اليمن بالحبر الغربي -
يرى الصاعد إلى قصر معاشيق مناظر أخاذة؛ لكنها خادعة؛ فلون خليج عدن الأزرق يحجب عن العين الدمار والبؤس في الطريق إليه، وتسميته بـ«القصر الرئاسي” تضليل؛ فلا هو قصر ولا فيه رئيس. هو مجرد مجمع متواضع يستخدم كمقر للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، ورئيس وزرائها معين عبدالملك سعيد. لكن القرارات المهمة في البلد لا تُتخذ في هذا القصر، بل في العاصمة السعودية الرياض.
بمجرد وصول المرء إلى عدن، العاصمة اليمنية المؤقتة، يعرف فوراً ظلال تلك الوصاية السعودية بوصول رسالة هاتفية إلى هاتفه من شركة الاتصالات السعودية تتمنى للواصلين “إقامة سعيدة” في البلاد. أضف إلى أن الرياض تمتلك حق السماح والرفض لمن يريد دخول اليمن؛ كونها تسيطر على المجال الجوي اليمني. في أوائل نيسان/ أبريل، أجبرت السعودية الرئيس عبد ربه منصور هادي على الاستقالة واستبدلته بمجلس رئاسي من ثمانية أعضاء برئاسة رشاد العليمي، ومنذ ذلك الحين يتشارك رئيس الوزراء ورشاد العليمي قصر معاشيق.
معين عبدالملك من مواليد تعز، ويبلغ من العمر 46 عاماً، تخرج في القاهرة كمهندس، وشكل جزءاً من مؤتمر الحوار الوطني الذي حاول ضمان الانتقال السلمي للسلطة، بعد احتجاجات الربيع العربي. عُيِّن في 2018 بدعم سعودي رغم عدم الإجماع عليه. وقال معين لمجموعة من الصحفيين زاروا عدن مع مركز صنعاء قبل تشكيل مجلس القيادة الرئاسي: “هناك يمنيون يرون الأشياء بشكل مختلف عنا”. وتبدو كلمة “مختلف” كناية ألطف عن الوضع في بلد يعاني من الحرب منذ سبع سنوات.
مضت سبع سنوات، ودُفع ثلثا الشعب اليمني (يبلغ عدده 30 مليون نسمة) إلى حافة المجاعة. وعزز الحوثيون سيطرتهم على شمال غرب البلاد، المنطقة التي يقطن فيها 70 في المئة من السكان. أما باقي المناطق فتشارك مجموعات مختلفة في السيطرة عليها. ويأتي دعم تلك المجموعات للحكومة نتيجة عداوتها للحوثيين أكثر من قربها من بعضها. ترغب السعودية في إنهاء الحرب التي خرجت عن السيطرة (سحبت الإمارات قواتها عام 2019؛ لكنها ما تزال بنفوذها من خلال المليشيات المتحالفة معها)، ولذلك جاءت الرياض الآن بالمجلس الرئاسي الذي سيمثل جبهة مشتركة ضد الحوثيين، سواء في التفاوض على اتفاق سلام أم في قتالهم بفاعلية أكبر.
ورغم أن السعودية والإمارات تعهدتا بتقديم مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار (حوالى 2.8 مليار يورو) عند تشكيل المجلس، إلا أنه لا يخفى أن العديد من الخلافات تختبئ وراء ابتسامات أعضاء المجلس الثمانية (أربعة منهم من الشمال وأربعة من الجنوب)، والخلاف الرئيسي هو بين المجلس الانتقالي الجنوبي وحزب الإصلاح الإسلامي. حتى وإن أجبرهم الضغط الخارجي على تنحية عداواتهم الأيديولوجية والشخصية جانباً، إلا أنه لا يبدو أنهم على استعداد لإرسال رجالهم شمالاً لاستعادة السيطرة على صنعاء؛ فخلال السنوات الأخيرة لم تتركز المعارك سوى على الشرق في مأرب، مكان وجود الهيدروكربونات.
هناك تنوع كبير في الجنوب؛ ففي حين أن سيطرة المجلس الانتقالي في عدن واضحة في جميع مناطقها، إلا أن نفوذه في بعض المحافظات المجاورة ما زال مشكوكاً فيه. ففي عدن يسيطر المجلس على الحواجز والنقاط العسكرية على مداخل مقر الحكومة في معاشيق بعد أن تسلمها من القوات الإماراتية. أما الحرس الرئاسي السابق فلا يسيطر سوى على النقطتين الأخيرتين. تُرفع أعلام الانفصال في كل تلك النقاط. ويقول أحد مستشاري معين عبدالملك حزيناً: “لا يمكننا حتى رفع العلم الوطني”.
يرى المواطنون على مستوى الشارع أن الحكام معزولون في برج عاجي، ويطالبون بالخدمات الأساسية، كالكهرباء ومياه الشرب والتعليم والصحة. يعترف رئيس الحكومة، وهو الرابع منذ “انقلاب” الحوثيين، بالقيود الموجودة، ويقول: “نحاول الحفاظ على نواة مؤسسات الدولة ليكون من الممكن إعادة بنائها”. حتى سكن رئيس الوزراء، معين عبدالملك، كان يعاني من انقطاع الكهرباء خلال زيارة الصحفيين. ويقول رئيس الوزراء إنه يحاول حل المشاكل بدون ميزانية منذ 2014: “نحن نفعل ما في وسعنا”.
تعتمد عبارة “ما بوسعنا” على ما يقرره رعاتهم الأجانب؛ ففي الحقيقة أتى معين إلى عدن نتيجة اتفاق بين السعودية والإمارات في الرياض نهاية عام 2019، والذي نص على مشاركة المجلس الانتقالي الجنوبي في الحكومة.
انعدام الثقة يُصعّب على الدولة فرض سلطتها على شبكات المصالح التي تتشكل وتكبر تدريجياً وتحول البلاد إلى مملكة طوائف. إن لم يتحد الجميع لتكوين جبهة مشتركة، سيكون من المستحيل التوصل إلى تسوية مع الحوثيين، الذين يسيطرون على صنعاء وشمال اليمن؛ لكن حتى إن نجح المجلس الرئاسي، فإن تخندق الحوثيين يجعل التوصل إلى اتفاق أمراً بعيد المنال. ويخشى الكثير من اليمنيين أن تؤول الأمور إلى تثبيت انقسام البلاد.

انخيليس اسبينوسا
 صحيفة “إلبايس” الإسبانية