الخبير الاقتصادي السوري الدكتور حيان سلمان في حوار مع «لا»:اليمن وجه ضربات قوية للكيان وأصاب اقتصاده في مقتل
- تم النشر بواسطة أحمد رفعت يوسف / لا ميديا
دمشق - حوار أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
أحدث الموقف اليمني المقاوم من التطورات الجارية في فلسطين المحتلة، بإغلاق باب المندب والبحر الأحمر في وجه الكيان الصهيوني وتوجيه ضربات إلى عدة أماكن داخل الكيان وخاصة إلى ميناء «إيلات» (أم الرشاش)، تحولاً استراتيجياً في خارطة الصراع العربي الصهيوني والمشروع الأمريكي في المنطقة.
ومع أن الموقف اليمني إلى جانب الشعب الفلسطيني معلن ومعروف، إلا أن المفاجئ كان قدرة القيادة اليمنية على وضع موقفها موضع التنفيذ، وإظهار قدرة اليمن المقاوم على أن يكون في موقف التحدي في وجه قوى البغي والطغيان والعدوان، وهو ما جعل المراقبين يُجمعون على أنه تحول استراتيجي في خارطة الصراع لصالح محور المقاومة، وأن هناك خارطة جديدة لتوازنات القوى والقوة في المنطقة.
الموقف اليمني أوجع الكيان الصهيوني ومنظومة العدوان بقيادة الولايات المتحدة، وكانت تأثيراته أكبر بكثير من الحسابات المادية للضربات اليمنية، لأنه أصاب الكيان الصهيوني في الصميم، وخاصة في اقتصاده، الذي يعتبر أحد أركان مقومات وجوده وقدرته على البقاء والاستمرار.
كما طالت شظايا الموقف اليمني التوازنات الإقليمية والدولية، خاصة بوجود الصراع الأمريكي الصيني لتزعم الاقتصاد العالمي والمشاكل الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد الأوروبي، وخاصة بسبب تداعيات حرب أوكرانيا.
ولأن الآثار الاقتصادية للموقف اليمني هي الأبرز، التقينا الخبير الاقتصادي السوري المعروف، الدكتور حيان سلمان، لنسأله عن تأثيرات الموقف اليمني على الاقتصاد الصهيوني والعالمي، وكان هذا اللقاء.
اليمن قلب العالم
نرحب بك دكتور حيان في صحيفة «لا». برأيك كيف ستنعكس الإجراءات اليمنية على الكيان الصهيوني واقتصاده؟
أكد اليمن، بقيادة أنصار الله، أنهم سيدافعون عن فلسطين وغزة، وسينتقمون لأطفال غزة من الكيان الصهيوني الفاشي النازي. ونظرا لعدم وجود حدود مشتركة بين اليمن الحبيب وفلسطين فإنهم استخدموا الصواريخ والطائرات المسيّرة ضد الكيان الصهيوني، ومن يتعامل معه. وأكد الناطق الرسمي باسم القوات اليمنية المجاهدة، العميد يحيى سريع: «منع مرورِ السُّفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني من أي جنسية كانت، إذا لم يدخل لقطاع غزة حاجته من الغذاء والدواء». وعملياً وجهوا ضربات قوية للكيان وأصابوا اقتصاده في مقتل.
ظهر نضالهم بشكل واضح في احتجاز السفينة «جلاكسي ليدر» التي يمتلكها رجل أعمال صهيوني، كما تم ضرب واحتجاز عدد آخر من السفن. ويمكن القول بأن الضربات اليمنية التي وجهها أنصار الله للكيان الصهيوني ظهرت آثارها واضحة على اقتصاد الكيان، ووسّط رئيس وزراء الكيان أمريكا والدول الغربية للعمل على وقف الضربات اليمنية؛ لكن «رجال الله» استمروا برفض ذلك حتى يتوقف العدوان على غزة، وأصبح اليمن في مركز الأحداث العالمية وتحول إلى «قلب العالم»، كما قال الاقتصادي الأمريكي روبرت كابلان في كتابه «انتقام الجغرافيا» سنة 2013، ليؤكدوا أن «التفاوت التكنولوجي» يقل بين دول الطغمة المالية ومحور المقاومة، وما بعد «طوفان الأقصى» ليس كما قبله، وسقطت مقولة «الجيش (الصهيوني) الذي لا يُقهر».
تغيّر اليمن، الذي كان يعيش على مساعدات الآخرين وهو بلد الخير، وأصبح يفرض شروطه في الساحة الإقليمية والعالمية. وهنا نقول ما سمعناه من شاعرنا اليمني الكبير المرحوم عبدالله البردوني من حديث نبوي شريف يقول: «الإيمان يمان والحكمة يمانية»، واليمن ببابه (مضيق باب المندب) أصبح وكأنه «قلب العالم» ويهدد مراكز الليبرالية وقوى الاستكبار العالمي، من خلال «دكتاتورية الجغرافيا واستقلالية القرار»، فعدا عن أهميته الجيوسياسية كصلة وصل بين قارت آسيا وأفريقيا وأوروبا، يمر عبره يوميا أكثر من 20٪ من التجارة العالمية و30٪ من شحنات الغاز الدولية، وأكثر من 4 ملايين برميل نفط، ومن باب المندب تعطل عمل ميناء «إيلات» الصهيوني (أم الرشراش المحتل) على البحر الأحمر، وهو الميناء الأساسي للصادرات والمستوردات الصهيونية، ويشكل مع «قناة بن غوريون» التي يخطط الكيان الصهيوني لإنشائها تهديدا حقيقيا لقناة السويس، ليتم عبر مرفأ «إيلات» نقل السلع الصهيونية إلى المحيط الهندي دون المرور بقناة السويس، وبالتالي إلى دول الشرق الأقصى، وخاصة اليابان والهند والصين. كما يستقبل ميناء «إيلات» سنويا أكثر من مليون سائح يمولون 80٪ من مداخيل المدينة، وإغلاق الميناء سيزيد التكلفة الإجمالية للتجارة الخارجية الصهيونية بنسبة تزيد عن 14٪ وسيرفع الأسعار أكثر من 30٪ حسب المصادر الصهيونية. وهنا نسأل: كيف سيكون الحال إذا تم استهداف ميناءي «حيفا» و»أشدود» على البحر الأبيض المتوسط، وعندها سيتم الحصار البحري الكامل على الكيان، وتحرك رمال باب المندب الزوابع والأعاصير الاقتصادية تحت أقدام الغزاة زعماء الطغمة المالية العالمية وقاعدتها الكيان الصهيوني؟!
إفشال المشاريع الصهيوأمريكية
ما هو تأثير ما يجري على المشاريع الصهيوأمريكية، وخاصة «المسار الهندي» المنافس لمشروع «الحزام والطريق الصيني»، وعلى دور الموانئ الصهيونية فيها؟
تاريخ أمريكا بشكل عام، واقتصادها بشكل خاص، مبني منذ تأسيسها سنة 1776 على إراقة الدماء. وما يجري الآن في «غزة هاشم» الصامدة يؤكد استمرار هذا النهج الأمريكي، لترسيخ سيطرة وتراكم رأس المال الأمريكي، على حساب تدمير الشعوب، وغزة تعرقل التطلعات الصهيوأمريكية للسيطرة الاقتصادية على منطقتنا، وبما يضمن السيطرة على التجارة بين دول شرق المتوسط والعالم من خلال إقامة شبكات نقل دولية وخاصة في المجال البحري والسكك الحديدية، وأن يكون الكيان الصهيوني قاعدة للإمبريالية المتوحشة، مركزا تجاريا عالميا على حساب دول المنطقة، ويتجلى هذا واضحا في المشروعين الاقتصاديين الكبيرين للتحالف الصهيوغربي: «الممر الهندي» و«قناة بن غوريون» كبديل لقناة السويس. وبدأت الاقتصاديات الغربية تروج لهذه القناة، بأنها ستوفر أسبوعين في زمن نقل السلع، وبالتالي تقليل التكلفة بنسبة 40٪ بالمقارنة مع قناة السويس، التي توفر لمصر الشقيقة سنوياً بحدود 9 مليارات دولار، وسيتم إقامة مدن سياحية على جانبيها... إلخ. كما ستضر بالأردن الشقيق، وبدأ الإعلام الصهيوني يدعو المستثمرين للمشاركة بإنشاء هذه القناة.
أما مشروع «الممر الهندي»، الذي تم اعتماده قبل العدوان على غزة، وعلى هامش اجتماع قمة العشرين، في الهند، بتاريخ 10/ 9/ 2023، والذي يمتد من الهند إلى ميناء حيفا في الكيان الصهيوني، على البحر الأبيض المتوسط، وعبر دول العربية، فهدفه هو دفع دول المنطقة للاستغناء عن مشروع «الحزام والطريق» الصيني، واعتبره الكيان الصهيوني أحد مصادر الخطر على اقتصاده. ومن هنا نفهم لماذا تمارس الولايات المتحدة الضغوط لإنشاء هذا الممر.
كما ستتأثر المشاريع الأمريكية المباشرة وغير المباشرة، إضافة إلى الشركات الغربية، وزاد الحصار بعد قول القائد عبد الملك الحوثي: «سنظفر بسفن العدو الصهيوني في البحر الأحمر، وفي أي مستوى تناله أيدينا لن نتردد في استهدافه»، وهذا أثر في عمل مرفأ «إيلات» الذي تراجع عمله بأكثر من 80٪» وترافق مع تداعيات سلبية في كل الاقتصاد الصهيوني مثل السياحة وشركات الطيران والشركات الصناعية... إلخ.
قوة الكيان في تدمير موانئ المنطقة
ليس سراً أنه تم تدمير مرفأ بيروت خدمة لميناء حيفا المحتل وبقية موانئ الكيان، وكانت هناك خطط لتدمير مرفأي اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري للغاية نفسها... كيف ستتأثر حركة المرافئ في شرق المتوسط بعد الإجراءات اليمنية؟
تؤكد الوقائع أن «قوة الكيان في ضعفنا»، ولذلك يسعى الكيان لتدمير كل مرتكزات القوة الاقتصادية والموقع الجيوسياسي الهام وخاصة في سورية ولبنان.
من جهة ثانية، يعتبر الكيان أن إضعاف أو تدمير المنافذ البحرية السورية واللبنانية سيشجع استفادة المرافئ المحتلة الثلاثة، وهي: حيفا، أشدود (على البحر المتوسط)، و«إيلات» على البحر الأحمر. ويتحقق هذا عند إخراج المرافئ المنافسة من الخدمة (بيروت وطرطوس واللاذقية)، ولاسيما في ظل توسع التطبيع والتخطيط لإقامة «قناة بن غوريون» والسعي لإفشال المشروع الصيني «طريق الحرير»، ولاسيما بعد أن تم توقيع اليمن عليه سنة 2019، ولذلك يسعى الكيان لاستمرار الوضع الضعيف للمرافئ السورية واللبنانية، ويظهر هذا من خلال الاعتداءات المتكررة على مرفأي طرطوس واللاذقية في سورية بهدف إخراجهما من الخدمة، ولدق إسفين بين الشارع السوري والحضور الروسي والإيراني في البلاد، ويترافق ذلك مع محاولات الكيان الصهيوني وضع حدود بين الساحل السوري ومحافظة إدلب التي تسيطر عليها العصابات الإرهابية المدعومة من الكيان الصهيوني وتركيا، وبما يسهل دعم العصابات الانفصالية: «قوات سورية الديمقراطية» (قسد) في المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية في سورية.
كما يؤكد الكثير من الدراسات على الدور الصهيوني في تفجير مرفأ بيروت، وقد عبر الكثير من القادة الصهاينة عن سعادتهم بتفجير المرفأ، ومنهم بنيامين نتنياهو، الذي قال: «إذا كنا نحن بالفعل وراء الهجوم على مرفأ بيروت، وهذا ما أتمناه، فعلينا المفاخرة بذلك».
ويعتقد الصهاينة أن تفجير مرفأ بيروت سيضر كثيرا سمعة ومسيرة حزب الله، ومن هنا نؤكد أن لـ»إسرائيل» مصالح سياسية واقتصادية وأمنية ومجتمعية واضحة في تفجير مرفأ بيروت، وهي تشبه ما حققته من اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري عام 2005.
توسع صيني في وجه أمريكا
هل ستؤثر الإجراءات اليمنية على التنافس الأمريكي - الصيني لقيادة الاقتصاد العالمي؟
تؤكد الأحداث أن المتغيرات السياسية والاقتصادية في منطقة شرق المتوسط تؤثر في العلاقة بين الصين وأمريكا، وخاصة بعد زيادة التواجد الصيني في المنطقة، ونجاحها في تطبيع العلاقة بين إيران والسعودية، وتوقيع عدد كبير من الدول على الانضمام لمبادرة «الحزام والطريق» والموقف الصيني الداعم للقضية الفلسطينية.
ستؤثر الإجراءات اليمنية في موقف الصين بالتأكيد، وتبقى الأهمية الاقتصادية والعسكرية والأمنية الأكبر لدوافع التنافس الإقليمي على البحر الأحمر وتخومه؛ لأنه يشكل أحد أهم الممرات المائية الرئيسية للملاحة والتجارة الدولية، إضافة إلى تجارة المواد الخام لأوروبا والولايات المتحدة والغرب عموماً، ويتم عبره تصدير المنتجات الصناعية إلى آسيا وأفريقيا وأستراليا، لذلك أصبح البحر الأحمر القطب الذي تتلاقى فيه مصالح وأهداف مجموعة كبيرة من الدول الإقليمية والعالمية بما فيها الصين وأمريكا.
ومما سبق يتبين لنا أن الإجراءات اليمنية المتخذة ضد التحالف الصهيوأمريكي - الأوروبي ستؤدي إلى تفعيل الدور الصيني في المنطقة، والدليل هو زيادة حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين الصين ودول المنطقة، وبدأت أغلب دول المنطقة بالدعوة إلى إقامة نظام عالمي جديد وإنهاء القطبية الأحادية، وتأييد الكثير من دول المنطقة قرارات «أوبك بلاس» بتخفيض كميات الإنتاج من النفط بما يتناسب مع طلب ورغبة روسيا وهي حليفة الصين، إضافة إلى انضمام عدد من دول المنطقة إلى مجموعة «بريكس» (BRIKS) التي تعتبر الصين دولة فاعلة فيها.
كما أن ازدياد اهتمام الصين بالبحر الأحمر يرتبط بالدرجة الأولى باهتمامها واستراتيجيتها لحماية شركاتها عـلى موانئ البحر الأبيض المتوسط، لتأمين تجارتها إلى أوروبا، حيث يمر 80٪ من الصادرات الصينية عبر البحر الأحمر، ثم موانئ البحر الأبيض المتوسط بدءاً من بور سعيد وانتهاءً بجزيرة بيروس اليونانية التي تتحكم الشركات الصينية بـ65٪ من أسهم إدارة مرافئها.
أزمة تجارة بحرية للغرب
ما هو تأثير ما يجري على سلسلة التوريدات للأسواق الأوروبية واقتصاداتها التي تعاني بالأساس من مشاكل؟
تؤكد كل الدراسات والوقائع الدولية أن التجارة العالمية تأثرت كثيرا بما يجري في البحر الأحمر، وخاصة على واقع الأسواق الغربية (الأمريكية والأوروبية). وتتجلى هذه التداعيات بما يلي:
أولاً: البحر الأحمر من أكثر البحار التي تعبر منها السلع والخدمات، وخاصة تجارة النفط العالمية.
ثانيا: الكيان الصهيوني يعتمد بشكل كبير في علاقته مع دول الاتحاد الأوروبي وبلدان الشرق الأقصى (الصين والهند) على التجارة البحرية.
ثالثا: التوتر في البحرين الأحمر والمتوسط سيؤدي إلى تراجع معدل التبادل التجاري بين دول المنطقة والعالم الغربي، وسيؤدي إلى ارتفاع تكاليف النقل بحدود 20٪ وأسعار السلع بما يزيد عن 30٪، كما سترتفع تكلفة بوليصات التأمين، وستزيد الاختناقات والارتباكات في النقل البحري. وقد تحدثت مجلة «ذي إيكونوميست» عن «أزمة بحرية»، على خلفية عمليات القوات المسلحة اليمنية، والتي من شأنها أن «تحوّل الحرب في غزة إلى مسألة عالمية لها آثار على الاقتصاد العالمي».
محاولات أمريكية غير مجدية
برأيك، هل ستنجح الإجراءات الأمريكية الممثلة في تشكيل تحالف بحري دولي رداً على الإجراءات اليمنية ضد السفن الصهيونية والمتجهة إلى الكيان؟
كعادة الإدارة الأمريكية التي أدمنت «الإرهاب» الاقتصادي، المتضمن كلاً من العقوبات والحصار، فهذا ما تسعى إليه ضد اليمن المقاوم. وانطلاقا من هذا أكد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، إن «واشنطن تجري محادثات مع دول أخرى بشأن قوة عمل بحرية تضمن المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر». وبرأينا أن أمريكا لن تنجح في خططها للأسباب التالية:
أولا: اليمن يدافع عن أرضه وقضيته المشروعة، التي بدأت تكتسب تعاطفا دوليا كبيرا.
ثانيا: أنصار الله ينطلقون من منطلق شرعي ومقاوم، ومن أرضهم ومياههم، ويلقون تعاطفا عربيا كبيرا.
ثالثا: البنية العسكرية لأنصار الله شهدت تطورا كبيرا، وبأيدٍ يمنية.
رابعا: اليمن يتمتع بموقع جيوسياسي (دكتاتورية الجغرافيا)، وخاصة باب المندب، عصب الشحن النفطي والغازي، وعشرات الجزر التي يمكن أن تستفيد منها في أية حرب يمكن أن تقع.
خامسا: الشركات الكبيرة الغربية المتخصصة بالنقل البحري غير قادرة على مواجهة الصواريخ اليمنية.
سادسا: التحكم في باب المندب يعني السيطرة على أهم شرايين النقل البحرية.
ولهذا نرى أن أمريكا لن تقدر على تنفيذ مخططاتها، بل بالعكس ستزداد وتيرة انسحابها أمام ضربات اليمن ومحور المقاومة.
المصدر أحمد رفعت يوسف / لا ميديا