حاوره: أحمد رفعت يوسف ـ دمشق / لا ميديا -
الإعلامي السوري الأستاذ غسان محمد هو أحد أكثر الخبراء والمتخصصين العرب تعمقاً بالشؤون «الإسرائيلية». ترأس قسم اللغة العبرية في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية لسنوات طويلة وحتى تقاعده قبل أشهر.
يجيد اللغة العبرية إجادة تامة، مكنته من متابعة ما يجري في الكيان الصهيوني، ومتابعة الحركة السياسية وما تنشره وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث «الإسرائيلية». يحيط بتفاصيل الخريطة السياسية والحزبية في الداخل «الإسرائيلي»، ويعرف بشكل معمق شرائح وتوجهات وانقسامات المجتمع «الإسرائيلي».
يمتلك لغة إعلامية تمكنه من قراءة وتحليل مسارات الأحداث في الكيان الصهيوني وتوقعاتها، ما يجعله قادراً على التحليل السياسي الذكي والدقيق للسياسة «الإسرائيلية».
صحيفة «لا» التقت الإعلامي والخبير بالشؤون «الإسرائيلية» الأستاذ غسان محمد وكان هذا اللقاء.

هستيريا حقيقية في الكيان
 كونك من أكثر المتابعين للحركة السياسية وللإعلام في الكيان الصهيوني، ما الذي يلفت نظرك في الداخل «الإسرائيلي» هذه الأيام؟
 الكيان «الإسرائيلي» يعيش حالة هستيريا حقيقية على جميع المستويات، السياسية والعسكرية والأمنية وعلى مستوى الشارع... من التطورات في المنطقة والتي تسير لغير صالحه وعلى كل الجبهات، بالتالي يلجأ إلى تهديد إيران وحزب الله، ويحاول استغلال هوامش التناقضات في الساحة السورية لشن اعتداءات هنا وهناك، وكل ذلك لمحاولة تهدئة مخاوف «الإسرائيليين» من جهة، ومحاولة التأثير على محادثات فيينا حول الملف النووي الإيراني من جهة ثانية، إما بهدف إفشالها، وإما لدفع القوى العظمى إلى التمسك باتفاق يلبي الإملاءات «الإسرائيلية». مع ذلك، واضح حتى اليوم وباعتراف محللين وخبراء «إسرائيليين» أن كل المحاولات «الإسرائيلية» لم تحقق أهدافها. لذلك فإن التهديد بهجوم على إيران أو على المقاومة اللبنانية، يبقى مجرد استعراض للقوة، أو بعبارة أدق كلاماً فارغاً، حسب محلل الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل الذي قال إن هجوماً «إسرائيلياً» في إيران ستكون له عواقب وخيمة على «إسرائيل».
وفي ضوء إدراك العواقب الكارثية لأي حماقة عسكرية ضد طهران ينصح العديد من المسؤولين الأمنيين والعسكريين بالتعقل وعدم المجازفة بخطوة قد تكون بمثابة دق المسمار الأخير في نعش «إسرائيل»، كما قال الجنرال احتياط يتسحاك بريك الذي حذر قادة «إسرائيل» من مغبة التورط في حرب خاسرة.

الخطر القادم من اليمن
 اليمن دخل من جديد على قوس المخاطر في نظر «الإسرائيليين». ماذا يقولون عن هذا الموضوع؟
 التحليلات «الإسرائيلية» تقول إن اليمن تحول إلى جبهة مواجهة جديدة ضد «إسرائيل» لا تقل خطورة عليهم عن بقية الجبهات. والخطير في الأمر بالنسبة إليهم أن هذه الجبهة -بالرغم من بُعدها عن فلسطين المحتلة- تمتلك قدرات عسكرية متعددة الأشكال، بينها الصواريخ بعيدة المدى التي تصل إلى ميناء «إيلات»، إضافة للطائرات المسيرة القادرة على ضرب العمق «الإسرائيلي»، والتي ليس بإمكان القبة الحديدية اعتراضها في الجو وقبل وصولها إلى أهدافها.
كما تقول تحليلات المحللين والمعلقين الصهاينة، إن انضمام اليمن بموقعه الاستراتيجي إلى محور المقاومة يضيف جبهة مواجهة جديدة مع الكيان «الإسرائيلي» ذات أبعاد عسكرية واقتصادية، على اعتبار أن القسم الأكبر من التجارة «الإسرائيلية» يمر عبر مضيقي هرمز وباب المندب، وبالتالي فإن إغلاق هذا الأخير سيوجه ضربة قاتلة للاقتصاد «الإسرائيلي».
بعبارة مختصرة: المحللون السياسيون والاستراتيجيون في الكيان «الإسرائيلي» يتحدثون اليوم عن جبهة مواجهة جديدة تضاف إلى خمس جبهات أخرى ضده، هي جبهة الجولان وجنوب لبنان وغزة والضفة الغربية وغرب العراق.. هذا يعني أن الجيش «الإسرائيلي» في أي حرب مقبلة سيجد نفسه في مواجهة متعددة الجبهات، ولن يكون بإمكانه تحمل تكاليف هذه المواجهة. وهذا من وجهة النظر «الإسرائيلية» تحدٍّ جديد كان خارج التصورات «الإسرائيلية».

مشاركة في العدوان
  هناك أحاديث كثيرة عن مشاركة العدو الصهيوني في العدوان على اليمن، وخاصة عن طريق سلاح الجو. هل من تأكيد «إسرائيلي» على هذه المشاركة؟
 بخصوص مشاركة الكيان الصهيوني في الحرب السعودية على اليمن تحدثت تقارير «إسرائيلية» عديدة عن دور «إسرائيلي» مباشر في الحرب، سواء من خلال مشاركة سلاح الجو في الغارات الجوية، أم من خلال تقديم الدعم اللوجستي والمعلومات الاستخباراتية، لدرجة أن إحدى المجلات العسكرية «الإسرائيلية» نشرت صورا لطائرات «إسرائيلية» وسعودية أثناء تحليقها في أجواء اليمن.
كما كشفت المجلة عن لقاءات عمل وتنسيق على أعلى المستويات بين طواقم وخبراء أمنيين «إسرائيليين» وسعوديين لبحث التعاون العسكري والأمني في الحرب على اليمن. مع ذلك يحرص الكيان على إبقاء هذا التعاون في السر بطلب من السعودية.

خوف صهيوني سعودي مشترك
  يلاحظ بشكل غريب التماهي بين السياسات «الإسرائيلية» والسعودية هذه الأيام إلى درجة التطابق تقريبا. كيف ينعكس هذا الأمر عند السياسيين وفي إعلام العدو؟
 تطابق السياسات والمواقف «الإسرائيلية» والسعودية ينبع من تطابق المصالح والأهداف والخوف من المستقبل، خصوصا في ضوء معطيات تؤكد فشل الحرب على سورية واليمن وكامل محور المقاومة. وبشكل دائم هناك مقالات وتصريحات لمحللين «إسرائيليين» يؤكدون أن «إسرائيل» والسعودية تتشاركان المخاوف من تحولات استراتيجية في المنطقة لصالح محور المقاومة ستغير خريطة الشرق الأوسط، وتفرض حقائق لا تصب في صالح النظامين السعودي و»الإسرائيلي»، خصوصاً في ظل تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتخلي واشنطن عن حلفائها.
لذلك ترى بعض الأوساط «الإسرائيلية» ومثلها السعودية أن البحث عن تحالفات جديدة قد يكون البديل عن تفكك وانهيار الحلف الأمريكي - «الإسرائيلي» وتراجع الدعم الأمريكي.

زوال «إسرائيل» عام 2031
  خطر الوجود أصبح يطرح بشكل جدي عند النخب وفي المجتمع «الإسرائيلي». كيــف يتم تناول هذا الموضوع؟
 الحديث في الكيان «الإسرائيلي» عن الخطر أو التهديد الوجودي أصبح علنيا داخل أوساط الكيان ونخبه الفكرية والسياسية، لدرجة أن بعض الأصوات تحذر بشكل علني من زوال الكيان. ولم يعد سرا أن بعض الأوساط الصهيونية تتحدث عن حرب أهلية في «إسرائيل».
باختصار، القاسم المشترك لجميع «الإسرائيليين» اليوم هو الخوف من المستقبل في ضوء التطورات التي تشهدها المنطقة، لدرجة ان أحد المؤرخين الصهاينة تنبأ بزوال «إسرائيل» بحلول العام 2031 لأسباب داخلية وخارجية.

هزيمة حلف العدوان
 من خلال متابعتك للإعلام «الإسرائيلي» بشكل خاص ونشاطك الإعلامي بشكل عام، ماذا تقول للإخوة اليمنيين الذين يتعرضون لعدوان شرش ومن القوى نفسها المعتدية على سورية؟
 للإخوة في اليمن الذين يواجهون واحدا من أخطر أحلاف الشر والعدوان في المنطقة أقول: إن صدى انتصاراتكم يتردد داخل أوساط الكيان «الإسرائيلي»، ودوائره السياسية والعسكرية والإعلامية، التي تعبر عن خوفها من انتصار الشعب اليمني وهزيمة حلف العدوان السعودي، بدليل أن بعض المحللين الصهاينة اعتبر أن هزيمة السعودية هي هزيمة لـ»إسرائيل»، وانتصار اليمن هو انتصار لمحور المقاومة والشعب الفلسطيني، وعلى هذا الأساس يرى بعض الخبراء «الإسرائيليين» أن من مصلحة «إسرائيل» أن تستمر الحرب في اليمن لسنوات طويلة قادمة، بانتظار حصول تطورات تقلب موازين القوى، أو على الأقل لتأجيل الهزيمة التي أصبحت حقيقة لا تقبل الجدل.