«لا» 21 السياسي -
إلى كل ملاطف، وجميع المنتقصين منه والمزايدين عليه:
لم يكن الكثير من «كبار» قريش على جهل حقيقي بحقيقة ا?س?م كدين سماوي، وبصدق محمد كنبي مرسل؛ لكنهم عجزوا عن التخلي عن امتيازاتهم الطبقية ومصالحهم المادية، في مقابل حصولهم على خ?ص أبدي من «شوفينيتهم» الزائفة. كان أمية بن خلف أعجز عن تخيل نفسه على القدر نفسه من المساواة ا?نسانية مع «عبدِهِ» الحبشي ب?ل بن رباح، كما كان أجبن من أن يتصور ذاته عارية من كل مظاهر الجاه والوجاهة والغنى، وجن جنونه هو وغيره من جبابرة مكة وهم يرون غلمانهم يتسربون واحدا بعد الثاني من بين أصابع العبودية والاستغ?ل نحو فضاءات الحرية والعدالة والمساواة، مجسدة في روح الدين الجديد، ومفعلة في سلوك أتباعه. النفعية المادية المباشرة كانت أيضا دافعا مباشرا آخر لهؤ?ء الحمقى للوقوف في وجه رسالة السماء الخالدة؛ فكيف ?يٍّ منهم أن يتخيل عمال منجمه المستعبدين وقد صاروا أحرارا لهم من الحقوق ما له بحسب تعاليم دين محمد؟!
وبرغم تأكد معظمهم من صحة الرسالة وصدق حاملها فإن عنصرية «الشيطان» كانت ا?قوى بالنسبة لهم، فاتخذوا المواجهة خيارا واحدا ووحيدا.
تذكرت كل ما سبق وأنا -كغيري- أسمع وارى في هذه ا?يام -كما في باقيها- ارتفاع درجة حمى العنصرية لدى البعض، اطرادا مع ارتفاع دعوات مواجهتها عند البعض ا?خر. وأقول صادقا بشأن ذلك إن ال?فتات المكتوبة بأق?م المناداة بالمساواة والعدالة ? تنتزع استحقاقاتها حين تكون ا?صابع التي تمسك بها وا?يدي التي تحملها تنتمي ?طراف متصارعة جينياً تشتد عزائمها في ذروة السعي إلى نيل المصلحة وترتخي حال انتفاء الفائدة.
بكلمات أخرى: شعارات المساواة التي يتعالى هتاف البعض بها اليوم هي في ا?صل شعارات عادلة؛ لكنها تحتاج ممن ينادي بها إلى الاعتقاد الحقيقي بها وممارستها الفعلية ? القولية. فقد أمر الله نبيه، وبنص آيات كتابه، بتزويج إحدى نساء أفخاذ قريش (زينب بنت جحش) بمو?ه (زيد بن حارثة)، ثم زوجها الله به، بعد أن قضى زيد منها وطرا وطلقها بعد ذلك. كان ا?مر حينئذ تطبيقا عمليا لمبدأ المساواة، في جانبه الاجتماعي على ا?قل، وهو ما تجاوزه إلى جوانب أخرى، سياسية وعسكرية وغيرها، فقد أمّر الرسول زيدا على جيش مؤتة، وفيه الكثير من سادة قريش، وأمّر ?حقا ابن زيد (أسامة) على جيش فيه كبار القوم.
ما أريد قوله هنا أوجهه مباشرة إلى جميع من ينادون بالمساواة، سواء ضمن سياق انتهازي أو خ?فه، أقول لهم: إن كان الهاشميون عنصريين كما ترددون فكونوا أنتم المجسدين للنقيض، وانفضوا عنكم غبار السياسة وانتهازيتها، وطبقوا ما تقولون به، ليس بالهتاف والتنظير، وإنما واقعا وممارسة.
فمجتمعنا تنخره ا?مراض الاجتماعية، فوق ما يعانيه من ا?مراض ا?خرى، وهو ما يحتاج ضرورةً واضطراراً إلى المصارحة، وليس للمكارحة، وإنما كخطوة أولى في طريق الع?ج. فدعوا عنكم المزايدات البائسة واتركوكم من المناقصات اليائسة وانزعوا أقنعة الزور عن وجوهكم إن كنتم لملاطف ناصرين.
اكفروا بالعنصرية قو? واحداً وفع? موحداً، وجدفوا كل أشكالها الس?لية والعرقية والمهنية، وآمنوا بما تدعون الناس إليه حقاً وحقيقة، ف? يكونن أبو جهل إمامكم، فبمجرد أن يواجه أحدكم موقف هزيمة كالذي تجرعه «كبيركم» في بدر -أقل أو أكثر- يدلع لسان أبلسته مثله -وقد قطعه له صبيٌّ من صبيان الأنصار- ويقول 
كما قال: فلو 
غير أكار 
قتلني!