حسن فرحان المالكي / لا ميديا -
المسلمون يحتاجون لوقت طويل حتى يكتشفوا أنهم لا يعبدون الله، ثم يحتاجون لوقت حتى يتعلموا كيف يعبدون الله، ثم لوقت طويل حتى يدعوا غيرهم لعبادته.
والطريق المختصر لعبادة الله ذكرها الله في كتابه في أكثر من آية: "كونوا شهداء لله"، "وكونوا مع الصادقين"...، لكن العقول في غطاء عن إدراك حقيقته. هنا فقط نستطيع أن نقول إننا نعبد الله وحده لا شريك له. فعبادة الله ليست بالأمر السهل، ليست بأن تختار من عبادة الله الصلاة والصوم فتطيعه فيها، وترفض من عبادة الله العدل والصدق فتعصيه فيها، فهذه الانتقائية مجرد تحكم بشري متكبر، مغتبط بالتشريع المذهبي لا الإلهي، ومدمر للمبادئ الكبرى ومفسد للعلاقات بين بني البشر، ومسبب رئيس لانتشار الكراهية والتخلف عند المسلمين، بما لا يوجد في أمة من الأمم، هي الجاهلية فقط، التي تسللت داخل الثوب المذهبي، فالجاهلي يهجو القبيلة الأخرى بالبخل والجبن والفضائح التي تشاع عنهم وقد يكون فعلها بعض أفرداهم، بينما يتستر على قبيلته ويكتم على مثالبها ومجرميها، فهذه هي الجاهلية تماماً التي تسربت إلى المذاهب، وجعلته ينطق باسم شاعر القبيلة الجاهلية، فالمتن جاهلي بألفاظ إسلامية.
والعلاج: أن تكون شهادات المذاهب ورموزها وأتباعها لله فقط، فتوظف المشتركات مع كل الخلق، ليس مع المسلمين فقط، بل مع كل الإنسانية، وأن تضع المذاهب الفضيلة أو الذنوب في موضعها الشرعي لا موضعها المذهبي، وتقول للمحسن أحسنت ولو كان بعيد الدار والنسب والمذهب بل والدين، وتقول للمسيء أسأت ولو كان القريب والحبيب والمتحد في الرؤية.
ولكن مع هذا كله، قد تكتشف أن هؤلاء القالبين للدين رأساً على عقب، وفرعاً على أصل، ومذهباً على دين، هم في حقيقة الأمر مخادعون انتقائيون، لأكثر من دليل.
الدليل الأول (تراثي): أنهم قد يشنعون على شخص أو مذهب وربما يكفرونه بأمر قد فعل بعض رموزهم مثله أو ما هو أعظم منه (وهذا قد كشفناه مفصلاً في كتاب: "قراءة في كتب العقائد"، وأخذنا تياراً واحداً من التيارات الإسلامية نموذجاً، ورأينا أن ما يطعن به في الآخرين قد فعله أرباب المذهب، من الغلو في الأشخاص والتكفير والاحتجاج بالأحاديث الموضوعة والزيغ في العقائد... إلخ، فلماذا لا يطّردون في التشدد والتشنيع والتبديع والتكفير؟! فهذا السكوت عن أخطاء الذات والمذهب والرموز والتستر عليها مع الحرص على تعظيمها في الآخرين خيانة وقلة دين وشهادة للمذهب لا لله، وهو ينبئ عن نوع من نفاق لا يعرف عنه عامة أتباع المذهب، فقد يتفاجأ العامة بذلك لو اكتشفوه، أما الرموز فيعرفون ويتكتمون، ويستمرون في التشنيع بالأمور نفسها على الآخرين فقط!
الدليل الثاني (واقعي): يكشف مدى جدية هؤلاء، وهو أنك لا تجد داعية أو شيخاً غالباً إلا وهو منطلق في دعوته المذهبية، لا يبقي ولا يذر من عبارات التحريض على الآخرين (المختلفين معه من مذاهب أخرى)، ويتمنى أن يرى دماءهم تسيل في الأزقة والشوارع وبين الخضار والفواكه، بأي شيء، بتفجير أو انتحار أو قتل رسمي تحت أي تلفيق شرعي... إلخ. هذا الداعية نفسه قد يكون له قريب ملحد تماماً لا يؤمن بخالق ولا نبي ولا معاد! أو قريب آخر مصر على الفواحش ما ظهر منها وما بطن! ولكنه مع هذا يتواصل معه ويقوم بواجب القرابة، من زيارات في المناسبات ولا يقاطعه ولا يحرض عليه... إلخ، فهو يوظف هذا القدر المشترك وإن قل، وهذا جيد، ولكن لماذا لا يوظف المشترك الأكبر مع من يشنع عليه ممن يشترك معه ويؤمن بالله والنبوات والمعاد، ويتفق معه في أوامر الإسلام الكبرى ونواهيه الكبرى... إلخ؟!