«لا» 21 السياسي -
ينتصف العام السابع من العدوان الأمريكي السعودي على اليمن وينتصف معه اليمنيون لأنفسهم من ذلك العدوان أكثر من نصر على أمريكا هنا وأكبر من انتصارٍ على السعودية هناك.
هزيمةٌ كبرى يؤجل إعلانها الأمريكي ويأبى الاعتراف بها السعودي، في مكابرةٍ عنوانها «لعل»، وغطرسةٍ غلافها «عسى»، وإنكارٍ يتعشم به إبليس الرجوع إلى الجنة في «دعممةٍ» عن الصميل الذي طرد به منها.
يعاود «المهفوف» ممارسة «العنطزة» الفارغة من الشجاعة، والممتلئة بالنفط، زاعماً عدوانه وساطة، مبدياً تمسكه بما سماه الحل السلمي في اليمن بناءً على مبادرة بلاده البلهاء، ووفقاً لما يعرف بالمرجعيات الثلاث، الهادفة طبعاً إلى إعادة الوصاية على اليمن في الوقت نفسه الذي يضاعف فيه غاراته على مأرب ويشدد حصاره على الحديدة ويرتب من جديد صفوف مرتزقته في الساحل بأوامر سيده الأمريكي مقدماً بين يدي مستشار أمن واشنطن القومي «جيك سوليفان» تعهداً جديداً ومتجدداً بمواصلة السعي للظفر بفضيحةٍ مدوية سياسياً ومضاعفة اقتصادياً ومجلجلة إنسانياً ووجودياً.
«سوليفان» من جهته جدد تعهد إدارته بالدفاع عن «المهفوف» ونظامه، في مفارقةٍ تكشف من جهةٍ زيف وعد «بايدن» بمعاقبة «بن سلمان» على جرائمه، وتفضح من جهة أخرى دور واشنطن الحقيقي كرأس حربة في الحرب على اليمن وهي الحرب التي يزايد «بايدن» عليها ويتاجر فيها ويساوم بها ويكسب منها ويحج بقضه وقضيضه إليها..
زيارة «سوليفان» -كأرفع مسؤول في إدارة «بايدن» يصل الرياض ويلتقي «بن سلمان»- تأتي قبل أيام من ذكرى جريمة قتل الصحفي «جمال خاشقجي» في القنصلية السعودية في تركيا والتي أمر بتنفيذها «المهفوف» وفقاً لتقرير الـ(سي آي إيه)، وهي أيضاً الزيارة التي جاءت بعد أيام من الحديث عن سحب واشنطن لبطاريات باتريوت وثاد الدفاعية من قاعدة «سلطان» السعودية. كما تتزامن زيارة «سوليفان» مع اجتثاث الجيش اليمني واللجان الشعبية لأهم بؤرة إرهابٍ أمريكية في شبه الجزيرة العربية في الصومعة وتطهير كامل محافظة البيضاء إضافةً إلى ست مديريات جديدة من محافظتي شبوة ومأرب، والاقتراب أكثر من تطهير مدينة مأرب. وتتزامن كذلك مع اشتداد وتيرة الغضب الشعبي في مدن الجغرافيا المحتلة في وجه الاحتلال وأدواته.
كل هذه المؤشرات تحمل في طياتها أهمية الزيارة من حيث محاولة واشنطن تقليص مخاوفها من تدحرج انتصارات الجيش واللجان أكثر، وبالتالي مضاعفة خسائرها وحلفائها أكثر ودرءاً لتعجيل الجيش اليمني واللجان الشعبية في إعلان انتصاره وهزيمة المشروع الأمريكي برمته في المنطقة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعاود الأمريكيون حلب أثداء بقرات الحقول النفطية السعودية، ولكن هذه المرة بكلتا يدي الديمقراطيين، تعويضاً عن الانقطاع طوال التسعة الأشهر الأولى من عمر إدارة «بايدن» واستغلالاً للمخاوف السعودية وابتزازاً مضاعفاً لها من تلك المخاوف التي تعززت بتشريع تقدمت به أكثر من 50 منظمة أمريكية ومرره ديمقراطيو «النواب الأمريكي» ويصوت عليه الكونجرس لاحقاً ويقضي بالحد من دعم العمليات العسكرية للسعودية.
يعيد «عبدالرحمن الراشد» -مدير قناة «العربية»- صياغة ما تضمنه بيان وكالة «واس» السعودية بشأن لقاء «سوليفان وابن سلمان» بشكلٍ أوضح وأكثر تحديداً، وذلك في مقالٍ له على «الشرق الاوسط» أشبه ما يكون ببيان إعلان وزير خارجيته السابق «عادل الجبير» بداية العدوان الأمريكي السعودي على اليمن من واشنطن ليلة السادس والعشرين من مارس 2015. ويعرض «الراشد» من جديد تسويغات أسياده الشيطانية ومبرراتهم الصهيونية للاستمرار في الحرب والحصار على اليمن، وكأن هذه الحرب قد بدأت للتو، وكأن «ولا في البلسة بلس»، كما يقول المثل الشعبي اليمني.
من الواضح أن ثمة صفقة جديدة عقدها «سوليفان» مع «ابن سلمان» أشبه بصفقة النصف تريليون دولار التي دفعها «المهفوف» السعودي الصغير للمهفوف الأمريكي الكبير «ترامب» بداية فترته الرئاسية أوائل العام 2017 قيمةً مضافة لثمن استمرار المشاركة الأمريكية الكاملة للسعودية في العدوان على اليمن.
ومع الأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الهائلة التي فرضها وما يزال رجال الجيش اليمني واللجان الشعبية على الواقع العسكري والسياسي في أرض المعركة داخل اليمن وفي ميدانها الممتد أيضاً داخل السعودية، فمن المؤكد أن صفقة «سوليفان» الخاسرة قد باعت «ابن سلمان» من جديد وهماً أمريكياً إضافياً مانحةً أياه أمل «المتعوس لخائب الرجاء»، حارمةً إياه كذلك من الخروج من عار الهزيمة ببعض ماءٍ يمنيٍّ على جلدة وجهه السعودي المصفر.
الرد اليمني العسكري على هرطقات «المهفوف» مع «المتعوس» جاء كالعادة سريعاً على أيدي رجال الجيش واللجان بإحراز المهم والأهم على الجبهات، خاصةً جبهة مدينة مأرب، التي تؤكد المجريات المتسارعة جنوبها أنها صارت قاب قوسين أو أدنى من التطهير.
وأتى الرد السياسي أيضاً حاسماً كالمعتاد وعلى لسان رئيس الوفد الوطني المفاوض «محمد عبدالسلام»، الذي أعاد مشاركة تغريدة سابقة له على «تويتر» تؤكد استمرار الشعب اليمني في الدفاع عن نفسه أمام استمرار العدوان والحصار، ويقول فيها: «كما يصرون على مواصلة عدوانهم وحصارهم فشعبنا اليمني مستمر في الدفاع عن نفسه، ونبارك للقوات المسلحة ما تنفذه من عمليات ردع تطال عمق دول العدوان، وهي عمليات مشروعة تأتي التزاما بالموقف الدفاعي للشعب اليمني المحاصر والمعتدى عليه، ومن شأنها بإذن الله أن تتسع وتكبر وتتصاعد».
وفي تغريدة أخرى يؤكد «عبدالسلام» أن «من يرغب في سلام فخطوات السلام تتمثل في وقف العدوان ورفع الحصار ومغادرة القوات الأجنبية البلاد ومعالجة آثار العدوان ودفع التعويضات، ولن يتحقق سلام بدون ذلك».
ويضيف: «شعبنا اليمني هو في موقف دفاعي ولم يعتدِ على أحد، وهو يطلب حقه في كامل الحرية والسيادة والاستقلال ولن يقبل بأقل من حقه المشروع».
أخيراً، فإن ما يسمى «مبادرة السلام السعودية» تضمنت منح الرياض وصاية على الموانئ والمطارات اليمنية، كما أنها لا تنهي الحصار ولا تعطي ضمانات بعدم تجدد الغارات. والقبول بها يمنح السعودية دور الوسيط ويعيد لها وظيفة الوصي، وهذا ما لا ولن يقبله اليمنيون بأي حال، وهم الذين لا ينسون ما فعلته المبادرة الخليجية من دمار وخراب باليمن.