«لا» 21 السياسي -
منذ أواخر العام الثاني من العدوان الأمريكي السعودي على اليمن والأنباء تتواتر عن تواجد وتزايد عدد القوات الأمريكية 
في مواقع استراتيجية هامة من الجغرافيا المحتلة، خاصةً تلك المتناثرة على الجزر الغربية عمودياً والممتدة على طول الساحل الجنوبي أفقياً، 
وبالأخص في محافظات حضرموت والمهرة وجزيرة سقطرى في تلك المواقع المطلة على البحر العربي والمحيط الهندي حيث تقع أهم مناطق الاستقطاب
 في لعبة الصراع على النفوذ في العالم والتي ظلت غائبة عن أولويات الاستراتيجية الأمريكية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 
حتى نهاية العام 2017 وبداية العام 2018.
ولشمال غرب المحيط الهندي المحاذي للسواحل اليمنية والعمانية أهمية استراتيجية فائقة من زاوية علاقته المباشرة بالصراع الأمريكي الصيني، ومن جهة ارتباطه التام بصراعات الخليج و»الشرق الأوسط» والقرن الأفريقي والبحر الأحمر، وهي الصراعات التي لم تتوقف منذ أن انسحبت بريطانيا من هذه المنطقة تزامناً ونتاجاً لانحسار نفوذها الإمبراطوري، وهي الصراعات أيضاً التي انسحبت بالتالي حروباً في وعلى اليمن بدءاً من حرب الوكالة الجمهورية الملكية في ستينيات القرن الماضي وحتى العدوان الكوني على اليمن المستمر منذ مارس 2015 مروراً بحروب الشطرين سابقاً وحروب السعودية العدوانية على دولتي الشطرين كما وعلى دولة الوحدة.
كانت أمريكا مطمئنة للغاية من انتصارها عبر أدواتها الإقليمية والمحلية على ثورة الاستقلال الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر 2015. كذلك لما يكن التهديد الصيني لمصالحها الاستعمارية قد وصل مداه بعد. وكانت تعتبر منطقة شمال غرب المحيط الهندي مجرد منطقة حدودية تفصل بين قيادة المحيط الهادئ وقيادة المنطقة الوسطى، إلا أنها -أي أمريكا- غيرت نظرتها تلك وفقاً لمتغيرات الواقع العسكري المتدحرجة ككراتٍ من الثلج بين أقدام أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية، انتصارات متعاظمة على الجغرافيا اليمنية، فسعت إلى صياغة متغيرات مواجهة بالتدخل مباشرةً، وإن بقفازاتٍ خادعة في مشهد العدوان على اليمن، كما سعت أيضاً إلى تغيير استراتيجيتها العسكرية في هذه المنطقة من خلال دمج شرق المحيط الهندي في قيادة المحيط الهادئ التي تغير اسمها إلى قيادة الهندي والهادئ، ودمج غربه في قيادة المنطقة الوسطى التي خضعت لعملية تنظيم واسعة النطاق وضمت الكيان الصهيوني إليها ووضعت خططاً عملياتية جديدة تشمل منظومة للطيران والصواريخ والبحرية والإنذار المبكر والحرب السيبرانية عملاً على إقامة مرتكز استراتيجي جديد للتنسيق بين الأساطيل الأمريكية الثلاثة العاملة في منطقتي القيادتين: الخامس والسادس والسابع.
عملت واشنطن وما تزال -بالاستناد المتبادل على أذرعها الاستعمارية الممتدة من لندن إلى «تل أبيب» وبالإسناد المتعادل مع عاملتها الأمم المتحدة وباقي منظماتها العميلة وبالاعتماد الممول على أدواتها من براميل نجد والخليج- على إيقاف التطورات الميدانية التي وصل بها الجيش اليمني واللجان الشعبية إلى بيحان شبوة على طريق بحر العرب وباتجاه شمال غرب المحيط الهندي.
لقد صار وقف العدوان حاجة ملحة للأمريكي والسعودي على حدٍّ سواء، إنما ليس بالتأكيد من منطلقات الرغبة في السلام والنزوع إلى الخير والندم من الذنب، بل هي الضرورة، وإنما هو الاضطرار، ففي قلب المواجهة مع الصين يرى الأمريكي -وفقاً لهكذا متغيرات استراتيجية- أن من الضرورة إعادة ترتيب أولوياته في المنطقة لتأمين انتقال آمن من «الشرق الأوسط»، حيث يحتبس مشروعه سور شمال المقاومة ويتلبس وجهه جدار اليمن اليمين، إلى الشرق الأقصى حيث يهدد نفوذه تنين الصين العظيم.
كما يجد السعودي نفسه في مأزقٍ وجودي أبعد من البرزخ وأقرب إلى البعث، فالطعن الذي مارسه طوال سنوات بحق اليمنيين عدواناً وحصاراً وقتلاً ودماراً ويا للمفارقة استنزفه هو وتحول دم الأبرياء إلى نزيفٍ يعاني منه هو، إلا أن عقد النقص التاريخي وحقد اللص الجغرافي مايزال يمده ببقايا وهمٍ نجدي يعشمه أن ثمة أملاً لإكمال السفه واستكمال الخسة. وكما يبدو من لغة خطاب الإعلام السعودي مؤخراً ومن لغو سياسيي عمياء اليمامة ومراوغة أحفاد الرمل والغبار فلا اعتراض على مشيئة سيد البيت الابيض اللهم أن أعطونا فرصة أخيرة بأن نكمل العار ونتّم الخزي ونختتم الهزيمة. هكذا ترجى ابن سلمان الأمريكان.
قال المهفوف -في العام الثاني للعدوان- إن الوقت لصالحه، غير أن إضاعته الوقت وهو على مشارف العام الثامن بات مؤشراً واضحاً إلى خسرانه الرهان، حيث تحولت محاولات ألاعيبه بالزمان والمكان اليمنييَن إلى وبالٍ عليه ونكال، وبرغم ذلك فإن صغير نجد يقامرُ مجدداً بالوقت، إنما في آخر فرصةٍ تبقت معه ولديه مجرد كلام وبآخر ما لديه من شر النفاثات في العقد من مرجعيات الطلاق الثلاث.
« إن من يرغب في سلام فخطوات السلام تتمثّل في وقف العدوان ورفع الحصار ومغادرة القوات الأجنبية البلاد ومعالجة آثار العدوان ودفع التعويضات، ولن يتحقّق سلام بدون ذلك». هكذا كان وسيظل رد صنعاء الثابت وموقفها المستمر تجاه استراتيجية المخاتلة الأمريكية وتكتيك العته السعودي، ليبقى ما ينفع الناس أما الزبد فيذهب جفاء.