سيماف.. إستيرا.. أفيندار.. دلجين.. روجين.. جان.. جيهان.. روماف.. هذه ليست أسامي (جنيّات) رفعتهن مياه البحر فجأة، بل هي أسامي فتيات يمنيات لا يعلم أهاليهن ماذا تحمل من معانٍ.. المهم أنهم أعجبوا بها كأسماء أبطال وبطلات مسلسلات تركية سموا أطفالهم بها... حتى وإن كانت (سيلا) اليمنية طالعة للحاجة (زعكمة) شكلاً وخُلقاً، وإن طلع (علمدار) شاقي يحمل المعول ويفرس الأرض بعكس الذي سُمّي باسمه... عواقب التسميات التي لا يعرفون معانيها، والتأثر الشكلي بالمشاهير والأبطال، وغيرها ناقشتها صحيفة (لا) مع عددٍ من الضيوف.. وقتاً رائقاً..

قضية هُويّة
أ/علي الحداء (أمين مكتبة المطبوعات بدار المخطوطات) يبدأ حديثه قائلاً: يمرُّ المجتمع العربي عموماً، واليمني بشكل خاص، بتغيراتٍ اجتماعية ناتجة عن التدفق الإعلامي الهائل بخيره وشره.. انعكس ذلك على سبيل المثال من خلال المسلسلات التركية، تأثرت بها طائفة من مجتمعنا، وجعلتهم يسمون أبناءهم بأسماء شخصيات تلك المسلسلات.. وتساءل الحداء: ما مدى أفضلية هذه الأسماء؟ ويردف مُجيباً على سؤاله الذي طرحه: المسألة قضية هُويّة، وثقافة أمة كرمز لعزتنا وشموخنا على وجه هذه البسيطة.. ويختم الحداء: فأي عاملٍ يؤدي إلى ترسيخ قيمنا الأصيلة ويميزنا عن غيرنا، هو المطلوب... وإن وفدت أسماء غير مألوفة على مجتمعنا العربي المسلم، فهذا هو الانحدار نحو الهاوية التي لا تُحمد عقباها.

جنون النساء
الإعلامية نسيبة القباطي تبدأ مداخلتها بالقول: اختيار اسم المولود الجديد أمر في غاية الصعوبة.. وتوضح ذلك من وجهة نظرها: هناك عوامل ينبغي أن نأخذها بالحسبان، كأن يكون الاسم جديداً وله معنى. ربما السبب الرئيس في تسمية المولود بأسماء الممثلين الأتراك يعود لرغبة الآباء بتسمية أطفالهم بأسماء حديثة وغريبة... وتستدرك القباطي: لكن لا يبحثون عن معنى للاسم، وكثير من الآباء يشعرون بالندم بعد اختيارهم غير الموفق لاسم طفلهم الرضيع.. ومع ظهور المسلسلات التركية وجنون النساء بمتابعتها أصبحت تسمية المولود على اسم بطل المسلسل الذي يبث أثناء ولادته، ولكن قد تسبب الإحراج للمواليد، فغالبية هذه الأسماء إما أن تكون ليس لها معنى، أو معناها غير لائق.. تختم نسيبة: أما إن كان الاسم له معنى جميل، ولكن قديم، فأرى أنه لا بأس به إن كان يحمل معنى رائعاً وعميقاً وسهل الكتابة والنطق ويناسب جنس المولود.

التأثر بالمشاهير
كريمة مختار (إعلامية) تقول: دائماً ما يتأثر المجتمع بالمشاهير، وكل ما يتعلق بتفاصيل حياتهم، بما في ذلك أسماؤهم... ومؤخراً برزت موضة تسمية المواليد بأسماء الشخصيات المحبوبة والمفضلة لديهم، وذلك نتيجة لتأثر مجتمعنا بأبطال هذه المسلسلات.. تضيف مختار: كان للمسلسلات التركية حصة الأسد منها، فيقوم الوالدان باختيار أسماء لأطفالهم تبعاً لشخصياتهم المفضلة والمحبوبة، دون النظر إلى أصل ومعاني هذه الأسماء، وهل تجوز التسمية بها أم لا.. وتبرر كريمة ذلك بأسباب تراها من وجهة نظرها: التفاخر بالاسم لارتباطه بشخصية مشهورة تركت انطباعاً جيداً لدى المشاهد، أو أن الأهل دائماً ما يبحثون عن الغرابة والجمال في الأسماء، وهذا ما وفرته لهم تلك المسلسلات على طبق من ذهب، دون عناء البحث.

غزو ثقافي
عمار الملوح (مصمم جرافيكس) يقول: يحز في نفسي كثيراً رؤية التأثير الكبير لبعض المسلسلات التلفزيونية في مجتمعنا اليمني بصورة خاصة، وفي مجتمعاتنا العربية بصورة عامة، بحيث تصبح حديث الناس ومحل اهتمامهم في مناقشاتهم اليومية، والأخطر من ذلك هو أن يكون أبطال تلك المسلسلات بسلوكياتهم المخالفة للشرع وللقيم الإسلامية، نموذجاً يحتذى به، وينظر إليه بكثير من الإعجاب والاحترام من مختلف الأعمار... يضيف الملوح: كانت المسلسلات المدبلجة وما زالت موضوعاً دسماً للكثير من الأسر اليمنية، فالاهتمام بهذه المسلسلات فاق التصور، حتى بتنا نسمع عن تغيير المئات من الفتيات أسماءهن إلى اسم بطلة مسلسل ما، وتسمية المواليد بأسماء أبطال المسلسلات بسبب الإعجاب..
وحول الانقياد الخطير لذلك يستطرد الملوح: إن التفكير بتمعن في الظواهر السابقة لأثر المسلسلات على المجتمع، يقود إلى استنتاج خطير، وهو أن بعضنا سهل الانقياد وقابل للغزو ثقافياً، فتغيير الاسم أو تسمية المواليد الجدد تيمناً بأسماء أبطال هذه المسلسلات، دليل على التقليد الأعمى وعدم التفكير، وهو ناتج عن تربية أسرية تدعو إلى الطاعة العمياء دون نقاش أو حوار.. وأسلوب تعليم يدعو إلى مثل ذلك، ويتمثل في حفظ المعلومات واسترجاعها بدون ترك أثر على شخصية المتعلم أو نمو لفكره، وينتج عن ذلك أشخاص ثقافتهم هشة اعتادوا التقليد ولا يعتزون بهويتهم الإسلامية ولا انتمائهم الوطني.

الانبهار بالأبطال
يواصل الملوح عن ظاهرة الانبهار في هذا الجانب، قائلاً: كما هو واضح أصبح لدينا شعور خفي بأن بث المسلسلات التركية في كل القنوات العربية الإسلامية إنما هو لغرس العلمانية في المجتمعات الإسلامية على المدى البعيد والذي لا نراه الآن... ويؤكد أن هذا الفعل يدل على تصحر الحياة الأسرية حيث يقول: كما يدل الانبهار بأبطال المسلسلات على تصحر الحياة الأسرية في كثير من البيوت اليمنية، والخطير في هذه المسلسلات المدبلجة هو متابعتها من قبل الصغار والشباب سريعي التأثر بها، وهي تروج لأفكار مخالفة للشرع كالعلاقات غير الشرعية... إن هذه المسلسلات وأمثالها تدس السم بالعسل، فجمال الممثلين وجودة التمثيل والإخراج تشد المشاهد وتدعوه إلى الإعجاب والتعاطف مع الممثلين والقناعة لاشعورياً بما يفعلونه، ومع تكرار المشاهدة يصبح سلوكهم مقبولاً حتى ولو كان مرفوضاً شرعاً، فيسهل عندها مخالفته أو عدم استنكار سلوك من يخالفه، وهو ما لا يجب السكوت عنه، ويحتاج إلى وقفة حازمة لإيقافه كحل سريع..  يختم الملوح: إذن، من الضرورة إحداث تغيير في سبل التربية ووسائل التعليم في بلادنا، وفي البلاد العربية ككل، لتنتج أشخاصاً يعملون بتفكيرهم وليس بما يشاهدونه، فلا يكونون قطعاناً تسهل قيادتهم... وأقول بأننا شعب ذو هوية أصيلة، ومجتمع تحكمنا عادات وتقاليد ذات هوية إسلامية، ولربما هي النقطة التي حوربت بالفترة الأخيرة بحجة الانفتاح والعولمة، لذا فالتربية مهمة، فالكل راعٍ، والكل مسؤول عن رعيته.

فجوة عميقة
ويرسو زورق الختام عند شاطئ الأستاذ مختار الشرعبي (مدرب تطوير وتحفيز الذات بمحافظة حجة) والذي بدأ قوله: لم أشاهد يوماً حلقات مسلسل تركي أو هندي. لكن من خلال أسماء الأطفال التي انتشرت في السنوات الأخيرة، عرفت مدى التأثر العميق من قبل المشاهدين بفلسفة وتاريخ الشعوب التي تسعى للوصول إلى غزو الشعوب الأخرى.
يضيف الشرعبي: الجدير ذكره أنه لا عيب في تسمية الأطفال بأسماء مشاهير، لكن ما يمكنني ذمه أن يسمى أطفال العرب بأسماء غير عربية، وليس لها أية دلالة، بل هو إعجاب في شخصية البطل للمسلسل. ولربما إن هذه الفجوة العميقة التي أحدثتها المسلسلات التركية والهندية وغيرها من المسلسلات المدبلجة، في ثقافة المجتمع اليمني خصوصاً والعربي عموماً، ترجع إلى غياب دور الثقافة العربية، وخصوصاً المسرح والفن والفلكلور الشعبي، وتجاهل المبدعين والشعراء والأدباء، وتغييب دور وسائل الإعلام في التوعية والتثقيف المجتمعي والديني والاقتصادي ومختلف المجالات، وتحويلها من قنوات توعوية إلى أبواق سياسية تسبح بحمد الحكام وتفخم جلالهم..
ويختم الشرعبي قائلاً: لا ألوم من يسمي طفله باسم (مهند)، أو (كاران) أو (براغيا)، لأن البديل مفقود، والثقافة العربية مشغولة بقتل الآخر والاعتداء عليه والتحايل على أخذ ما تبقى من تراث أو لقيمات حياة.. هذه رؤيتي وإن كانت قاصرة، لكن لربما حروف مقالتي أحرقت بداخلي بسبب احتراق فؤادي.

آخر الأوراق...
من خلال مناقشة الموضوع وجدنا أن الأغلبية يأخذ الجانب الشكلي للاسم فقط، ولا يكلف نفسه البحث عن معناه، حتى وإن سبب ذلك إحراجاً في المستقبل لحامل الاسم..
واتفق الجميع على أهميةِ توعيةِ المجتمع بالعواقب التي يسببها المعنى، والتي قد تجعل صاحب الاسم يكره (اسمه)، ويضطر لتغييره، بعد أن يكتشف فداحة المعنى وسطحيته، وما قد يحمله من ثقافة لا تمت لثقافة المجتمع وتقاليده بصلة.