«لا» 21 السياسي -
أثارت العضوة اليسارية في بلدية باريس، دوتشكا ماركوفيك، موجة من السخرية بعد أن قالت إن الجرذان في العاصمة الفرنسية ضحية لاضطهاد البشر. وأثارت ماركوفيك حالة من عدم التصديق في مدينة تعيث فيها القوارض فساداً، إذ يصل عددها إلى زوج من القوارض لكل ساكنٍ من سكان المدينة. وقالت في حديثها خلال جلسة لمجلس باريس: «أُفضل أن أسميهم Surmulots (فئران نرويجية)، فهي ذات وقع سلبي أقل».
وأضافت أن القوارض تضطلع بدور رئيسي في المجاري، «من خلال إخلاء مئات الأطنان من الفضلات، وتجنب المدينة سد المواسير». وأضافت: «إنها خادماتنا في التخلص من النفايات». وتابعت قائلةً إن المدينة يجب عليها أن تعرف أكثر عن طريقتها في العيش، والتحول إلى طرق «أخلاقية، وغير فتاكة» للسيطرة عليها.
وتدخلت الأكاديمية الوطنية للطب بباريس بشن هجوم على عضو المجلس، وقالت إن كلماتها «البارعة» كانت مصممة لخداع الناس من أجل تصديق أن الجرذان لطيفة، مضيفةً أن «الجرذان تبقى مصدر تهديد لصحة البشر، بسبب الأمراض العديدة التي تنشرها من خلال طفيلياتها وفضلاتها وعضاتها وخدوشها. يمكن أن تموتوا بسببها».
وقالت رشيدة داتي، الزعيمة المحافظة في المجلس: «باريس قذرة للغاية، والفئران منتشرة».
غير أن باريس، القذرة للغاية بحسب داتي، رحبت بمصدر تهديد آخر للبشر غير الجرذان حين استقبلت (مبس) في أغلى منازلها بل وأغلى منزل في العالم: قصر لويس الرابع عشر، الذي اشتراه ابن سلمان في 2015 بقيمة 300 مليون دولار أمريكي من ممثلة البورنو الأمريكية كيم كاردشيان، وهو القصر الذي صممه -ويا للمفارقة!- رجل الأعمال المولود في لبنان عماد خاشقجي، أحد أقرباء الصحفي جمال الذي نشره (مبس) في القنصلية في اسطنبول.
يضم القصر نافورة مذهَّبة وتماثيل رخامية ونحو 57 فداناً من الحدائق الطبيعية والمناظر الخلابة، ويتميز بحوض أسماك مائي هائل في الداخل، وهي غرفة التأمل التحت مائية الموجودة في الجزء السفلي من المنزل، وهي غرفة شفافة تحت الماء، حيث يمكنك أن ترى سمك الحفش والكوي يسبح بكل وضوح وهدوء خلف الزجاج المغمور بالماء.
أما فيما يتعلق بالراحة فهناك 10 أجنحة من غرفة نوم وغرفة استقبال ضخمة مع سقف قبة مطلية بارتفاع 52 قدما ومكتبة وقبو لحفظ النبيذ يمكنه تخزين ما يصل إلى 3000 زجاجة نبيذ معتق فاخر.
كما يحتوي القصر على حمامات سباحة داخلية وخارجية، وقاعة سينما خاصة، وملعب اسكواش، وغرفتي رقص، وملهى ليلي خاص.
وقبل وصوله عاصمة جان جاك روسو وبيان حقوق الإنسان: باريس، حط (مبس) في أثينا، حاضرة أرسطو وأول ديمقراطية في التاريخ، بوفد قوامه 700 فرد على 7 طائرات.
وطلبت البعثة السعودية 350 سيارة ليموزين، لتعلق بوابة الأخبار اليونانية بالقول إنه «طلب فاق العرض لدرجة أنه كان لا بد من إحضار السيارات من بلغاريا وألمانيا».
كما تم إرسال 180 حقيبة مليئة بالملابس والأحذية والأغراض الشخصية الأخرى من أجل إقامة ابن سلمان في فندق «فورسيزونز» في الريفيرا الأثينية. وحرص أعضاء الوفد المرافق على إحضار أوانٍ وأدوات مائدة وأغطية أسرّة معهم، حتى لا يضطر (مبس) إلى استخدام أي شيء ليس مألوفاً له.
كما ذكرت بوابة إنفيميريدا اليونانية أنه «قبل أيام قليلة وصل طلب خاص للألواح الزجاجية المضادة للرصاص، وتم تركيبها برافعة عملاقة في الجناح الذي استولى عليه ابن سلمان»، حيث كان»قلقاً للغاية» من تعرضه للتسمم، حيث رفض جميع الدعوات لتناول الطعام خارج الفندق، باستثناء الحفل في متحف أكروبوليس أثينا مهد الديمقراطية قبل 2500 عام، حيث قُدِّم له طبق «غاموبيلافو» التقليدي وملفوف ورق العنب ولحم الخروف الكريتي. أما الحلوى فكانت الكاتيفي، وهي معجنات تقليدية محشوة بالمكسرات. ووقع داخل المتحف -وهو ما لم يحدث من قبل- حوالى 17 اتفاقية ثنائية في عدة قطاعات.
الكاتب الفرنسي أوليفييه دا لاج يفسر هكذا حالتي (عار) بما كتبه في مدونته الشخصية، فلنقرأ بعضاً مما كتبه:
«في «عشاء العمل»، لم تُدعَ وسائل الإعلام، ولم يبثّ الفرنسيون أي صورة. كان يجب الانتظار إلى صباح اليوم التالي، حتى نشر الإليزيه بياناً طويلاً من ثلاث صفحات عن اجتماع بين ماكرون ومحمد بن سلمان. من الواضح أن ليلة طويلة من التفكير كانت ضرورية، للاتفاق على ما يمكننا فعله، وما يجب أن نقوله عن هذا الاجتماع. بينما كان المستشارون في الإليزيه يرتبون اللقاء، عاد محمد بن سلمان للنوم في منزله في لوفيسيان.
تجد في بيان الإليزيه، مقطعاً بليغاً عن «حرب العدوان (...) وآثارها الكارثية على السكان المدنيين وانعكاساتها على الأمن الغذائي». وإذا قرأنا بعناية، ندرك أن هذه ليست الحرب التي تشنها المملكة السعودية على اليمن منذ آذار/ مارس 2015، والتي خلفت ما يقارب 400 ألف ضحية وعدداً غير محدود من الجرحى، بل عن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. في حين نوقشت الحرب على اليمن في عدد من فقرات البيان؛ لكن بلهجة مختلفة تماماً: «فيما يتعلق بالحرب في اليمن، أشاد رئيس الجمهورية بجهود المملكة السعودية لمصلحة حل سياسي وشامل تحت رعاية الأمم المتحدة، وأعرب عن رغبته في تمديد الهدنة». كان من السيئ «جرح مشاعر ضيفه»، من خلال التذكير بأسباب وآثار هذه الحرب، كما حدث في البيان بما يتعلق بروسيا.
عند قراءة هذه الصفحات الثلاث المكتملة، يجب أن نقنع أنفسنا بأنّ هذا النص ينبع جيداً من الإليزيه، وليس من «الغورافي» (صحيفة فرنسية ساخرة للمعلومات المزيفة).
البعض يسمي هذا «السياسة الواقعية». المصطلح الألماني قادم من السياسة الباردة والفعالة التي طبقها بسمارك (مستشار الرايخ الألماني سابقاً) في نهاية القرن التاسع عشر. يتّضح من عدة مقولات: «الدول ليس لديها أصدقاء دائمون، ولا أعداء دائمون، فقط المصالح الدائمة» (اللورد بالمرستون)، وهو ما يترجمه شعار الجمهورية الفرنسية منذ ديغول أيضاً: «فرنسا لا تعترف بالحكومات، بل الدول فقط».
قبل ظهور «حق التدخل»، الذي دفع الدبلوماسية الفرنسية إلى المشاركة أو حتى القيام بتدخلات عسكرية باسم الدفاع عن حقوق الإنسان، احتج مركزها بانتظام باعتبارها «وطن حقوق الإنسان». ونسب بعض الخبراء هذه التصريحات الأخلاقية بالإشارة إلى أن فرنسا كانت قبل كل شيء «وطن إعلان حقوق الإنسان»، وهو ليس الشيء نفسه تماماً. من الواضح أن آخرين أدركوا ذلك أيضاً واستجوبوا باريس بانتظام بشأن ميلها إلى «إعطاء البعض دروساً» (إيران وفنزويلا وبورما ودولا أفريقية مختلفة وغيرها) بينما تنظر بعيداً عندما يتعلق الأمر بالدول التي تزودها بالهيدروكربونات أو عملاء صناعات الأسلحة الخاصة بها (الإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة السعودية ومصر والهند وغيرها) وأحياناً كلاهما، كما هو الحال في المملكة السعودية».