«لا» 21 السياسي -
بعد ساعات من لقاء جمع السفير الصيني في اليمن بمحافظ حضرموت في مقر إقامته في الرياض، وصل دبلوماسيون صينيون إلى عدن بمبرر تفقد مقر سفارة بلادهم هناك، لأول مرة منذ بدء العدوان في العام 2015، وفق لتعليق السفارة الصينية على صفحتها الرسمية.
بالتزامن مع هذه الزيارة عقد القائم بأعمال السفارة الصينية لقاءات بمسؤولين في حكومة الخونة، آخرها مع المرتزق حسين الأغبري، المسمى وزيراً للإدارة المحلية.
في التحليل، وبعيداً عن زركشات الدبلوماسية وإكليشهات السياسة، فإنه وخلال ما أُطلق عليها اسم القمة الصينية العربية الأولى التي عقدت في الرياض، طُلب من الصين المساعدة في زيادة حجم المساعدات الاقتصادية والإنسانية لإنهاء الحرب في اليمن ومتاعب شعبها، بحسب الخبير الروسي فاليري كوليكوف، بموقع «نيو إيسترن أوتلوك». وهذا المطلب وفقا للخبير ذاته يدل بوضوح على الاعتراف بالسلطة الإقليمية لبكين من قبل الرياض (ومرتزقتها)، والتي أبرمت مع بكين قبل أيام اتفاقيات أبرزها تشكيل قوة مشتركة في باب المندب (على طريق التجارة والحريري الصيني)؛ لكنه لا يعني بالضرورة مراهنة صنعاء مجدداً على أي دور صيني في القضية اليمنية كما راهن البعض من قبل على الروس للأسف.
وتُظهر زيارة الرئيس الصيني إلى الشرق الأوسط وأحدث الاتصالات الصينية العربية بوضوح أن الصين أتت إلى المنطقة من أجل أن تبقى لفترة طويلة.
ومع ذلك فالولايات المتحدة تحرص على إبقاء التعاون العسكري بين دول الخليج وحلفائها العرب عموماً وبين الصين محدوداً وبعيداً عن المستويات الاستراتيجية، خاصة أنظمة الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة من الأجيال المتقدمة والصواريخ الباليستية وأنظمة التجسس العسكرية. وهي سياسة لا تقتصر على الأسلحة الصينية، وإنما تشمل أيضاً الأسلحة الروسية، حيث تعتمد السعودية ودول الخليج بصورة رئيسية على المعدات العسكرية الأمريكية، فقد حصلت السعودية على 73% من مشترياتها العسكرية من الولايات المتحدة في الفترة 2015-2019، وهو أمر لا يمثل فقط سوقاً مربحة جداً لشركات السلاح الأمريكية؛ لكنه أيضاً يحافظ على نفوذ أمني أمريكي طويل المدى في المنطقة يشمل مثلاً عقود وبرامج تدريب مشتركة طويلة الأجل، وتواجداً ميدانياً في كافة دول الخليج، وهي أمور لا تسعى واشنطن للتخلي عنها لمصلحة الصين أو روسيا.
ويجب ملاحظة أن تعاون السعودية العسكري مع الصين ما زال محدوداً مقارنة بالولايات المتحدة؛ ففي عام 2021 باعت واشنطن أسلحة بقيمة 1.3 مليار دولار للمملكة، بينما باعت الصين أسلحة بقيمة 40 مليون دولار فقط.
وحتى الآن ما زالت السعودية حريصة على إعادة تجديد تحالفها الأمني والعسكري مع واشنطن، وتسعى لوضع إطار اتفاق واضح يدعمه الكونجرس ولا يخضع لتقلب توجهات إدارات البيت الأبيض.
كما أن ابن سلمان يحتفظ بعلاقة قوية مع الحزب الجمهوري الأمريكي، ومرشحه المحتمل في الانتخابات الرئاسية القادمة، الرئيس السابق دونالد ترامب، وبالتالي فإن أحد أهداف القمة الصينية السعودية إرسال رسالة إلى إدارة بايدن الديمقراطية في التوتر المتبادل معها أكثر منها انعطافة كاملة تجاه الصين.
في الجهة المقابلة فإن إيران قد تكون قلقة من توثيق وتعميق العلاقات الصينية السعودية أكثر من واشنطن، فمع بروز الصين كقوة دولية صاعدة، لا تريد الرياض أن تنحصر علاقات بكين في منطقة الخليج فقط في علاقات استراتيجية مع إيران، التي وقعت معها بكين العام الماضي اتفاقية شراكة استراتيجية تمتد إلى 25 عاماً قيل إنها بقيمة 400 مليار دولار.
وأسفر عن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخيرة إلى الرياض توبيخ دبلوماسي نادر من طهران، حسبما ورد في تقرير لموقع (The Diplomat)؛ إذ أرسلت الحفاوة التي أحيطت بها الزيارة إشارات قوية إلى أن العلاقات الصينية السعودية تدخل مرحلة جديدة من التطور السريع، وقد يعني ذلك ضرراً واضحاً لطهران في تنافسها الذي طال أمده مع المملكة العربية السعودية.
ورغم أن الصين سارعت إلى احتواء الخلاف مع إيران، الناجم عن تبنّيها، خلال القمّة الصينية - الخليجية الأخيرة، بياناً مشتركاً بشأن جُزر «أبو موسى» و«طنب الكبرى» و»طنب الصغرى» في الخليج، وملفّات أخرى، إلّا أن زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، الأخيرة إلى الرياض، طرحت سؤالاً كبيراً عما إذا كانت بكين في صدد التخلي عن سياستها المتوازنة إزاء الصراعات الإقليمية لتقترب أكثر من النظام السعودي، مقابل تعزيز وجودها في المنطقة، وتالياً حول أخلاقيات السياسة الخارجية لبكين.
ومَردّ هذه التساؤلات -كما يقدم لذلك حسين إبراهيم في «الأخبار» اللبنانية- «لا اللهجة التي تضمّنها البيان ضدّ إيران فقط، وإنّما أنه عكَس تبنّي بكين وُجهة نظر النظام السعودي ذي الأدوار المعروفة، مقابل تعظيم حصتها من التجارة مع دول الخليج، والتي تَنظر إليها على أنها أكثر إفادةً لها بكثير من تجارتها مع طهران. وبدا هذا التصرّف مشابِهاً لتصرّف الأمريكيين في الاستفادة من التحالف مع دولة ما، ثمّ إدارة الظهر لها عند الحصول على وضعية أفضل مع دولة أخرى، ولاسيما إذا اقترن الحال بمساعدة صينية للمملكة على امتلاك تكنولوجيا سلاح».
تعتقد بكين -وفق ما تورده صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ ديلي»- أن الوقت قد حان لاتخاذ خيارات واضحة تتعلق بمصالحها. وللمقارنة عندما زار شي السعودية عام 2016 انتقل بعدها إلى إيران؛ لكنه في زيارته الأخيرة مكث ثلاثة أيام في المملكة، ثم عندما عبّرت طهران عن انزعاجها من البيان الصيني - الخليجي، أرسل نائب رئيس الوزراء، خو تشون خوا، لاحتواء الخلاف وطمأنة الإيرانيين إلى موقف بلاده.
ومع أن السياسة لم تكن يوماً أسود وأبيض، فإن الأسئلة تظل معلقة بانتظار المزيد من المواقف الصينية التي ستبين إن كان ارتداء بينغ البشت الأمريكي في الرياض مجرد تكتيك مرحلي أم أنه قرار استراتيجي.
وفي كلتا الحالين -بالنسبة لليمن- فالأمر سيان؛ فشي جين بينغ مثله كمثل حكام واشنطن، مجرد تجار شنطة وسلاح ودم. فمنذ تبني الزعيم الصيني الراحل دينغ سياو بينغ اقتصاد السوق بدل المُوجَّه في نهاية سبعينيات القرن الماضي، اختارت الصين أن تُنافس الولايات المتحدة تحت سقف العلاقة المتناظرة معها وما بين مرايا النظائر والتناظر لا غير. ولعل الموقف الأخير لشي جين بينغ، بشأن إيران خلال القمّة الصينية - الخليجية، هو نسخة أكثر غلوّاً من براغماتية دينغ، نحو تقديم المصلحة القومية على أيّ شيء آخر.
لا أدعو إلى استدعاء العداء للصين؛ لكني أشير إلى وجوب الانتباه للتناظر البراغماتي القذر بين واشنطن وبكين، ولزوم التعامل مع الصين كما أمريكا؛ فكلاهما تاجر حرب يبيع للنفط أرواح ملايين اليمنيين.
الصين، التي تساعد بني سعود على تشييد منشأة لاستخراج الكعكة الصفراء من خام اليورانيوم وهي القضية التي كشفتها الصحافة الدولية عام 2020، هي ذاتها الصين التي أبرمت اتفاقية مع السعودية لبناء طائرات عسكرية بدون طيار داخل المملكة بقيمة 65 مليار دولار.
وفي آذار/ مارس الماضي، خلال معرض للفضاء في الرياض، وقعت الشركة السعودية للأنظمة الإلكترونية وأنظمة الاتصالات المتقدمة (Aerial Solutions) عقداً مع شركة دفاع صينية لتصميم وتصنيع طائرات بدون طيار عسكرية في المملكة.
وتضمنت اتفاقية الاستثمار هذه أيضاً برنامج تطوير طائرات الطيران العمودية وأنظمة الدفاع المضادة للطائرات بدون طيار وقطع غيار طائرات الهليوكوبتر.
كما أعربت الرياض عن اهتمامها بشراء نظام الدفاع الصاروخي الصيني الحديث (LY-70).
وفي 2017 أيضا، أعلنت وكالة أنباء «شينخوا» الصينية أكبر صفقة لتصدير الأسلحة في البلاد ستزود بموجبها بكين الرياض بـ300 طائرة بدون طيار من طراز (Wing Loong II) عبر مجموعة صناعة الطائرات (Chengdu Aircraft Industry Group).
إنها طائرات «وينغ لونغ» التي ساهمت في قتل الآلاف من اليمنيين وأسقطوا منها العشرات، ولا عزاء للمراهنين على ذوي الأنوف الفطس والعيون الضيقة، فالرهان على الله وحده.