الارتزاق مقابل الاعتراف..كيف قدمت الحرب على اليمن دعماً لحكام إريتريا وأرض الصومال؟
- تم النشر بواسطة اليمن بالحبر الغربـي / لا ميديا

اليمن بالحبر الغربي -
«على الجانب الآخر من مضيق باب المندب وخليج عدن، تغير مصير إريتريا وأرض الصومال نتيجة حرب اليمن». هكذا تحدث تقرير موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، عن تداعيات حرب اليمن المستعرة منذ 2014 على جمهوريتي الموز المذكورتين أعلاه.
وكانت التغيرات أكثر درامية لإريتريا، فقبل حرب اليمن كانت أسمرة معزولة دولياً وخاضعة لعقوبات الأمم المتحدة، حصلت البلاد على استقلالها عام 1991 بعد 30 عاماً من الحرب مع إثيوبيا؛ لكن من ذلك الحين كانت موضع شك للغرباء وظلت معزولة نسبياً عن العالم.
وأشرف حاكمها، أسياسي أفورقي، على نظام دكتاتوري قاسٍ، حيث فرض الخدمة المدنية الإجبارية على جميع الشعب حتى منتصف العمر، وأدى العداء مع الدول المجاورة إلى تزايد الوضع سوءاً.
وانتهت حرب أخرى مع إثيوبيا من عام 1998 حتى 2000 دون الوصول إلى حل، مما ترك الحدود الطويلة بينهما مغلقة وخنق التجارة الإريترية.
في الوقت نفسه، أدت المناوشات مع جيبوتي في الجنوب إلى فرض الأمم المتحدة حظراً على السلاح وعقوبات أخرى عام 2009.
ووفق التقرير، دفعت العلاقات الدولية القليلة لإريتريا نحو مزيد من الضغينة، حيث اتُّهمت أسمرة بدعم جماعة «الشباب» في الصومال لموقفهم المعادي لإثيوبيا.
وبعد ذلك جاءت الحرب على اليمن، واحتاجت الرياض وحليفتها أبوظبي إلى قواعد عسكرية وموانئ قريبة من الجبهة الأمامية، وكانت إريتريا مثالية لذلك.
كانوا في البداية يأملون استخدام جيبوتي لهذا الشأن؛ لكن الدولة اختلفت مع الإمارات بشأن كيفية إدارة شركة (DP World) لموانئها، لذا قررت أبوظبي البحث في مكان آخر.
وتم إقناع إريتريا بإنهاء علاقتها مع إيران، والانضمام للتحالف ضد الحوثيين، مما سمح للإمارات باستخدام ميناء عصب الواقع على البحر الأحمر كقاعدة عسكرية.
في المقابل، وعدت الإمارات والسعودية أفورقي بالاستثمارات التي يحتاج إليها بشدة، والمساعدة في إنهاء عزلته الدولية، وكانت النتائج أفضل مما توقع الطرفان.
فقد استفادت الإمارات كثيراً من ميناء عصب، حيث نقلت المرتزقة السودانيين من خلاله للمشاركة في الصراع، ثم أصبح المكان مركزاً لقواتها الجوية.
واستقبلت أسمرة استثمارات ضخمة، والأهم من ذلك أن أبوظبي أوفت بوعدها بالتصالح الدولي، وذلك بالتوسط في اتفاقية سلام بين إثيوبيا وإريتريا عام 2018. لم يتسبب ذلك فقط في فتح الحدود الإريترية الطويلة والسماح بتدفق البضائع والتجارة، بل دفع نحو ثورة دبلوماسية في القرن الأفريقي.
وشكلت أسمرة تحالفاً مذهلاً مع أديس أبابا بالهجوم المشترك على المتمردين الإثيوبيين في حرب تيجراي الوحشية (2020-2022)، واستأنفت علاقتها مع الحكومة الصومالية، وتمكنت من تهدئة النزاع الحدودي مع جيبوتي.
وأدت هذه التصالحات والضغط الإماراتي إلى رفع الأمم المتحدة عدداً من العقوبات المفروضة؛ لكن ليس من ضمنها حظر السلاح، في 2018.
ورغم أنه لم تحدث أي تغيرات محلية حقيقية، ومازال نظام حكم أفورقي الوحشي كما هو، إلا أن علاقات إريتريا الخارجية تغيرت تماماً، بسبب الحرب على اليمن.
حدثت تغيرات أقل درامية، وفق التقرير، لكنها بارزة في أرض الصومال أيضاً، فقد انفصلت الدولة (التي تحالفت مع المستعمرة البريطانية السابقة أرض الصومال) عن الصومال عام 1991، وتراجعت عن توحدها مع المستعمرة الإيطالية السابقة، ذلك التوحد الذي وقع بعد استقلال المستعمرة عام 1960.
ومع ذلك، كانت مطالب هرجيسا بالسيادة غير معترف بها من قبل الدول الأخرى، خاصة مع إعاقة الاتحاد الأفريقي قبول الانفصال دون اتفاق مقديشو الذي رفضته تماماً.
ولم تكن هرجيسا منعزلة تماماً، فقد تمتعت بعلاقات غير رسمية مع عدة دول، وكانت الحكومات الغربية تحديداً تحرص على دعم هذا المثال النادر من الديمقراطية الفعالة في القرن الأفريقي.
ومع ذلك عزز تدمير اليمن آمال تحويل تلك العلاقات إلى اعتراف دولي كامل، ومرة أخرى دفعت الإمارات نحو ذلك. وكجزء من تركيزها على المسرح الجنوبي في اليمن، سعت أبوظبي إلى إنشاء المزيد من القواعد العسكرية استكمالا لتلك التي أنشأتها في ميناء عصب.
كما كان ميناء بربرة في أرض الصومال (على الجانب الآخر من خليج عدن) ذا موقع مثالي، وقد اتفقت الإمارات على صفقة للاستيلاء على الميناء. ورغم أن اهتمام الإمارات في البداية كان متعلقاً بالحسابات العسكرية، إلا أنه كان هناك دائماً منطقاً تجارياً.
وتحالفت إثيوبيا مع الإمارات للاستثمار في الميناء، فهي تعلم جيداً أنه منفذ رئيسي لأديس أبابا المغلقة (غير الساحلية) والتي لا تملك سوى التجارة مع جيبوتي.
للمساعدة في ذلك، وبالإضافة إلى استثمار مبلغ 442 مليون دولار لتطوير منشآت ميناء بربرة، شاركت الإمارات مع المملكة المتحدة في تمويل طريق إثيوبيا - بربرة السريع لتسهيل التجارة.
ولن يعزز ذلك فقط اقتصاد أرض الصومال، لكنه سيمنحها أيضاً داعمين خارجيين قويين (الإمارات وإثيوبيا) مستعدين للدفاع عن أرض الصومال ضد مزاعم الصومال، وتأييد الاعتراف الرسمي بها في المستقبل.
وأدى الحد من مشاركة أبوظبي في اليمن إلى خفض التواجد العسكري في ميناء عصب، أمام قاعدة بربرة، فلم تدخل حيز التشغيل مطلقاً؛ لكن العلاقات الدبلوماسية والتجارية في القرن الأفريقي، والتي قامت بها الإمارات بسبب الصراع في اليمن، ما تزال قائمة.
ولا يوجد ما يضمن استمرار ذلك لسنوات مقبلة، وسيعتمد ذلك كثيراً على كيفية تفاعل إريتريا وأرض الصومال مع تغير المناخ، لكن مكانتهما تعززت بسبب الحرب على اليمن.
ويختتم التقرير بالقول: «هذا الوضع بالطبع لا يُقارن بالأرواح التي دُمرت في حرب اليمن؛ لكنه يكشف لنا كيف تؤدي مثل هذه الصراعات لعواقب مفاجئة ودرامية في مكان آخر».
موقع «ميدل إيست آي» البريطاني.
المصدر اليمن بالحبر الغربـي / لا ميديا