«لا» 21 السياسي -
اعتبرت مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية أن زيارة بايدن المرتقبة إلى السعودية «انحناء» أمام ابن سلمان لاستجداء زيادة إنتاج النفط والالتحاق بالعقوبات ضد روسيا.
وكتبت داليا داسا كاي، في مقال نشرته المجلة، أن «بايدن لن يتمكن من إقناع المملكة بزيادة إنتاج النفط وفرض عقوبات على روسيا خلال زيارته المزمعة إلى السعودية».
وتابعت: «يعتقد البعض أن بايدن يجب أن يحاول كسب السعوديين إلى صف الولايات المتحدة وإبعادهم عن الصين وروسيا. لكن لا يمكن للمرء أن يتوقع أن زيارات من كبار المسؤولين الأمريكيين أو مبيعات أسلحة بمليارات الدولارات ستساعد في دق إسفين في علاقات الرياض مع الصين وروسيا؛ بالنظر إلى تطورها السريع في السنوات الأخيرة».
وتضيف: «فإذا مضى بايدن في خططه لزيارة الرياض، فسوف يعقد فقط صفقة سيئة: مبادلة الضرر شبه المؤكد بالسمعة مقابل انتصارات متواضعة».
وسائل الإعلام الغربية تتحدث بأن الحرب على اليمن كانت سبباً رئيسياً في البرودة المستجدة بين واشنطن والرياض كحليف استراتيجي لأمريكا منذ الأربعينيات الماضية، وتزعم أن بايدن الذي يولي أهمية كبرى لوقف الحرب على اليمن، اتخذ قرارات عززت الاستياء السعودي، كفرض حظر على إرسال بعض أنواع الأسلحة أو التوقف عن التعاون الاستخباراتي، مضافاً إليها رفع قيادات «حوثية» من لائحة الإرهاب. بدا وكأن الرئيس الديمقراطي مستعد لفعل أي شيء مقابل وقف الحرب اليمنية، وأنه يريد تعاوناً غير مشروط من السعودية في هذا الشأن.
وقبل خمسة أشهر من الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة، وأمام ارتفاع أسعار النفط ووقوف العالم على عتبة حصول «صدمة 1973»، تعين على بايدن كسر الجليد مع السعودية وسلوك طريق الواقعية السياسية، برغم الانتقادات التي تُوجه إليه في الداخل الأمريكي. وساهمت هدنة اليمن التي جرى تمديدها لشهرين آخرين في خلق أجواء ارتياح، لاسيما في البيت الأبيض، الذي سارع إلى الإشادة في بيان بـ»شجاعة السعودية» في هذا المجال.
من جهةٍ أخرى نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقالا للصحفي كليفورد كراوس، قال فيه إنه عندما يلتقي الرئيس بايدن مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في السعودية، فإنه سيتبع خطى رؤساء مثل جيمي كارتر، الذي سافر إلى طهران في عام 1977 للاحتفال مع شاه إيران ليلة رأس السنة.
مثل الأمير، كان الشاه ملكا غير منتخب، له سجل مشوه في مجال حقوق الإنسان. لكن كارتر اضطر للاحتفال معه من أجل قضية كانت مصدر قلق كبير للناس في الوطن: بنزين أرخص وإمدادات نفطية آمنة.
وكما تعلّم كارتر ورؤساء آخرون، فإن لدى بايدن عددا قليلا من الأدوات الثمينة لخفض التكاليف في محطات الوقود.
في العموم كان رأي الصحافة الأمريكية، ولاسيما «واشنطن بوست» التي تقود الحملة ضد اللقاء مع محمد بن سلمان باعتبارها معنية مباشرة بقضية جمال خاشقجي الذي كان كاتب عمود فيها، موحداً على أن هذا اللقاء يقدّم نصراً مجانياً لابن سلمان مقابل مكاسب مشكوك فيها لجو بايدن، إلى درجة أن صحيفة «نيويورك بوست» دعت الأخير إلى التنقيب عن النفط داخل أمريكا بدل «التذلل» في الخارج، أي لابن سلمان.
وبالعودة إلى مجلة «فورين آفيرز» فإنها تشير إلى أنه «إذا كان بايدن سيذهب إلى الشرق الأوسط، فعليه أن يجعل الأمر يستحق عناء الزيارة بإضافة لمسته الخاصة إلى الدبلوماسية الإقليمية، بدلاً من مواصلة سياسات سلفه المتهورة». وتختم: «توجد بدائل بالطبع. إذ ليس بايدن بحاجةٍ للقاء ولي العهد السعودي في الرياض، فإذا كان يريد إضافة بُعدٍ إقليمي لرحلة إسرائيل، فكان من الأفضل للمصالح الأمريكية أن يُعقد الاجتماع الإقليمي في دولةٍ خليجية محايدة أكثر مثل عمان، وبهذا سيركز الاجتماع على الجهود المبذولة لتهدئة الصراعات، مثل تحويل تمديد الهدنة في اليمن إلى اتفاقية سلام قوية».
من زاوية أخرى يرى فاليري كوليكوف في «نيو إيسترن أوتلوك» أن واشنطن تدفع حلفاءها أيضاً لمغازلة السعودية، مثل تركيا وبريطانيا؛ لكنها أعطت الدور الأكثر نشاطاً في الحج السياسي إلى السعودية لحليفتها الأهم في الشرق الأوسط: «إسرائيل».
في 30 أيار/ مايو، قال وزير الخارجية الصهيوني يائير لابيد إن كيانه في خضم تطبيع العلاقات مع السعودية. وأفادت صحيفة «هيوم» العبرية بأن العديد من كبار المسؤولين «الإسرائيليين»، بمن فيهم وزير الدفاع بيني جانتس والرئيسان الأخيران للموساد، قاموا بعدة زيارات سرية للرياض مؤخراً.
وذكرت مراسلة قناة «نيوز 12» العبرية مؤخراً أن شخصية «إسرائيلية» مرموقة زارت السعودية سرا وعقدت عدة اتفاقيات تعاون مع الرياض في الدفاع ومجالات أخرى.
ونختم بما أكده القنصل «الإسرائيلي» السابق في نيويورك، ألون بنكاس، في مقال بصحيفة «هآرتس» العبرية، بأن «زيارة بايدن للسعودية لها مبررات بارزة في سياسة الواقع: أولا: أن ابن سلمان نفسه صحيح أنه بعيد عن أن يكون ديمقراطيا ليبراليا، لكن المرجح أنه في ظل غياب تدخل خارجي دراماتيكي فإنه هو الذي سيحكم السعودية في العقود القادمة».
ثانيا: «توجد لأمريكا مصلحة واضحة في استمرار وقف إطلاق النار في اليمن. وثالثا: رغم التوتر والأزمات المؤقتة في العلاقات، فإن السعودية لا تزال حليفة رئيسية لكبح نفوذ إيران الذي يضعضع الاستقرار في المنطقة، وهذه مصلحة واضحة لأمريكا».
والمبرر الرابع أن «السعودية هي منتج كبير للنفط، وفي ظل غياب فنزويلا وإيران عن سوق النفط العالمية، فقد أصبحت السعودية هي المصدر لتعويض النفط الروسي الذي يخضع لعقوبات متشددة».
وأما المبرر الخامس فهو أن «التطبيع بين السعودية وإسرائيل يخدم توجه أمريكا للانفصال عن الشرق الأوسط ونقل التركيز والموارد إلى حوض المحيط الهادئ وكبح الصين».
وسادسا فإن «إقامة وترسيخ منظومة تحالفات في آسيا تقتضي رسالة استقرار والتزام بالتحالفات من قبل الولايات المتحدة في أماكن أخرى، وفي العالم المتشكك بعد عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في ما يتعلق بالسياسة الأمريكية، هذه رسالة مهمة».
وأشار إلى أنه «في حال كانت سياسة الأمر الواقع حقا تملي قرارات بايدن، فإنه يجب عليه التأكد من أن السعودية ستدفع ثمن زيارة الرئيس مسبقا: إبعاد روسيا عن اتفاقية سقف إنتاج «أوبك»، استعدادها للتطبيع مع «إسرائيل» وبعد أن يتم دفع الثمن المذكور أعلاه بالكامل، سيكون هناك منطق وفائدة لسياسة الواقع، ولكن التنازل وعدم تحقيق أي شيء سيعتبر فشلا كان بالإمكان تجنبه بسهولة عن طريق إلغاء الزيارة».