فيبكه ديل -- الموقع: "العالم الفتيّ" (jungewelt)
ترجمة  خاصة عن الألمانية: نشوان دماج / لا ميديا -

عقوبات تضر بالفئات الأكثر فقراً: توزيع الغذاء في صنعاء 
لم يتبق أمام الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب قبل تسليم السلطة إلى جوزيف بايدن، في 20 يناير، سوى أيام قليلة للوفاء بالوعد الذي كان قد قطعه للسعودية قبل شهور. ومنذ أسابيع، والحكومة الأمريكية، كجزء من حملتها في "الضغوطات القصوى" على إيران، تطرح مسألة إدراج جماعة أنصار الله (الحوثيين) كمنظمة إرهابية. وعلى الرغم من أن العكس هو المثبت منذ فترة طويلة وهو الذي يتم التأكيد عليه أيضاً من قبل الدوائر الاستخباراتية الأمريكية، إلا أن إدارة ترامب ما تزال تشير إلى أنصار الله على أنهم تابعون لطهران. لكن الأمر الذي مايزال يشغل ترامب، وبنفس القدر على الأقل، هو إقناع الرياض، التي منذ سنوات كثيرة تتعاون سراً مع "إسرائيل"، بـ"تطبيع" علاقاتها مع تل أبيب في اتفاق مبرم، كما فعلت من قبل كل من الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
في بداية ديسمبر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على خمسة من كبار أعضاء أنصار الله. كما أن خطط إدراج المنظمة ككل في القائمة السوداء قائمة منذ 2016. وحتى لا يتم الإضرار بجهود الأمم المتحدة في التوصل إلى اتفاقية سلام في اليمن، فإن تلك الخطط لم يتم تنفيذها رسمياً بعد.
الآن، وقد صار بوسع واشنطن الانتهاء من قائمة اللحظات الأخيرة، فإن الكثير من وكالات الإغاثة وأعضاء الكونجرس الأمريكي أخذوا يحذرون من العواقب الوخيمة لمثل هكذا خطوة. ففي أوائل ديسمبر، وجهت 29 منظمة إغاثة عاملة في اليمن رسالة إلى الكونجرس الأمريكي مفادها أن المساعدات الإنسانية لملايين اليمنيين ستكون في خطر شديد، لأنه إذا تم تصنيف جماعة أنصار الله على أنها منظمة إرهابية، فسيكون محظوراً على أي منظمات وأفراد أمريكيين القدرة على تزويد هؤلاء "بالموارد المادية أو الدعم". لقد كانوا يتحسسون خطر أن يتعرضوا لعقوبات ثانوية أو لعمليات عقابية، ومع ذلك كان عليهم أن يواصلوا عملهم في المناطق التي يسيطر عليها أنصار الله حيث يعيش غالبية السكان اليمنيين. وبالتالي فإن استيراد المواد الغذائية والأدوية، التي لا غنى لليمن عنها كلياً، من الواضح أنه سيصبح أكثر صعوبة، تماماً كتحويلات المغتربين اليمنيين ومنظمات الإغاثة وشركاء العمل.
وبما أن أنصار الله يسيطرون على العاصمة صنعاء، وعلى الحديدة التي تعتبر أهم مدينة ساحلية لاستيراد السلع، وكذلك على البنية التحتية ذات الصلة، فإن الآثار المترتبة على ذلك ستكون مهلكة على بقية البلاد أيضا. ومن المحتمل أن تشهد قيمة الريال الوطني، الذي هو بالفعل في حالة سقوط حر، المزيد من التدهور، وسيصاب اقتصاد البلاد بالضعف مرة أخرى.
وليس بجديد على إدارة ترامب، التي دعمت كسابقتها في عهد باراك أوباما العدوان المستمر منذ ست سنوات على اليمن من قبل تحالف تقوده السعودية، أن تقبل بموت اليمنيات واليمنيين جوعاً لأغراض سياسية. حيث قامت، في مارس 2020، بإلغاء 73 مليون دولار من المساعدات الإغاثية المخصصة لمناطق سيطرة أنصار الله. فكان على برنامج الغذاء العالمي أن يعلن تعليق نصف عملياته في اليمن، فيما أعلنت الأمم المتحدة أن 31 من أصل 41 برنامجاً من برامجها العاملة في البلاد معرضة للخطر. في الوقت نفسه، بدت منظمة الصحة العالمية ، التي قطعت عنها الحكومة الأمريكية كافة التمويل بسبب "إخفاقاتها في مكافحة وباء كورونا" وقربها المزعوم من الصين، مجبرة على إلغاء 80% من أعمالها في اليمن، وذلك بعد وقت قصير من رصد أوائل حالات الإصابة بفيروس كورونا، فيما أقل من نصف المنشآت الصحية هي التي تعمل فحسب.

المكان الأكثر خطورة على الأطفال
وفقاً لأحدث المعلومات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UN-OCHA)، فإن ما يقرب من ربع مليون شخص قتلوا في الحرب على اليمن. ولا تدخل في الحساب هنا تلك الأرواح المفقودة في العمليات القتالية المباشرة، بل تلك المفقودة بسبب الجوع والأمراض التي يمكن الوقاية منها وبسبب البنية التحتية المدمرة. ومع ذلك، من المرجح أن يكون عدد الحالات التي لم يتم الإبلاغ عنها أعلى بكثير.
في الوقت نفسه، تظل المساعدات الإنسانية العاجلة والملحة للبلد الذي، بحسب الأمم المتحدة، تتفاقم فيه "أكبر كارثة إنسانية في عصرنا"، تعاني من نقص شديد في التمويل. ففي عام 2020، تلقت اليونيسف وحدها 237 مليون دولار أمريكي فقط من أصل 535 مليوناً كانت ضرورية – أي إلغاء ما يقرب من 300 مليون. ويحذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية من أن انعدام الأمن الغذائي وكذا سوء التغذية قد ازدادا بشكل كبير، وذلك بسبب محدودية توافر المساعدة في وباء كورونا. وتعطي التجربة مخاوف من أن مبلغ الـ3.4 مليار دولار أمريكي الذي طلبه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لعام 2021، لن يكتمل وأن التزامات الدفع لن يتم الوفاء بها.
الأطفال بشكل خاص هم الأكثر تضرراً، حيث يموت طفل كل عشر دقائق في اليمن، ويضطر ملايين الآباء للاختيار بين شراء الأغذية والرعاية الطبية لأطفالهم. وبحسب المديرة التنفيذية لليونيسف هنريتا فور، فإن اليمن قد يكون أخطر مكان بالنسبة للأطفال في العالم، مشيرة إلى أنه بالإضافة إلى ما يهدد حياة الأطفال بشكل حاد من خلال الحرب والجوع والأمراض التي يمكن علاجها بالفعل، هناك أيضاً مسألة أن ملايين الأطفال اليمنيين غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة. فمنذ سنوات ورواتب المعلمين لم يعد من الممكن دفعها. والدروس إما أنها تعطى جزئيا من قبل دعاة الحرب الذين يقومون بتلقين عقائدهم للأطفال، أو يتم إلغاؤها تماما في الكثير من الأماكن. كما أن الأطفال غير الملتحقين بالمدارس يواجهون مخاطر مثل التجنيد العسكري والزواج وهم قاصرون. ونظراً لنقص التعليم، فإنهم يعانون من الفقر مدى الحياة.
وبالتالي فإن منظمات دولية كاليونيسف، أو حتى جمعية "حياتي كرامتي" ومقرها ألمانيا، جعلت من إعادة بناء المدارس ودفع رواتب المعلمين محور ارتكاز لعملها. فهي لا تدعم أطفال اليمن هنا والآن فحسب، بل وتضع على عاتقها أيضا التأسيس لمصالحة وسلام مستقبليين.