«لا» 21 السياسي -
في قراءة للمعهد الدولي للدراسات السياسية قدمتها إلينورا أرديماجني، يمكننا سبر غور إرهاصات ومآلات العدوان على اليمن جيوستراتيجيا، سواء في بعده الأمريكصهيوني أم من زاوية العمق البحري للمعركة الدائرة منذ سبع سنوات عند مضايق العالم الإمبريالي.
تحت عنوان «أمن البحر الأحمر.. كيف يختبر الساحل الغربي لليمن معادلة التطبيع؟»، تقول أرديماجني إن ما سمته معادلة التطبيع تحمل تأثيرات مهمة على التحالفات البحرية في الشرق الأوسط، وخاصة في البحر الأحمر. وتعني معادلة التطبيع بحسب الكاتبة هنا التعاون المتنامي بين الإمارات والبحرين والكيان الصهيوني والولايات المتحدة، حيث لا يزال الهدف الرئيسي لهذه الدول هو مواجهة إيران وحلفائها ووكلائها، مثل أنصار الله في اليمن، وفقاً لمصطلحات الكاتبة نفسها، والتي تحيل مجمل نتائج تلك المعادلة التطبيعية إلى ما وصفته بتطور الصراع في اليمن، خاصة على طول الساحل الغربي.
تذكر أرديماجني بتنسيق القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية لمناورات عسكرية بحرية غير مسبوقة في البحر الأحمر في الفترة 11 - 16 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بين الإمارات والبحرين وكيان الاحتلال كنتيجة مباشرة لـما تسمى «اتفاقيات أبراهام»، مذكرةً أيضاً بأنه وأثناء إجراء التدريبات البحرية التي استمرت 5 أيام انسحبت ما تسمى القوات اليمنية المشتركة المدعومة من الإمارات من جنوب الحديدة لتعيد انتشارها في خطوط المواجهة الأخرى خاصة مأرب وشبوة.
تشير أرديماجني إلى أن ديناميكيتين مترابطتين ستشكلان النتيجة الجيوسياسية لـ«معادلة التطبيع» في البحر الأحمر، أي خفض التصعيد أو المواجهة مع إيران وحلفائها الإقليميين:
الأولى: الأنشطة الإيرانية وحرب الظل البحرية بين «إسرائيل» وإيران.
الثانية: الوجود الدائم لأنصار الله في الساحل الغربي لليمن وقدرتهم على ضرب وتعطيل أهداف في البحر الأحمر.
وتؤكد الكاتبة أنه وبدون اتفاق دبلوماسي سريع لحل النزاع سيعزز تواجد أنصار الله في الحديدة ما وصفته بالتهديد البحري، ما يضع مزيدا من الضغط على السعودية.
ويتحدث التقرير عن أطراف ما يسميها معادلة التطبيع، حيث تأتي مواجهة التهديدات غير المتكافئة وحماية الأهداف الساحلية على رأس أولويات القوات البحرية الإقليمية في البحر الأحمر وما وراءه، حيث تعد مصر أيضا جزءا من «معادلة التطبيع».
وأكد المسؤولون الصهاينة أن النشاط البحري الصهيوني في المنطقة نما «بشكل كبير» خلال الـ3 أعوام الماضية، بما في ذلك نشر فرقاطات الصواريخ والغواصات.
وأطلق الأسطول الخامس الأمريكي (مقره في البحرين ولكن منطقة مسؤوليته تشمل أيضا البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن) فرقة عمل جديدة، وهي فرقة العمل 59. وتضم الفرقة الجديدة سفنا محمولة جوا وبحرا وغواصات ذاتية القيادة.
كما أكملت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية تدريب «نيو هورايزون» الذي تضمن دمج السفن غير المأهولة مع السفن المأهولة في مياه البحر الأحمر للمرة الأولى.
وبعد اتفاقات التطبيع نقل البنتاجون كيان الاحتلال من القيادة الأوروبية الأمريكية إلى القيادة المركزية الأمريكية لتعزيز التعاون الوثيق بين دول الخليج والكيان الصهيوني.
وفي كانون الثاني/ يناير الماضي وقعت واشنطن اتفاقية مبدئية مع السعودية لاستخدام القواعد الجوية والموانئ في غرب المملكة مثل ينبع وتبوك والطائف.
وتسلط هذه الخطوات -كما يشير التقرير- الضوء على نهج الشبكة اللوجيستية المرنة الذي يركز على مرافق الحلفاء الإقليميين ويعزز البنى الأمنية المتجذرة في المنطقة، وبالتالي يقلل الحاجة إلى الوجود الأمريكي الدائم والمباشر.
وتختتم إلينورا أرديماجني تقريرها بأن سيطرة أنصار الله على جنوب الحديدة أدت إلى مخاوف في «تل أبيب» والرياض وحتى في أبوظبي، لأن الإمارات لديها مصالح جيوستراتيجية مهمة في البحر الأحمر ومنطقة باب المندب، لتلعب التطورات على الساحل الغربي لليمن دورا حاسما في كيفية تشكيل معادلة التطبيع للخيارات الأمنية والحوكمة الأمنية على المدى المتوسط إلى الطويل في البحر الأحمر.
وبغض النظر عن بعض المصطلحات الواردة في التقرير أعلاه وعن الزاوية التي انطلقت منها الكاتبة في تسطير قراءتها تلك؛ إلا أن الواضح هو مركزية البحر الأحمر في المشروع الصهيوني، حيث لا تزال عشرات الجزر المأهولة وغير المأهولة الواقعة بالقرب من مضيق باب المندب تحت سيطرة قوات خفر السواحل الموالية للإمارات، وهو ما يعكس تمسك أبوظبي و«تل أبيب» بالبقاء في هذه المنطقة وإدامة سيطرتهما على الممر الملاحي الدولي والمضيق الاستراتيجي، وهو الأمر الذي ترفضه صنعاء التي تفرض سيطرتها على جزر قطاع كمران التي تضم 17 جزيرة غير مأهولة من إجمالي 152 جزيرة واقعة في قطاع البحر الأحمر والساحل الغربي للبلاد. وستلجأ صنعاء حتماً إلى تنفيذ عمليات بحرية مباغتة تستهدف إنهاء الهيمنة الإماراتية على جزر البحر الأحمر، وتحديداً تلك الواقعة في قطاع حنيش وزقر والمطلة على مضيق باب المندب، والتي تحتل مكانة استراتيجية، كونها تقع بالقرب من خطوط الملاحة في جنوب البحر الأحمر وتتحكم بها، والتي يتواجد فيها الأمريكيون والفرنسيون والصهاينة، بما يشير إلى مخطط دولي لإخضاع باب المندب لوصاية دولية إن لم يكن احتلالاً دائماً تقوده الإمارات منذ مطلع عام 2016.
لا يتعلق أمر تنفيذ تلك العمليات فقط بمعادلات الردع التي تحملها المسيّرات اليمنية أو الصواريخ البالستية التي طورت صنعاء أمداءها، بل يصل الأمر إلى تأكيد وجود خلايا وطنية ناشطة على الشريط الساحلي الموصل إلى باب المندب والمشرف على أهم ممر ملاحي في العالم وعلى منطقة استراتيجية تعج بالمصالح الصهيونية.
ووفقاً لمصادر صحيفة «الأخبار» اللبنانية فإن الانسحاب الذي نفذه التحالف من الساحل الغربي أخيراً مرتبط بمعركة مأرب، وله علاقة مباشرة بالدفاع عن باب المندب بعد مأرب، لتضع صنعاء عدة سيناريوهات لمرحلة ما بعد استعادة مدينة مأرب، قد يكون أحدها التوجه نحو تعز لتحصين مرتفعات مرتبطة بشكل مباشر بالممر الدولي بين واحجة (مديرية باب المندب) والمخا (مركز مديرية المخا) ويختل (مديرية المخا). ومع أن قدرة التحالف على الصمود والمواجهة بعد مأرب غير واضحة حتى الآن، إلا أن تحديد مصير المعارك سيُبنى على النتائج النهائية للمعركة الحالية في مأرب ومآلاتها.