريكي للقائد في الحشد الشعبي في العراق وكذلك الضربة المفجعة للمدنيين والعملية الإرهابية قرب مقام الفريق قاسم سليماني في إيران، هذه الضربات بالتأكيد أن «الإسرائيلي» يحاول نقل المعركة إلى أماكن أخرى عبر العالم، ربما هي صفقة بين الأمريكي و«الإسرائيلي» لتخفيف حدة المواجهة في غزة خطوة إلى الخلف، لكن «نتنياهو» ربما يضحك على الأمريكي، يحاول استغلال الإمكانات الأمريكية ليستفيد عبر كل الطرق، فيواصل حربه المجنونة في غزة، وأيضاً يوسع الحرب في العالم، وبالتالي ليس مستبعداً أن «بايدن» قد خسر هذه الصفقة واستطاع «نتنياهو» أن يحقق بعض الإنجازات فيواصل الحرب على طريقته التي يريد من خلالها تهجير الشعب الفلسطيني وفي ذات الوقت البقاء في سدة الحكم بعيدا عن المحاكمة في قضايا الفساد.

قواعد اشتباك جديدة
هل ستمتد عمليات الاغتيالات لتشمل قيادات في الجبهات المساندة لغزة كحزب الله واليمن؟
المواجهة مع المقاومة الفلسطينية حماس والجهاد والشعب الفلسطيني ثم المواجهة مع جبهات المحور في شمال فلسطين مع حزب الله، وفي البحر الأحمر في مواجهة الصعود اليمني، وفي مواجهة الحشد الشعبي بالعراق، هذه الاستهدافات في مجملها وبمجموعها تمثل حالة من قواعد اشتباك جديدة على مستوى الأمة، هل يستطيع المحور أن يُصعِّد بموازاة التصعيد الأمريكي و«الإسرائيلي»؟ هنا السؤال الذي يطرح نفسه. اليوم الأمريكي و«الإسرائيلي» يضعون المزيد من الكرات في ملعب المحور، ولكن معطيات الاستنزاف والمشاغلة التي تجري الآن على خريطة المحور هي بالتأكيد تدفع الأمريكي و«الإسرائيلي» لتنفيذ عمليات اغتيال حتى في صنعاء، هذا متوقع خاصة إذا وقع الرد اليمني ضد الأمريكي بعد استشهاد أبطال البحرية اليمنية. اليمن بالحقيقة ليس مطالبا على مستوى الأمة بأن يرد على الأمريكي. اليمني استطاع أن يحقق استراتيجية نوعية في منع ميناء «إيلات» من التنفس، وبالتالي هذا الحصار الخانق الذي نجح به اليمن وهو بالتأكيد خطوة مفاجأة، وبالتالي فإن الاغتيالات ربما تطال صنعاء وتطال مزيدا من قادة المحور أو على الأقل تكون هناك محاولات. هل يستطيع المحور أن يفشلها؟ هذا هو السؤال الكبير المطروح الآن على المنطقة والأمة، لكن أن يبقى المحور في حالة من الدفاع عن النفس وخاصة في المعادلة السورية واللبنانية والإيرانية، هنا السؤال الذي يطرح نفسه كيف سينجح المحور في احتواء هذا التوحش «الإسرائيلي» سواء على مستوى الاغتيالات أو على مستوى استمرار الحرب على غزة وتصاعد المواجهة مع لبنان؟

استراتيجية الخطوة اليمنية
ما التغيير الذي أحدثته القوات المسلحة اليمنية في مسار الحرب الصهيونية الأمريكية على شعبنا الفلسطيني، وانعكاسات ذلك على المخطط الأمريكي الصهيوني للمنطقة، خصوصاً مع هرولة بعض أنظمة المنطقة للتطبيع مع الاحتلال، والسعي لتوسيع موجة التطبيع كما كان مقرراً أن يتم مع السعودية التي كانت قاب قوسين أو أدنى من التطبيع؟
الخطوة اليمنية في خنق الكيان العبري على مستوى البحر الأحمر ومنع ميناء «إيلات» من العمل، هذه الخطوة لها بعد استراتيجي بالتأكيد وبإجماع كل الجهات، وليست المسألة مسألة إجماع، هذه ردة الفعل بأن يأتي وزير الحرب الأمريكي «لويد جيمس أوستن» ليُعلن من «تل أبيب» عن تشكيل قوة بحرية دولية لفتح البحر الأحمر أمام السفن «الإسرائيلية» والسفن المتجهة إلى «إيلات»، مجرد تشكيل هذه القوة البحرية ودخولها في هذه المغامرة الكبيرة وتردد كثير من الدول من المشاركة فيها، هذا الواقع يؤكد على طبيعة استراتيجية الخطوة اليمنية، نجاحها الفائق، تطبيقها الدقيق، وحتى بعد استشهاد شباب البحرية اليمنية، القوات المسلحة اليمنية لم تتردد في مواصلة المهمة، هناك 26 هجوماً بحريا نفذه اليمن بدقة وتماسك وثبات والأمريكي ينتظر رد الفعل اليمني تجاه استشهاد هؤلاء الشباب، ويعيش حالة من التعثر، إن شئنا القول، تعثر ميداني وتردد سياسي وخلافات مع «الإسرائيلي» على أفق وطبيعة ومستويات هذه الحرب التي اندلعت منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، ولو نظرنا إلى حالة الأمة في مواجهة التوحش «الإسرائيلي» نجد حزب الله يقاتل في الشمال وهو قتال مؤثر على معادلة المعركة، هناك ألوية في الجيش «الإسرائيلي» فرقتان على الأقل منشغلتان بالمواجهة في الشمال، هناك قتلى وجرحى «إسرائيليون» ومستوطنات شبه مدمرة، هناك ربع مليون «إسرائيلي» في حالة نزوح من شمال فلسطين ولا يجدون رعاية من الكيان «الإسرائيلي» كما يحظى مستوطنو غلاف غزة المشتتون في «إيلات».
اليمن في خطوته هذه بالتأكيد يؤثر على مسار المعركة، حتى إن بعض المصادر «الإسرائيلية» تتحدث عن أزمة في الغذاء وليس فقط في شحن السيارات وبعض القضايا ذات الطابع التجاري الكبير ولكن حتى في موضوع المواد الغذائية وما شابه فإن «الإسرائيلي» يعاني بسبب جوهر وعمق وجسارة الخطوة اليمنية.

مركز القضية الفلسطينية
بين أساطيل «حارس الازدهار» لنجدة «إسرائيل» وإصرار اليمن قيادة وشعباً على عدم التراجع عن قرار وعمليات إسناد شعبنا الفلسطيني، هل ثمة احتمال لنجاح هذه القوى الدولية في إعادة السفن المتجهة إلى موانئ الاحتلال للإبحار في البحرين الأحمر والعربي، خصوصاً بعد عناق الدم اليمني بالفلسطيني في معركة واحدة مقدسة؟
عندما نزف الدم اليمني في البحر الأحمر، في ظل هذا النزيف الكبير الذي يعانيه الشعب الفلسطيني والتضحيات التي يقدمها حزب الله هناك حوالي 150 شهيدا من أبطال الحزب ومواطنين لبنانيين، كانت خطوة اليمن تحمل الطابع الاستراتيجي العام، لكن مع استشهاد الأبطال العشرة من قوات البحرية اليمنية (نسأل الله أن يحفظ دماء أهل اليمن وكل الدماء) ليس مستبعدا أن تراق المزيد من دماء الأبطال في البحرية اليمنية وغير البحرية، هذا متوقع قد يحصل في أي لحظة، هذه الدماء عندما تتعانق بين اليمني في صعدة والحديدة والفلسطيني في غزة وجنين، هذه معادلة جديدة كانت مفقودة على مستوى الأمة منذ ردح طويل من الزمن. الأمريكي استطاع أن يبعثر نوابض الأمة في ثغورها الخاصة ومعاركها الداخلية، لكن اليوم بعض قوى الأمة تتفاعل مع الهم الفلسطيني. أنا شخصياً كنت سمعت محاضرة للشهيد الرئيس صالح الصماد عن مركزية القضية الفلسطينية، ومنذ ذلك اليوم وأنا أقول لكل من هم حولي إن الصعود اليمني هو الأكثر وعياً في طبيعة مركزية القضية الفلسطينية، لم أجد من يُجسد فكر فتحي الشقاقي تجاه مركزية القضية الفلسطينية في الوعي الإسلامي أكثر مما سمعته في تلك المحاضرة للشهيد الصماد، والتي استطاع من خلالها بالفعل أن يعكس حقيقة أن فلسطين ليست القضية الأولى للأمة ولكنها القضية المركزية، وهناك فرق كبير بين أن تكون مركزية بمعنى أن اليمني يعالج مشاكله الخاصة من خلال المواجهة مع منبع الشر المتمثل بهذا السرطان «الإسرائيلي» وليس فقط أن يجعل مشاكل الأمة في ترتيب رقم 1 رقم 2 رقم 3، هذا الترتيب ليس هو المقصد، المقصد من خلال مركزية القضية الفلسطينية التعامل مع فلسطين باعتبارها آلية إدارة الصراع بكل جوانبها تتصل مع هذا الهم وهذا السرطان «الإسرائيلي» الذي ينشر كل آثامه في كل عواصم الدول العربية حتى في اليمن، ليس فقط في سقطرى وليس فقط قبالة اليمن في بعض المناطق التي يضع فيها نقاط وقواعد مراقبة للبحر الأحمر ومراقبة اليمن، ولكن أيضا لنشر كل منظوماته الأخلاقية والأمنية التي تؤذي كل الحالة العربية والإسلامية ولا نبالغ إن قلنا الحالة الإنسانية.

القوة اليمنية
إلى جانب الإيمان بمركزية القضية الفلسطينية، برأيك على ماذا يستند اليمن في وقوفه القوي أمام أمريكا و»إسرائيل»؟
القوة اليمنية الصاعدة نشأت وتبلورت في ظل الحرب، هذه القضية الجوهرية التي تجعل اليمن في حالة من الأمان الداخلي، اليمن يسند ظهره ليس إلى قوى في المنطقة وليس إلى إيران، نعم إيران تؤيد الخطوة اليمنية، ولكن اليمن مستقل في موقفه وخطوته تجاوزت خطوات جميع قوى المحور في طبيعة جرأتها ونجاحها وقوتها، لكن «الإسرائيلي» أو الأمريكي ماذا يفعل أمام قوة صعدت في ظل الحرب، المصانع اليمنية الأساسية الجوهرية المتصلة بالصواريخ الباليستية والمسيرات بالتأكيد كانت تتطور في ظل الغارات السعودية الإماراتية والدعم اللوجستي الأمريكي البريطاني و«الإسرائيلي»، لذلك اليمني في صعوده الذاتي الراهن هو يؤمن نفسه من خلال عجز الأطراف المعادية عن النيل من منبع هذه القوة. عندما نتحدث مثلا عن غزة، فإن قوتها الأنفاق، و«الإسرائيلي» بدباباته يصول ويجول في شوارع غزة لكنه لا يصل إلى منبع هذه القوة التي هي الأنفاق، لذلك هو عاجز عن القضاء على حركات المقاومة في غزة حتى الآن.. اليمن دولة كبيرة، جبال شاهقة، شعب متماسك خلف القضية الفلسطينية، رغم وجود أطراف مرتزقة لصالح السعودية والإمارات، لكن بعض هذه الأطراف ليس بإمكانها أن تبيع القضية الفلسطينية، ليس بإمكانها أن تقول إن ما تفعله صنعاء يضر بالمصلحة اليمنية، بالعكس الشعب اليمني متضامن خلف القيادة اليمنية، قيادة السيد عبدالملك الحوثي في هذا العمل المتميز والمؤثر والخانق للكيان «الإسرائيلي».

سيناريوهات نهاية الحرب
 بعد 94 يوماً من طوفان الأقصى والعدوان على غزة، وفي ظل الصمود الأسطوري للمقاومة في القطاع، وأيضاً العمليات التي تنفذها المقاومة في الضفة وخصوصاً مخيم جنين، إضافة إلى إسناد جبهات اليمن ولبنان والعراق وسورية.. كيف تقرأ سيناريوهات نهاية الحرب؟
سيناريوهات نهاية الحرب ربما نحن مازلنا بعيدين عن استشفافها أو التوقعات لطبيعة المعادلة. هنا في المخيمات الفلسطينية في الضفة، مخيم جنين، مخيم نور شمس، في الضفة الغربية بالعموم هناك حالة من المشاغلة مع الاحتلال منذ نحو ثلاثة أعوام لكن هذه المواجهات استطاع «الإسرائيلي» أن يحتويها، إذا جاز التعبير، لكن هذا الاحتواء بين قوسين، لأن «الإسرائيلي» بالنهاية لم يوجه الضربة القاضية لها، لذلك هذه الحالة هي متواصلة والفلسطيني في الضفة يرفض الاستيطان ويرفض الاحتلال وهناك حالة من الاشتباك الدائم مع قوات الاحتلال خلال كل عملية اعتقال أو اغتيال أو توغل في المناطق الفلسطينية خاصة في شمال الضفة الغربية. المحور بالمجمل سواء من خلال بؤرته أو درعه في الضفة أو حالة الاشتباك العنيف في غزة، تبقى غزة هي قلب المواجهة، وبالتالي هي التي ستتولى تحديد نهايات المعركة. قادة الجيش «الإسرائيلي» ومؤسسته الأمنية ومنظومته السياسية يحاولون الخروج بمعادلة جديدة أنهم استطاعوا سحق المقاومة الفلسطينية، وبالتالي أن يرجعوا ليُتوجوا أنفسهم كملوك وبالذات «نتنياهو» الذي يعاني من أزمة شخصية تتعلق بأن هناك ملف فساد ولوائح اتهام مقدمة بحقه، هو يريد لحالة الحرب أن تستمر لأنه كما يعرف الجميع، قال في مذكراته الأخيرة بالخلاصة «أنا الدولة والدولة أنا»، وهو منقاد لطموحات زوجته سارة التي أحيانا تغرد نيابة عنه ببعض التغريدات التي تفاجئ الجمهور «الإسرائيلي» وقادة الأجهزة الأمنية، لذلك «نتنياهو» يحاول أن يستغل كل الأطراف لمزيد من التصعيد ومزيد من القتال، والمحور ربما سيجد نفسه أمام حمق «نتنياهو» مدفوعاً باتجاه خيارات أخرى لا ندري إلى أين يمكن أن تصل؟!