«سترحلين مع النظام» .. هكذا هددها التكفيريون .. السيدة زينب ومقامها «المدينة والمزار»
- تم النشر بواسطة أحمد رفعت يوسف / لا ميديا
دمشق: أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
من هي السيدة زينب عليها السلام ؟
لا يوجد في الإسلام من هو أرفع مقاماً، وأشرف حسباً ونسباً، من السيدة زينب عليها السلام، فجدها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) وأبوها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأمها السيدة فاطمة الزهراء ابنة الرسول (ع)، وأخواها الحسن والحسين (ع)، سيدا شباب أهل الجنة، وزوجها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وأنجبت ستة أولاد وبنتاً واحدة.
نشأت السيدة زينب في بيت العلم والدين، وسنحت لها الفرصة للقاء الرسول (ص) لكنها عاشت أحداث الفتنة التي عصفت بالدولة الإسلامية، وكانت حياتها مليئة بالمآسي فشهدت وفاة الرسول (ص) ومقتل أبيها الإمام علي (ع)، وتسميم أخيها الحسن (ع)، ومقتل أخيها الحسين (ع)، في كربلاء، كما قُتل ولداها (ر)، والعديد من أهل البيت، وتمّ أسرها وإرسالها ليزيد بن معاوية، الذي عمل على تفريق أهل البيت في مختلف الأقطار.
اختلفت الروايات عن وجهة السيدة زينب بعد أسرها، فهناك من يقول إنها توجهت إلى مصر لكن السند لهذه الرواية ضعيف، وهناك من يقول إنها عاشت في قرية الراوية قرب دمشق، وهو الاسم القديم لقرية السيدة زينب، وتوفيت فيها في العام الثاني والستين من الهجرة النبويّة الشريفة، أي بعد عامٍ على حادثة كربلاء، وهناك دفنت، وهو ما أكده الطبري وابن الأثير.
غلب تشريف قبر السيدة زينب المكان على اسم القرية وأصبح يعرف بـ»قبر الست»، وبقيت التسمية حتى تم تغييره بشكل رسمي إلى مدينة «الست زينب» بعدما توسعت وأصبحت مدينة وفق تصنيفات قانون وزارة الإدارة المحلية في سورية، وتقع على بعد سبعة كيلومترات شرق دمشق.
مقام السيدة زينب
لا توجد معلومات دقيقة عن تاريخ أول بناء على قبر السيدة زينب، وتقول ما توفر من الوثائق إنه في سنة 500هـ شيد رجل من أهالي حلب مسجداً قرب المدفن وسماه باسمها. وفي سنة 768هـ أوقف نقيب الأشراف في الشام حسين الموسوي ما يملكه من بساتين وأراض للمقام وقام بتجديده.
كان المقام في ذلك الزمان عبارة عن غرفة صغيرة فيها القبر، إلى أن شيد السيد موسى جد المتولين في سنة 1260هـ حرماً حول المقام، ولكنه كان بناء عادياً ولا يحمل أي طابع إسلامي، وبقي هذا البناء حتى عام 1370هـ حين قام السيد محمد رضا المرتضى بإعادة بناء الحرم والقبة وتوسعة الصحن وتشييد مئذنتين، وإكسائه بالنقوش والتزيينات، وكل ذلك كان على الطراز الإسلامي.
في العام 2008 شهد المقام عملية تطوير كبيرة قامت بها شركة «الكويتية المتحدة للإعمار» التي أجرته لمصلحة «مجموعة العقيلة الكويتية» بكلفة تصل إلى 250 مليون دولار، وبعدها أصبحت مساحة المقام تبلع حوالي 15 ألف متر مربع، وبلغت مساحة حرم المقام والمنطقة المحيطة به 165 ألف متر مربع، وتحتوي مولاً تجارياً وأبراجاً سكنية، وفنادق خمس وثلاث نجوم، ومواقف سيارات.
وأصبح المقام يتكون من صحن واسع في وسطه الحرم، وله مدخلان شمالي وغربي يفتح على سوق المدينة، وتحيط بهما غرف وقاعات، ومنها غرف مخصصة لمنام ومبيت الزائرين، وللحرم باب مصفح بالنحاس المزخرف والمنقوش، وتم إكساء سقفه وجدرانه بزينات ونقوش من المرايا، وفق تصميم هندسي بديع.
أمّا الضريح فهو مصنوع من طراز الدرابزون، من الفضة الخالصة، أهدته أسرة باكستانية سنة 1954، وفي داخل الضريح صندوق خشبي مصنوع من خشب الأبنوس الفخم ومُطعم بالعاج والذهب، وهو تحفة فنية، ومحاط بسور من زجاج البلور الصافي. وقد كتبت عليه آيات قرآنية، صنعه أكبر فنان في طهران وأهداه تجار إيرانيون سنة 1955.
يقع فوق الضريح مباشرة، قبة يبلغ ارتفاعها عن سطح الأرض 20 مترا وقطرها 10 أمتارا، وتم إكساؤها من الخارج بصفائح نحاسية مطلية بالذهب، وأمّا من الداخل فقد كسيت جدرانها بالقاشاني المزخرف، وعلى جانبي القبة مئذنتان ارتفاع كل واحدة منهما 50 متراً وقطرها 2.5 متر، تم إكساؤها من الأعلى بالقيشاني المعرق تتخلله أسماء الله الحسنى.
وهناك حجرة خاصة على يمين المدخل الغربي فيها ثلاثة أضرحة:
الضريح الأول، للسيد محسن الأمين العاملي (المتوفى سنة 1372هـ) صاحب كتاب «أعيان الشيعة». أما الضريح الثاني فهو للسيد حسين مكي العاملي (المتوفى سنة 1397هـ). بينما الضريح الثالث لابنة ميرزا تقي البهبهاني المتوفاة سنة 1372هـ، وحديثاً تم دفن شخصيات عربية وإسلامية مشهورة في محيط الحرم، منها الشاعران محمد مهدي الجواهري ومصطفى جمال الدين، وفي الطرف الغربي من المقام مسجد بُني سنة 1955، وهو مربع الشكل وذو سقف حجري منوّر ومغطّى بالبلّور.
أول حوزة دينية شيعية في سورية
كان زوار المقام يتوافدون بأعداد محدودة حتى بداية الثمانينيات، إذ بدأت مكانة المقام تتغير مع التطورات السياسية والاجتماعية الكبيرة التي شهدتها المنطقة بشكل عام، وبخاصة بعد انتصار الثورة الإيرانية في 1979 والتحسن الكبير في العلاقات بين سورية وإيران، والحرب العراقية- الإيرانية، إذ لجأ إلى سورية عدد من علماء الدين الشيعة هرباً من العراق، وكان من بينهم حسن مهدي الحسيني الشيرازي، الذي أقام بجوار المقام عام 1976 «الحوزة الزينبية»، وهي أول حوزة للتعليم الديني العالي على المذهب الشيعي في سورية.
12 حوزة و3 كليات تعليمية
وبعد انتهاء الحرب العراقية ـ الإيرانية ازداد الإقبال على زيارة المقام، بخاصة بعد التوسيعات والخدمات التي أقيمت لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الزوار وإقامة المزيد من الحسينيات والحوزات العلمية، وقدوم العديد من علماء الشيعة الكبار للإقامة بجوار المقام، وبالذات الهاربين من ملاحقة نظام صدام حسين لهم، ثم التداعيات التي حدثت إثر الغزو الأمريكي للعراق، والذي أدى إلى تهجير ملايين العراقيين الذين قدموا للإقامة في سورية.
أدت هذه التطورات إلى تغير مهم وكبير في موقع ومكانة مقام السيدة زينب، إذ وصل عدد الحوزات العلمية إلى أكثر من 12 حوزة، وثلاث كليات للتعليم الديني، وقيام شركات ومكاتب السياحة والسفر بتنظيم رحلات خاصة إلى المقام مما أدى إلى تحولها إلى مركز ديني وتعليمي، ومقصد مهم للحج والزيارة، أدت إلى حصول قفزات نوعية في أعداد الزوار، لتصل إلى حوالي مليوني زائر من مختلف أنحاء العالم، خلال العام الذي سبق العدوان على سورية في 2011.
الإرهابيون يستكملون مأساة كربلاء
منذ بداية العدوان على سورية عام 2011 ظهر واضحاً أن المجموعات الإرهابية وضعت مقام السيدة زينب (ع) في صلب أهدافها، إذ رفعت منذ البداية شعار «سترحلين مع النظام»، كأنهم يكملون بذلك مأساة كربلاء قبل حوالي 1400 عام.
كان هذا الشعار من أكبر السقطات الأخلاقية والدينية لما سمي زوراً «الثورة السورية» التي تبين أنها ليست أكثر من عدوان إرهابي وهابي إخواني صهيوني استعماري، مما استدعى شعاراً مقابلاً «لن تسبى السيدة زينب مرتين»، وجاء من يدافع عن المقام وشرف آل البيت.
شهدت المناطق المحيطة بالحرم عمليات إرهابية يندى لها الجبين، بدأتها المجموعات الإرهابية المسلحة، في تشرين الأول/ أكتوبر 2012، إذ استشهد ستة أشخاص في هجوم استهدف المقام، وفي نهاية شهر كانون الثاني/ يناير 2013 سقطت قذيفة هاون على ضريح السيدة زينب مما أدى لإلحاق أضرار مادية بإحدى منارات المقام.
وفي شباط/ فبراير 2015 استهدف انتحاريان حاجزاً قرب المقام أدى إلى استشهاد أربعة أشخاص، وفي الشهر ذاته تبنت جبهة النصرة فرع تنظيم «القاعدة» تفجيراً استهدف حافلة تقل زواراً لبنانيين متجهين إلى مقام السيدة زينب، ما أدى إلى استشهاد تسعة منهم، وفي 2016 حدثت أعنف الاعتداءات، إذ هزت شارع التين المؤدي إلى المقام أربعة تفجيرات نفذت بثلاثة انتحاريين وسيارة مفخخة، تبنى مسؤوليتها تنظيم «داعش»، وخلفت نحو 120 شهيداً ومئات الجرحى، من المدنيين.
تحرير المقام من عصابات الإرهاب
هذا الاستهداف المباشر لمقام العقيلة استدعى استنفاراً من الجيش السوري والقوات الرديفة لتأمين الحماية للمقام ولأهل المدينة، وهذا ما حدث حتى تم تحرير كامل المنطقة من المجموعات الإرهابية المسلحة، وإعادة الأمن والأمان إلى المقام ومحيطه ومدينة السيدة زينب وكامل ريف دمشق.
وبدأت مدينة السيدة زينب والمنطقة المحيطة بها تشهد حركة عمرانية لافتة، وتجديد وترميم الفنادق والعقارات والأماكن السكنية والخدمية، لتستوعب الحركة المتوقعة في ازدياد حركة السياحة والزيارة وطلبة العلم.
وأعلن في نيسان/ أبريل 2018 عن مشروع لتوسيع مقام السيدة زينب، بالتعاون مع منظمة اليونسكو لوجود أبنية تاريخية في المنطقة، وسيتم بناء مضيف للزوار، وتوسيع المقام إلى ضعف مساحته الحالية، كما يتضمن المشروع توسيع وتجديد مقام السيدة رقية، في حي العمارة في قلب دمشق القديمة.
واليوم أصبحت مدينة السيدة زينب تزدحم بالزوار طوال العام، وتضج بالحيوية على مدار اليوم، وتتوفر فيها كافة الخدمات الصحية والاجتماعية والخدمية، وفيها سوق كبير جدا يمتد مسافات طويلة ومحال ومعارض تجارية لكل صنف ونوع، وتزدحم بالشركات التجارية ومكاتب ووكالات السياحة والسفر وشركات الطيران والمطاعم والفنادق ومقاهي الإنترنت والمكاتب العقارية لبناء وتأجير المنازل والشقق السكنية، مما أعاد الحيوية وحركة السياحة إلى مقام السيدة زينب والمدينة والمناطق المحيطة بها مما حولها إلى واحد من أهم المراكز السياحية والدينية في دمشق وسورية عموماً.
ويتوقع أن تتصاعد أعداد السياح والزوار حتى تصل إلى أرقام أعلى وأكبر مما كانت عليه قبل العدوان على سورية.. لكن الأهم أن «العقلية لن تسبى مرتين».
المصدر أحمد رفعت يوسف / لا ميديا