إعداد: رامي ناجي / لا ميديا -
ساهم التطور التكنولوجي الذي نراه اليوم في قفزات نوعية حققها الإنسان في مختلف مجالات الحياة. لعل آخر تلك القفزات ما عُرف بـ"ثورة الاتصالات". لكن مثلما أن الإنسان حينما اخترع الطائرة -مثلا- راح يعمم استخدامها حتى في صراعاته وحروبه، فصنع الأباتشي والميراج والـ"إف 16"... فقد راح يستخدم "ثورة الاتصالات" أيضا في صراعاته وحروبه، كأحد أفتك الأسلحة؛ غير أنها ليست مجرد سلاح عادي من تلك الأسلحة التقليدية، بل هي سلاح اقتضى بطبيعته تغييرا في طبيعة الحرب ذاتها، وأساليبها وميدانها، وأدواتها... وهي ما اصطلح على تسميتها اليوم "الحرب السيبرانية".
والحرب السيبرانية ليست حربا تقليدية، بالقذائف والنيران... بل هي حرب صامتة، خفية؛ لكن قوتها التدميرية هائلة وواسعة، ونتائجها كارثية، وإن لم تصاحبها الدماء أو الأشلاء بالضرورة. أدواتها بسيطة، لا تتعدى في أغلب الأحوال بضعة “كيلوبايتات”، فيروسات إلكترونية، شبيهة بفيروسات الحروب الكيمياوية.
أما ضحايا الحروب السيبرانية فقد تكون دولا بأكملها. صحيح أنه لم يحدث حتى الآن أن انهارت دولة نتيجة حرب سيبرانية؛ لكن بالتأكيد أن هذه النوعية من الحروب باتت تؤرق الكثير من دول العالم، بحسب مستوى التطور التكنولوجي لهذه الدولة أو تلك ومدى اعتمادها على ذلك التطور. ولقد صارت تلك الدول تنشئ جيوشا إلكترونية، وتدربها تدريبا عاليا لخوض هذا النوع من الحروب...

مفهوم الحرب السيبرانية
من المؤكد أن هذا المصطلح -وبدون الغرق في التعبيرات التقنية- لم يطفُ على سطح المشهد العالمي إلا بعد الحرب العالمية الثانية بـ5 عقود تقريبا، ولم تتضح آثاره إلا مع بدايات القرن الـ21، إذ أضحت شبكات التواصل الإلكتروني هي التي تتحكم بدفة غالبية الأنشطة الإنسانية، وفي الوقت عينه تمثل تهديداً حال جرت باعتبار أنها أداة للشر، ما أوجد قناعة لدى الاستراتيجيين العسكريين تحديداً بأنها الجيل الخامس من الحروب بعد البر والبحر والجو والفضاء.

الحروب السيبرانية والصراع الدولي
لم تعد الحروب في العقد الثالث من القرن الـ21 حروبا بالمفهوم الكلاسيكي، إذ تتقاتل الجيوش على الأرض وفي البحر أو الجو، إلا أن أحد أوجه الحروب المعاصرة شديدة الوقع هي الحروب السيبرانية، ومن هنا تتأتى قضية الاختراقات من أجل الحصول على المعلومات السياسية والاقتصادية، سواء تلك التي تتعلق بالشركات أو الأفراد، وحتى المؤسسات الاقتصادية الكبرى بل والدول عموماً.
إذ تقوم الحروب السيبرانية بالمقام الأول على عنصرين مهمين: وهما:
أولاً: توفر المعلومات: توفر المعلومات هو أول آليات الحروب السيبرانية.
ثانياً: القدرات العقلية والذهنية: وهي المسؤولة عن تخطيط وتوجيه الضربات الإلكترونية. ومع توفر عنصري المعلومات والقدرات العقلية البشرية تأتي الإجراءات الفنية والتقنية القائمة على أساس تنفيذ خطوات وآليات الحروب الإلكترونية عبر الفضاء الرقمي.
خلال العقود الأخيرة من القرن الـ20 دخلت أدوات وتقنيات التكنولوجيا إلى ساحات الصراع المتعددة، والتي تشكل في نظر البعض امتداداً للحرب السيبرانية. كما أن استخدام التكنولوجيا أدى إلى التغيير في شكل الصراع الدولي. ومع بداية القرن الـ21 أصبحت الشبكة أساسية في أغلب الاتصالات والتعاملات وأجهزة التحكم، بالإضافة إلى أنها شكلت وسيلة تجسس للبعض، كما تحولت إلى أداة للحرب بمختلف صورها.

أولاً: التحولات في الصراع الدولي:
ساعد التطور التكنولوجي في تطوير أدوات الحروب الحديثة بشكل متسارع، وعلى جعل من الضروري على الجيوش الحديثة أن تلاحقه، وهذا كان سبب تطور أساليب الصراع فيما يسمى الجيل الأول من الحروب، ثم الجيل الثاني ثم الثالث، ومع القفزة التكنولوجية الهائلة التي ظهر تأثيرها على العلاقات الدولية وعلى رأسها بالطبع أدوات الصراع العسكري، ظهرت فكرة الجيل الرابع للحرب التي كانت بعد ذلك جزءاً من الحروب اللامتماثلة (غير النمطية) في الجيش الأمريكي باعتباره أكثر جيوش العالم امتلاكاً للتكنولوجيا الحديثة والفائقة.

ثانياً: أثر الحروب السيبرانية في الصراع الدولي:
دفع تصاعد شبح الحرب النووية بالدول المالكة لهذا السلاح إلى التفكير بوسائل صراع تستثني المواجهة المباشرة. هذا بالضبط ما شهده العالم خلال الحرب الباردة والتي امتدت لما يقارب 45 عاماً، وقد ظهرت خلال تلك الفترة مصطلحات عدة، كالحرب بالوكالة والحرب الاقتصادية والحرب الإلكترونية وغيرها. فضلاً عن ذلك فإن عدم اللجوء إلى استخدام السلاح النووي لا يعني بأي شكل من الأشكال توقف الدول عن التفكير بوسائل جديدة للمواجهة، وآخر هذه الوسائل هي "الحرب السيبرانية"، والتي تعد أحدث تطور في عالم النزاعات والتنافس الدولي. هذه الحرب تعتمد بشكل أساسي على مدى التطور التكنولوجي العسكري للدول المعنية، ولا يمكن لدولة تفتقر لهذه الإمكانيات أن تتمرس فيها.

من يملك الأدوات السيبرانية؟
أولاً: كل الدول، بمختلف أحجامها، كبرى أو صغرى، تمتلك أدوات سيبرانية، فقد باتت مسألة الشراكة في الفضاء السيبراني ميسرة لأصحاب العقول. غير أن الهجمات السيبرانية ربما هي التي تحتاج إلى دول كبرى فاعلة تمتلك بنى تحتية سيبرانية لتسبب الأضرار والخسائر لأعدائها على المستوى الدولي.
ثانياً: قوى غير دولية، أصغر في مقدراتها من الدول، وقد تكون أقرب إلى الكيانات الأممية، وعادة ما يكون لهؤلاء أهداف تخريبية، إلا أن قدرتهم على القيام بعمليات واسعة النطاق تعوزها مساعدة أجهزة استخبارات دولية، وإن كان من اليسير عليها اختراق المواقع الإلكترونية واستهداف الأنظمة الفاعلة.
ثالثاً: وسائط التواصل الاجتماعي العالمية الكبرى مثل "فيسبوك" و"جوجل" وتويتر" وما شابه، تستطيع بما تملكه من المعلومات اختراق الأسواق السيبرانية.
رابعاً: الجماعات المتطرفة، إذ تستخدم العصابات الإجرامية هذا الفضاء لسرقة المعلومات وتسهيل كل ما هو غير مشروع، من عينة تجارة البشر والسلاح، عطفا على ما يسمى السوق السوداء أو المظلمة على الشبكة العنكبوتية.
خامساً: الأشخاص الاعتياديون، والمثال على ذلك ما شهدناه في ظاهرة "ويكليكس"، إذ استطاع مخترق للأمن المعلوماتي الأمريكي أن يهدد أكبر دولة في العالم، الولايات المتحدة الأميركية، ويكشف أوراقها وتحالفاتها حول الكرة الأرضية.
وأبرز الجيوش الإلكترونية في العالم هي:
1 - الوحدات الست في الولايات المتحدة: تعتمد الولايات المتحدة في الحروب الإلكترونية على 6 عناصر، هي الوحدة الأمريكية لقيادة “الفضاء السيبراني”، وهي المختصة بالتخطيط والتنسيق وإدارة عمليات الحروب الإلكترونية مع باقي الفروع التي تتبعها.
2 - المكتب 121 في كوريا الشمالية: تمتلك كوريا الشمالية وحدة خاصة بالحروب السيبرانية هي "المكتب 121" (Bureau 121) وأنشئ عام 1998.
3 - اللواء 77 البريطاني: انضمت بريطانيا للحروب الإلكترونية باللواء 77 في أوائل 2015، ويركز في الأساس على الحسابات المؤيدة للمتطرفين على “توتير” إذ يعمل اللواء البريطاني على شن الحروب النفسية ويتكون من 2000 جندي.
4 - مخابرات الإشارة الروسية: مجموعات من الهاكرز يعملون لصالح استخبارات الإشارة الروسية، وكانت أبرز الهجمات التي شنها هاكر روس بحسب ”سي إن إن” هو اختراق وزارة الخارجية الأمريكية واختراق أنظمة البيت الأبيض، لدرجة تسريب جدول أعمال الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
5 - الوحدة (61398) الصينية: تشتهر الصين بامتلاكها أحد أفضل الجيوش السيبرانية في العالم، بالرغم من عدم الكشف رسميا عن الوحدة المسؤولة عن عمليات الاختراقات الصينية، إلا أن وزارة العدل الأمريكية قالت إن الوحدة (61398) هي مصدر حروب الصين السيبرانية. 
6 - كوماندوز جيش الاحتلال "الإسرائيلي": وهي وحدة كوماندوز "إسرائيلية" تركز على 30 موقعاً، بالإضافة إلى العديد من مواقع التواصل الاجتماعي، وتبث رسائلها بعدة لغات، منها العربية والإنجليزية والعبرية والفرنسية والإسبانية.
7 - جيش إيران الإلكتروني: في السنوات الأخيرة برزت إيران كقوة سيبرانية من خلال جيش إيران الإلكتروني، والذي أظهر القدرة على اختراق أهدافه ببراعة، على حد قول معهد الدراسات الاستراتيجية الأمريكي...

أبرز معارك الحرب السيبرانية
تنوعت وسائل السيطرة والتحكم الخاصة بمعظم العمليات الحيوية الموجودة على الأرض، وانتقلت إلى عالم الفضاء الإلكتروني السيبراني، وفي صور متعددة، منها أقمار صناعية ومحطات فضائية ومفاعلات نووية، كما انتقل أيضاً قطاع واسع من الحروب والمعارك والصراعات والثورات إلى العالم الافتراضي، الذي خلقه الإنسان منذ اختراعه للكمبيوتر والذاكرات الإلكترونية وشبكات المعلومات، فأنشأ داخله جغرافيا افتراضية جديدة، وأخذ الصراع الإلكتروني حيزاً واسعاً من خرائط الصراع الدولي، لعل أبرزها المعارك السيبرانية التي دارت بين:الولايات المتحدة الأمريكية وإيران:
يعد برنامج إيران للحرب الإلكترونية أحد الأسلحة الإيرانية لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، الذي بدأ تشكيله عام 2012، ويشرف على إدارته المجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني، الذي تشكل بأمر من المرشد الأعلى علي خامنئي، وقد أصبح المجلس ركيزة أساسية بالنسبة للحرس الثوري والسياسات الخارجية الإيرانية. واستغلت إيران البرنامج لشن هجمات إلكترونية وتنفيذ عمليات تجسس إلكترونية.
وقبيل أعوام من توصل المجتمع الدولي إلى الاتفاق النووي مع طهران، شنّت الولايات المتحدة الأمريكية حربها الإلكترونية على مشروع إيران النووي، بهدف إضعاف قدرة طهران النووية، وإجبارها على تقديم التنازلات في طاولة المفاوضات. وفي الوقت نفسه لم تكن واشنطن بمأمن من الهجمات الإلكترونية، ففي يوم الجمعة 23 مارس 2018 وجهت وزارة العدل الأمريكية اتهامات جنائية وفرضت عقوبات على شركة إيرانية وعلى 9 ناشطين إيرانيين، لاختراقهم أنظمة مئات الجامعات والشركات وضحايا آخرين لسرقة البحوث والبيانات الأكاديمية والملكية الفكرية. وحسب ما صدر من تقارير صادرة عن الوزارة أوضحت أن الهجوم الذي وصفته بإحدى كبرى الهجمات الإلكترونية التي ترعاها إيران، بدأ منذ 2013 على الأقل، وبه تمت سرقة أكثر من 31 تيرابايت من البيانات الأكاديمية وحقوق الملكية الفكرية من 144 جامعة أمريكية و176 جامعة في 21 دولة أخرى.
كما تعرضت الأنظمة المصرفية الأمريكية لهجوم سيبراني إيراني بمستوى غير مسبوق، فضلاً عن مواقع عدد من البنوك، مثل: “بنك أوف أمريكا” و”سيتي جروب”. وأوضح مسؤولون أمريكيون أن "مستوى تلك الهجمات يشير إلى أن الفاعل الحكومة الإيرانية“. واتهمت مؤخراً وزارة العدل الأمريكية 7 إيرانيين بشن هجمات تعطيل الخدمة على 46 شركة، وتستهدف بصورة أساسية القطاع المصرفي والمالي، فضلاً عن أن الاستخبارات الأمريكية أشارت إلى أن "إيران وراء فيروس شمعون”، الذي استهدف شركة “أرامكو” السعودية في ديسمبر 2012، ألحق أضرارا بنحو 30 ألفاً من حواسيب الشركة.

إيران و"إسرائيل":
تم الكشف عن هجوم “ستوكسنت” ضد المنشآت النووية الإيرانية، عام 2010، والذي شكل حدثا تأسيسيا فيما يتعلق بالهجمات الإلكترونية العسكرية على البنية التحتية.
ووفقا لتقارير نشرتها وسائل إعلام أمريكية، تبادلت إيران و"إسرائيل" الهجمات في الفضاء الإلكتروني، حيث هاجمت كل منهما أهدافاً لدى الأخرى.
وبحسب تلك التقارير، نفذت "إسرائيل" هجوما إلكترونيا في 9 مايو 2020 ضد الميناء الإيراني “شهيد رجائي” في بندر عباس جنوب إيران، وهو الهجوم الذي تسبب في انهيار أجهزة الكمبيوتر التي توجه حركة السفن والشاحنات والبضائع، ما أدى إلى وقف النشاط في الميناء لعدة أيام. وذكرت تلك التقارير أن ذلك الهجوم جاء رداً على هجوم إلكتروني إيراني استهدف البنية التحتية للمياه والصرف الصحي في “إسرائيل”.
وتم تنفيذ الهجوم على شبكة المياه "الإسرائيلية"، المنسوب إلى إيران، في عدة نقاط في أنحاء متفرقة من الأراضي المحتلة، في 24 و25 أبريل 2020، قبل ما يسمى "عيد الاستقلال" لدى الكيان الصهيوني، وفي بداية المرحلة الأولى من الخروج من إجراءات الإغلاق التي تسبب فيها فيروس كورونا.
وفي أحد المرافق، تم التلاعب بالبيانات. وفي محطة أخرى، تم فصل المضخة عن الوضع التلقائي وتم تشغيلها بشكل مستمر. وفي مصدر مياه آخر، تم الاستيلاء على نظام التشغيل. وفي إحدى الحالات، توقفت مضخة المياه عن العمل لفترة قصيرة.
وقدم رئيس مديرية الإنترنت "الإسرائيلية" السابق، أريك باربينج، تقييما يوضح أن الهجوم يدل على قدرة كبيرة تستند إلى معلومات استخبارية دقيقة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد تم في 25 مايو 2020، الكشف عن هجمات إلكترونية استهدفت معاهد الأبحاث "الإسرائيلية" التي تتعامل جزئيا مع تطوير الأدوية واللقاحات ضد فيروس كورونا.
وبحسب التقارير، فإن الهدف من الهجمات لم يكن جمع المعلومات، ولكن الدمار. وإذا كانت هذه خطوة أخرى مرتبطة بالحرب السيبرانية بين “إسرائيل” وإيران، فإن نطاق الهجوم الإيراني كان أوسع.
إلى ذلك، فإن “إسرائيل” ليست الوحيدة المسؤولة عن الهجمات السيبرانية على إيران.
ووفقا للبيانات التي أوردتها تلك التقارير، فإن الإيرانيين يتحركون باستمرار في مسار هجوم واسع، بما في ذلك الهجمات لجمع المعلومات الاستخبارية، والهجمات التي تهدف إلى التأثير النفسي، مثل الهجمات على المواقع الإلكترونية "الإسرائيلية"، والهجمات التي تهدف إلى تدمير الأنظمة.
ويعد الصراع السيبراني أحد جوانب الصراع الاستراتيجي الذي تخوضه إيران على عدة جبهات ضد عدد من الأعداء، وبشكل رئيسي الولايات المتحدة و"إسرائيل” والسعودية.

الولايات المتحدة وروسيا
أدى ظهور الجيوش الإلكترونية إلى كشف مشاريع حروب سيبرانية جديدة، وهذا ما كشف عنه وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بقوله إن بلاده أنشأت بالفعل جيشا إلكترونياً تابعاً لوزارة الدفاع، ويتوقع أن يقوم هذا الجيش بردع الدعاية المغرضة ضد بلاده وأن يكون أداة فعالة ذكية وكفؤة. ورغم أن مهام هذا الجيش ستكون سرية ولن تقف عند مجال الدعاية، فإن أهمية هذه التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع الروسي تكمن في أنها جاءت في أعقاب إعلان مدير الاستخبارات الألمانية، هانس جورج ماسن، أن الهجمات الإلكترونية يمكن أن تقوم بتركيع الدول المتقدمة بما فيها ألمانيا.
وفي عام 2010 تم إنشاء مؤسسة إلكترونية أمريكية تابعة للبنتاغون، هي القيادة الإلكترونية. وفي عام 2011 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أنها شرعت في التحكم بالشبكات الاجتماعية من أجل تحسين الصورة، وللتأثير على الدول الأخرى. أما مديرة وكالة الدفاع الأمريكية للتقنيات الواعدة، ريغينا دوغان، فقد أعلنت أن جهوداً إضافية ستبذل لإنشاء سلاح إلكتروني هجومي يشكل عنصراً جوهرياً في الآلة العسكرية، مع ضرورة معرفة الإمكانات الإلكترونية للدول الأخرى بهدف التحصن ضدها، وهذا يعني أن الولايات المتحدة نفسها تمارس التجسس الإلكتروني.
ولا شك أن الحرب الإلكترونية التي أعلنها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، والتي هدفت للتأثير فيها لمصلحة الرئيس السابق دونالد ترامب، شكلت عهداً جديداً في الحروب السيبرانية، وباتت بوابة للحروب المعلوماتية، انعكست آثارها على الأرض في الولايات المتحدة. 
كما أن ثمة خطورة تشكلها أجهزة التشويش الروسية على القوات الأمريكية المتواجدة في سورية، وذلك نقلاً عن مصادر عسكرية أمريكية، وبحسب التقارير فإن القوات الأمريكية المنتشرة في سورية تضطر بشكل متزايد إلى الدفاع عن نفسها أمام الهجمات السيبرانية الروسية التي لها عواقب مميتة. وذكر ضباط أمريكيون اختبروا التشويش المعروف باسم “الحرب السيبرانية”، أنه لا يقل عن الهجمات التقليدية بالقنابل والمدفعية. وقد أشار الخبير في قضايا الأمن القومي والقضايا العسكرية في معهد "ليكسينغتون”، دانيال غور، بقوله: ”إن تطور أنظمة الحرب السيبرانية الجديدة في روسيا والتي يمكن تركيبها على المركبات الكبيرة أو الطائرات بإمكانها التشويش على أهداف تقع على بعد مئات الأميال".
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن توسع عمليات التجسس الأمريكية على روسيا، مشيرة إلى أنها وصلت إلى أوسع نطاق لها منذ نهاية الحرب الباردة، والتجسس الأمريكي على روسيا شمل العديد من المفاصل الحيوية، بالإضافة إلى أنظمة الأقمار الصناعية، وهو ما أدى إلى تخصيص ميزانيات كبيرة لهذه الأعمال، وهي المبالغ التي خصصت سابقاً لمكافحة الإرهاب وتغطية الحروب الأمريكية، والأنشطة التجسسية الأمريكية التي تم إخفاؤها عن الرأي العام تعتبر جزءاً من الصراع والمنافسة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في أعقاب عقدين من الهدوء.
ختاماً يمكن القول بأن مزايا الحروب الإلكترونية التي تفوق مزايا الدفاع، ستدفع العالم إلى مزيد من الصراعات وخاصة مع تطور آليات الهجوم السيبراني بشكل متسارع، مما يضفي عليها مزايا إضافية في المراحل المختلفة لهذه التطورات، فغياب الأطر القانونية الدولية الرادعة في الحروب السيبرانية وانتقاء القيود الشرعية الدولية كنتيجة لعدم إمكانية التعرف على هوية المهاجم - على عكس الهجوم التقليدي، كل هذه العوامل تجعل من الفضاء السيبراني ساحة جذب للقوى الكبرى لإدارة صراعاتها مع بعضها البعض، فاستبدال الحرب العسكرية بتلك الإلكترونية وانتقال الصراع ما بين القوى الكبرى من الميادين التقليدية إلى الفضاء الإلكتروني السيبراني قد يؤدي بالقوى الدولية للدخول في مواجهات إلكترونية.