استطلاع: بشرى الغيلي / لا ميديا -
يدفعن ثمنا باهظا لـ «ثقافة العيب» و«المسكوت عنه» خشية أن يظهرن للمجتمع أنهن تعرضن للابتزاز، وإيقاف الجريمة قبل وقوعها. 
كل يوم تزداد هذه الظاهرة الخطيرة، وما يظهر على السطح ليس إلا القليل منها، حسب المحامي علي الرهيدي، ومعظم ما يحدث يتم التعتيم عليه، مما يجعل الضحايا يلتزمن الصمت ، حتى لا تتفاقم المأساة. 
تشير التقديرات إلى أن في اليمن ما يزيد عن 8 ملايين مستخدم للإنترنت مع نهاية العام المنصرم 2022، أي أكثر من ربع السكان، بينهم من  لا يجيدون القراءة والكتابة ويجهلون كل شيء عن الأمن السيبراني. 
الكثير من قصص ضحايا الابتزاز في استطلاع «لا».

ابتزني بصوري وزوجي طلقني!
أم مناف (ربة بيت) انتقلت من الريف إلى المدينة، وكانت قد أنجبت بنتين وولداً. تقول: “زوجي مغترب كان يقضي فترة طويلة في الخارج، ما جعلني اتحمل المسؤولية بمفردي، وعلمت أنه قد تزوج في الغربة، وهذا سبب إهماله لنا، ولم يكن لديّ أحد أشكو له همومي. وبعد فترة انتقلنا لسكن آخر، وهناك تعرفت على ابنة صاحب العمارة، وكنا نسمر ونخزن معاً، وعلمت بغياب زوجي الطويل، فنصحتني أن أتقرّب إليه، بأن أتصوّر بكامل زينتي، وأقنعتني أن هذا سيجعل زوجي يعود إليّ سريعا”.
وبحسب أم مناف، فإن صديقتها صوّرتها بجوالها المطور، لأن جوال المغدور بها قديم ولا يصلح لتحسين الصور، وفجأة تسربت صورها لشخص مجهول، وبدأ الابتزاز: “إذا لم ترسلي بفلوس سأرسل صورك لزوجكِ وابنكِ!”.
تقول أم مناف أنها لم تستشر أحدا، واستسلمت للابتزاز، فتضاعفت المبالغ المطلوبة، وعندما لم تستطع دفعها، أخبرت صديقتها التي صورتها، فكان ردها عليها: “روحي لك بعيد مني وحركاتك هذه!”.
وهكذا وصلت الصور إلى جوال زوجها، وابنها، وصور الحوالات والمبالغ التي كانت ترسلها، فلم يتفهم زوجها إنها ضحية لابتزاز، فطلقها، وعادت إلى قريتها.

المديرة كسرت الجوال في طابور الصباح
أم أمير (موظفة) تسرد واقعة حدثت لابنتها في المدرسة، حيث قامت إحدى زميلاتها بتصوير الطالبات بكاميرا مموهة خلف فناء المدرسة”.
إلا أن يقظة مديرة المدرسة أنهت المكيدة على خير قبل أن تتفاقم لعبة الابتزاز.

أرسل لي صوري من جوالي المسروق
وضعت دعاء (ممرضة) تلفونها في العيادة ليُشحن أثناء عمل الفحوصات لمريضة. فاختفى الجوال. 
تقول دعاء: كان يحوي صور عرس أختي، فأخذت جوال إحدى الطبيبات واتصلت على رقمي فكان مغلقاً؛ رغم أنني لم أغلقه. لم أدرِ كيف أتصرف حينها!”.
وفي أحد الأيام، بدأ مجهول بابتزازها إلا أنها لجأت لخبيرة برمجة فحالت دون حصول الكارثة.

المحكمة أطلقت المبتز دون معرفتي!
“كان هناك عزاء في بيت عمي (والد زوجتي)، وحضر عدد من المعزيات إلى البيت، وتم أخذ فلاش يحتوي على صور عائلية، وتم نسخها وإعادته إلى مكانه السابق، حيث كان في الدولاب، ولم نعرف مَن مِن النساء الحاضرات قامت بنسخها، وبعد حوالى أربعة أشهر قام شخص بمراسلتي عبر الواتس، وطلب مني مبالغ مالية مقابل عدم نشر الصور في مواقع التواصل الاجتماعي”. بهذه السطور يسرد عبدالحكيم (موظف) لـ”لا” قصة الابتزاز التي تعرّض لها.
يواصل: “قال لي المبتز: أرسل الفلوس إلى تعز، الواقعة تحت سيطرةِ فصائل العدوان. كنت أطلب منه اسم المستلم لكي أعرف من هو؛ لكنه أعطاني اسما آخر، ولديه بطاقة، ودار بيني وبينه حوار، وبعد التتبع والمراقبة توصلتُ لخيط خلية الابتزاز، وتم القبض على اثنين منهم، وهما يتبعان العدوان في مدينةِ تعز، وشخص آخر من مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية، وبعد القبض على أحد أفراد الخلية اعترف بأن من قام بإيصال الصور إليه هو شخص في مناطق سيطرة الجيش واللجان الشعبية، وتم القبض على مصدر الصور، واعترف بحضور والده في إدارة الأمن وأمام المواطنين، وأمام جهات الاختصاص في البحث بأنه قام بإيصال الصور إلى مناطق سيطرة العدوان وسلمها لهم، حيث أبو الولد الذي تم القبض عليه أتى ليهددني”!
يضيف عبدالحكيم: “وأرسل إليّ أناسا لتهديدي لكي أتنازل؛ ولكنني رفضت الرضوخ لهم، وأخبرتهم أنني سأحمل كفني في يساري وأدافع عن شرفي وعرضي ولم أتنازل”.
ويختم حديثه: “تحولت القضية إلى النيابة، حيث كان هناك دبلجة ووساطة، حتى تم تقييد القضية على أنها تهديد وليست تشويه سمعة وابتزازا؛ كون الابتزاز من القضايا الجسيمة، ثم تحولت إلى المحكمة، وتم إطلاق السجين دون معرفتي، بعد ذلك كان ممثل النيابة بالمحكمة يغيب أثناء جلستي وغاب فيها ثلاث مرات وتمت مماطلتي، حتى خسرت سبعة ملايين تقريبا، ولم أجد حلا للقضية وإنما مماطلة، ثم جاؤوا إليَّ واتفقنا على صلح وتنازل... 
وحضرنا لإغلاق ملف القضية، وأصدر القاضي حكما فيها، وتم إغلاق الملف، ولم يوصل إلينا صورة الحكم حتى الآن، نتيجة مماطلة وتعصب أمين السر”.

اعتقدت أنه “ابن ناس”... فطلع ابن حرام!
أم عبدالرحمن (ربة بيت) تقول لـ”لا”: “لديّ ثلاثة أطفال، وحياتي مع زوجي عال العال، والحمد لله. وذات يوم خرجت إلى السوق لأشتري بعض الأغراض، فاتصل زوجي وأنا في السوق، ورددت عليه، وأتذكر أنني وضعت جوالي في الشنطة، ولم أركز حينها أنه سقط مني فوق التاكسي الذي أوصلني. وبعدما أدركت أنني فقدت هاتفي، حاولت الاتصال برقمي، ليرد عليّ صاحب التاكسي. شعرت بالخوف أن أكلم زوجي بضياع جوالي، لأنه من النوع الذي يصعب أن يتفهم بسهولة، فأحس صاحب التاكسي بأنني خفت، فقال لي: لا تخافي بارجع لكِ تلفونكِ”.
تضيف أم عبدالرحمن: “كان الجوال يحتوي على ذاكرة خارجية، فنسخ كل شيء وأعاده بعد أن فتش جوالي ونسخ الملفات الخاصة، وعندما سلّم لي جوالي أعطيته حق المشوار، فرفض أخذ أي شيء، فقلت في نفسي: هذا ابن ناس، حافظ على جوالي وأوصله إلى يدي. لكن بعد شهرٍ ونصف رن هاتف زوجي، ولم يرد المتصل... ذلك الذي اعتقدت أنه ابن ناس طلع ابن حرام وخرب لي بيتي”.

تطبيقات للسرقة
أما أم ربيع (مساعدة طبيب في عمليات مشفى خاص) فتقول إنها “أثناء ما كانت تجهّز المريضة للعملية حكت لها قبل أن يحضر طبيب التخدير أن زميلا لها أرسل لها تطبيقا عبر البلوتوث من جواله على أساس أنه يزيد سرعةِ هاتفها حسب زعمه، ومن حسن حظها أن التي كانت تتحدث إليها مهندسة برمجة، فنصحتني أن أحذفه من جوالي فورا؛ لأن التطبيق كان عبارة عن برنامج يحوّل الصور والرسائل إلى جواله، وقلت لها إنني كنت أشعر بتصرفات غريبة من هذا الشخص، وبفضل الله وفضل تلك المرأة نجوت من ذلك الشخص المحتال”.
تختم: “أحذر أي فتاة من قبول أي تطبيق من أحد إلا سوق بلاي وتحمله بنفسها”.

لا تتعامل مع المبتز وسارع لإبلاغ الجهات المختصة
ولوزارة الداخلية الكثير من الإنجازات على المستوى الأمني، خاصة في موضوع الابتزاز الإلكتروني. عن ماهيةِ اللوائح التي وضعتها وزارة الداخلية للحد من هذه الظاهرة الخطيرة، يقول لـ”لا” المقدم عمار حجازي، مختص في مكافحة الجرائم الإلكترونية بالوزارة: “الوزارة في الوقتِ الحالي تناقش إقرار قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وتوجد لدينا إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بالإدارة العامة للبحث الجنائي، وتتعامل مع قضايا الابتزاز الإلكتروني”.
وعما إذا كان قد تم وأد أي جريمة ابتزاز قبل وقوعها، نتيجة أي بلاغٍ قُدم من قبل الضحايا، يوضح أن الكثير من القضايا التي وصلت للوزارة تم معالجتها.
وطرحت صحيفة “لا” على المقدم حجازي تساؤلاً مفاده أنه من خلال جمع بعض قصص ضحايا الابتزاز اتضح أنهن طلبن أن يكون هناك خط ساخن خاص بجرائم الابتزاز، أجاب حجازي: “إن وزارة الداخلية لديها خط ساخن مخصص لاستقبال شكاوى المواطنين وهو الرقم (199)”.
وعن الرسالة أو النصيحة التي يقدمها عبر “لا”، يقول حجازي: “يجب عدم تخزين أو مشاركة الصور الخاصة باستخدام الأجهزة الإلكترونية أو عبر وسائل التواصل عشوائيا، والذي قد يعرض الفتاة للابتزاز الإلكتروني. ينبغي تجنّب فتح أية روابط أو رسائل أو إعلانات مجهولة، أو مشبوهة، وإلغاؤها فورا. يجب المسارعة إلى حظر الأرقام المجهولة، وخصوصاً الأرقام الدولية الوهمية، والحذر من التعامل معها أو استخدامها، عند الوقوع ضحية الابتزاز الالكتروني ينبغي تجنب التعامل مع المبتز والمسارعة إلى إبلاغ الجهات المختصة”.

خوف الفتاة يسهل الابتزاز والتمادي فيه
توقفت “لا” عند آراء المختصين القانونيين، ومنهم المحامي علي الرهيدي، الذي أوضح قائلا: “أعتقد أن هناك عدة أسباب وراء ظاهرة ابتزاز الفتيات، التي كثرت مؤخرا. مجتمعنا مجتمع ذكوري، وكذلك الخوف الذي يتملك الفتاة ويجعلها غير قادرة على المواجهة بثقة وشجاعة، لذلك تلجأ الفتاة إلى مداراة الأمر لتحله بعيدا عن معرفة الأهل والأسرة والجهات الرسمية، وهذا يسهل عملية ابتزازها، وتقوم بتنفيذ طلبات المبتز التي لا تنتهي، في الوقت الذي تظن فيه أن تنفيذ طلبه لمرة واحدة سينهي الأمر، بينما تجد المبتز في كل مرة يوقعها بأخطاء أشد من السابقة حتى تصبح فريسة يُطبق عليها أنيابه، وتصبح طائعة منقادة، وذلك بسبب ثقافة أفراد الأسرة والمجتمع الذي لا يتفهم الأمور عند حدوث الخطأ من الفتاة ومعالجته بالطريقة الصحيحة، وعدم إعطاء الأمور أكثر من قدرها”.
يضيف الرهيدي: “أيضاً من الأسباب عدم نشر القوانين واللوائح الضابطة لسلوكيات أفراد المجتمع، وعمل إضاءة كافية عليها في مختلف وسائل الإعلام، حتى تدرك الضحية أن هناك حماية لها، وليعرف من يحاول ابتزازها أن هناك عقوبة لمن تسول له نفسه ممارسةِ هذه الجريمة”.
وعن الإجراءات القانونية في مثل هذه الحالات، يقول الرهيدي: “قبل أي إجراء قانوني، يجب على الفتاة في حال تعرضت للابتزاز أن تقوم بإجراء اجتماعي في إطار أهلها وأفراد أسرتها؛ سواء الوالدين أو الزوج أو الإخوة، وتطلعهم بكل صدق على الأمر، وأن المبتز يريد استغلالها لابتزازها، وتطرح المبررات والأسباب التي كانت وراء ذلك، وتجعلهم يتفهمون ليكونوا سندا في حمايتها. بعد ذلك تقوم بإبلاغ الجهات الأمنية المختصة في إطار سكنها وتقييد بلاغ شكواها موضحة ما حصل، وتبين المحاولات التي يقوم بها المتهم إذا كان الأمر في بدايته، وإذا تم ابتزازها، والآن يكرر المتهم عملية الابتزاز توضح كافة الطرق والوسائل التي استخدمها المتهم والأماكن التي تمت فيها، وتحدد الأرقام لتسهل عمل المختصين الأمنيين تعقب المتهم والقبض عليه”.
أما بخصوص قضايا الابتزاز التي تصل إليهم كمحامين، فيؤكد الرهيدي أنها قليلة جدا أمام العدد الحاصل في الواقع، ويقول: “ننصح الفتاة التي تتعرض للابتزاز أن تكون قوية وواثقة بذاتها أنها إنسان له حق الدفاع عن حقوقه وأخذها، وأن القانون بصفها ويوفر لها الحماية. كذلك عليها أن تمتلك الشجاعة الأدبية التي تواجه بها أهلها وأفراد أسرتها وتطلعهم على الأمر وإيضاحه، ليكونوا سندا وحماية لها. كذلك ألا تتردد في إبلاغ الجهات الأمنية، وأن تذكر كل ما حدث وتقوم بتنفيذ أوامر وتوجيهات الجانب الأمني، وأن تتصرف مع المتهم وفقا لما يحدده رجال الأمن”.
وجّه أيضا المحامي الرهيدي رسالة إلى المجتمع بضرورةِ منح الفتاة الثقة الكافية التي تجعلها تصارحهم بل وتطلعهم على كل تصرفاتها ليكونوا على علمٍ تام بها من أجل تصويبها عند اللزوم، و”يجب علينا كأفراد في هذا المجتمع الذي يعيش ويواكب تطورات وسائل التواصل والأجهزة الإلكترونية المستخدمة في حياتنا وأنه من خلالها يمكن للأشخاص التي انحرفت أخلاقهم القرصنة على خصوصيات أفراد المجتمع ذكورا أو إناثا، يجب أن نمتلك الوعي الذي يجعلنا ندرك سبب المشكلة وتفهمها واتخاذ الخطوات الصحيحة لمعالجتها، وبالذات حماية ونصرة الطرف الضعيف فيها، وهي الفتاة”.

نظرة المجتمع تجعل الفتاة أصل الخطيئة
لفت الرهيدي إلى أنه يجب على المجتمع إلغاء النظرة الشاذة للفتاة على أنها أصل الخطيئة، ويتوجب عليه مراجعة القيم والأخلاق وزرعها بين الأفراد والتحلي بها لتكون عونا في مواجهة الانحرافات الناتجة عن انحلال أخلاقيات وقيم المجتمعات، “ورسالتي للجهات المختصة أن يكونوا سندا وعونا في أخذ حقوق الطرف الضعيف وحمايته واعتبار الضحية أختا يقع علينا ذنب خذلانها. كذلك على الجهات الرسمية التشريعية إيجاد التشريعات اللازمة لحماية أفراد المجتمع بما يواكب تطور الوسائل الإجرامية التي يستخدمها المبتز. كما يجب أن نرفع منسوب الثقافة القانونية بين أفراد المجتمع”.