«لا» 21 السياسي -
لو كنت أعرف أن التفاهة ستتفوق على النبوغ، والكراسي المتحركة على أجنحة النسور، والقردة على الغزلان، ونخالة القمح على لينين، وجوارب النايلون على ماو تسي تونغ، وضجة البورصة على أصابع شوبان، وأحمد عدوية على أحمد عرابي، وبصمة الأمي على المعلقات السبع، وأن زكريا تامر سيدور العالم متلمساً نظارته بيد والجدران بيد بحثاً عن لقمته ولقمة أطفاله، وأن ابن الشهيد كمال خير بك سيعرج باكياً بين جمال الشارقة، وأن أنسي الحاج سيقضي نصف يومه في تناول المهدئات لينام ونصفه الآخر في تناول المنبهات ليستيقظ، وأن عصام محفوظ يهذي في شوارع باريس الخلفية عن ماركس والمخابرات المركزية وفتة المقادم، وأن عبدالوهاب البياتي الذي بنى كل أمجاده الأدبية والسياسية على أساس أن جميع أجهزة الأمن العربية والغربية والشرقية تطارده، لم يدخل مخفراً في حياته ولم يعترض طريقه ولو شرطي مرور، وأن أمة الجاحظ وابن سينا وابن رشد وابن خلدون وابن المقفع وأبي العلاء المعري وأبي الأسود الدؤلي وأبي العتاهية سترتعد فرائصها -من المحيط إلى الخليج- من قارئ جريدة بالمقلوب عند منعطف أو زاوية مقهى، وأن العربي في نهاية المطاف لن يستطيع أن يجابه أي شيء أو يهرب من أي شيء، وأن انفجار الأدمغة بين صفوف هذا الجيل سيصبح من الحوادث اليومية كانفجار دواليب السيارات... لو كنت أعرف كل هذا، ما كان لكل قوات الطوارئ الدولية أن تفكّ الاشتباك بيني وبين «الداية» التي ولدتني!

محمد الماغوط