اليمن بالحبر الغربي -
قال تسفي برئيل، في صحيفة «هآرتس» الصهيونية، إن 45 مليون سوداني توقعوا تدخلاً عسكرياً دولياً يعيد لهم بلادهم؛ لكن ما عليهم سوى النظر صوب البحر الأحمر ورؤية ما حدث في اليمن، حيث نشبت حرب «أهلية» دامية أسفر عنها مقتل أكثر من 120 ألف شخص حتى الآن، ومات حوالى 90 ألف طفل بسبب المرض والجوع، ونزح الملايين من ديارهم. لكن على عكس السودان، أصبحت هذه الحرب دولية؛ لأن الحوثيين الذين سيطروا على اليمن واستولوا على العاصمة صنعاء عام 2014، هاجموا أيضاً السعودية والإمارات والبحر الأحمر.
دفع الحوثيون (بدعم من إيران) أنفسهم واليمن إلى قلب الصراع بين إيران ودول الخليج والغرب. كما ساهم موقع اليمن الاستراتيجي، الذي يسمح بتهديد طرق التجارة في البحر الأحمر، في الاهتمام الذي أثاره بين المجتمع الدولي. لا يسع السودان إلا أن يحسد «مكانة» اليمن، الذي تمكن من حشد تحالف عربي ودولي لإنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في البلاد. كل هذا باسم النضال لكبح نفوذ إيران. لكن اليمن لقن أطراف الحرب «الأهلية» درساً مريراً. السعودية -رغم تطور معداتها العسكرية والدعم الذي تلقته من الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب- والإمارات وأعضاء آخرون في التحالف «العربي»، فشلوا جميعا في محاولتهم القضاء على الحوثيين أو إقامة نظام يمني مستقر في المناطق التي فشل الحوثيون في السيطرة عليها.
تفكك التحالف «العربي» بعد انسحاب الإمارات نهاية عام 2019. يكمن شعاع الضوء الوحيد الذي قد يؤدي إلى مصالحة داخلية في اليمن في استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، والتي اتفقا عليها في آذار/ مارس. الافتراض هو أن طهران تؤثر في الحوثيين، وأن الاتفاق بينها والرياض (ويتضمن أيضاً وقف الهجمات من اليمن على أهداف في السعودية) سيلزم الحوثيين أنفسهم؛ لكن الأخيرين لديهم أجندتهم الخاصة، والتي لا تعتمد فقط على رغبات إيران.
في الواقع، بدأ أطراف التحالف حربهم على الحكومة في صنعاء خلافاً لموقف إيران، وحتى قبل أن تتدخل في الصراع. تدار بين السعوديين والحوثيين مفاوضات بدأت حتى قبل الاتفاق بينهم مع الإيرانيين، بعد ضغوط شديدة من الولايات المتحدة، وتهديدات بتجميد صفقات السلاح مع الرياض. وانتهاء الحرب في اليمن، أي انسحاب السعودية منها، كان أحد شروط بايدن لتسوية الخلافات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وبعد أن أدى اليمين في كانون الثاني/ يناير 2021، قال الرئيس الأمريكي: «يجب أن تنتهي الحرب في اليمن. ولتأكيد التزامنا، فإننا ننهي كل المساعدات الأمريكية للعمليات الهجومية في حرب اليمن، بما في ذلك بيع الأسلحة ذات الصلة بهذه الحرب». ولكن بعد عام اضطر لزيارة السعودية بنفسه والموافقة على صفقات سلاح. ليس لإنهاء الحرب في اليمن، بل لمطالبة ابن سلمان بزيادة إنتاج دول «أوبك بلس» من النفط، لأجل التغلب على النقص الذي سببته الحرب في أوكرانيا. ونتج عن هذه الضغوط وقف إطلاق النار، الذي ظل متقطعاً منذ أكثر من عام.
رغم أن هذا إنجاز مهم، إلا أنه لا يكفي للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب. يطلب الحوثيون الاعتراف بشرعيتهم، والتوزيع المناسب لموارد النفط، والوظائف الحكومية، ودفع الرواتب المنقطعة منذ سبع سنوات لموظفي الخدمة المدنية الموجودين في مناطق سيطرتهم، والحفاظ على قوتهم العسكرية. وتهدف السعودية، التي تقود المفاوضات نيابة عن الحكومة اليمنية، إلى إنهاء وجودها غير المجدي في البلاد بسرعة. وهي تعتمد على أن الاتفاقية مع إيران ستضمن أمنها وستتمكن من العودة إلى استعادة علاقاتها مع الولايات المتحدة. ولكن مع تقدم المفاوضات، يتضح أن اليمن قد يكون قادراً على تحرير نفسه من التدخل الدولي الذي حوله إلى ساحة معركة، لكن قد يستمر في النزيف بسبب الصراع الداخلي.
بالمقارنة مع اليمن (المثير للاهتمام)، فإن السودان ليس لديه حتى «وكيل» يأخذ على عاتقه إنهاء الصراع. ولذا سيتعيّن عليه أن ينتظر اليمن أو يختلق صراعاً دولياً لنفسه.

تسفي برئيل 
صحيفة «هآرتس» الصهيونية