بوتين تاجر السلاح والنفط والفودكا
- تم النشر بواسطة «لا» 21 السياسي

«لا» 21 السياسي -
رغم التباس طبيعة العلاقات التي نسجها بوتين وما زال في الإقليم المسمى الشرق الأوسط، فإن الواضح هو لعبهُ على تناقضات هذا الإقليم في صنع تحالفات صعبة يسعى عبرها لضمان مصلحة موسكو في موازنة بين العلاقات مع إيران للحصول على الأسلحة والحفاظ على استمرار الحرب في أوكرانيا والتموقع وإعادة التموضع في منطقة أمريكية النفوذ حصرياً، ومع السعودية للحفاظ على أسعار النفط مرتفعة والنفاذ عميقاً وإن تدريجياً في قلب ذلك النفوذ، ومع الكيان الصهيوني للإبقاء على إسناد الحركة الصهيونية في ظهره، ومع حركات المقاومة للمناورة أمام وجهه وعلى قفا أمريكا...
لم يتحول الدب ثعلباً إلا كتكتيك مؤقت لتنفيذ استراتيجية نظرية الدجاج في عالمٍ يتقاتل على البيض وتملؤه البقبقة.
وقد ذكّرت تصريحات بوتين الأخيرة، التي أشاد فيها بابن سلمان بمصافحته الشهيرة وابتسامته العريضة للأخير في مؤتمر المناخ بالأرجنتين أواخر العام 2018 عقب تقطيع جمال خاشقجي بأسابيع. وما تحالف الاثنين في كارتل النفط (أوبك بلس) إلا ذروة التكتيك الروسي في مضمار استراتيجية الكرملين للعودة إلى القطبية الدولية.
قبل الهجوم الروسي على أوكرانيا بساعات وصف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية السابق دونالد ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ»الذكي جداً»، مبيناً أنه سيأخذ بلدا واسعا بأكمله بسكانه وأراضيه مقابل عقوبات تبلغ دولارين.
قد يكون وصف ترامب لذكاء بوتين صحيحاً؛ غير أن الأمر لا يخلو من المخاتلة. فالسعودية ذهبت أم رجعت لن تخرج من العباءة الأمريكية، ولن أجد توصيفاً أدق مما قاله السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في مقابلة مع صحيفة «الأخبار» اللبنانية في آذار/ مارس 2018. يقول السيد: «للروسي حساباته واهتماماته وسياساته، ولسنا مراهنين عليه ولا معولين عليه. ولعلّه يدرك في يوم من الأيام أن تجاهله للعدوان على اليمن ومساندته لقوى العدوان وتسليمَه أموال الشعب اليمني إلى المرتزقة لم يكن موقفاً لصالحه. ولعل نيران الأمريكي توقظ الدب الروسي من سباته الشتوي».
مع بداية الحرب في أوكرانيا كتب العبد لله على صفحات هذا الملحق ناصحاً كل المتحمسين لبوتين ما يلي: «هناك مَن يتحدّى أمريكا للمرّة الأولى في أوروبا بعد الحرب الباردة، وتحدّي الإرادة الأمريكية يشفي -وإن من باب عدو عدوي صديقي- غليل من عاش ومات تحت وطأة القنابل والصواريخ والعقوبات الأمريكيّة. إنما يجب ألا ننسى أيضاً أنه إذا كان زيلينسكي صهيونياً صفيقاً فإن بوتين هو صديق إسرائيل المفضل».
أمس دعمت روسيا بوتين قراراً بريطانياً إماراتياً في مجلس الأمن ينعت أنصار الله بالجماعة الإرهابية، ويحظر توريدها للأسلحة، ولم تعترض أو تعارض موسكو في 2015 قرار أمريكا بالعدوان على اليمن، كما لا ننسى أن موسكو هي شريك عسكري واقتصادي رئيس لأبوظبي والرياض.
يعلن الكرملين أن ولي عهد أبوظبي أكد لبوتين حق روسيا في الدفاع عن مصالحها القومية؛ مقابل ماذا؟! مقابل أن يدعمه في الاستمرار بالعدوان على اليمن.
دبلوماسي أوروبي قال لوكالة الأنباء الفرنسية إن الإمارات عقدت اتفاقا «قذرا» مع روسيا يخص غزو أوكرانيا.
حسناً، ما يلزمنا في هكذا سياق ملتوٍ هو ألا نسمح لأحد بمحاولة هز تماسك سرديتنا المقاومة، وهي الحقيقة التي نؤمن بثبوتها والقضية التي لا نشك في عدالتها، وهي أيضاً المروية التي لا ننفك عن تلاوتها ليالي جبهات ونهارات مواجهات وسنوات عدوان وأعوام صمود. وما نحتاجه فعلاً في هكذا لحظات هو تطويق أي مقاربة مؤبلسة المقاس بين اليمن وأوكرانيا، أو أي مقارنة متلبسة القياس بين أمريكا وروسيا.
في المقابل لا نحتاج إلى التغني مجاناً بالدب الروسي وكأنه ذئب يوسف، بل نعتاز زيادةً عن التشفي بالحمار الأمريكي إلى اللعب دبلوماسياً على واقع المتغير الناشئ عن حرب أوكرانيا، والكسب سياسياً من وقائع التغيير الطارئ على رقعة الشطرنج الدولية.
لا ولن يعيبنا اللعب كما تفعل إيران مثلاً، التي طالب المرشد الأعلى فيها الإمام خامنئي روسيا بوقف الحرب، وفي الوقت نفسه حمّل أمريكا مسؤولية الحرب. إيران بررت مقاصد بوتين؛ لكنها لم تعلن تأييده، وتضغط بقوة لتحقيق مزيد من المكاسب في مفاوضاتها النووية مع حلف واشنطن مستغلةً حرب موسكو.
هكذا يجب أن تسير الأمور، وهذا علمي ولا جاكم شر!
المصدر «لا» 21 السياسي