ملف خاص - مهدي الصبيحي / لا ميديا -

لا يستقيم الظل والعود أعوج، والظلم لن ينتصر، وإن طالت حباله. 
الكذب عمره قصير، والزيف أعرج، وإن أزبدت النوق أو هاجت جماله.
الهدي بيِّن والحق نور أبلج والصدق في العالمين ينجي صاحبه.
لا يستوي أصحاب الحق وأصحاب الضلالة، قد قالها المولى في محكم كتابه!
تعاليم ديننا الإسلامي النقي لا تحتاج لنشرها إلى مراكز تطرف مشبوهة، بل إلى أوطان ذات سيادة، وشعوب حرة، ودولة عادلة قائمة على العدل والإخاء والمساواة.
وسنة رسولنا الكريم، وإبلاغ رسالته وتعميم تعاليمه، لن تتم في بيئة احتلال فاسدة، وجهلة ينشرون فيها سموم التخلف وأفكار التشدد، عبر مراكز دينية تدار بالعملة الصعبة وإنفاق الأموال الخارجية عليها وعلى المرتزقة القائمين عليها.
ولنا في رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة، حين هاجر وأصحابه (رضوان الله عليهم) من مكة إلى المدينة وأسس فيها نواة مجتمع مدني ودولة إسلامية قائمة على العدل والمساواة، استطاعت أن تصل برسالته السماوية إلى أصقاع العالم.
ما يجري في المحافظات الجنوبية المحتلة، من قتل وتدمير، وإرهاب وتطرف، باسم الدين وتحت يافطة الدفاع عن العقيدة والأرض والعرض، لهو تجهيل المجتمع لتنفيذ أطماع خارجية ومخططات خداع ومكر وتضليل، تزول منها الجبال.


ماضياً وحاضراً.. جوار متطرف وانحلال أخلاقي
منذ ما يقارب القرن، دأب حكام مملكة بني سعود على تأسيس وحماية ملكهم، بالإرهاب والتطرف كصولجان وسيف مسلط على رقاب رعيتهم.
وعمدوا، كلما سنحت لهم الفرصة، إلى تصديره كبذرة شرور إلى دول الجوار، وبقية الشعوب الحرة المناهضة والمقاومة لسياستهم حينا، وحينا آخر استخدموه كفزاعة أمريكية تختفي تحت أسمالها أطماعهم، واليمن كانت ومازالت ديدنهم الأزلي.

بدايات تصدير التطرف الوهابي
في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، أعادت سلطات بني سعود الشيخ السلفي مقبل بن هادي الوادعي إلى اليمن، بعد أن كان هاجر إلى أراضيها يتيما طلبا للرزق ليتعرف بالصدفة عن طريق أحد وعاظ الوهابية على كتاب «فتح المجيد في شرح كتاب التوحيد»، ليعود إلى قريته دماج، محاولا تطبيق ما في ذلك الكتاب على أهلها، فثار عليه الناس، فتراجع عن ذلك، وبعد فترة قصيرة قضاها في مسجد الهادي بصعدة الذي يدرس المذهب الزيدي الهادوي، غادر إثر قيام الثورة من جديد إلى الأراضي السعودية في رحلة طويلة بدأها من نجران وصولا إلى معهد الحرم المكي للدراسة المتوسطة، وكان حينئذٍ زيدياً، حتى نهاية المرحلة الثانوية، حين تغيّر رأيه وأصبح منذئذٍ سلفياً، وقال حينها «أما الآن فإن الشيخ ابن تيمية لم يترك للمخالفين مقالاً»، ليقضي بعدها عدة سنوات يتلقن على يد شيوخ الوهابية في المدينة المنورة منهجهم قبل أن يتم إلحاقه بالجامعة الإسلامية لدراسة أصول الدعوة الوهابية انتظاماً، وبكلية الشريعة انتساباً، لينتهي به المطاف، أثناء ما كان يقوم فيها بتحضير رسالة الماجستير، إلى سجن سلطات بني سعود، بتهمة كتابة الرسائل لجهيمان العتيبي، في حادثة اقتحامه الشهيرة، ومحاولة استيلائه المسلح على الحرم المكي في أواخر عام 1979م.
وبعد ثلاثة أشهر قضاها الوادعي في السجون السعودية، تم الإفراج عنه وترحيله إلى اليمن، وفور عودته بدأ بدعم سعودي في تنفيذ مهمة تأسيس مركز سلفي في منطقته (دماج)، معقل المذهب الزيدي، بمحافظة صعدة، لنشر السلفية على منهج الفكر الوهابي المتطرف، إلى جانب جماعات «الإخوان المسلمين»، التي كانت هي الأخرى سبقته بالدعم المادي وأموال سعودية كبيرة، في تأسيس عشرات المعاهد الإخوانية في المحافظات الشمالية قبل الوحدة اليمنية، تحت يافطة محاربة المد الشيوعي لدولة اليمن الجنوبية وإعداد المقاتلين وإرسالهم إلى أفغانستان.

توأم ديني متطرف
خلال السنوات العشر من ثمانينيات القرن الماضي عمل الإخوان والسلفيون معا كتوأم ديني متطرف كانت من ثماره تخرج الآلاف من الإخوان المتطرفين في المحافظات الشمالية، إلى جانب غيرهم من عناصر الجماعات السلفية اليمنية والأجنبية المتشددة، التي أسس لمنهجها المتطرف ابن تيمية في القرن السابع الهجري 728هـ، ثم تبناه -على نحو صارخ- نظام بني سعود القمعي من خلال اتباع المنهج الوهابي التكفيري، لتعصبه وتشدده التكفيري ضدّ ما يعده ابتداعاً في الدّين، وفي مقدمة ذلك طاعة ولي الأمر وعدم الخروج عن نظامه السياسي، والوقوف معه وتقديم فتاوى تحريم المعارضة السياسية له، ومنع تشكيل الأحزاب، أو الخروج في مسيرات وتظاهرات، أو التعبير عن الرأي بأي صورة من صور الاحتجاج، كون ذلك يمثّل خروجاً عن الحاكم الشرعي، ومنازعة لأولي الأمر، كما هو في منهج الوهابية وكتب مؤسسها محمد بن عبدالوهاب، مثل كتاب التوحيد، ورسائل: الأصول الثلاثة، وكشف الشبهات، وغيرها، وهو الأمر الذي أثار الخلافات بين الشيخ الوادعي وجماعة الإخوان، نتيجة تعارض مهمة الإخوان والأهداف التي من أجلها تم إنشاء تلك المعاهد العلمية والجمعيات الإخوانية، مع مهمة الشيخ الوادعي، واعتراضه على عمل الجمعيات الخيرية وعلى مخرجات معهد دماج، الذي كان الإخوان قد وضعوه تحت إدارته، لتقاطعها مع مهمة وفكرة دعوته الوهابية، أو بالأصح مع أهداف سلطات مملكة بني سعود الديني/سياسية، التي من أجلها دعمت الإخوان بأموالها وتم إعادة الوادعي لتنفيذها، رغم عدم اختلاف أهداف مهمتهما، بالنسبة للنظام السعودي، والتي لم ينجح الشيخ الوادعي في تحقيق أبعادها كما كان يأمل بنو سعود، واقتصر عند تنفيذها على عدد محدود من الجنسيات الأجنبية، فيما استطاعت جماعات الإخوان، تنفيذها عن طريق عناصرها التكفيرية بخاصة ضد العناصر الاشتراكية القادمة من الجنوب منذ مطلع التسعينيات، بالشراكة والتنسيق مع نظام سلطات صنعاء، قبل أن تنتهي تلك الشراكة، بالتزامن مع وفاة مؤسس السلفية في اليمن في مطلع الألفية الثانية، لتبدأ مرحلة جديدة مع تلاميذه وأتباعه الذين تفرقوا شيعا في عهده وبعد وفاته، قبل أن يتم القضاء على معقل خليفته وتلميذه الشيخ يحيى الحجوري في دماج بمحافظة صعدة، مع بدء ثورات «الربيع العربي»، وانتصار ثورة 21 أيلول 2014 التي قادتها حركة أنصار الله والقوى الثورية في صنعاء، لينتهي أمر تلك الجماعات الإخوانية والسلفية المتطرفة ويبدأ شتاتها من جديد في أصقاع الأرض.

متغيرات ومراحل تصدير الإرهاب
بين حادثة جهيمان في نهاية سبعينيات القرن الماضي في عهد الملك السعودي خالد بن عبدالعزيز وإفراج سلطاته عن الشيخ السلفي مقبل الوادعي وتكليفه بمهمة تأسيس مركز سلفي لنشر الفكر الوهابي في معقل الزيدية بمنطقة دماج بصعدة، وشن مملكة بني سعود وتحالفها الأمريكي الصهيوني حربها وعدوانها الظالم على اليمن في نهاية مارس 2015م في عهد ملكها الحالي سلمان وولي عهده محمد بن سلمان الحاكم الفعلي لمملكة بني سعود، جرت أحداث ومتغيرات كثيرة، كان أبرزها فشل المشروع السعودي بعد أكثر من 35 عاما من محاولة تصدير فكر منهجه الوهابي التكفيري إلى المحافظات الشمالية المحاذية لحدود مملكة بني سعود الجنوبية من الأراضي اليمنية المغتصبة، لعدم وجود الحاضنة الدينية في تلك المحافظات ذات الانتماء الزيدي أولاً، وثانياً لاستمرار الصراعات بين الجماعات السلفية نفسها في تلك المحافظات طيلة العقود الماضية، قبل أن يتم القضاء نهائيا على معقلها ومركزها الرئيس في دماج من قبل حركة أنصار الله، بانتصار ثورة 21 أيلول وما أحدثته قياداتها من ندية مع سلطات بني سعود وما طرأ من تغيير كبير ومعاكس في مسار علاقة صنعاء بالرياض التي اتسمت بالخضوع والتبعية للأخيرة من قبل سلطات نظامها السابق طيلة العقود الخمسة الماضية.

التحول جنوبا.. مشاريع استنساخ
لذلك بعد فشل بني سعود ومن يقف خلفهم في تصدير مشروعهم الوهابي إلى المحافظات الشمالية، إثر تلك التغيرات، كان لا بد من التحول به نحو محافظاته ذات الغالبية السنية، في محاولة منهم لاستنساخ فكرته الوهابية وإعادة تصديره جنوبا، لوجود الحاضنة الدينية فيها أولاً. وثانياً، وهو الأهم، لوجود دوافع سياسية ومخططات لأطماع سعودية قديمة، ارتأت أن مرحلة تحقيقها بدت سانحة، بعد أن انتفت موانعها السياسية السابقة، مستغلة في ذلك علاقتها السابقة بالإخوان والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بها، بالإضافة إلى تنامي الجماعات السلفية العائدة من دماج، إلى جانب وجود قيادات جنوبية هشة طفت إلى السطح على حساب قضية أبنائه ومطالبهم بالانفصال التي أصبحت أحلام ضعفائها رهينة تلك القيادات العميلة بعد أن تم استقطابها وتدجينها.

مركز الفيوش.. نواة الوهابية الأولى
قبل سبع سنوات من العدوان وتحديدا مع بدايات انطلاق الحراك الجنوبي عام 2007م في المحافظات الجنوبية، ومطالبه الداعية لانفصال الجنوب، كان الشيخ السلفي الشهير عبدالرحمن بن عمر العدني أحد تلاميذ الشيخ الوادعي، قد انتقل من مركز دماج السلفي بصعدة، إثر خلافات لم تكن في حينها ظاهرة على السطح كما هي اليوم، مع الشيخ يحيى الحجوري، خليفة الوادعي على مركز دماج السلفي، وقد استغلت سلطات صنعاء آنذاك تلك الخلافات واستثمرتها سياسيا ضد خصومها الانفصاليين، وسمحت للشيخ العدني بإنشاء مركز سلفي مستقل عن مركز دماج الرئيسي، ومنحته أرضاً شاسعة في منطقة الفيوش الواقعة بين محافظتي لحج وعدن، وتحولت المنطقة التي لا يتجاوز عدد سكانها بضعة آلاف، خلال سنوات قليلة، إلى أكبر تجمع سلفي ويضم أكثر من 3000 طالب وطالبة، بينهم المئات من الجنسيات الأجنبية من إندونيسيا والصومال والجزائر والمغرب وفرنسا وغيرها، قبل أن تقرر بقايا سلطات صنعاء العسكرية والعناصر الإخوانية في حكومة باسندوة بعد سبع سنوات من دعمها للمركز ولمؤسسه، أن تطلب منه ترحيلهم إلى بلدانهم، إثر انقلاب السحر على الساحر ومشاركة عدد منهم في القتال ضد أنصار الله في صعدة، وفي تنفيذ عمليات إرهابية واغتيالات وتصفيات طالت رموز النظام نفسه، وهو ما أقر به شيخ المركز حينما خاطب طلابه الأجانب أو من سماهم الغرباء بقوله: «لا شكّ أن لتصرّفات كثير من إخواننا الغرباء في الآونة الأخيرة، دوراً كبيراً في اتخاذ هذا القرار».
وأشار إلى أن «ارتباط هؤلاء بمن يدعون إلى الجهاد والقتال، وتصرّفات كثيرين منهم الهوجاء، كانت سبباً عظيماً في اتخاذ القرار»، الذي سيطال أناسا من الغرباء في صنعاء وغيرها. وحذر طلابه بـ»أنّ شيئاً لا تُحمد عقباه، قد يحصل في حال إذا لم يتم تعاونهم أو رفضهم لقرار المغادرة إلى بلدانهم».

تحذيرات ودعوات الشهيد الخيواني
على الرغم من أن البعض ربط قرار الحكومة بترحيل الأجانب في مطلع عام 2014م من مركز الفيوش السلفي وموافقة مدير المركز، الذي بدأ مسجداً وبات مدينة كاملة، تؤوي آلاف الطلاب ومئات الأسر اليمنيّة والعناصر الأجنبيّة المتشددة، بالأحداث التي شهدها معقل السلفيين الرئيسي في دماج وترحيل شيخه الحجوري والمئات من أتباعه من اليمنيين والعناصر الأجنبية المتشددة، ربطوه بأسباب أمنية أو خوفا من الانتقام العقائدي، إلا أن الصحفي الراحل عبدالكريم الخيواني كشف في حينه بمنشور له على صفحته الرسمية في «فيسبوك» أن «هناك 700 أجنبي نص الاتفاق على ترحيلهم من دماج، أغلبهم مطلوبون لدولهم، مئات العرب سيرحلون مطلوبون لدولهم، ومئات اليمنيين المتهمين بالإرهاب والمطلوبون، بعضهم مختفون هناك من عشرات السنين، وكانوا يصدرونهم كخبراء إلى الشيشان، والعراق، وسوريا، وقاموا بعمليات اغتيالات باليمن، وطلب الحجوري ترحيلهم خوفا من محاكمتهم، والسلطة تعرف هذا وأجهزتها، ولذا كان الحجوري يخشى حتى خروجهم مع الصليب للعلاج».. وأضاف: «افهموا، لم يخرج الحوثي السلفيين وسيبقى معهد دماج يدرس أبناءه..». وأوضح قائلا: «بصراحة (الجنرال) محسن، والإصلاح أرادوا إخراج الإرهابيين ونقلهم، حماية لهم من تسليمهم لدولهم باعتبارهم مطلوبين أمنياً، أما أصحاب صعدة سيبقون يدرسون كما كانوا منهجهم السلفي، من أراد أن يفهمها يفهمها من لم يرد أن يفهم... يواصل الدفاع عنهم ويوزع تهم الطائفية، وهناك اتفاق رئاسي بخروج الشيخ الحجوري وجميع الأجانب من جميع الجنسيات، من دماج، وقع وكان مفروضاً أن يبدأ التنفيذ اليوم، إلا أن الحجوري طلب من هلال (عبدالقادر هلال) مهلة أربعة أيام لترتيب خروجه مع سلاحه الثقيل، ربنا يلطف».
وهو ما اتفق معه -حينها- رأي الكثير من المراقبين الذين اعتبروا أن ذلك يأتي ضمن مخطط جديد يؤسس لمرحلة قادمة، هي امتداد لمخططات بني سعود السابقة في مواصلة تفخيخ اليمن وتأجيج الصراع الطائفي أكثر عن طريق استقطابها المزيد من الجماعات الإسلامية المتطرفة من السلفيين، إلى جانب استخدامها تنظيمات «داعش» و«القاعدة» والعناصر الإخوانية والعسكرية من بقايا نظام صالح ودعمهم بالأموال، وهو ما أكدته وقائع سير الأحداث منذ لحظة إعلان العدوان السعودي الإماراتي على اليمن، في مارس 2015، واحتلال قواتها العسكرية بمشاركة حليفتها الرئيسية أبوظبي للمحافظات الجنوبية في يوليو من العام نفسه، إلا أن مشاكل الجنوب وعواصفه كانت أقوى من مخططات ما سميت «عاصفة الحزم»، كما أن رياحه التي بدت لهم سهلة، لم تسر كما كانت تشتهي سفن الأطماع السعودية ومخططات الرايات الدولية التي ترفرف على صواريها الإقليمية.

مزيج مرتزقة الاحتلال سلفيون وقاعدة.. انفصاليون وقبائل
كل التنظيمات والجماعات الإسلامية المتطرفة، والتيارات الجنوبية بمزيجها السياسي والقبلي والمناطقي، تلتقي تحت راية الارتزاق، ومنذ اللحظة الأولى التي وطأت أقدام قوات الاحتلال السعودي الإماراتي أراضي المحافظات الجنوبية، عمدت أبوظبي والرياض إلى استخدام هذا المزيج واستغلال تناقضاته لتمرير مخططاتهما وأطماعهما المتقاطعة والمتشعبة بالأطماع الإقليمية والدولية، التي كادت أن تتوقف عند أول مواجهة وصدام بين هذا المزيج عندما رفضت الجماعات السلفية في محافظة عدن أن تقاتل تحت راية خصومهم الانفصاليين في الحراك الجنوبي المطالبين باستعادة الدولة الجنوبية باعتبارها دولة ماركسية، عدوة للإسلام، وطلبوا من قوات تحالف الاحتلال السعودي الإماراتي إلزام الحراكيين بعدم رفع العلم الجنوبي، وهو ما رفضه الحراك في حينها وأصر على رفعه على إحدى مدرعات الاحتلال الإماراتي، لتتغاضى السعودية عن ذلك بعد أن كانت قيادات قواتها العسكرية اقترحت عدم رفع أي راية.

سباق محموم تحت رايات الارتزاق
ومع ذلك استمرت قوات الاحتلال السعودي الإماراتي في سباقها المحموم لاستمالة واستقطاب أطراف أدواتها المحلية للسيطرة على المحافظات الجنوبية بغض النظر عن رايات ارتزاقها المختلفة، فحولت مدن ومناطق الجنوب والجزر اليمنية الاستراتيجية إلى قواعد عسكرية ومعسكرات تدريبية ومراكز دينية، تؤوي آلاف المرتزقة من المتشددين والإرهابيين من مختلف الجنسيات، واستخدامهم، ليس فقط في مواجهة القوى الثورية شمالاً، تحت غطاء ودعاوى «إعادة الشرعية»، بل ضد من يقف أمام مخططاتها جنوبا باستخدام أدواتها غير المتجانسة ضد بعضها البعض، بتغذية الصراعات البينية المناطقية والقبلية حينا والسياسية حيناً آخر، أو على شكل خلافات دينية، بإعادة استنساخ وتصدير مناهجها التكفيرية والإرهابية حتى بين الجماعات السلفية نفسها، وهو ما كشفته قيادات سلفية في مركز الفيوش بعد حادثة اغتيال مؤسسه الشيخ عبدالرحمن العدني في الـ28 من فبراير 2016، إثر إطلاق النار عليه من قبل مسلحين مجهولين، أثناء خروجه من منزله نحو المسجد في منطقة الفيوش، واتهامها عناصر سلفية مرتبطة بقوات الاحتلال الإماراتي يقودها الشيخ السلفي المرتزق هاني بن بريك، الذي كان عارض الشيخ العدني ورفض قرار إخراج الأجانب من المركز بهدف تحويلهم إلى عناصر مسلّحة ضمن تنظيم «القاعدة».
وتأكيداتها بأن «هذا الأمر كان متوقعاً، بخاصة إثر معرفة المركز بوجود تحرّكات مشبوهة لبعض طلابه الأجانب»، وخصوصاً بعد دعوات البعض منهم إلى «الجهاد»، في إطار توجهات جهات داخلية وخارجية إقليمية ودولية لاستقطاب أعداد كبيرة من العناصر التكفيرية والسلفية، بما في ذلك استغلال الطلاب الأجانب في مركز الفيوش والعائدين من مركز دماج السلفي واستخدامهم في تنفيذ مطامعهم الإقليمية ومخططاتهم العالمية.

قنبلة إماراتية موقوتة لثالوث ارتزاق متناقض
أمام تنامي أطماع طرفي الاحتلال السعودي الإماراتي، في المحافظات الجنوبية المحتلة، وتشكيل كل منهما مليشياته العسكرية وتجنيدهما المزيد من المرتزقة لتتمكنا من خلالهم من التحكم بمناطق نفوذ سيطرتهما ولتمرير أطماعهما الاستعمارية، لم يغفل كل طرف منهما عن استخدام الجماعات الدينية المتشددة والتنظيمات الإسلامية المتطرفة، التي كانت سلطات بني سعود المتعاقبة، قد صنعتها منذ عقود واستخدمتها في حروبها على اليمن، وهو ما أدركه حلفاؤها في أبوظبي وسعوا بكل جهودهم وأموالهم إلى توظيف تلك الجماعات وبخاصة السلفية منها بدعم مراكزها الدينية الرافدة والتي أصبحت قوة كبيرة تعرف بألوية العمالقة، إلى جانب مليشياتها الانفصالية ومرتزقة العميل طارق عفاش، ولم يكن تحشيد أبوظبي ودعمها اللامحدود لهذا الثالوث المتناقض صدفة، بل كان نتيجة لإعداد مسبق لتستطيع من خلالها تحقيق مطامعها وأهدافها المختلفة على المدى القريب أو البعيد بخاصة تلك الأهداف المتقاطعة مع مصالح وأطماع حليفتها الرياض، فمن يقاتلون اليوم في صف الاحتلال الإماراتي لن يكون صعبا عليهم غدا خوض حرب جديدة ضد الانفصاليين الجنوبيين تحت ذريعة الخروج عن ولاة الأمر، كما أن تلك الجماعات نفسها لن تتوانى عن محاربة تيار ما يسمى «إخوان الإسلام السياسي» تحت التحزب أو بذات الحجة السابقة في الدفاع عن وحدة الأمة.

أنفقت الرياض، التي اعتمدت سلطات نظامها القمعي على المنهج الوهابي التكفيري المتشدد وسعت في تصديره إلى دول الجوار منذ قرابة 80 عاماً، أموالها الطائلة على القيادات التكفيرية الموالية لها في اليمن وعلى رأسها حليفها السابق الشيخ يحيى الحجوري الذي دعمته في تأسيس عشرات المراكز التكفيرية المتطرفة في عدد من المحافظات الجنوبية المحتلة عقب خروجه هو وأتباعه التكفيريين من دماج، إلى جانب إسنادها له باستقطاب المئات من التكفيريين اليمنيين واستقبال القادمين من دول أفريقية وشرق آسيوية وتوطينهم في عشرات المراكز التكفيرية التي تم إنشاؤها بالتزامن مع تهميشها لما كان يُعرف بـ"هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وإباحة ما كان محرماً على المجتمع السعودي من قبل سلطتها الوهابية المتشددة والمتطرفة، بذريعة الإصلاحات التي فرضها النظام العالمي على ممالك البترودولار، والتي يتزعمها المدعو محمد بن سلمان والتي تبدو أقرب إلى الانحلال والتفسخ الأخلاقي والإنساني والديني منها إلى التغيير، في محاولة منها للتخلص من نفاياتها الوهابية نهائيا بتصديرها إلى دول الجوار لتنشغل بها شعوبها المناهضة لها ولسياستها الاستعمارية، في إطار استراتيجيتها الجديدة القائمة على سلطة الدين المسخر للمصالح السياسية.

استهداف خارطة حضرموت الصوفية
عقب إخراج الشيخ الحجوري وأتباعه من مركز دماج التكفيري، كان الاتفاق يقضي بتأسيس مركز بديل لهم في محافظة الحديدة، أو حجة أو غيرها من المحافظات الشمالية، إلا أن السلطات السعودية التي كانت تخطط لعدوانها على اليمن، غيرت مسار نقل الجماعات التكفيرية إلى المحافظات الجنوبية، وكانت محافظة حضرموت الصوفية إحدى المحافظات البديلة في المخطط السعودي الخطير لنشر التطرف الوهابي في استهداف صارخ للتسامح الديني والمذهبي والسلام الاجتماعي، ولتغيير الخارطة المذهبية الصوفية التي يدين بها معظم أبنائها. 
وبتواطؤ من سلطات العميل هادي تم التوجيه على وجه السرعة بصرف أراض شاسعة للشيخ الحجوري في عدد من مديريات وادي حضرموت ومدنها الساحلية لبناء معاهد ومراكز تكفيرية. وبدعم سعودي سخي تم تأسيس وإنشاء عشرات المراكز والمساجد في مناطق الريدة وقصيعر ودنابات، ومركز الوادعي التكفيري في منطقة الرجيد (المخلبة) ومركز ومسجد بن باز ذي ثلاثة طوابق في منطقة الجول وآخر في الديس الشرقية، وغيرها من المراكز الوهابية التي يعد مركز الحامي التكفيري شرق حضرموت في مقدمتها بعد أن تم تأسيسه في عام 2014م بإشراف الحجوري نفسه وبأموال سعودية كبيرة ليتولى مهام إدارته الشيخ التكفيري المدعو أبو عمار ياسر العدني.

توطين الوهابية في تريم
بين عامي 2017 و2018 استقدمت قوات الاحتلال السعودي المئات من العناصر التكفيرية المتشددة والمتطرفة من خارج المحافظة بينهم العشرات من العناصر التكفيرية من مختلف الجنسيات الأجنبية، وقامت بتوطينهم وعوائلهم في عدد من مدن ومناطق وادي حضرموت. ولأن مدينة تريم حضرموت كانت من أهم وأبرز المراكز الصوفية المعتدلة في حضرموت وفي اليمن عامة، فقد كانت أكثر المدن استهدافا في المخطط السعودي الخطير الساعي إلى تغيير خارطة المدينة الصوفية واستهداف التسامح الديني والمذهبي والسلام الاجتماعي فيها.
يضاف إلى التواجد التكفيري الكبير الذي يحظى بدعم مالي ولوجستي سعودي كبير في مدن المكلا والشحر وغيل باوزير والديس الشرقية ومنطقة روكوب من خلال تزايد إنشاء وتمويل أعداد كبيرة من المراكز والمدارس والجامعات والجوامع التكفيرية التي تمارس أنشطة وهابية كما هو الحال في مدينة الحوطة التي تم فيها تأسيس واحد من أكبر مركزين لتعليم الوهابية، وآخر شمال مدينة الشحر بساحل حضرموت، والتي تنشر الأفكار الوهابية بين أبناء وسكان مناطقها الساحلية الذين عرف عنهم التسامح الديني، الأمر الذي أثار مخاوفهم من ذلك التمدد التكفيري اللافت، وخاصة بعد انتشار العناصر المتطرفة ووصول أعداد كبيرة من الأجانب من جنسيات مختلفة إلى تلك المدارس التكفيرية مؤخراً، فباتت تؤوي المئات من أتباع التيارات التكفيرية الذين يقومون بنشر الأفكار الدينية المتطرفة في المجتمع وبطريقة غير قانونية وبدون إشراف من أي مؤسسة تعليمية رسمية.

استنساخ لـ"داعش" وتدمير أضرحة الأولياء وتكفير مشائخ الصوفية
أكد عدد من أبناء حضرموت أن الجماعات التكفيرية بعد سيطرتها على معظم مدن وساحل محافظة حضرموت بدأت تأخذ طابع تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسورية، وتجلى ذلك من خلال خطبهم على منابر المساجد، التي تحمل أفكاراً متطرفة تتطابق إلى حد كبير مع أفكار ومعتقدات تنظيم "داعش". 
كما أن تدمير أضرحة عدد من الأولياء الصالحين ومشائخ الصوفية في مقبرة مدينة الحامي بساحل حضرموت، من قبل هذه العناصر المتطرفة وشنها حملة تكفير من يزورون هذه الأضرحة ومعتنقي وعلماء المذهب الصوفي المعتدل المعروف بانتشاره في معظم أرجاء محافظة حضرموت، يمثل جزءاً من انعكاس تلك الأفكار المتطرفة والوضع الذي تعيشه حضرموت في ظل وجود هذه العناصر المتطرفة التي لا تقل خطورة عن تنظيمي "القاعدة" و"داعش".

رؤوس كبار مشائخ التكفير قرابين الاحتلال وأدواته
في خارطة الصراع البيني لأدوات الاحتلال (الدين والعسكرية) ترتبط أبوظبي بمليشيات ما يسمى "المجلس الانتقالي" ومرتزقة العميل طارق عفاش وجيش من عناصر المراكز التكفيرية المتطرفة التابعة لها في معظم مديريات محافظات عدن ولحج والضالع والساحل الغربي، فيما تحتضن الرياض العديد من قيادات التنظيمات والجماعات الإرهابية، خاصة في المناطق الواقعة تحت سيطرة مرتزقة إخوان الاحتلال والعميل هادي في محافظة شبوة وفي وادي حضرموت، وأجزاء من محافظتي أبين وشبوة.
ومنذ العام 2019 بدأت الرياض بتخصيص جزء كبير من أموالها التي تضخها في عدوانها على اليمن، لإنشاء مراكز تكفيرية وهابية فــــــي مناطق سيطرة حليفتها أبوظبي وأدواتها المحلية، وكذلك تحاول الأخيرة عن طريق أدواتها بسط سيطرتها على مناطق سيطرة قوات الاحتلال السعودي وأدواتها.
وبينما تربط إخوان الاحتلال السعودي علاقة قوية بالتنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة" في اليمن، الذي تنفذ من خلاله عملياتها الإرهابية، ترتبط الجماعات التكفيرية الجنوبية المتطرفة بعدد من القيادات الانفصالية من عملاء الاحتلال الإماراتي فيما يسمى "المجلس الانتقالي" والتي يتزعمها التكفيري السابق والإرهابي المتطرف المرتزق هاني بن بريك.
وتروى أخبار متناثرة أنه، وقبل اغتيال العدني بشهر واحد، كان مركز دار الحديث الذي يديره الشيخ العدني، قد شهد أعمال فوضى وشغب وصداماً مع أهالي المنطقة، بسبب اعتزام الأهالي بناء مسجد آخر لا يخضع لإدارة المركز، في قصة لم تكن إلا غطاءً لتمهيد قوات الاحتلال الإماراتي للتخلص من "العدني" وأتباعه نهائياً، لما يشكله من تعارض مع مخططاتها. وقد ربط مراقبون ذلك بزيارة إلى المركز قام بها أدوات الاحتلال الإماراتي، كل من محافظ عدن حينها المرتزق عيدروس الزبيدي، ومدير أمنهـا السابـق المرتزق شلال شايع، ومحافـــظ لحج السابــق المرتزق ناصر الخبجي، ومدير أمنها المرتزق عادل الحالمي.
وفي أواخر يوليو/ تموز 2016، اغتال مسلحون يعتقد أنهم من تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الشيخ عبد الرحمن الزهري إمام جامع الرحمن بمدينة المنصورة في مدينة عدن، كما تم اغتيال الشيخ ياسين العدني بعبوة ناسفة زرعت في سيارته انفجرت لتودي بحياته وتصيب نجله، وذلك غداة إلقائه محاضرة اتهم فيها جماعة الإخوان بتكفير المسلمين للمصلحة الحزبية، قبل أن يتم اغتيال رجل الدين فهد اليونسي برصاص مسلحين مجهولين. تلا ذلك اغتيالات رجال دين آخرين في حوادث متعددة، وهو ما دفع إلى تبادل الاتهامات بين أدوات الاحتلال السعودي والإماراتي وعملائهما بالوقوف وراء تصفية رجال الدين التكفيريين غير الموالين لهم.

أموال الرياض وأبوظبي تغرق الجنوب بالمراكز الإرهابية
في الوقت الذي شرعت فيه الرياض وأدواتها بإقامة مركز تكفيري جديد في مدينة زنجبار، يضم آلاف الطلاب، عبر أسماء تكفيرية جنوبية، بدعم سعودي وبتكليف العميل محسن الأحمر لكل من عبدالرحمن السقاف وأحمد النخعي (وهما من القيادات التكفيرية في مركز الفيوش بلحج) ليقوما بالمهمة، بذريعة ترسيخ مفهوم الوحدة في المحافظات الجنوبية وشراء أرض واسعة مساحتها 200 فدان في مدينة زنجبار؛ كانت حليفتها أبوظبي تفخخ محافظة لحج بإنشاء عدد كبير من المراكز الدينية المتطرفة في عدد من مناطق الصبيحة القبلية في إطار تسابقهما في استثمار المراكز التكفيرية في المحافظات الجنوبية، بعد أن أصبحت بؤراً لنشر التطرف والإرهاب.

أبين.. من دور للسينما إلى دور للتطرف الديني
على بقايا مركز التكفيري والإرهابي المتطرف خالد عبدالنبي، الذي أقيم في دار سينما مدينة زنجبار عام 1994 والذي تحول معظم منتسبيه على مدى العقود الماضية إلى عناصر متطرفة وإرهابية، عادت الرياض عبر قيادات تكفيرية في محافظة أبين وقامت مرة أخرى بتأسيس مركز تكفيري وعسكري جديد لإعداد المتطرفين أوكلت مهمته إلى القيادي التكفيري والإرهابي المرتزق صالح الشاجري قائد مرتزقتها في ما يسمى "لواء الأماجد" بمديرية لودر، والذي قام، بإشراف وتمويل سعودي كبير، بتأسيس المركز على أرض واسعة بالقرب من ملعب 22 مايو بزنجبار ليكون مركزاً تكفيرياً تنظيمياً ومركز استقطاب عقائدي بديلا عن مركز الإرهابي السابق خالد عبدالنبي.

الضالع.. من معقل ماركسي إلى بؤرة تكفيرية
إن ما تقوم به الرياض وحليفتها أبوظبي في المناطق الجنوبية المحتلة وما تنفقانه من أموال طائلة على المراكز التكفيرية والإرهابية المتطرفة يأتي ضمن مهامهما كأدوات إقليمية لتنفيذ أجندة ومخططات دول الهيمنة الاستعمارية العالمية الساعية إلى تفخيخ مناطق الجنوب بالمراكز الدينية المتطرفة الهادفة إلى تهيئة الأرضية الاستعمارية لقوى الهيمنة العالمية لتفرض سيطرتها العسكرية المباشرة وغير المباشرة عليه بذريعة "مكافحة الإرهاب" بدءاً من المهرة ومروراً بحضرموت وشبوة وأبين وعدن ولحج وصولا إلى مدينة الضالع، معقل من كانوا يدعون الماركسية زورا وبهتانا كما هي دعواتهم الحالية المتلبسة برداء الوهابية وأفكارها المتطرفة.
كما قامت السلطات السعودية بتمويل أحد مرتزقتها التكفيريين العائدين من أراضيها ويدعى رشاد الشرعبي بعد أن غير اسمه إلى "الشيخ رشاد الضالعي"، فتم تكليفه بإنشاء ما يسمى "دار الحديث للعلوم الشرعية"، وهو مركز تكفيري يضاف إلى قائمة المراكز التكفيرية التي أنشأتها الرياض في بقية المحافظات الجنوبية على مدى العامين الماضيين وتسعى من خلالها إلى إعداد جيش من التكفيريين المتشبعين بعقائد الوهابية المتطرفة.
وقد حذر عدد من أبناء الضالع وشيوخها القبليين من خطورة المشاريع السعودية التي تعمل على تمويلها بأموالها الكبيرة لنشر الوهابية والتكفيرية في المحافظة لأسباب عدة أبرزها أن أبناء الضالع يتعصبون لأي فكر وأن الرياض تعمل على غسل عقول شباب الضالع الذين بدأت بالعمل على استقطابهم للانتماء للمركز التكفيري الجديد ليسهل عليها بعد ذلك تحريكهم وتوجيههم عقائدياً واستخدامهم في معارك وأعمال عنف، سواء على مستوى صراع جنوبي جنوبي أم على مستوى صراع جنوبي شمالي.
وقالوا إن استهداف السعودية لمحافظة الضالع عبر غرس كيان أيديولوجي عقائدي متطرف في مجتمعها القبلي لن يكون متقبلاً لأفكار وعقائد دخيلة على تاريخه وطباعه وقناعاته، وهو ما يمثل نواة لفوضى وصراعات قد تدوم لسنوات طويلة، خاصة وأن المركز الأخير ليس الوحيد في الضالع، إذ سبق أن نقلت السعودية إلى مركز الفيوش الآلاف من العناصر التكفيرية من مركز دماج التكفيري بينهم أكثر من 700 أجنبي تم نقلهم قبل العدوان إلى محافظتي لحج وحضرموت.

الصبيحة.. وقود الجبهات وصراع على المنابر
في آخر فصول صناعة التطرف بمحافظة لحج المحتلة، أقدمت قوات الاحتلال الإماراتي خلال الفترة الماضية على تأسيس عدد كبير من مراكز التطرف التكفيرية في عدد من مناطق الصبيحة تحت تسمية "مراكز السنة". ورغم تبرير أبوظبي وأدواتها لإنشاء تلك المراكز التكفيرية المتطرفة في مناطق الصبيحة القبلية وتحديداً في المناطق الكثيفة السكان منها، بأنها مراكز في خدمة الإسلام، إلا أن تحت عباءتها تختفي مخططات كبيرة لتفخيخ تلك المناطق القبلية بالتطرف وبذر سموم الصراع والتعصب الديني والقبلي بين أبنائها، ناهيك عن أن وجودها يعد مبررا لتواجدها العسكري الاستعماري أمام العالم بذريعة "مكافحة الإرهاب" في أهم مناطق الجنوب الاستراتيجية المطلة على أهم مضائق التجارة العالمية (باب المندب).
وخلال السنوات الماضية استطاعت قوات الاحتلال الإماراتي إنشاء ثلاثة مراكز تكفيرية في مناطق متعددة من مديريات الصبيحة بمحافظة لحج والواقعة بين محافظتي تعز ولحج الكثيفتين بالسكان. ويعد مركز ودار الحديث بالمدي، القريب من منطقة تربة أبو الأسرار بمديرية المضاربة ورأس العارة، أهم تلك المراكز التكفيرية المتطرفة التي تقوم الإمارات بتمويلها بسخاء، والذي يشرف عليه الشيخ المتطرف بسام الحبيشي. وقد استطاع خلال أشهر محدودة حشد أكثر من 4 آلاف طالب من الشباب والفتيات منهم صغار السن الذين تسربوا من مدارس التعليم الحكومي تحت تأثير دعاوى وخطب أتباع المركز بأن التعليم في المدارس حرام ويعد تعليماً دنيوياً غير نافع.
أما المركز التكفيري الثاني في منطقة الصبيحة فقد تم إنشاؤه في مديرية طور الباحة ويقوده الشيخ المتطرف خليل الحمادي، فيما المركز التكفيري الثالث الذي يعد أكبر المراكز على الإطلاق في الصبيحة فقد تم إنشاؤه في منطقة جبلية نائية تسمى "المحاولة" بمديرية المضاربة ورأس العارة، ويديره شيخ تكفيري يدعى جميل الصلوي، وهو الآن على وشك الافتتاح بعد أن تم تجهيزه على مساحة شاسعة ومحصنة بالجبال، وعلى مستوى عال لاستقبال عشرات الآلاف من المتطرفين، بعد أن أنفقت فيه أموال إماراتية طائلة. 
ووفقا لمراقبين فإن إنشاء وزرع مراكز تكفيرية دينية متطرفة في مناطق الصبيحة القبلية التي تتوسط مساحة واسعة بين محافظتي لحج وتعز وبشريطها الساحلي المطل على أهم المضائق المائية والممتد من رأس عمران وحتى باب المندب، أصبح ظاهرة ملفتة ومثيرة للقلق بعد أن أصبحت تضم الآلاف ممن تركوا مدارسهم إلى جانب المئات من الجنسيات الأجنبية التي أصبحت تتوافد إلى تلك المراكز بمبرر الدراسة، وتزايد معدلات الإنفاق الضخم جدا عليها، ما يدل على امتلاك القائمين عليها دعماً مالياً أجنبياً مفتوحاً، لتنفيذ أجندة وأطماع خارجية من خلال استهداف صارخ للنساء والفتيات والأطفال وتنشئتهم على مفاهيم خاطئة حقيقتها الجهل والتخلف أولاً، ناهيك عن إعداد جيل من شباب وأبناء المنطقة عقائديا للزج بهم في الجبهات تحت عنوان "محاربة الروافض والمجوس"، باعتبار المنطقة تمتلك مخزوناً بشرياً هائلاً يؤهلها لتكون البديل لمركز الفيوش التكفيري الذي كان قد تخرج فيه الآلاف من المقاتلين العقائديين في الساحل الغربي قبل أن تطفو خلافات مشائخ مراكز الصبيحة الثلاثة مع قيادات مركز الفيوش إلى السطح وأصبحت تصفه بمركز الفيوش التجاري، وإطلاق اسم "الجائعة" على الجامعة التكفيرية التي يستعد شيوخ مركز الفيوش لتأسيسها في مدينة صبر بمحافظة لحج، بدعم سعودي، بحسب تسجيلات صوتية للقائم على مركز المدي بتربة أبو الأسرار المتطرف بسام الحبيشي.

10 آلاف تكفيري على صفيح ساخن
وبحسب تقديرات أولية فإن إجمالي منتسبي مراكز الصبيحة الثلاثة يزيد عن عشرة آلاف تكفيري تم استقبالهم من مختلف مناطق اليمن، وبينهم المئات من الأجانب من جنسيات عربية وأجنبية متعددة تم استقدامهم خلال العامين الماضيين بذريعة التعليم الديني، وتقوم قوات الاحتلال الإماراتي بالإنفاق لتوفير تكاليف معيشتهم وأسرهم وصرف رواتب شهرية لهم جميعا، ما يؤكد أن مستقبل المنطقة سيكون على صفيح ساخن، وسيجعلها عرضة للانفجار الأمني والعسكري، بل والصراع القبلي، بمجرد أن تُقرِّر تلك الدول الراعية للتكفيرية وأدواتها المحلية التكفيرية، كما حصل في أحد مساجد منطقة العفاج بالمضاربة عندما أوشكت أن تحدث مجزرة تكفيرية وقبلية بين أتباع مركز الفيوش وأتباع مركز المدي، إثر محاولة كل طرف السيطرة على المنطقة عبر نشر أتباعه في مساجدها، وهو ما يعكس حجم الخلافات بين الجماعات التكفيرية وضراوة وتفاقم الصراع وتصاعده بين تياراتها المختلفة، مع تزايد حجم التمويل الإماراتي السعودي والدعم المالي اللامحدود لمراكزهم الدينية بمختلف أفكارها التكفيرية وتوجهاتها المتشددة والمنتشرة في عدد من مدن المحافظات الجنوبية، الرئيسية ومناطق مديرياتها الريفية، والتي باتت نصالاً وهابية في خاصرة الوطن.