«لا» 21 السياسي -
ماذا لو أن شيرين أبو عاقلة كان اسمها «شيرينسكي» ولقبها «أبولوف» وكانت صحفية في أوكرانيا وقُتلت برصاصة روسية؟! 
هل كانت تغطية الإعلام الغربي والشرقي بل حتى والعربي المطبع بمستوى تغطيتها لحدث اغتيال صحفية فلسطينية برصاص الاحتلال «الإسرائيلي»؟! هل كانت دول أوروبا وأمريكا ستكتفي ببيانات الحزن والشجب والصدمة؟!
طبعاً كلا ولا ومستحيل ومطلقاً وأبداً؛ فدمهم أزرق ودماؤنا بلا لون، وعدلهم لهم وعدالتنا بلا رائحة مظلوم ولا طعم دم.
قتلت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» شيرين أبو عاقلة المراسلة الصحفية الفلسطينية برصاص الغدر وبدم بارد وهي تغطي جريمة الاحتلال الجديدة باقتحام مخيم جنين (مخيم الصمود الفلسطيني).
لم تكن شيرين مجرد صحفية تقليدية، بل كانت بنت فلسطين الحرة التي كشفت للعالم جرائم الاحتلال «الإسرائيلي» في فلسطين، وقد وثقت وفضحت جرائم الاحتلال «الإسرائيلي» في القدس وغزة، وشاءت الأقدار أن تروي دماؤها أرض جنين القسام.
يؤكد النائب الصهيوني المتطرف في «الكنيست الإسرائيلي» (بن غافير) الجريمة المتعمدة، وقال إن الصحفيين الذين يعيقون عمل جيش الاحتلال «الإسرائيلي» يجب أن يتم قتلهم.
إنها سلسلة طويلة وممتدة ومستمرة من الإجرام الصهيوني. ومن ينسى يوم 8 تموز/ يوليو 1972 حين هزّ انفجار ضخم منطقة الحازمية في بيروت؟! كان مصدر الانفجار سيارة الصحافي والروائي الفلسطيني غسان كنفاني، الذي تناثرت أشلاؤه على الأشجار المحيطة، بينما عُثر على جثة ابنة أخته التي كانت ترافقه متفحمة على بعد 20 متراً من السيارة التي زرعت في قلبها عبوة ناسفة. لم يكُن غسّان رجلاً عسكرياً كي يأخذ احتياطاته الأمنية، فكان من السهل على «الموساد» أن يصطاد جسده.
كان هو مشهد الختام. أما المشاهد التي تسبق هذا المشهد الأخير فكان فيها غسان كنفاني روائياً وصحافياً وقاصاً ومناضلاً سياسياً كرّس حياته من أجل القضية الفلسطينية، وهو ما جعّله في دائرة استهداف جهاز «الموساد الإسرائيلي».
ورغم عدم اعتراف الكيان حتى اللحظة بمسؤوليته عن هذا الاغتيال؛ إلا أن المحققين عثروا في مسرح الجريمة على قصاصة ورق عليها شعار «إسرائيل» (نجمة داود السداسية) وكتب عليها: «مع تحيات سفارة إسرائيل في كوبنهاجن».
وخلال عملية «سيف القدس»، العام الماضي، وحدها، قتلت «إسرائيل» 16 صحافياً. وقبل شهر واحد من قتل شيرين أبو عاقلة قتل جنود الاحتلال السيدة الفلسطينية غادة سباتين (47 عاماً)، وهي أرملة وأم لستة أطفال كانت تمشي في الشارع ونظرها ضعيف وأعدمت برصاصة جندي «إسرائيلي» بشكل مباشر، رغم عدم وجود أي تهديد من طرف الشهيدة غادة.
قتل الفلسطيني في أراضيه المحتلة يكاد أن يكون حدثاً يومياً لدى جيش الاحتلال وقواته الأمنية، ولا تشذّ حادثة اغتيال شيرين عن القاعدة المتّبعة لدى الاحتلال.
وكديدنه التبريري المجرم جاء بيان الجيش «الإسرائيلي» خبرياً: «وفاة مراسلة صحافية خلال نشاط للجيش في مخيم جنين»، وينبري رئيس حكومة العدو، نفتالي بينيت، ليقول بأنّ فلسطينيّين مسلحين يتحمّلون على الأرجح مسؤولية مقتل الصحافية الفلسطينية!
ويكفي أن تتداول وسائل الإعلام الأجنبية تعليقات بينيت وغانتس والناطق العسكري الصهيوني لتتحقّق مهمة تعمية الحقيقة وتسويفها.
صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عنونت تقريرا لها عن مقتل شيرين أبو عاقلة بصيغة المبني للمجهول: «قُتِلت»، دون الإشارة إلى قاتلها، رغم أن شيرين تحمل الجنسية الأمريكية.
الإعلام العبري بالطبع نقل روايات قادة الكيان المجرم المضللة؛ غير أن صحيفة «هآرتس» كانت أكثر شفافية من كثير من وسائل الإعلام الغربية والعربية، ونقلت عن تحقيق الجيش «الإسرائيلي» أن «شيرين» كانت على بعد 150 مترا لحظة استهدافها وأطلقت وحدة «دوفدوفان» العشرات من طلقات الرصاص.
وأضافت الصحيفة -نقلا عن تحقيق الجيش «الإسرائيلي»- أن الرصاصة التي أصابت «شيرين» من عيار 5.56 ملم وأطلقت من بندقية طراز (M16). كما ذكرت أن بعض رصاصات جنود وحدة «دوفدوفان الإسرائيلية» أطلقت باتجاه الشمال حيث كانت توجد شيرين.
وفيما كانت «هآرتس» تغطي مقتل شيرين كان تلفزيون «فلسطين الآن» يبث مسلسلاً درامياً وحافظت على خارطتها البرامجية الاعتيادية.
أما ناشطو وسائل التواصل الاجتماعي العربية فتركوا هوية المجرم وبحثوا عن ديانة الضحية، ونسوا أو تناسوا أن اليساري المسيحي هوجو تشافيز كان فلسطينياً أكثر من البهائي محمود عباس، وأن كارلوس قد قتل من الصهاينة أكثر مما فعل المسلم ياسر عرفات. وليتذكر هؤلاء قبل كل ذلك وبعده أنه حينما توفي ملك الحبشة النجاشي أصحمة بن أبجر قال رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأصحابه: «مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة».
الرحمة والخلود للشهيدة شيرين.