جاء شهر رمضان من سنة أربعين للهجرة يحمل بين أحداثه أعظم فاجعة مرت على المسلمين بعد فقد نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، وهي استشهاد الإمام علي عليه السلام في ليلة التاسع عشر من رمضان، على يد أشقى الأشقياء عبد الرحمن بن ملجم المرادي.
روي عن الشريف الرضي بإسناد مرفوع إلى الحسن بن أبي الحسن البصري أنه قال: "سهر علي عليه السلام في الليلة التي ضرب في صبيحتها، فقال: إني مقتول لو قد أصبحت، فجاء مؤذنه بالصلاة، فمشى قليلا، فقالت ابنته زينب: يا أمير المؤمنين، مر جعدة يصلي بالناس، فقال: لا مفر من الأجل، ثم خرج".
وفي حديث آخر قال: "جعل عليه السلام يعاود مضجعه فلا ينام، ثم يعاود النظر في السماء، ويقول: والله ما كذبت ولا كذبت، وإنها الليلة التي وعدت".
وروي أن الإمام أمير المؤمنين لما أراد الخروج من بيته في الصبيحة التي ضرب فيها، خرج إلى صحن الدار، واستقبلته الإوز فصحن في وجهه فجعلوا يطردوهن، فقال: دعوهن فإنهن صوائح تتبعها نوائح، ثم خرج فأصيب.
وكان عدو الله ابن ملجم متخفيا في بيوت الخوارج بالكوفة يتربص الغفلة وينتهز الفرصة بأمير المؤمنين، وانبرى لمساعدته شخصان آخران من الخوارج هما شبيب بن بحرة ووردان بن مجالد. وسار الإمام إلى المسجد فصلى النافلة ثم علا المئذنة فأذن، فلم يبق في الكوفة بيت إلا اخترقه صوته عليه السلام، ثم نزل عن المئذنة وهو يسبح الله ويقدسه ويكبره ويكثر الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله.
وكان عليه السلام يطيل الركوع والسجود، فقام الشقي ابن ملجم وأقبل مسرعاً يمشي حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام يصلي عندها، فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وسجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها، فشد عليه اللعين وضربه على رأسه، فصاح الإمام: فزت ورب الكعبة.