اليمن بالحبر الغربي -
بات تدخل الإمارات في السياسة الأمريكية يمثّل الآن مصدر قلق للأمن القومي، وذلك وفقاً لتقرير سري أصدره مسؤولو المخابرات الأمريكية واطلع عليه صناع القرار في الكونجرس والسلطة التنفيذية. وبينما لا يزال التقرير محظوراً عن الرأي العام، فإن محاولات الإمارات للتدخل بشكل غير قانوني في السياسة والانتخابات الأمريكية تصدرت عناوين الصفحات الأولى لسنوات، بما في ذلك مخطط لضخ ملايين الدولارات بشكل غير قانوني لتمويل حملات دونالد ترامب وهيلاري كلينتون خلال الانتخابات الرئاسية سنة 2016، وحملة أخرى سرية بملايين الدولارات لتشويه سمعة قطر في واشنطن.
يكشف موجز جديد ألفته لمعهد كوينسي بعنوان «اللوبي الإماراتي في الولايات المتحدة الأمريكية» الضغط القانوني وعمليات التأثير التي تمارسها دولة الإمارات العربية المتحدة في الولايات المتحدة. يوضح الموجز أن مجموعة ممولة جيداً بشكل استثنائي من بعض أكثر شركات الضغط والعلاقات العامة نفوذاً في الولايات المتحدة قد عملت على التأثير على أعضاء الكونجرس والسلطة التنفيذية ووسائل الإعلام ومراكز الفكر وآخرين لتشكيل قرارات السياسة الخارجية الأمريكية الحاسمة في الشرق الأوسط.
يمثّل اللوبي الإماراتي قلب التأثير القانوني لدولة الإمارات في الولايات المتحدة، وهو يقوم على أكثر من عشرين شركة مسجلة بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب تعمل على صفقات لتأمين المصالح الإماراتية في الولايات المتحدة. رصد الموجز، خلال العامين اللذين تم تحليلهما فقط (2020 و2021)، أكثر من 10000 نشاط سياسي للوبي الإماراتي نيابة عن عملائه الإماراتيين، بما في ذلك المراسلة والاتصال والاجتماع بأعضاء الكونجرس وموظفيهم أكثر من 7000 مرة. يوضح هذا النشاط أن هذا التأثير الاستثنائي مصمم لتوجيه العديد من قرارات السياسة الخارجية الأمريكية التي من شأنها توسيع التشابكات العسكرية الأمريكية في المنطقة.
وفقاً لسفارة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، تم الترحيب باتفاقيات إبراهام (التي أدت في النهاية إلى تطبيع العلاقات بين «إسرائيل» والإمارات والبحرين والمغرب والسودان) على أنها «سلام دافئ يغير الشرق الأوسط». لكن اللوبي الإماراتي كان يستخدم هذه الاتفاقيات بهدوء وراء الكواليس كرافعة للحصول على معدات عسكرية أمريكية بالمليارات ومعاهدة أمنية رسمية مع الولايات المتحدة. باختصار: إن اتفاقيات «السلام» هذه تم استخدامها لزيادة عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وليس الحد منها.
بعد أقل من شهرين من توقيع هذه الاتفاقيات، تم الإعلان عن صفقة أسلحة أمريكية بقيمة 23 مليار دولار مع الإمارات، من شأنها أن توفر لها بعضاً من أكثر الأسلحة الأمريكية تقدماً، بما في ذلك الطائرات الموجهة عن بعد، والأهم من ذلك 50 مقاتلة «إف 35»؛ حيث كان أعضاء جماعات الضغط الإماراتي يمهدون الطريق لهذه الصفقة منذ أشهر.
شمل ذلك تنظيم اجتماعات متعددة بين سفير الإمارات وأعضاء الكونجرس الرئيسيين في اللجان المختصة بتلك القوانين. وقد ساعد على إتمام هذا العمل بشكل كبير وجود تود هارمر، وهو عقيد متقاعد في سلاح الجو الأمريكي انضم إلى جماعات ضغط إماراتية مع «منظمة الدفاع الأمريكية الدولية»، وكان واحداً من 280 متقاعداً عسكرياً حصلوا على تصريح للعمل في الإمارات، وذلك وفقاً لتحقيق أجرته صحيفة «واشنطن بوست».
رغم أن صفقة مقاتلات «إف 35» أُلغيت في نهاية المطاف في أواخر سنة 2021، إلا أن جهود اللوبي الإماراتي للحصول على معدات عسكرية أمريكية قد أثمرت بشكل كبير. فقد وافقت إدارة بايدن على ما يقل قليلاً عن 3.5 مليار دولار من مبيعات الأسلحة إلى الإمارات العربية المتحدة، لتصبح ثالث أكبر متلقٍّ للأسلحة الأمريكية في السنوات الخمس الماضية، بعد أفغانستان والسعودية فقط، وذلك وفقاً لما ذكره تقرير حديث لمعهد كوينسي.
لكن الغنيمة الأكبر للإمارات واللوبي الإماراتي لم تأتِ بعد، وهي الاتفاقية الأمنية الرسمية مع الولايات المتحدة. ففي ربيع سنة 2022، طلبت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إبرام معاهدة أمنية رسمية مع الولايات المتحدة عقب هجمات الحوثيين في اليمن. وحسب ما ورد فإن الدولتين كانتا تستخدمان علاقاتهما «الإسرائيلية» الجديدة لجعل القضية لصالحهما. ومع أن المعاهدة الرسمية لم يتم إقرارها، ورد أن إدارة بايدن وافقت هذا الصيف على اتفاقية أمنية مع الإمارات ستكون بمثابة «تعهد أمريكي بالقتال والموت من أجل المملكة»، وذلك وفقاً لماثيو بيتي، أحد المساهمين في مؤسسة «ريسبونسيبل ستيت كرافت».
إن الطريق إلى هذا الاتفاق الأمني، الذي يمكن أن يضع أفراد الخدمة الأمريكية مرة أخرى في وسط حرب أخرى في الشرق الأوسط، تم تمهيده جزئياً بملايين الدولارات ضختها الإمارات للتأثير على العمليات في الولايات المتحدة. فوفقاً لمنظمة «أوبن سيكرتس»، تلقى اللوبي الإماراتي أكثر من 157 مليون دولار من الإمارات سنة 2016، مما يجعلها واحدة من أكثر جماعات الضغط الأجنبية تمويلا في الولايات المتحدة.
منح هذا التمويل الاستثنائي الشركات التي تعمل من أجل المصالح الإماراتية الفرصة لتقديم عقود تأثير مربحة لمسؤولي الدفاع السابقين، مثل تود هارمر، وأعضاء سابقين في الكونجرس مثل إليانا روس ليتينين (جمهورية عن ولاية فلوريدا) ولامار سميث (جمهوري عن ولاية تكساس)، الذين كانوا يمثلون ذات يوم مصالح ناخبيهم الأمريكيين، لكنهم يتقاضون رواتبهم الآن لتمثيل المصالح الإماراتية.
بينما كان اللوبي الإماراتي يدفع واشنطن نحو المزيد من التشابكات العسكرية مع الإمارات، كان يضخ أيضاً مئات الآلاف من الدولارات في حملات أعضاء الكونجرس. وثّق موجز «اللوبي الإماراتي في الولايات المتحدة» تبرع شركة واحدة فقط تعمل لصالح الإماراتيين، «أكين غامب»، بأكثر من نصف مليون دولار لحملات السياسيين الذين تواصلت معهم جماعات الضغط التابعة لها نيابة عن دولة الإمارات.
إذا ساعد اللوبي الإماراتي في إقناع واشنطن بتوقيع اتفاقية أمنية مع الإمارات، ستشمل هذه التكلفة مطالبة أعضاء الخدمة الأمريكية بالقتال والموت للدفاع عن دبي.
في بعض الحالات، أجريت هذه الاتصالات والمساهمات على فترات متباعدة، مثلما حدث عندما عقد السيناتور تود يونغ (جمهوري عن ولاية إنديانا) اجتماعاً شخصياً مع أحد أعضاء جماعات الضغط في «أكين غامب» لمناقشة «العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة» في 15 نيسان/ أبريل 2021، ثم تبرعت «أكين غامب» بعد ثمانية أيام بمبلغ 5000 دولار للجنة حملته، وفقاً لملفات الشركات بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب.
وجّه اللوبي الإماراتي تبرعاته لكلا الحزبين، فمن بين أعضاء الكونجرس كان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر (ديمقراطي عن نيويورك) وزعيم الأغلبية في مجلس النواب ستيني هوير (ديمقراطي عن ماريلاند) من كبار المتلقين لمساهمات من اللوبي الإماراتي.
سواء كانت هذه المساهمات تساعد اللوبي الإماراتي أم لا، فمن المؤكد أنها موضع نقاش، وكذلك قيمة أجندة اللوبي الإماراتي بالنسبة للولايات المتحدة. تُدفع لهذه الشركات عشرات الملايين من الدولارات كل عام لإقناع صانعي السياسة بأن المصالح الإماراتية هي مصالح أمريكية؛ لكن دافعي الضرائب الأمريكيين هم الذين تُركوا لدفع فاتورة السياسة الخارجية الأمريكية العسكرية في الشرق الأوسط.
وتشمل التكلفة بالفعل الاستمرار في دفع رواتب 30 ألف جندي أمريكي لا يزالون متمركزين في الشرق الأوسط. وإذا ساعد اللوبي الإماراتي في إقناع واشنطن بتوقيع اتفاقية أمنية مع الإمارات، ستشمل هذه التكلفة مطالبة أعضاء الخدمة الأمريكية بالقتال والموت للدفاع عن دبي. لهذا السبب، إذا لم يكن هناك أسباب أخرى، سيكون من الضروري فهم كيفية عمل اللوبي الإماراتي على تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المستقبل.

بن فريمان
باحث في معهد كوينسي التابع لمركز أبحاث «ريسبونسبل ستيتكرافت».