ارتفاع شامل لأسعار المواد الاستهلاكية والقمح والزيوت في المقدمة

مارش الحسام / لا ميديا -
ظاهرة ارتفاع الأسعار في شهر رمضان تتكرر كل عام كما لو أنها طقس رمضاني،  ويتكرر نفس الكلام في تصريحات الجهات  المعنية الرقابية على الأسعار وتتكرر التحذيرات نفسها  التي سبق أن أثبتت عجزها عن محاربة هذه الظاهرة.

فرصة ذهبية للتجار
في شهر رمضان تتوجه الأسر اليمنية إلى الأسواق لشراء احتياجاتها من السلع الضرورية لهذا الشهر الفضيل، إلا أنها تتفاجأ بالزيادات التي تفوق قدرتها الشرائية، وخصوصاً في السلع التي تشهد إقبالاً متزايداً خلال شهر الصيام، وأهم هذه السلع القمح والزيوت والسكر وغيرها من المواد الأساسية على موائد اليمنيين في شهر رمضان.
غير أن ارتفاع الأسعار لم يقتصر على تلك المواد المتعلقة بالمائدة الرمضانية اليمنية، وإنما شملت كل ما يستهلكه اليمنيون طوال العام، كما لو أن الشهر الفضيل يمثل فرصة ذهبية للتجار لرفع الأسعار.

ارتفاع شامل وجنوني
وفي استطلاع ميداني لصحيفة «لا» في أسواق الجملة، وجدنا أن العديد من المواد الاستهلاكية شهدت ارتفاعا كبيراً في أسعارها، يأتي في مقدمتها القمح، إذ وصل سعر الكيس الدقيق الأبيض عبوة 50 كيلوجراما إلى 21 ألف ريال بعد أن كان سعره قبل شهرين 16 ألف ريال.
فيما وصل سعر كيس القمح الأحمر (بر مطحون) 50 كيلوجراما إلى 18 ألفا و500 ريال.
زيوت الطبخ أيضاً وبجميع أنواعها شهدت ارتفاعاً كبيراً في أسعارها، حيث وصل سعر أحد أنواع الزيت المعروفة عبوة 4 لترات إلى 7800 ريال، فيما كان سعره قبل رمضان 6500 ريال، أما بقية أنواع الزيوت فقد ارتفعت أسعارها بزيادة من 700 إلى 1200 ريال عن سعرها ما قبل رمضان.
مادة السكر هي الأخرى ارتفع سعرها لدى تجار الجملة، إذ بلغ سعر كيس السكر عبوة 10 كيلوجرامات  4500 ريال وبزيادة 500 ريال عن سعره قبل رمضان.
مشتقات الأجبان كان لها نصيب كبير من ارتفاع الأسعار، إذ وصل سعر الجالون (التنك) الجبن عبوة 16 كيلوجراما إلى 28 ألف ريال، وبزيادة نحو 8000 ريال عن السعر السابق الذي كان 20 ألف ريال.
كما ارتفع سعر الكرتون الزبادي إلى 1750 ريالا فيما كان سعره السابق قبل رمضان لا يتجاوز 1200 ريال.
كما وصل سعر الكيلوجرام الحليب البودر إلى 2800 ريال بزيادة 500 ريال، كما ارتفع سعر الطبق البيض من 1200 ريال إلى 1600 ريال.
الارتفاع شمل أيضا أنواع البقوليات، إذ بلغ سعر الكرتون الفول الصيني 7000 ريال فيما كان سعره قبل شهر رمضان لا يتعدى 6200 ريال، كما وصل سعر كرتون الفاصوليا إلى 10500 ريال.
الأرز بشتى أنواعه شهد ارتفاعاً كبيراً ما بين 600 إلى 1200 ريال لبعض الأنواع، فمثلاً أحد هذه الأنواع الفخامة عبوة 10 كيلوجرامات كان سعره 8000 ريال قبل رمضان، أصبح سعره 9800 ريال، وكثير من المواد شهدت ارتفاعاً، ولا مجال لحصرها هنا.
الاستطلاع السابق كان للأسعار عند تجار الجملة الذين برأوا أنفسهم من ارتفاع الأسعار، وألقوا باللائمة على الوكلاء والمصنعين الذين قالوا إنهم يضاعفون أسعار منتجاتهم بين الحين والآخر.

شهر ترفع فيه الأسعار
«شهر رمضان ترفع فيه الأعمال، بينما بالنسبة للتجار فهو شهر ترفع فيه الأسعار»، هكذا علق المواطن عنتر جميل، على ارتفاع الأسعار في شهر رمضان.
وأضاف عنتر: «لا توجد سلعة غذائية أساسية إلا وشهد سعرها ارتفاعاً كبيراً، ابتداءً من القمح والزيت والسكر والزبادي الذي وصل سعره إلى 350 ريالا، وغيرها من المواد الضرورية التي ترهق أسعارها كاهل المواطن».
وتابع: «المشكلة عندنا هي أنه عندما يرتفع السعر فإنه لا ينخفض مرة أخرى». وحمل عنتر الدولة مسؤولية عدم الرقابة على التجار.

انخفاض الدولار وارتفاع الأسعار
محمد علي هو الآخر علق على ارتفاع الأسعار بالقول: «الدولار ثابت، بل وانخفض، بينما الأسعار ترتفع». متابعا: «الدولار ظل ثابتا عند 600 ريال منذ أكثر من سنتين، والآن هناك انخفاض فيما الأسعار في تصاعد مستمر، والارتفاع شمل كل ما يتعلق بأقوات المواطنين الضرورية من الزيوت والقمح والسكر».
وأضاف: «حتى الزيوت الخاصة بمنظمة الإغاثة والتي يفترض أن توزع مجاناً ويمنع تداولها تجارياً، ارتفعت أسعارها بشكل جنوني، وزيت المنظمة عبوة 4 لترات أول مرة اشتريتها من التاجر بـ1800 ريال، وقبل شهرين أو ثلاثة اشتريتها بـ3800 ريال، وقبل نصف شهر بـ4600 ريال، واليوم اشتريتها بـ5500 ريال يمني».

المائدة الرمضانية كماليات
صلاح غيثان (تاجر تجزئة) يقول: «لا يقع اللوم على تاجر التجزئة في ارتفاع الأسعار، نحن نشتري من تاجر الجملة بسعر مرتفع ومتضررون من الارتفاع، وأرباحنا قلت، وبعض المواد نشعر بالإحراج حين نفاجئ الزبون بالسعر الجديد لها».
ولفت إلى أن ارتفاع الأسعار شمل كل السلع الاستهلاكية، وأن هناك عزوفا كبيرا من قبل المواطنين عن شراء الكثير من السلع الخاصة بالمائدة الرمضانية. مؤكداً أن المواطنين باتوا يشترون أقوتهم الضرورية، أما المحلبية والفيمتو والمعكرونة فقد صارت من الكماليات، حسب تعبيره.
زوبعة الصناعة بلا إعصار
كما هي العادة وبالتزامن مع ارتفاع الأسعار في رمضان اعتدنا من الجهات المعنية أن تكرر على مسامعنا تصريحاتها الوعيدية والتهديدية بحق المتلاعبين بالأسعار، والفارق هذه المرة أن ردة فعل الجهات المختصة تجاوزت حدود التهديد وشرعت فعلاً وزارة الصناعة بإغلاق عدد من شركات إنتاج واستيراد المواد الغذائية، بما في ذلك شركة «ناتكو» التابعة لمجموعة هائل سعيد أنعم وشركائه، على خلفية مخالفتهم قائمة الأسعار المقرة.
وقالت الوزارة، إن «عملية الإغلاق جاءت عقب تلقي الوزارة بلاغات عن ارتفاعات غير مبررة لبعض المواد الأساسية والاستهلاكية من قبل هذه الشركات».
وأضافت أنه جرى إغلاق الشركات التي لم تتجاوب مع الإشعارات التي أرسلت لها بعدم رفع الأسعار والالتزام بأسعار شهر فبراير الماضي. وأشارت إلى أنه سيتم اتخاذ الإجراءات الرادعة لمنع أي ارتفاعات سعرية غير مبررة.
كل هذه الزوبعة خمدت في اليوم التالي دونما تزحزح للأسعار، هدأت فجأة ولم نسمع عنها شيئاً، فالمنشآت المخالفة أُعيد فتحها والأسعار لم تعد لسابق عهدها ولا أحد يدري ما جرى خلف الكواليس.
وتعليقا على الموضوع غرد رئيس تحرير صحيفة «لا» الأستاذ صلاح الدكاك على مدونته في تويتر: ‏عن ماذا أسفرت «لعبة الإغلاقات» بين وزارة التجارة والتجار.؟!
على الواقع المنظور لم تسفر عن شيء وربما فقست بيضها في الكواليس!
تباشير الهدنة خفضت رأس الدولار لكن الأسعار لاتزال ترتفع وتخفض رأس المواطن.
وأكد الخبير الاقتصادي رشيد الحداد أن عددا محدودا من البيوت التجارية المعروفة هي من تتحكم بالأسواق اليمنية وبأقوات المواطنين وبتواطؤ كبير من السلطة المحلية.
ولفت الى أن زيادة الطلب على السلعة يدفع محتكريها لرفع سعرها بضوء أخضر حكومي.
وتابع: «مثلاً موسم الغذاء يبدأ من 15 شعبان إلى 15 مضان وثم يأتي موسم الكساء، والمتحكمون بالسلع يرفعون الأسعار على هواهم، والشللية موجودة في الجهات الرقابية ويتم عقد صفقات مع التجار مقابل غض الطرف عن تجاوزاتهم ومخالفاتهم».

توظيف الأزمة الأوكرانية
من أبرز السلع الغذائية التي شهدت ارتفاعا جنونيا هي دقيق القمح إذ بلغ سعر الكيس الواحد عبوة 50 كيلوجراما 21 ألف ريال مع بدء الأزمة الأوكرانية.
وفي ذلك، قال الحداد إن «الحرب الروسية في أوكرانيا لها تأثير مباشر على أسعار القمح على مستوى العالم ومنها اليمن الذي يستورد 23% من احتياجاته من القمح من أوكرانيا».
وتابع: «القمح الأوكراني يسيطر على السوق اليمني، وعدد من التجار اليمنيين يشترونه بسعر 350 إلى 450 دولارا للطن».
لكنه استدرك بالقول: «صحيح أن الحرب في أوكرانيا تسببت في ارتفاع عالمي لأسعار القمح، ولكن نسبة هذا الارتفاع بالنسبة للتاجر اليمني لا تتجاوز من 1000 إلى 1200 ريال للكيس القمح الواحد». مؤكداً أن هناك استغلالا كبيرا وتوظيفا للأزمة الأوكرانية من قبل تجار القمح لرفع أسعاره بشكل جنوني تجاوز حدود المعقول دون أن تحرك الجهات الرقابية ساكناً تجاههم، رغم علمها المسبق أن أغلب المشتريات الموجودة حالياً في السوق المحلي تم شراؤها قبل 3 أشهر وبسعر لا يتجاوز 445 دولارا للطن الواحد.

أزمة مفتعلة
وأضاف الخبير الاقتصادي الحداد: «أزمة القمح مفتعلة، ووفق إحصائية كشف حركة السفن بميناء الحديدة تبين أن عددا كبيرا من سفن القمح استقبلها الميناء هذا الشهر، ليس هناك أزمة ولا مبرر لرفع سعره إلى 21 ألف ريال، والحرب في أوكرانيا بريئة من ارتفاعه إلى هذا الحد».

احتكار استيراد القمح
ولفت رشيد إلى أن انعدام المنافسة في استيراد القمح شجع مستورديه على التحكم بأسعاره. متابعا: «استيراد القمح ليس متاحاً لجميع التجار، وإنما لرؤوس أموال محددين بتعداد أصابع اليد وهم من يحتكرون استيراد القمح دون غيرهم، وغير متاح أو مسموح للآخرين منافستهم، بسبب الفساد الحاصل في بعض أجهزة الدولة الرقابية والمحاسبية، وإذا ما قرار أحد التجار من غير هؤلاء المحتكرين أن يستورد شحنة قمح، فإنهم مستعدون لأن يخسروا المليارات لمحاربته وإفلاسه».

جبايات وهامش الربح
وتابع الحداد: «نحن لسنا ضد التجار ولا ننكر أنهم يعانون، وخصوصا في السلع التي تأتي عبر ميناءي عدن والمكلا، والإجراءات هناك مهينة ومشينة، وتكلف التاجر مبالغ تصل إلى 5 ملايين ريال على القاطرة الواحدة، بالإضافة إلى تكاليف النقل، لأن تكلفة نقل الحاوية من ميناء عدن إلى صنعاء تكلف 80 ألف دولار ما بين تكلفة النقل والجبايات، كما تتعرض للتوقف من أسبوعين إلى شهر، فيما نقلها من ميناء الحديدة لا يكلف التاجر أكثر من 3000 دولار وتصل خلال 24 ساعة».
وأضاف: «التجار يعانون ونحن نفهم معاناتهم، ولكن التاجر اليمني لا يقبل بالخسارة، إذ يضع له هامش ربح كبيرا تحت ذرائع كثيرة منها ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وتكاليف النقل بين المحافظات، ويستغلون تفاوت سعر الصرف بين الجغرافيا المحتلة وجغرافيا السيادة الوطنية، رغم أنهم يحولون الأموال من صنعاء للشراء. صحيح هناك جبايات وعرقلة ومخاطر بالطرقات، ولكن هناك مزايدات ومبالغة أكبر في رفع الأسعار».
واختتم رشيد بالقول: «برفع الحصار الكلي عن ميناء الحديدة ستسقط كثير من الذرائع والحجج التي يقتات بها التجار، لكن أيضاً من المهم تفعيل دور الجهات الرقابية والمحاسبية وتحصينها من الفساد الذي ينخر كيانها».