مروان أنعم / لا ميديا -
في 11 أبريل 2003، أي بعد يومين فقط من سقوط بغداد، أعلن الإمام علي خامنئي في خطبة الجمعة بلسان عربي مبين: «إن الحلم الذي يحلم به الأمريكان والإنجليز، لن يتحقق، ذلك أنه وفي كل مكان تقف المقاومة، بلغتها وأسلوبها، بوجه الاعتداء ولغته وسلوكه. ولن يكون الشعب العراقي المعروف بغيرته وحميته مُستثنى من هذه القاعدة، بالنسبة للحرب بين صدام وأمريكا والإنجليز اعتبرنا الطرفين ظالمين ولم نقدم أي عون لأي منهما... ولكننا لن نقف على الحياد في مجال الصراع بين المحتلين والشعب العراقي».
في هذه الخطبة التي ميّز فيها الإمام الخامنئي بين صدام ونظامه والشعب العراقي، رسم خطوطاً عريضة للاستراتيجية التي اعتمدتها إيران للتعامل مع الوضع الجديد المتمثل في وصول أمريكا على حدودها كمقدمة لمشروع توسعي أكبر أهدافه إعادة تشكيل المنطقة. 
فعندما قامت أمريكا بغزو العراق كانت تظن انها ستمارس وبكل بساطة ولسنين طويلة الدور الكولونيالي في نهب ثروات البلد وتقسيمه على أسس طائفية كهدف بعيد المدى، فيما كانت الحجج المحببة لديهم كالمعتاد عند كل غزو لأي بلد، هي نشر الديمقراطية وتحرير الشعب، بالإضافة إلى حجج امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل التي ثبت لاحقاً وباعترافات الأمريكيين ذاتهم زيف تلك الكذبة والخديعة، ومن هنا بدأت تتشكل العديد من فصائل المقاومة العراقية التي رفضت تواجد جنود الاحتلال الأمريكي في العراق، وتأكدت قيادات الغزو الأمريكية أن المهمة لم تكن لتنتهي بتلك السهولة التي كانوا يتوقعونها. فهم أدركوا أنهم دخلوا بأرجلهم إلى المستنقع العراقي المعقد، والذي تصاعدت فيه وتيرة استهداف القوات الأمريكية والأجنبية وقواعدها لتعلن في 2011 وبصورة شكلية انتهاء العمليات العسكرية وبدء انسحاب القوات من العراق، تحت وطأة العمليات المتصاعدة للمقاومة في استهداف القوات الأمريكية.

إيران وتسليح الفصائل الرافضة للتواجد الأمريكي
عقب الاحتلال الأمريكي للعراق أدت إيران دوراً بارزاً إلى حد كبير في دعم وتسليح المقاومة العراقية الرافضة للتواجد الأمريكي والأجنبي في العراق، وشمل دورها آنذاك تسليح مختلف الفصائل المسلحة العراقية وتدريبها. ولم يكن الدعم الإيراني لفصائل المقاومة العراقية دعماً ذا بعد مذهبي أو طائفي، إنما كان ينطلق من دعم كافة المنظمات والفصائل المسلحة التي ترفض التواجد والاحتلال الأمريكي للعراق، بهدف استنزاف قوات الاحتلال وتكبيده خسائر فادحة من خلال تقديم الدعم العسكري والتدريبي لفصائل عراقية، أبرزها كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، بل والانفتاح على فصائل مقاومة من بيئة أيديولوجية أخرى بمحاولة تقديم الدعم لها كما اعترف بذلك عبدالرحمن الجنابي، الناطق باسم ما يسمى المجلس السياسي للمقاومة العراقية، لصحيفة «العرب» القطرية في ديسمبر 2010، بأنهم في هذا المجلس الذي يضم مجموعة من الفصائل جاءتهم «عروض مباشرة عن طريق سفير إيراني في بلد عربي وأخرى غير مباشرة للحوار والوصول إلى تفاهمات مشتركة وتقديم كل أشكال الدعم للمقاومة».
تصريح الجنابي آنذاك، وإن جاء في معرض افتخاره برفض التعاون مع إيران التي وصفها بـ»اللاعب السلبي في العراق»، إلا أنه يُبين أن سياسة إيران في دعم المقاومة العراقية لم تكن لتستثني أحداً على خلفية طائفية أو مذهبية، تكللت في إغراق المحتل وتكبده خسارة أكثر من خمسة آلاف جندي أمريكي خلال السنوات الأولى للغزو، وإصابة أكثر من 33 ألف جندي أمريكي، فيما بلغ إجمالي ما تكبدته فاتورة الغزو الأمريكي 3 تريليونات دولار.

الحشد الشعبي صمام أمان 
وعندما أدركت أمريكا فداحة الموقف والخسائر التي تكبدتها في العراق على أيدي فصائل المقاومة المسلحة العراقية، لجأت لاحقاً إلى دميتها المفضلة وأدواتها التكفيرية، لضرب المنطقة واستهداف محور المقاومة تحديداً، وبدأ تنظيم «داعش» التكفيري المدعوم من أمريكا وحلفائها من الأتراك والخليجيين، في السيطرة على المدن العراقية الواحدة تلو الأخرى، وبغطاء ودعم مما سمي التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بزعامة أمريكا، ولم يوقف ذلك التمدد لقطعان التكفيريين سوى وحدة الشعب العراقي وتوحيد فصائل المقاومة لتشكيل الحشد الشعبي الذي تم تصنيفه كقوات نظامية عراقية، وجزء من القوات المسلحة العراقية، تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة، ومؤلفة من حوالي 67 فصيلاً، وتشكلت بعد فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية، وذلك بعد سيطرة ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية («داعش») على مساحات واسعة في عدد من المحافظات الواقعة شمال بغداد، وأقر قانون هيئة الحشد الشعبي بعد تصويت مجلس النواب العراقي بأغلبية الأصوات، وتكونت نواة الحشد الشعبي من بعض الفصائل المسلحة بعد صدور قرار من مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، بتعبئة الجماهير وتشكيل هيئة الحشد الشعبي، لمواجهة تهديدات التكفيريين.
وقد تشكل الحشد في البداية من كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق ومنظمة بدر وقوات الشهيد الصدر، ثم توسع الحشد من المتطوعين من مختلف المذاهب والطوائف، لينضم إليهم لاحقا العشائر السنية من المناطق التي سيطر عليها «داعش» في محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار، وكذلك انخرط في صفوف الحشد آلاف أخرى من مختلف الأديان والقوميات كالمسيحيين والتركمان والأكراد.
ويقدر عدد قوات الحشد الشعبي بعشرات الآلاف. ومن أبرز فصائلها «كتائب حزب الله العراق والنجباء والعصائب والخراساني وسيد الشهداء وسرايا عاشوراء وسرايا أنصار العقيدة وعصائب الحق وعصبة الصابرين، وأصحاب الكهف، وقبضة الهدى».
وقد بين وزير الدفاع العراقي السابق خالد العبيدي أن قوات الحشد الشعبي منضبطة وتعمل بإمرة القيادات الأمنية العراقية.
ووفقاً لرئيس الوزراء حينها، نوري المالكي فإن إيران هي الدولة الوحيدة التي وقفت مع العراق بعد معركة الموصل، وإيران وحدها فقط من وقفت إلى جانب العراق في مواجهة «داعش» والقاعدة»، مشيراً إلى أن «الحلفاء الآخرين (ويقصد هنا أمريكا ودول أوروبا) الذين كانت لدينا معهم علاقات وصداقات، لم يقدموا لنا أياً من أنواع الدعم».

ظهور صاروخ الأشتر
عرف صاروخ الأشتر في المواقع الدولية والأمريكية خصوصا بالعبوة الطائرة المرتجلة الانفجارية، وقد سماه الروس «العبوة النفاثة»، أما المنبع الأصلي لصناعته وتطويره، فهو المقاومة الإسلامية كتائب حزب الله الذين أطلقوا عليه تسمية سلاح الأشتر.
وكان الظهور الأول لصاروخ الأشتر كتهديد كبير على الاحتلال الأمريكي في العراق كما تجزم مصادر أمريكية في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2007، ليصبح مصدر قلق كبير في الأشهر التي تلت سلسلة من الهجمات القاتلة، إذ نفذت العملية الأولى في قاعدة الاحتلال الأمريكي في موقع «أسواق الشعب»، والعملية الثانية وبنفس التاريخ على قاعدة الاحتلال في «الرستمية» ببغداد.
ونشر الإعلام الحربي لكتائب حزب الله العراق حينها تصويراً لعملية استهداف القاعدة الأمريكية في حي الشعب، وظهر في الفيلم مقاطع لـ»سلاح الأشتر» داخل شاحنات كبيرة، ثم كيفية انطلاقه واستهدافه للقاعدة، والدمار الكبير الذي أحدثه بحرق عشرات الآليات العسكرية للاحتلال وقتل المتواجدين هناك.
وفي مقال تحت عنوان جيش المهدي يستعمل العبوات الطائرة لبيل روجيو، نفى الناطق باسم الجيش الأمريكي الكولونيل ستيفن ستوفر، أن «يكون جيش المهدي هو من استعمل هذه الصواريخ»، مؤكدا أنها «من صنع مجاميع خاصة، هذه الضبابية في عدم القدرة على تحديد الجهة المنفذة في البدء سرعان ما انقشعت بعد سلسلة عمليات تم تبنيها رسميا من قبل كتائب حزب الله».
وقد أبرزت صحيفة «الواشنطن بوست» الأمريكية في إحدى صفحاتها تقريرا جاء فيه أن القوات الأمريكية في العراق واجهت سلاحا قويا وأن استخدام صاروخ الأشتر في العراق مثل تحدياً كبيراً للقوات الأمريكية التي احتلت العراق عام 2003، مشيرة إلى أن «استخدام الأسلحة من قبل المقاومة الإسلامية يعد توسيعاً لمجموعة الأسلحة المستخدمة ضد القوات الأمريكية».
وأضافت الصحيفة نقلا عن مسؤولين عسكريين أمريكيين، أن «الهجمات بهذه الصواريخ يمكن أن تقتل عشرات الجنود دفعة واحدة، على عكس المتفجرات التي تزرع على جوانب الطرق والهجمات بقذائف الهاون التقليدية والصواريخ».
وذكر أحد قيادات قوات الاحتلال الأمريكي، هو الجنرال لويد أوستن، في تصريح له تناقلته مواقع إلكترونية عديدة: «ما يزعجنا أكثر هو أن الهجمات بـ»IRAMs» (في إشارة إلى سلاح الأشتر) تشير إلى وجود أفراد أصحاب خبرة كبيرة يشاركون في تطوير أساليب وإجراءات لتوظيف هذه الأسلحة». مضيفا: «لديهم تجربة مع IRAMs منذ عام 2007.
وأضاف أوستن، أن «الهجومين اللذين رأيناهما (إشارة إلى الهجومين على قاعدتي البلديات 6/1/2011 وبدرة 29/6/2011) كانا أكثر تأثيراً من السابق، لأنهم يفهمون بعلم الصواريخ. ويبدو أنهم قد نضجت لديهم القدرة على توجيه هذه الأسلحة أكثر».