«لا» 21 السياسي -
 التأريخ بالهجري مجرد اجتهاد بشري وليس فرضاً دينياً.
 لم يبدأ التاريخ الهجري إلا في السنة السادسة عشرة للهجرة، أي في عهد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه).
 وصل النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى واحة قُباء جنوب يثرب (يوم الاثنين 23 سبتمبر 622م/ 8 ربيع الأول من السنة الهجرية الأولى) وليس في الأول من شهر محرم.
 توجد رواية عن عمرو بن دينار يقول فيها: «إن أول من أرَّخ في الكتب يعلى بن أمية وهو باليمن». ولعل يعلى هو المقصود أيضاً في رواية أخرى تقول: «قدم رجل من أهل اليمن على عمر فقال: «لمَ لا تؤرِّخون؟ قال: كيف؟ قال: تكتبون من شهر كذا في سنة كذا».
 بدأت مناقشة طويلة بعد ذلك نجد أصداءً لها في الكثير من الروايات، ففي البداية قال أحد الصحابة: «اكتبوا على تاريخ الروم». ولكن رُفض الاقتراح، وتم تعليل ذلك بأن الروم يكتبون من عند الإسكندر، وهذا شيء يطول. فقال أحدهم (ربما الصحابي نفسه، ولكنا لا نعرف من هو للأسف): «اكتبوا على تاريخ الفرس». وأيضاً تم رفض هذا الاقتراح، وتم تعليل ذلك بأن «الفرس كلما قام فيهم ملك طرح ما كان قبله»، أي أن تاريخهم يفتقد للاستمرارية.
 وهنا اجتمع رأيهم على عدم تقليد الفرس أو الروم، وضرورة اتخاذ مناسبة تخص الإسلام كبداية لهذا التأريخ. وهنا وازنوا بين الأحداث البارزة في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لاتخاذ أحدها كبداية، وركزوا على أربعة هي: مولد النبي، وبعثته، وهجرته، ووفاته.
 وتوجد رواية عن سعيد بن المسيب، نتبين منها أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو صاحب اقتراح التأريخ منذ الهجرة، وقد اجتمع رأيهم على هذا الاقتراح؛ أي أن يبدؤوا التأريخ من هجرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة.
 وهنا تناقشوا من أي شهرٍ يبدؤون، وتعددت الاقتراحات مرة أخرى؛ فقال البعض: «رجب، فإن أهل الجاهلية كانوا يعظمونه». وقال أحدهم: «شهر رمضان» ولم يزد لأن الأمر مفهوم. وقال بعضهم: «ذو الحجة؛ فيه الحج». وقال بعضهم: «الشهر الذي خرج فيه من مكة» أي شهر صفر. وقال بعضهم: «الشهر الذي قدِم فيه» أي شهر ربيع الأول...
وفي رواية لابن سيرين أن عثمان قال: «أرِّخوا المحرم أول السنة. هو شهر حرام، وهو أول الشهور في العدة، وهو منصرف الناس عن الحج». فكأنه أراد أن يجعل الحج ذروة للسنة الهجرية وخاتمتها الكبرى، وبه تنتهي دائرة الأعياد الإسلامية لتبدأ من جديد مع المحرم.
 وقد وافقوا على هذا الاقتراح، فأصبح المحرم بالتالي أول شهور السنة الهجرية، رغم أن حدث الهجرة لم يقع في المحرم، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) خرج من مكة في يوم 27 من شهر صفر، ووصل المدينة في يوم 12 ربيع الأول. وكان الأرجح أن يتم اختيار أحد هذين الشهرين كبداية للسنة الهجرية.
 ومن الجدير بالذكر هنا أن حدَث الاستشارة هذا وقع في شهر ربيع الأول من السنة التي ستصبح السادسة عشرة للهجرة.
 ورغم هذا الجهد الاستشاري، فإن الأمر لم يعجب بعض الصحابة؛ فكان سهل بن سعد الأنصاري (رضي الله عنه) يقول بعد ذلك: «أخطأ الناسُ العددَ، لم يعدوا من مبعثِ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يَعدُّوا من مُتوفّاهُ، إنما عَدّوا من مَقدمهِ المدينةَ»، أي أنه كان مع اتخاذ بعثة النبي أو وفاته (صلى الله عليه وسلم) بداية للتاريخ الإسلامي.