دمشق - حاوره: أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
اللقاء مع الأسير المحرر ابن الجولان السوري المحتل صدقي المقت فرصة فريدة لا تشبه غيرها من اللقاءات.
فالأسير المقت من مواليد 1967، وهو أبن أسرة مناضلة، حيث اعتقل في الـ23 من آب/أغسطس 1985، وهو ابن 18 عاماً، مع شقيقه بشر، بتهمة المشاركة في تأسيس تنظيم حركة المقاومة السرية في الجولان المحتل والمشاركة في سلسلة فعاليات وعمليات ضد الاحتلال «الإسرائيلي» وحكم عليهما بالسجن لمدة 27 سنة.. كما أن شقيقتهما نهال المقت من المناضلات والناشطات ضد الاحتلال في الجولان السوري المحتل.
أفرج عن شقيقه بشر عام 2009 قبل انتهاء محكوميته بسنوات قليلة في صفقة تبادل أسرى مع سلطات الاحتلال، لكن هذه السلطات كانت ترفض بشدة شمول صدقي بأي اتفاقات لتبادل الأسرى أو تمنحه أسباباً مخففة، حتى أمضى كامل محكوميته متنقلاً بين سجون نفحة وعسقلان وبئر السبع والرملة والدامون وهداريم والجلمة وشطة وجلبوع، تعرض خلالها لكل صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، وأطلق سراحه في آب/أغسطس 2012، وكان حينها العدوان على سورية في أوجه.
وفي 25 شباط 2015 أعادت سلطات الاحتلال اعتقاله، بعد كشفه علاقات العدو «الإسرائيلي» مع العصابات الإرهابية المسلحة التي كانت تنشط بإشراف وإدارة جيش الاحتلال في المنطقة الحدودية مع الجولان السوري المحتل، وأمضى خمس سنوات أخرى في الأسر ليصبح مجموع سنوات أسره 32 عاماً، حتى أفرج عنه بتدخل من السلطات الروسية والرئيس بوتين نفسه، بخاصة بعد أن رفض الأسير المقت شروط الاحتلال للإفراج عنه، ووضع في سابقة فريدة شروطه هو للخروج من السجن، وكان له ما أراد إذ أفرج عنه في 2020.
رغم أن الأسير صدقي المقت قضى معظم حياته في سجون الاحتلال لكنه يتمتع بإرادة صلبة، مكنته من الصمود والتماسك ومواجهة سجانيه وهو في الأسر، كما خرج وهو أكثر إصراراً على مقاومة الاحتلال.
أما ما يدهش أكثر فهو ثقافته ووعيه الكبير حول الصراع مع العدو الصهيوني، وحول ما يجري من عدوان على سورية والمنطقة وأسبابه وارتباطه بالمشروع الصهيوني ومشروع «الشرق الأوسط الجديد».
بمواقفه المشرفة هذه أصبح البطل صدقي المقت رمزاً وطنياً من رموز الشجاعة والبطولة ومواجهة الاحتلال بإرادة صلبة وثقة كبيرة بالانتصار.

روحية جماعية للصمود داخل سجون الاحتلال
 أنت أمضيت سنوات طويلة في الأسر وعلى مرحلتين حتى نلت لقب عميد الأسرى في سجون الاحتلال وأنت اليوم في مرحلة الحرية.. ماذا تقول عن تجرية الأسر؟
حياة الأسر في سجون الاحتلال أو في أي سجن من سجون العالم هي تجربة قاسية بكل تأكيد، هناك يعيش الإنسان الحرمان، مقيداً ومسلوب الحرية الجسدية، لكنه يبقى حراً لأن خلف هذا الأسر تقف قضية بحجم وطن وأمة، هذه القضية هي التي تولد لدى الإنسان القدرة على الصمود.
الإنسان بلا قضية لا يستطيع أن يصمد داخل أي سجن من سجون العالم، والذي يجعلنا نتغلب وننتصر على ظروف الأسر ونكون أحراراً داخل سجون الاحتلال هي الإرادة الحرة التي نمتلكها ونناضل لأجلها، عندها لا يبقى الأسير أسيراً داخل سجون الاحتلال.
هو مقيد الجسد لكنه حر الإرادة، والتفكير.. لا، بل يأسر آسره ويتحول السجان إلى سجين والأسير إلى حر يملي إرادته كيفما يشاء.
داخل سجون الاحتلال يحاولون كسر الإرادة، من خلال قهر الجسد، فالمعركة معركة إرادات، لا معركة أجساد، في الأجساد هم يتفوقون علينا، يستطيعون تكبيلنا، ورمينا في الزنازين والعزل الانفرادي، وقمعنا بالغاز والعصي.. الجسد مسلوب الحرية، ومحروم من كل شيء، ومن كل وسائل الترفيه والحركة والحرية الجسدية، وبظروف قاسية جداً ينعدم فيها الحد الأدنى من ظروف الحياة الكريمة، لكن الإرادة القوية والحرة متفوقة ومنتصرة لا تهزم.
لا يستطيعون أن يوقفوا انتمائي لوطني، ولا يستطيعون أن يكسروا إيماني بالقضية التي ناضلت لأجلها، لذلك يكون الصراع صراع إرادات. 
بهذه المعادلة، وبهذه الرؤية، نحن نصمد داخل سجون الاحتلال.. لا، بل لقد طورنا لأنفسنا داخل سجون الاحتلال مفاهيم للصمود، منها الصمود الجماعي، فعندها يصبح الصمود ليس فردياً، ولا يخوض كل أسير معركته بمفرده ضد سجانه، طورنا هذه المفاهيم إلى بلورة ما تسمى الحركة الوطنية الأسيرة، وهو الإطار الجماعي الذي ينظم عملنا وحياتنا ويقود نضالنا داخل السجون، وبذلك نخلق بيئة جماعية للصمود تتغلب على ضعف الفرد.
بهذه الروحية تمكنا من الصمود لعشرات السنين داخل سجون الاحتلال، وكما يصمد اليوم أسرانا ممن تبقوا في سجون الاحتلال وهم بالآلاف، ومنهم من أمضى ما يزيد عن 40 عاماً متواصلة في سجون الاحتلال.

التعاون بين الكيان والمجموعات الإرهابية
 تم أسرك في المرة الثانية بسبب فضحك التعاون بين الكيان الصهيوني والمجموعات الإرهابية المسلحة، التي كانت تعمل على حدود الجولان المحتل وسيطرت على المكان لفترة من الزمن.. ماذا قالوا لك بعدما ألقوا القبض عليك؟
اعتقالي الثاني كان في 2015 بسبب فضحي تلك العلاقة القائمة بين جيش الاحتلال «الإسرائيلي» والمجموعات الإرهابية التي كانت تسيطر على سياج خط وقف إطلاق النار في الجولان، وهذه العصابات المجرمة الإرهابية الخائنة مرتبطة كلياً بالاحتلال «الإسرائيلي»، تلك العصابات التي ادعت أنها ثورة تغيير وإصلاح، وتدعي أنها ثورة إسلامية، هي في حقيقتها عصابات مجرمة وخائنة وعميلة للاحتلال «الإسرائيلي» وتأتمر بأوامره وتنفذ توجيهاته ومشاريعه وتتلقى منه كل أشكال الدعم.لقد رصدت تلك العلاقة من خلال حركتي على خط وقف إطلاق النار، وشاهدت بأم العين كيف تتم هذه العلاقة.. هناك على ذلك السياج عشرات البوابات التي أقامها الاحتلال، ومن خلال تلك البوابات كان يعبر كل شيء، كانوا يدخلون جرحى تلك العصابات إلى الجولان المحتل ومن ثم إلى مستشفيات العدو في فلسطين المحتلة، ومن ثم إعادتهم إلى الداخل السوري كي يواصلوا جرائمهم.
من خلال تلك البوابات كانوا يمدون العصابات الإرهابية بكل شيء، من المواد الغذائية والوقود والمواد الزراعية والطبية وأيضاً السلاح.
ومن خلال تلك البوابات كان يحضر قيادات تلك العصابات ويذهبون إلى المستوطنات الصهيونية للاجتماع بكبار قادة جيش الاحتلال لتلقي التعليمات والمشاريع كي يعودوا إلى الداخل السوري كي ينفذوها خدمة للمشروع الصهيوني، والذي كان يهدف إلى إقامة ما يسمى «الحزام الأمني» وفيه جيش عميل للمحتل في الداخل السوري، يحمي سياجه تماماً كما كان جيش لحد عميلاً لدولة الاحتلال في جنوب لبنان.
وفي مرحلة أخرى طوروا المشروع لإقامة الكانتون الجنوبي أو الإقليم الجنوبي بسلخ محافظات الجنوب عن بلدها سورية وإقامة كانتون بتوجيه من العدو «الإسرائيلي» وخدمة للمشاريع «الإسرائيلية».. كل هذه المشاريع كانت تنفذ من خلال تلك العلاقة القائمة بين تلك العصابات الإرهابية وجيش الاحتلال.
تابعت تلك الأنشطة، وصورت ما استطعت أن أصوره وأوثقه، وزرت مستشفيات العدو في شمال فلسطين، وهناك شاهدت وصورت ونشرت عشرات الصور لجرحى الإرهابيين وبخاصة في مشافي صفد ونهاريا وطبريا، ولكون تلك المادة التي نشرتها فضحت مشاريع المحتل، وقد تضايق من هذا النشر لأنه كان يدعي أنه يقدم المساعدات الإنسانية ويخفون الشق السري والإجرامي من هذا البرنامج لدعم تلك العصابات وتمويلها وتسليحها وتوجيهها.
وعندما اعتقلوني شاهدت كم هم منزعجون من هذا النشر، وكان الغضب يتطاير من عيونهم، وأرادوا من خلال اعتقالي إسكات هذه القضية.
قال لي أحد المحققين في المخابرات «الإسرائيلية» أثناء التحقيق نحن نعرف كيف نسكت هذه القضية، وهناك العديد من القضايا التي أسكتناها وأنت لا تعرف شيئاً عنها. وأرادوا من وراء اعتقالي إسكات هذا الصوت الذي فضحهم ووثق حركتهم وأنشطتهم على خط وقف إطلاق النار في القطاع الجنوبي من الجولان السوري المحتل.

لن أدخل دمشق بشروط الاحتلال
 نعرف أنه كانت هناك عروض بشروط «إسرائيلية» للإفراج عنك ورفضتها، وأنت وضعت شروطاً للخروج من السجن في ظاهرة فريدة أن يضع السجين شروطه للخروج.. ماذا حدث؟
في الاعتقال الثاني أصدرت إحدى محاكم الاحتلال الحكم عليّ بالسجن 14 عاماً، وكنت طيلة سنوات الأسر الثانية على ثقة بأن هذا الحكم سيسقط ولن يستمر، لدي ثقة كبيرة بالوطن الأم سورية، وبالقيادة السورية، وبالسيد الرئيس بشار الأسد.. ثقة لا تعرف الحدود، وبناء على المتابعة الحثيثة والمتابعة القوية والحازمة من قبل السيد الرئيس وكنتيجة للضغط الذي مارسه على الأصدقاء الروس تحركت الدولة الروسية أيضا للضغط على المحتل «الإسرائيلي» للإفراج عني، وقد تم هذا الإفراج بعد أن أمضيت خمسة أعوام من مدة أسري الثانية.
في البداية جاؤوا إلي أثناء وجودي في سجن النقب في جنوب فلسطين المحتلة، فحضر الملحق العسكري الروسي مع اثنين من كبار موظفي وزارة الحرب الصهيونية قبل تحريري بشهرين، وقدموا عرضاً بالإفراج عني شرط منعي من العودة إلى الجولان والإبعاد إلى دمشق لمدة 20 عاماً، فرفضت هذا العرض.
طبعاً أنا أحترق شوقاً لزيارة دمشق ودخول دمشق، لكن هذا العرض مهين لي، لأنهم جاؤوا بشروط الاحتلال «الإسرائيلي» بأن أبعد إلى دمشق، وبعد انقضاء خمسة أعوام من وجودي في دمشق أستطيع (حسب العرض) أن أقدم طلبا لحكومة الاحتلال بالعودة إلى الجولان.. هذا الشرط إهانة وطنية لكرامة الوطن لن أقبل به، ودمشق التي أحلم بها من طفولتي والتي أعشقها لا أدخلها بشروط الاحتلال «الإسرائيلي»، وإنما أدخلها وأنا محرر والجولان حر بلا شروط وبلا قيود المحتل، وبناء على رفضي لهذا العرض استؤنف العمل والضغط لأجل تحريري من الأسر، إلى أن توج بتحريري بلا قيد أو شرط، إلى بيتي في الجولان السوري المحتل، والآن أنا أتحرك بحريتي التامة ولا أقبل أي شرط من شروط المحتل.

رسالة الرئيس الأسد لي في السجن من أغلى الأشياء في حياتي
وأنت في الأسر جرت مراسلات بينك وبين السيد الرئيس بشار الأسد.. ماذا جاء في هذه المراسلات؟
بعد أن جاؤوا إلي بعرض الإبعاد إلى دمشق ورفضت هذا العرض وفضلت البقاء في سجون الاحتلال على أن أرضخ لشروط المحتل «الإسرائيلي»، وجهت رسالة إلى الرأي العام ووجهت بداخلها تحية للسيد الرئيس بشار الأسد، لأن كل هذا الجهد وهذا التحرر الذي لمسته وأنا داخل السجون مصدره السيد الرئيس، هو الذي تابع هذا الملف وهو الذي اطلع على كل تفاصيله، وتابعه لحظة بلحظة، وخطوة بخطوة، وقد وجهت له تحية خاصة تليق بمقام رئيس الجمهورية.
كتبت في حينه: «إنني شعرت وأنا في داخل سجون الاحتلال بقبضة يد السيد الرئيس تضرب على الطاولة في دمشق، فإذا بجدران السجن تهتز وتتصدع من حولي».
هذا الشعور الذي شعرت به عندما حضر الملحق العسكري الروسي بذاك العرض الذي رفضته، وبالفعل شعرت بهذا الشعور بأن جدران السجن تتصدع لأن السيد الرئيس هو من يتابع هذا الملف بكل تفاصيله، وقد وجه السيد الرئيس رسالة لي وأنا داخل سجون الاحتلال، مليئة بكل المعاني والقيم الوطنية.. مليئة بقيم الصمود والكبرياء والوطنية.. رسالة كبيرة وغالية جداً.. من أغلى الأشياء التي تلقيتها في حياتي.. من أغلى الأشياء المعنوية.. كانت أهم حدث في حياتي هي تلك الرسالة التي وجهها لي السيد الرئيس بشار الأسد وأنا في سجني في النقب جنوب فلسطين المحتلة، يخاطبني بها ويشيد بموقفي الرافض لتلك الشروط ويدعم موقفي ويقابل صمودي بهذه الشحنة الهائلة من الصمود.. يقابل الوفاء بالوفاء.. وهذا هو السيد الرئيس الذي نعرفه ونحبه ونكن له كل التقدير، وهنا بهذه المناسبة أوجه له أصدق مشاعر المحبة والوفاء والتقدير.

محور المقاومة شركاء في الصمود والانتصار السوري
سورية حققت انتصارات كبيرة أكدت أنها عصية على السقوط كما كان يراد لها.. ما هي نظرتك لمستقبل سورية بعد كل هذه التطورات وبعد عدوان زاد عن عشر سنوات ولايزال؟
سورية وبعد 10 أعوام من العدوان وبعد هذا الصمود الأسطوري للشعب السوري وللجيش السوري والقيادة السورية وعلى رأسها السيد الرئيس بشار الأسد، هي انتصرت على أرض الواقع، وتحقق الانتصار، ونعيش الآن مراحل استكمال هذا الانتصار، سورية خرجت الآن أكثر قوة ومعها الأصدقاء في محور المقاومة كلهم منتصرون في الانتصار السوري، لأنهم شركاء في الصمود وشركاء في هذا الانتصار. أنا متفائل جداً لمستقبل سورية، فالمنتصر له قوانينه وله شروطه، وللنصر تداعياته على الداخل السوري وعلى المنطقة عموماً، سنعيش مرحلة ما بعد هذا الانتصار، وبكل تأكيد سيكون النصر السوري ومعه محور المقاومة هو الفاعل الرئيسي في المنطقة، وهم المعادلة الأساسية، وهم من سيرسمون خارطة المنطقة، وهم من سيملون شروطهم على المنطقة بعد أن تلقى المحور المعادي كل هذه الهزائم.
لقد انهزم مشروع أمريكا والعدو «الإسرائيلي» والخونة من الأنظمة العربية.. انهزموا جميعاً أمام هذا الصمود الأسطوري لسورية ولمحور المقاومة، ولهذا الانتصار تداعياته في مرحلة ما بعد الانتصار.. نحن مقبلون على هذه المرحلة ونستعد لهذه المرحلة، وبكل تأكيد تداعيات هذا النصر السوري ستكون في فلسطين، في المواجهة مع المشروع الصهيوني، وسيعطي زخماً أكثر قوة للمقاومة وللصمود ولنضال الشعب الفلسطيني، ولهذا الانتصار سيكون له تداعياته في الخليج العربي في محاصرة وفرض الشروط على تلك النظم العميلة والخائنة التي شاركت في العدوان على سورية ومازالت تشارك في هذا العدوان وتتآمر.
هذه الأنظمة العميلة والمتآمرة ستلمس في المرحلة القادمة تداعيات الانتصار السوري وانتصار محور المقاومة، وستدفع الثمن جراء الجرائم التي اقترفتها ضد شعوبها وضد سورية وضد الوطن العربي وضد كل شيء إنساني.

النضال والمقاومة طريق الحرية
الآن هناك تطورات كبيرة في فلسطين المحتلة تؤكد أن حلف المقاومة يرسخ جذوره ويحقق الانتصارات.. أنت وبتجربتك الخاصة كيف تنظر إلى هذه التطورات؟
محور المقاومة الآن أكثر قوة، وبانتصار محور المقاومة في الساحات التي خاض فيها مواجهة مع الأعداء في سورية وفي العراق وفي لبنان وفي اليمن يضيف قوة لفلسطين ولمقاومتها البطلة.
بالأمس القريب خاضت هذه المقاومة جولة جديدة من الصراع وخرجت منتصرة، ولم يتمكن العدو «الإسرائيلي» من إملاء شروطه بفضل صمود المقاومة وبفضل قوة المقاومة، ولا ننسى.. عندما يكون هناك الفارق الكبير بين موازين القوى ويفشل العدو في تحقيق شروطه وإملاء شروطه هذا انتصار للطرف الضعيف بحسب ميزان القوى.
بهذه المضامين انتصرت المقاومة، وقد استطاعت أن توجع العدو بضرباتها في عمق العمق الصهيوني، هذه جولة في صراع طويل، وسيكون هناك جولات لأن هذا الصراع مستمر ولن ينتهي إلا بزوال المشروع الصهيوني عن أرض فلسطين وعودة فلسطين كاملة إلى أصحابها.
ما يهمنا في هذه المرحلة أن محور المقاومة أكثر قوة، وهذا نصر وقوة لفلسطين، هذه العلاقة ما بين المقاومين في فلسطين بكامل فئاتهم ومختلف فصائلهم ومحور المقاومة، ستزداد قوة ويجب أن تزداد قوة وردم أي فجوات قد تنشأ في هذه العلاقة، وفلسطين لن تنتصر إلا إذا تم ربط نضال الشعب الفلسطيني في محور المقاومة.
للمقاومة بيئتها كما للخيانة بيئتها، وبيئة المقاومة الفلسطينية واضحة بكل تأكيد ولا تحتاج إلى أي تفكير ولا إلى أي تردد.
بيئة المقاومة هي محور المقاومة، وعواصم الخيانة وكلنا نعرفها في الرياض وفي الدوحة وفي أبوظبي.. هذه العواصم هي بيئة الخيانة وقد حسم الشعب الفلسطيني خياراته إلى جانب المقاومة ومحور المقاومة، وهذا ما نلمسه من خلال علاقتنا المباشرة بالشعب الفلسطيني.
أنا أتجول كثيراً في فلسطين المحتلة عام 1948 وفي الضفة وفي القدس، ونلمس أولاً أن هذا الشعب ملتصق كلياً في فلسطين ولا يفرط فيها، وهذا شعب مناضل وقدم التضحيات ومازال يقدم وعلى استعداد لتقديم المزيد من التضحيات، وثانياً هذا الشعب عينه على محور المقاومة ويدرك أن فلسطين لا يمكن أن تتحرر في التفاوض، ولا في التسول على موائد المفاوضات، ليس هكذا تتحرر الأوطان، والشعب الفلسطيني مدرك أن معركته طويلة ومشواره طويل، ويحتاج إلى نضالات هائلة كي يستطيع فرض شروطه واستعادة حقوقه في تحرير فلسطين كاملة وفي عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم ومدنهم وقراهم، وفي إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الوطني الفلسطيني، وهذا المبدأ وهذا الهدف النبيل لن يتحقق إلا في المقاومة.

خوف «إسرائيلي» من اليمن
أيضا اليمن الشقيق يحقق انتصارات كبيرة على تحالف العدوان وأصبح جزءا لا يتجزأ من حلف المقاومة.. كيف تنظر إلى التطورات في اليمن؟
إن شرفاء الشعب اليمني الشقيق الذين سطروا أروع صفحات الصمود أولاً والبطولات في وجه هذا العدوان الغادر الذي تشنه أمريكا والعدو الصهيوني عبر أدواتهما العميلة والخائنة والساقطة والممثلة في ذاك النظام الساقط ما يسمى النظام السعودي، لقد سجل الشعب اليمني أروع البطولات بالصمود وبالتصدي لهذا العدوان والانتصار عليه، وواضح الآن فشل هذا العدوان، وكما قلت في جوابي السابق في الصراع بين المقاومة الفلسطينية والعدو «الإسرائيلي»، عندما يكون هناك فوارق كبيرة في موازين القوى وعندما يفشل الطرف القوي في هذه الموازين في إملاء شروطه، هذا فشل له وانتصار للطرف الضعيف الذي صمد وقاوم، وبالتالي سيملي هو شروطه.
المقاومة في اليمن وشرفاء وأبطال اليمن سجلوا أعظم الانتصارات، وها هو العدو الآن يبحث عن طريقة ينهي بها عدوانه، وهذا العدوان سيتوقف بكل تأكيد، بفضل صمود الشعب اليمني. ومن نتائج هذه الحرب الظالمة التي شنت على اليمن أن أصبح للمقاومة امتداد وقاعدة أساسية في اليمن.
هذه نتيجة مباركة، أرادوا شيئاً من هذا العدوان، فإذا بفضل هذه البطولات والتضحيات والدماء الطاهرة التي سالت على أرض اليمن يتلقى تحالف العدوان نتائج عكس ما أراد، وما خطط.
اليوم اليمن هو مكون رئيسي وأساسي من محور المقاومة -وأنا أتابع الإعلام «الإسرائيلي»- الاحتلال «الإسرائيلي» ينظر بخطورة كبيرة لتعاظم قوة المقاومة في اليمن، وبالذات تعاظم الطائرات المسيرة وصواريخ المقاومة في اليمن ويخشاها، لأنه يدرك أن هذه الصواريخ والطائرات المسيرة تصل إلى فلسطين، وقد قام بنقل مضادات ما تسمى الصواريخ المضادة للصواريخ إلى جنوب فلسطين المحتلة تحسبا لأي خطر قادم عليه من اليمن.
هذا هو انتصار المقاومين، وهذه إرادة الشعوب التي تتحدى وتنتصر وتحول العدوان الذي يشن عليها إلى رافعة انتصار، ورد هذا العدوان إلى صدر من صدّر لنا هذا العدوان.
هكذا تحول العدوان إلى لعنة تلاحق النظام العميل في السعودية ولعنة تلاحق المحتل «الإسرائيلي» الذي بات يخشى من مقاومة اليمن وبحقيقة ولا مبالغة في ذلك، وأنا أتابع الإعلام العبري جيداً... هم يخشون من المقاومة في اليمن.

بداية النهاية للمشروع الصهيوني
 مع كل ما يجري سواء في سورية أو فلسطين أو في كامل المنطقة كيف تنظر إلى مستقبل الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة والمنطقة بشكل كامل؟
لا مستقبل للمشروع الصهيوني على أرض فلسطين.. هذه حقيقة وليس ادعاء، وليس مجرد شعار.. هذه حقيقة نؤمن بها.
هذا الوجود الصهيوني على أرض فلسطين يتناقض مع حقائق التاريخ والجغرافيا وحقائق المنطق البشري، لأنه دخيل وعدواني واستيطاني، وقائم على أساس اقتلاع شعب من أرضه وطرده وتشتيته وتهجيره وسلب أرضه وإحلال الكيان الصهيوني على أرض الشعب الفلسطيني.
لهذه الحقائق هم يدركون أن لا مستقبل لهم على هذه الأرض، هم يعلمون ذلك، ويعملون على إطالة مدة بقائهم.
الخزان البشري لهذا العدوان الصهيوني لا يمتلك مقومات الاستمرارية، لأنه يعتمد على العنصر اليهودي وجلب يهود العالم، وهذا المشروع الصهيوني لم يتمكن من إقناع غالبية يهود العالم للاستيطان في فلسطين، وما هو موجود الآن لا يستطيع أن يكمل مشروعه الاستيطاني لأن خزانه البشري في تآكل معنوي لأنه ليس لديه أي قضية، والمعتدي لا قضية له والمحتل لا قضية له، وليس لديه أي استعداد لأن يضحي، وما نراه في الجبهة الداخلية «الإسرائيلية» من خوف ورعب بفعل صواريخ المقاومة هو تعبير عن أن هذا الكيان ليس لديه أي قضية يقاتل لأجلها، وليس لديه أي استعداد لأن يقدم تضحيات.
ومن الجانب الآخر، تتعاظم قوة محور المقاومة بكل منظومته دولاً وفصائل في كل الأماكن، الآن يراكم القوة ويحقق الانتصارات على تحالف العدوان في كل الساحات التي يخوض بها مواجهات.. في سورية والعراق واليمن ولبنان.
أيضاً الوجود الاستعماري الأمريكي هذا الشر الأكبر في حالة انكماش وانحسار، وهو مقبل على أن ينسحب ويخلي ساحات عديدة من العالم ومنها منطقتنا العربية.
كل هذه الأوضاع سواء المرتبطة في الكيان الصهيوني، أو المرتبطة بمحور المقاومة، أو المرتبطة بالاستعمار الغربي، كلها تشير إلى أن هذا الكيان إلى زوال ولا يمكن التعايش معه.
سأضرب بعض الأمثلة ليس فقط في المجال النظري الفكري أو التاريخي، من خلال معايشتنا لهذا الكيان.. نحن على تماس يومي معه، وعلى احتكاك يومي مع شرطته، ومع كل أدواته الاحتلالية.. هذا الكيان مبني على العنصرية وكره الآخر، لا يستطيع قبول آخر يتواجد معه، ولا يقبل العيش المشترك. 
في كل الأماكن التي يتواجد فيها يبث عنصرية وكرهاً للعربي وللآخر أياً كان عربياً أم غيره، فوجوده محكوم بثقافة الغيتو التي يدعي أنه عاشها في أوروبا.. يعيش المعازل والانغلاق على نفسه لأنه يكره الآخر ولا يستطيع التعايش مع الآخر.
لهذه الأسباب أيضاً هو مشروع منفّر، بخلاف ما يشاع وما يدعي أنه واحة للديمقراطية والرفاهية والسلام وكل هذه الأكاذيب التي يدعي بها.
نعيش هذه الحقيقة ونصطدم بها يومياً، ولهذه الأسباب كلها لا أرى أي وجود لهذا الكيان، وفقط الحل بإزالة هذا الكيان وبتحرير فلسطين كل فلسطين.

الصمود اليمني من أنبل البطولات
 عبر صحيفة «لا» ما هي الرسالة التي توجهها إلى الشعب اليمني الشقيق؟
عبر هذا اللقاء مع صحيفة «لا» يسعدني ويسرني أن أتوجه بالتحية من أرض الجولان السوري المحتل، إلى الشعب اليمني البطل، وأتوجه بالتحية إلى المقاومة اليمنية وإلى شرفاء اليمن وإلى أبطال اليمن، الذين يتصدون للعدوان السعودي الأمريكي الصهيوني، والذين يتصدون للمشروع الصهيوني، فعندما تحاربون النظام السعودي فأنتم تحاربون العدو الصهيوني، وتحاربون الوجود الاستعماري الأمريكي في الوطن العربي.
حربكم ضد هذا العدوان وصمودكم وبطولاتكم من أنبل الحروب، ومن أنبل البطولات، ومن أنبل التضحيات.
أنحني أمام شهداء اليمن.. شهداء الحصار.. شهداء الحرب.. من المدنيين والعسكريين والمقاومين، أنحني أمام هذه الدماء وأمام هذه البطولات، وأقبل التراب اليمني، وأقبل جباه المقاومين وأصافح وأعانق الأيادي التي تضغط على الزناد في اليمن، والأيادي التي تضغط على زر إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة في اليمن.
أنتم شرفاء هذه الأمة.. أنتم أنبل الناس وأطهر الناس.
كل الأنظار تتجه إليكم، بصمودكم وبانتصاركم تعززون صمودنا في سورية، تعززون صمود الشعب الفلسطيني، تعززون صمود المقاومة في لبنان.
الآن العدو الصهيوني محاصر من جبهات عديدة، واحدة من هذه الجبهات هي جبهة اليمن.. لقد أرادوا من هذه الحرب نتائج أخرى، فإذا بهم يتلقون هذه النتيجة المرة والمرعبة على المحتل.. واصلوا في صمودكم.. واصلوا في تسلحكم.. واصلوا في مقاومتكم لهذا العدوان.. ونحن وإياكم في خندق واحد، وشركاء في هذا الصمود، وفي هذه البطولات، وفي هذا الانتصار. وإلى اللقاء في القدس إن شاء الله.