غازي المفلحي / لا ميديا -
يُقال: «كلما تضخمت الإدارة ضمرت التنمية، وكلما ضمرت التنمية تضخمت الإدارة».
في أيام السلام والاستقرار يعد التضخم الإداري من المؤشرات الواضحة على فشل الحكومة في إدارة شؤون الدولة والمجتمع، أما أن يكون هناك تضخم إداري في زمن «الحرب» والعدوان فهذه مشكلة أكبر لم يكن الشعب اليمني يرغب بها.
فالتضخم الإداري في الحكومة يؤدي إلى ارتفاع تكاليف إدارة الدولة على حساب جودة عملها لصالح الشعب وتخفيف معاناتهم وإيجاد الحلول لمشاكلهم خاصة أيام الحرب.

حكومة أم 44
في حالتنا وبدل ترشيق الجهاز الإداري للدولة والحكومة لتكون حكومة مصغرة بـ30 وزيرا مثلاً، لتصبح مناسبة لحالة الطوارئ التي تعيشها البلاد في ظل العدوان والحصار الشامل، تكونت حكومة الإنقاذ متضخمة من 45 وزيرا، منهم 8 وزراء دولة و5 نواب لرئيس الوزراء، إلى جانب مدير مكتب رئيس الوزراء، وأمين عام مجلس الوزراء، و29 وزيرا، وأخيراً رئيس الوزراء.
وفي الوقت الذي يدور الجدل في الدول التي تعيش استقرارا سياسيا واقتصاديا حول استمرارية بقاء المؤسسات العامة بمفهومها الكلاسيكي في ظل التطورات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتسارعة، نجد أن دولة مثل اليمن تتعرض لأخطر عدوان وحصار، تستمر في تشكيل الحكومة والجهاز الإداري في الدولة على النمط القديم، وتنمو وتتضخم وتتشعب نشاطاتها.
ونتيجة التضخم هذا يزيد حجم المصروفات والميزانيات المخصصة للترتيبات والمؤسسات والمهام الإدارية، وهذا أحد أسباب تراجع الخدمات والحلول والمساعدة والتنمية وحتى انهيارها، كما أن نتائج هذه الحكومة متدنية الإنتاج وباهظة التكاليف.

اليمن، سوريا، إيران
في سوريا مثلاً، التي تعاني منذ عام 2011 من عدوان وحصار كبير يشابه العدوان والحصار الذي تتعرض له اليمن مع اختلافات في الأساليب ووحدة في العدو الأمريكي الصهيوني وأدواته الخليجية والتركية والتكفيرية. كانت الحكومة السورية عام 2012 بتعداد 37 مسؤولا فقط.
مع ذلك يبدو أن سوريا رأت أن هذا رقم مبالغ فيه لتشكيل حكومة، فقل تعداد الوزراء تباعاً في الحكومات التي تشكلت بعدها حتى عام 2020، حيث تشكلت الحكومة السورية الحالية عام 2021، بعد تنفس سوريا وانقشاع معظم دخان الحرب العدوانية عليها، تشكلت من 30 مسؤولا فقط، منهم 26 وزيرا و3 وزراء دولة ونائب واحد لرئيس الوزراء هو نفسه وزير الدفاع، ويبدو أن سوريا تتعلم وتتجه نحو ترشيق الحكومة لزيادة كفاءتها.
إيران أيضاً، وبرغم اختلاف نظام الحكم فيها عن نظام الحكم في اليمن إلا أن مجلس الوزراء فيها يتكون من 21 وزيراً فقط يختارهم الرئيس إلى جانب عدد من النواب للرئيس قد يكونون خمسة.

سلسلة التضخم
في حالتنا اليمنية وكما أن الحكومة متضخمة، فإن الجهاز الإداري للدولة كله متضخم، ففي حكومة الإنقاذ 70 وكيل وزارة على الأقل.
كما يوجد أكثر من 45 مسؤولا بدرجة وكيل وزارة للمحافظات في جغرافيا السيادة الوطنية أيضاً، منهم 14 وكيلا لأمانة العاصمة وحدها، إلى جانب المئات من مدراء عموم الإدارات العامة.
ومن أبرز سلبيات هذا التضخم تغييب الكفاءات، واعتماد الولاءات الفرعية، قبل المهارة في الإدارة والإنتاج، فغالباً ما يسود أسلوب المصالح والمحسوبية على حساب الدولة والمجتمع ومواجهة التحديات التي فرضها العدوان.
وإذا كان مثل هذا الخلل يعوق التقدم الفعلي في مجالات الإدارة والاقتصاد والسياسة والاجتماع والتعليم والصحة والتجارة أيام السلم، فإنه يؤدي أيام الحروب إلى التراجع الحاد في هذه المجالات، بل حتى انهيارها بشكل كامل.
من وجهة نظر المختص الاقتصادي رشيد الحداد فإن التضخم الإداري كان وسيبقى عقبة أمام أي إصلاح إداري حقيقي، وكان مشكلة كبيرة قبل العدوان وأحد أسباب ارتفاع فاتورة النفقات العامة، وإرباك الوضع الإداري.
والسبب من وجهة نظر الحداد يكمن في أن هذا التضخم الإداري ناتج عن تعيينات قائمة على المحسوبية والمحاباة ولم يكن ناتجا عن احتياج لموظف أو مسؤول بناءً على ما يمتلكه من قدرات ومهارات ولم يشكل إضافة نوعية.
وهذه مشكلة كبيرة ومركبة، حسب الحداد، وأصابت الجهاز الإداري للدولة بالركود وأدت إلى تراجع أداء المؤسسات والأجهزة الحكومية رغم عدم وجود رواتب من الأساس، فكل ما يصرف في بعض الجهات الحكومية هي نفقات طوارئ لا تذكر.

أبعد من تضخم إداري
من جهته المختص في الشؤون المحاسبية والإدارية عدنان يحيى الوزير يحيلنا إلى زاوية أخرى، حيث يقول: «التضخم من أعراض المرض، والأولى هو علاج واجتثاث أصل المرض، الذي أدى لهذا الوضع المختل».
ويضيف: «إن جذور المرض هي القرارات الارتجالية والمحاباة والمجاملة والتوازنات وشراء الولاءات، وعدم وجود خطة ومشروع ورؤية لدى من يعبث بالجبهة الإدارية، وكذلك عدم وجود جهة عليا ذات قرار وصلاحية تحدد السياسات العامة والخطط، أي مرجعية إدارية عليا».
ويؤكد الوزير أنه وفي ظل بقاء منبع المرض والاختلال إذا عولج تشوه أو انحراف فإن غيره سيظهر، وهكذا.
ويتساءل الوزير: «هل المشكلة هي في عدد الوزراء والمسؤولين فقط أم في قدراتهم وخبراتهم وأدائهم وعجزهم وتورط بعضهم بمخالفات قد تصل لمستوى الجرائم؟».
ويشير الوزير إلى أن هناك مسؤولين في مناصب عليا لا يقومون بأي أعمال ومهام ووظائف. فقط مهمتهم الـ»مشيخة» والتحرك بالمرافقين وأخذ المستحقات واستغلال المنصب والنفوذ لـ»التهبش» على الأراضي والتحكيم والابتزاز، حسب رأي الوزير.
ويرى الوزير أنه حتى لو تم تخفيض عدد الوزارات إلى الربع مثلاً، فإنه مع بقاء نفس العقلية والتفكير ومعايير الاختيار، فهذا يعني حصول نكسة وفشل آخر، كما أن دمج بعض الوزارات حالياً يحتاج لخبراء إدارة ذوي خبرات وقدرات عالية ونفقات ولجان وجهود ومصروفات لا نهاية لها.
ويؤكد الوزير أن «أغلب الوزراء لا يعملون إلا في نسب بسيطة من مهام ووظائف جهاتهم، 10٪ مثلاً، فيما باقي الوظائف مجمدة معطلة وتحتاج لقيادة عمل متخصصة وخبيرة لتفعيل القطاعات والإدارات المجمدة».
ويضيف أنه نظراً لطرق وقنوات التعيين المتبعة ومعاييرها فإن الكثير من النواب والوكلاء المساعدين هم مجرد توابع ينتظرون أوامر وتوجيهات المسؤول من فوقهم واجتماعات «الخواء» وما تتفضل به عليهم لوبيات الفساد المتحكمة بالجهات من مشاريع وأفكار محدودة الجدوى وأحياناً معدومة الجدوى ووهمية ومزيفة.

جيوش المسؤولين عديمي التأهيل والخبرة والإنجاز
حسب الأسس الإدارية العلمية وحسب آراء المختصين اليمنيين فإن عملية تقليص الجهاز الإداري لا تعني بالضرورة إقصاء أحد أو إضرارا بالتنوع السياسي للحكومة أو حرمان الموظفين من مصادر رزقهم، ولكن تعني نقل الكوادر والموظفين والوطنيين إلى المكان المناسب لهم ولقدراتهم، حتى يكون الإنتاج لديهم متفوقاً على الاستهلاك، وحتى لا يكون الجهاز الإداري عبئاً على الدولة، ويمكن استيعابهم أيضاً في النشاط الموازي لكثير من المؤسسات كالهيئات والمنظمات والاتحادات المساندة.
يقول رشيد الحداد إنه «لا يجب إصلاح الخطأ بالخطأ، والأفضل هو أن يتم اعتماد معيار وضع الرجل المناسب في المكان المناسب بشكل حقيقي وجاد وإيقاف التعيينات العشوائية كضرورة، خاصة في ظل العدوان».
أما عدنان يحيى الوزير فإن الحل من وجهة نظره يكون أولاً بوضع معالجة لما يسميه «جيوش المسؤولين عديمي التأهيل والخبرة والإنجاز»، بما يتناسب مع الوضع والمرحلة بالغة الحساسية. ثم إيجاد مرجعية إدارية عليا في رئاسة الجمهورية تتولى دراسة وتقييم وتشخيص واقع كل الجهات وأداء وقدرات وخبرات وإنجازات كل المسؤولين، ووضع المقترحات والتوصيات للمعالجات الجذرية التي من أهمها استقطاب وتكليف كفاءات إدارية قانونية بإدارة وتصحيح وتفعيل واقع كل الجهات الحكومية.
ويضيف: «أغلب مهام ووظائف كل الوزارات مجمدة ومعطلة ونحتاج لتفعيلها لتقوم بكامل وظائفها ومهامها كاملة وتخصيص الموارد المتاحة لهذا الهدف القومي الوطني وإغلاق كل أبواب الفساد والهدر، وصولا لتحقيق هدف أن تقدم الجهات الحكومية للمواطن خدمات فعلية نافعة في كل مجالات احتياجاته، من تعليم وعلاج وأمن وعدل وتعايش واستقرار وحقوق وواجبات ومسؤولية.
النفقات العامة أيضاً يوجد فيها هدر وإسراف وفساد يلتهم جزءا كبيرا من أموال الشعب حسب الوزير وهذا ما يفترض أن تضبطه وتنظمه المرجعية الإدارية التي نطالب بإيجادها كضرورة قصوى.
ويستطرد الوزير: بالرغم من هذا الظرف الصعب المعقد لم يتم ضبط أغلب موارد الدولة ولايزال جزء كبير منها يصب في جيوب النافذين والموظفين وتتحكم به لوبيات الفساد المعتقة.
ويختم الوزير بسؤال كبير يجدر الوقوف عنده طويلا، ويقول: إذا لم يتم ضبط الموارد هذه الفترة رغم شدة الحاجة لها فكيف سيتم ضبطها في المراحل القادمة؟