«لا» 21 السياسي -
قالت الولايات المتحدة إن الوقف الدائم لإطلاق النار، والتسوية السياسية الشاملة بقيادة يمنية، هما السبيل الوحيد للمضي قدماً لإنهاء الصراع في اليمن.
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية، في بيان، الأربعاء، إن المبعوث الخاص إلى اليمن، تيم ليندركنج، بدأ الثلاثاء زيارة إلى الأردن والسعودية، من أجل دفع جهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة ودعم الأطراف اليمنية إلى التوصل لاتفاق حول تمديد الهدنة وتوسيعها.
الخارجية الأمريكية دعت «الحوثي» إلى التعاون مع الأمم المتحدة، و»الاستماع لمطالب اليمنيين بالعدالة والمساءلة والسلام».
غير أن هذه الإكليشيهات الأمريكية النمطية باتت اليوم مكشوفة ومفضوحة أكثر من أي وقتٍ من أوقات العدوان على اليمن. فقبل أسابيع، وعندما دعا السناتور بيرني ساندرز إلى التصويت تأييداً لقرار صلاحيات الحرب، الذي من شأنه أن يحظر الدعم الأمريكي للجهود الحربية التي تقودها السعودية في اليمن، تراجعت إدارة بايدن على الفور، وجاء في نقاط البحث الذي أعده البيت الأبيض، والتي عُممت سراً: «تعارض الإدارة بشدة قرار سلطات حرب اليمن على عدد من الأسس؛ لكن خلاصة القول أن هذا القرار غير ضروري، وسيُعقد إلى حد كبير الجهود الدبلوماسية المكثفة والمستمرة لإنهاء الصراع. كانت الدبلوماسية غائبة، وكانت الحرب محتدمة في 2019. لكن ليس هذا هو الحال الآن؛ فبفضل دبلوماسيتنا التي لا تزال مستمرة وناعمة، توقف العنف فعلاً خلال تسعة أشهر تقريباً».
ومع ذلك، فإن ادعاءات البيت الأبيض أن دبلوماسيته تنجح، تقوضها تحركاته السياسية والوقائع على الأرض، فلطالما وقف مبعوث بايدن إلى جانب تحالف العدوان ضد اليمنيين، وقال منتقدو سياسة واشنطن في الملف اليمني إنه بدون نهج منصف بحثاً عن حل سياسي وتخفيف حدة الأزمة الإنسانية، فإن مكائد إدارة بايدن لا يمكن اعتبارها جهوداً دبلوماسية صادقة.
وقال جمال بن عمر، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن حتى سنة 2015، لموقع «إنترسيبت»: «لم نشهد أي تقدم دبلوماسي على الإطلاق»، مشيراً إلى أنه «لم تكن هناك عملية سياسية ولا مفاوضات ولا حتى آفاق لها؛ لذلك يمكن العودة إلى حرب شاملة في أي وقت». وبدلاً من طلب تنازلات من حلفائها في التحالف السعودي، ساهم انحياز الإدارة الأمريكية في انهيار الدبلوماسية.
وأضاف بن عمر: «كانت هناك تهدئة في القتال؛ ولكن نظراً لعدم وجود جهود متضافرة لدفع العملية السياسية قدماً، فإن هذا الهدوء مؤقت على الجبهات، وكل الأطراف تستعد للأسوأ». وبحسب تعبيره فإن «الوضع هش جداً؛ لأن اليمن أصبح مشتتاً الآن وهناك مناطق مختلفة من البلاد تحت سيطرة أمراء حرب شتى».
المساعي (الدبلوماسية) التي استشهد بها البيت الأبيض إلى حد كبير في معارضة قرار ساندرز بشأن قرار سلطات الحرب (وهي جهود غير فعالة حتى الآن وتمنح الرياض مجالاً للمناورة) تتبع النمط الذي اتبعته الإدارة الأمريكية منذ وقت مبكر عندما تعهد بايدن بالسعي لإنهاء «العمليات الهجومية» في حرب اليمن، فيما انخرطت السعودية في حملة القصف الأكثر عدوانية تحت عنوان «العمليات الدفاعية».
وقال بروس ريدل (محلل مخضرم في وكالة المخابرات المركزية وزميل أول بمعهد بروكينغز)، في رسالة بالبريد الإلكتروني لموقع «إنترسيبت»: «وافق السعوديون على الهدنة بعد أن أدركوا في وقت متأخر أنهم يغرقون في مستنقع باهظ الثمن». وأضاف أن «فريق بايدن ساهم في وصولهم إلى هذه النقطة، إلى جانب الكثير من المساعدة من الأمم المتحدة وسلطنة عمان».
وألقت حكومة صنعاء باللوم على الرياض والولايات المتحدة لتجنب القضية الأهم: دفع الرواتب الشهرية لموظفي الدولة، واضعةً هذه القضية كشرط لتجديد الصفقة؛ لكن السعوديين وافقوا فقط على رواتب العاملين في قطاعي الصحة والتعليم، بينما أكدت صنعاء أن عائدات صادرات النفط، التي تمثل ما يقرب من 70 بالمائة من ميزانية اليمن، يجب تخصيصها لدفع رواتب جميع الموظفين العموميين؛ ولكن لا يمكن لأي دبلوماسية يقودها بايدن -سواءً كانت مكثفة أو حساسة أو مستمرة أو غير ذلك- إقناع السعوديين بالتوقف عن تحويل أموال الموظفين العموميين اليمنيين إلى الرياض.
وألقى تيم ليندركينغ باللوم على صنعاء في المأزق الحالي، منتقداً «مطالبة الحوثيين في اللحظة الأخيرة من الحكومة اليمنية (حكومة الفنادق) بتحويل عائدات تصدير النفط المحدودة لدفع رواتب المقاتلين الحوثيين النشطين».
إن ما تعتبره الولايات المتحدة غير واقعي هو في الواقع مطلب الديمقراطيين في الكونجرس، فما طالبت به صنعاء كشرط لتجديد الصفقة، ولم يكن مستحيلاً أو حتى غير واقعي؛ حيث دعا 16 من أعضاء مجلس الشيوخ -إلى جانب العديد من منظمات الإغاثة- بايدن في أيار/ مايو 2021 لإنهاء الحصار السعودي. وفي حين أن إدارة بايدن قررت إبقاء الحصار وسيلة ضغط في المفاوضات، قال أعضاء مجلس الشيوخ إن الحظر «يجب أن ينتهي اليوم، وأن يتم فصله عن المفاوضات الجارية».
بالنسبة للمنتقدين فإن موقف إدارة بايدن -باعتبارها أن مدفوعات الموظفين العموميين اليمنيين باهظة كثمن لتأسيس وقف جديد لإطلاق النار- ليس نهجاً جاداً لإنهاء الحرب.
وقالت شيرين الأديمي، الأستاذة المساعدة في جامعة ولاية ميشيغان وزميلة غير مقيمة في معهد كوينسي: «هذه المطالب تفيد العمال اليمنيين العاديين، وليس حكومة صنعاء نفسها»، مشيرة إلى حكومة الحوثيين في العاصمة صنعاء. وأضافت: «إن ما هو غير واقعي، بل وقاسٍ، هو الاستمرار في حرمان ملايين الموظفين العموميين من رواتبهم لسنوات عديدة، وإفشال مفاوضات وقف إطلاق النار بسبب مطلب إنساني وليس سياسياً أو عسكرياً».
حتى الآن لم تُظهر دول العدوان أي بوادر حسن نية إلا في مواجهة العنف الموجه ضد أبوظبي وحقول النفط السعودية، وليس من خلال المفاوضات التي تدعيها إدارة بايدن، التي إما أن تعاند وترفض تلبية مطالب اليمنيين المعقولة مع صد معارضة الكونجرس للحرب، وإما يمكن للبيت الأبيض الضغط على السعوديين من أجل إنهاء فعلي للحرب. وفي محاربته لقرار ساندرز، اختار البيت الأبيض العناد، حيث إن دبلوماسية إدارة بايدن مستمرة؛ ولكن ليس من الواضح أنها ستحقق أي شيء يذكر، مما يجعل تجدد العنف يبدو الآن أمراً لا مفر منه، كما يخلص شعيب المساوع في «إنترسيبت» الأمريكي.