تحقيق/ بشرى الغيلي / لا ميديا -

يظل الإنسان محور الدراسة عبر كل جامعات العالم، لأنه شرط أساسي ضمن منظومة الحياة وديمومتها، وما يلاحظ مؤخراً انحسار وتراجع دراسة التخصصات ذات الطابع الإنساني في كليةِ الآداب- جامعة صنعاء، بل كان القبول في بعض الأقسام هذا العام لا يتجاوز طالبا واحدا، وبعضها الآخر من 4 إلى 5 طلاب. ومن خلال هذا التحقيق الذي أجرته صحيفة «لا» مع الطلاب، وجدت أن من أسباب العزوف الوضع المادي، والخوف من أن تلك التخصصات لا مستقبل لها في سوق العمل، بل أرجع مجموعة كبيرة من الطلاب الأسباب إلى سوء تعامل (بعض) الدكاترة مع الطلاب كأن يثبطونهم بأن الدراسة في تخصصاتهم غير مجدية، وغيرها من الأسباب التي جعلت الطلاب يعزفون عن تلك التخصصات، ويقبلون على تخصصات تدر عليهم الربح المادي وتتماشى مع وضع المنظمات والمرحلة التي يمر بها البلد، حسب آراء بعض الطلاب.. لأهمية هذه القضية الحيوية ناقشتها «لا» مع المختصين في الجامعة وكلية الآداب، وخرجت بالحصيلةِ التالية.

7 أقسام تحت سقف 15 متقدماً
في العامين الماضيين كان الإقبال جيدا نوعا ما على بعض الأقسام مقارنة بهذا العام 2020/2021، الذي شهد عزوفاً للطلاب عن التسجيل في عدد من الأقسام وأهمها:
- اللغة الفرنسية هو القسم الأكثر عزوفاً هذا العام، حيث لم يتقدم سوى طالب واحد فقط، بينما كان عدد المتقدمين في العام الماضي 7 طلاب.
- قسم الفلسفة، حيث بلغ عدد المتقدمين هذا العام 3 طلاب فقط، بينما كان عدد المتقدمين في العام الماضي 7 طلاب أيضا.
- قسم الآثار لم يتقدم للدراسة فيه هذا العام سوى 4 طلاب، بينما كانوا في العام الماضي 7 طلاب.
- أما قسم الجغرافيا فإن عدد المتقدمين هذا العام 5 طلاب فقط، بينما كان عدد المتقدمين فيه العام الماضي 19 طالباً وطالبة.
- أما قسم التاريخ، فيعيش انحساراً في عدد المتقدمين إليه، بخاصة في العامين الأخيرين، ففي العام الماضي تقدم للدراسة في هذا القسم 6 طلاب، أما هذا العام فلم يتقدم سوى 5 طلاب فقط.
- بينما عدد المتقدمين في قسم اللغةِ العربية لهذا العام 7 طلاب فقط، وكان عدد المتقدمين فيه العام الماضي 22 طالباً وطالبة.
- أما قسم المكتبات وعلوم المعلومات، فقد استقبل هذا العام 10 متقدمين، 9 منهم فتيات، بينما كان عدد المتقدمين إليه العام الماضي 27 طالباً (5 ذكور، و22 إناث). 
طبعا هذه الإحصائية التي حصلت عليها صحيفة «لا» من الكلية ركزت على الأقسام الأضعف إقبالا على دراستها هذا العام، خصوصاً الأقسام التي تقدم للدراسة فيها أقل من 15 طالباً، ومقارنتها بمستوى الإقبال عليها في العام السابق.
بينما كانت بقية الأقسام كاللغةِ الإنجليزية، والدراساتِ الإسلامية، وعلمي النفس والاجتماع، والخدمة الاجتماعية، لايزال الإقبال عليها كبيراً، خصوصاً بعد فترةِ الحرب، كونها مطلوبة للعمل في المنظمات، بحسب ما قاله الطلاب الذين تحدثوا في هذا التحقيق، بالذات تخصصات الخدمة الاجتماعية، وعلم النفس، وعلم الاجتماع. 

«لا» بالقربِ منهم
ولأنهم محور القضية التقت صحيفة «لا» في باحةِ كليةِ الآداب مجموعة من الطلاب والطالبات، وناقشت معهم أسباب العزوف عن بعضِ الأقسام، والمعاناة التي يواجهونها.. فكانت الردود متباينة.
بدأناها مع خولة الحماطي (مستوى ثاني علم اجتماع) تقول: «في العام الماضي، وهو عامي الأول، كان الإقبال على قسم علم الاجتماع أكبر مقارنة بهذا العام، كما أن نسبة الإقبال من الطالبات أكثر من الطلاب».
وتضيف الحماطي: «القسم ليس بتلك الصعوبة، ولكن تجدين البعض يصرفون على عائلاتهم، أو متزوجين وعليهم التزامات، ومنهم من يأتي ويأخذ المهم ليختبر، وهكذا».
وتعقّب على نقطة مهمة وهي أن بعض الطلاب (يتعقّدون) من بعض الدكاترة الذين يدرسونهم «بعض زملائي توقفوا عن مواصلة دراستهم بسبب ما يجدونه من تعنت بعض الدكاترة الذين قد لا يضعون للطالب حقه من الدرجات مقابل تفوقه واجتهاده، فيشعر بالظلم مما يلاقيه».

فوبيا امتحانات القبول
وترى نور مقبل (دراسات عليا، جغرافيا) أن أهم سبب لعزوف الطلاب عن بعض الأقسام يتمثل في امتحانات القبول، مما يضطر الطلاب اللجوء إلى الجامعاتِ الخاصة خوفا من الفشل، إضافة إلى أسباب أخرى، كالظروف المالية، وعدم التوعية بأهميةِ التخصصات في العلوم الإنسانية.
أمل الخولاني (مستوى ثالث مكتبات) تقول إن قسمهم تم إغلاقه والسبب يعود لأنه قسم «حالي»، أي حلو، حسب تعبيرها، وأن عدد المتقدمين قليل، حوالي 10 طلاب فقط هذه السنة، وقد «حاولوا أن يفتحوا قسماً موازياً ليتم استيعاب أكبر عدد».

تخصصات منظماتية
رانيا المقطري (مستوى رابع علم نفس) لها وجهة نظر مغايرة تقول: «زيادة الإقبال على قسمي علم النفس والخدمة الاجتماعية نظرا لأن خريجي هذين القسمين مطلوبون بشكل كبير، خاصة من قبل المنظمات، ففي فترة الحرب تجاوز عدد المتقدمين لدراسة علم النفس 250 طالباً، أغلبهم من الفتيات، وسبب اندفاعهم لذلك أن المنظمات تقدم رواتب مغرية وكبيرة، إضافة إلى أن البعض لديهم النزعة الإنسانية ويميل لمساعدة الآخرين من خلال التخصصات المذكورة».

مكافحون في سبيل التحصيل العلمي
محمد الهمداني وزميله فواز قبايل (مستوى ثاني جغرافيا) تشاركا بالحديث واتفقا على نقاطٍ كثيرة، أهمها الظروف الاقتصادية التي تجعل الطلاب يعزفون عن الإقبال على بعض التخصصات، كتكاليف شراء الملازم، والمواصلات، وقلة الدخل المادي، وأيضا ضعف التحصيل الأكاديمي، بحسب كلامهما.
وأكدا أن لديهما طموحاً بأن يخدما بلدهما في مجال الجغرافيا، نظرا لندرة المتخصصين في هذا المجال، لكن الظروف قد تقف عائقا أمام البعض لمواصلة التحصيل العلمي، فهما ليسا متفرغين تماما للدراسة، لأنهما يعملان لكي يعيلا أسرتيهما.
يقول فواز: «لا أستطيع الحضور يوميا، بل أحضر يومين فقط في الأسبوع، لأني أشتغل لأصرف على عائلتي، وأحاول قدر الإمكان التوفيق بين الدراسة والعمل من خلال أخذ المحاضرات من زملائي».
أما محمد فيقول: «بعد أن أنتهي من آخر محاضرة أتجه إلى عملي كحارس مع شركة أمنية، وأحاول ما استطعت التوفيق بين العمل والدراسة».

النظرة الدونية تجاه بعض التخصصات
ندى المعلمي (مستوى ثاني علم نفس) تتفق مع من سبقها أن الأسباب مادية بالدرجة الأولى، ومعنوية بالدرجة الثانية، وتوضح أنه مع الأحداث الأخيرة صار الأهل يخشون على بناتهم من الخروج.
أما زميلتها في نفس المستوى والقسم ندى الغبار، فترى أن من ضمن الأسباب النظرة الدونية لبعض التخصصات من قبل الأسرة والمجتمع، التي ترى أن لا فائدة ترجى من دراسة هذه الأقسام، وليس لها أي مردود مادي بعد التخرج، رغم أن هذه التخصصات مطلوبة في الدول الأخرى لأهميتها، بحسب كلامها.
وتتحدث المعلمي والغبار عما يتعرضان له من ازدراء من قبل المجتمع، حيث تقولان: «نحن طلاب قسم علم النفس بالذات نعاني من النظرة الدونية للمجتمع نحونا، فنجد البعض يقولون عنا: بعد أن تتخرج (تقتلب) مجنون و(مهلوس)، حتى الدكاترة في نظرهم ليسوا طبيعيين إلخ.. صحيح أننا مقتنعات بتخصصنا، لكن دائما الأهل يقولون لنا: أيش تستفيدوا من هذا القسم».
ويسردان مثالاً لصديقتهما التي كانت لديها الرغبة بدخول علم النفس، إلا أن عائلتها منعتها من ذلك، وأصرت على إدخالها تخصص «طب أسنان»، لأن فيه مردوداً مادياً.

الربح المادي أولا
بشرى أحمد خديف (مستوى ثالث تاريخ) وجهة نظرها مختلفة عمن سبقوها، إذ ترى أن أحد أسباب العزوف هو الجامعات الخاصة التي تقبل تسجيل الطلاب مهما كانت نسبهم متدنية (المهم زلط)، وأيضا التعليم الموازي الذي أصبح يتهافت عليه الكثيرون، وإن لم يكن في متناول الجميع.
وتضيف: «معظم الأقسام صارت تهتم بالربح المادي قبل كل شيء، فمثلا للمرة الأولى يصل العدد في قسم الإنجليزي إلى ثلاث مجموعات، من 600-700 طالب، عدد كبير جدا في قسم واحد».

طريقة تفكير ساذجة
زينب صلاح (معيدة بالقسم الفرنسي) ترى أن أسباب العزوف، تعود إلى «اعتقاد البعض بأن أقسام مثل التاريخ والفلسفة والآثار واللغة الفرنسية ليس لها مستقبل وظيفي، ومن السذاجة التفكير بهذه الطريقة، لأنهم في الأخير التحقوا بجامعة ككل الجامعات في العالم في نظامها تقدم العلم فقط، فهي ليست معهدا للتدريب».
وتقول: «ربما من الأسباب، أن البعض لم يعد يجد فكرة الالتحاق بهذا القسم مغرية كما كانت في السابق، حيث كان القسم تحت رعاية السفارة الفرنسية، وقد كان هدف البعض من الالتحاق بهذا القسم هو السعي خلف الحصول على منح دراسية في الخارج، وهو ما لم يعد موجودا الآن، فقد انقطعت هذه المنح تقريبا قبل 6 أعوام، منذ سحبت فرنسا رعاياها كبقية الدول الأجنبية تمهيدا لشن عدوانها على اليمن».
وتنفي زينب صلاح في ختام حديثها ما أشيع عن إغلاق قسم الفرنسي، حيث تقول: «لن يتم إغلاق القسم بالكامل كما تم تناقله، وإنما فقط تعليق الدراسة بالنسبة لطلاب المستوى الأول، مع الإشارة إلى أن هذا القسم لم يكن وحده المرشح لهذا التعليق، وإنما أيضا أقسام التاريخ والفلسفة والآثار، لكن ما سمعناه هو أن هذا القرار لن يتم تنفيذه إلا بعد توافقات، وتشاورات في مجلس الجامعة».

ركاكة علمية وسوء تعامل
رزاز غيلان، سكرتير نائب عميد كلية الآداب، يطرح بعض الأسباب لنفور الطلاب من بعض الأقسام، منها عدم ربط التخصصات بسوق العمل وقلة فرص العمل، وأيضا ركاكة المستوى العلمي لدى بعض الدكاترة، أو سوء تعاملهم مع الطلاب، والتوصيف الأكاديمي الذي لم يؤهل هذه الأقسام إلى فرص عملٍ جيدة.
ويستدرك: «غير أن توجه المنظمات نحو تشغيل متخرجين من تخصصات محددة، جعل الإقبال على دراسة هذه التخصصات كبير، كونها مطلوبة للعمل مع المنظمات، مثل اللغةِ الإنجليزية، وعلم النفس، والخدمة الاجتماعية».

مناهج معقدة
كريمة الجعدبي (قسم تاريخ) تذكر أن من أهم الأسباب أن التدريس لم يعد كما كان سابقا من وجهة نظرها، وبعض المناهج معقدة لا يمكن فهمها بشكل سريع ومختصر، وعدم قدرة الدكاترة على توصيل المعلومات للطلاب بشكل جيد وسريع.

سوء السمعة العلمية للقسم
زهور المطري (طالبة بالقسم الفرنسي)، ترى أن بعض الطلاب الجدد يقررون عدم التحاقهم بتخصص ما بعد أن يستفسروا ملتحقين سابقين بهذا القسم أو ذاك، تقول: «بعض الطلاب عندما يهمون بالالتحاق في قسم ما فإنهم يتجهون إلى من سبقوهم في القسم، فيسألونهم عن القسم وظروف ومستوى الدراسة فيه، فينصحهم القدامى بعدم دخولهم هذا التخصص إما بسبب سوء المعاملة، أو قلة الاحترام، والإهمال في هذا القسم».
وعن ضعف الإقبال على قسم الفرنسي، ترى المطري أن السبب يعود إلى سوء سمعة القسم من الناحية العلمية، وسوء التعليم فيه.

إعادة النظر في بعض الأقسام
لأهمية الموضوع التقت «لا» د. عبدالملك محمد عيسى، عميد كلية الآداب، الذي طرح عدة نقاط مهمة من خلال اجتماعهم الدوري مع أعضاء هيئة التدريس، وتطرقوا فيه لعزوف الطلاب عن بعض الأقسام، وكانت صحيفة «لا» حاضرة في الاجتماع، ومما طرح أنهم اقترحوا التوصيف كأحد الحلول، كأن يتم دعوة الجهات التي ستستفيد من المخرجات في سوقِ العمل، وضرب مثلا بالآثار: كتخصص من المفترض يتم من خلال القائمين على القسم بدعوة اليونسكو، ووزارة الثقافة، وهيئة الآثار، والمتاحف.. إلخ، فتقوم تلك الجهات بطرح مواصفات الخريج المطلوب لديهم ليتم استيعابه بعد التخرج، فيتم تصميم البرنامج في قسمي الآثار أو التاريخ أو الجغرافيا على سبيل المثال، حسب المواصفات المطلوبة ووفق سوق العمل، وتلك من البديهيات المهمة.
ويستدرك د. عيسى: «للأسف ما حدث أن الأساتذة في الأقسام وصّفوا دون العودة للجهات المقصودة، فكانت المخرجات ضعيفة ولا تتوافق مع سوق العمل، ولم يلتزموا بمعايير التوصيف الحقيقي، وإنما كان عبارة عن تكرار لما هو موجود مسبقا، فأتخذ مجلس الجامعة قرارا بأن الأقسام التي يتقدم إليها أقل من 15 طالباً يعاد النظر فيها، ولم يقولوا يُعلّق التدريس فيها، أو تُغلق، وإنما يعاد النظر فيها، ويجب أن تعقد ورشة استثنائية لمساعدتهم. وكل ما يشاع في وسائل الإعلام من إغلاق الأقسام مجرد أكذوبة كبرى».

إشراك جهات العمل في صياغة البرنامج التدريسي
أما عن أسباب العزوف هذا العام بالذات مقارنة بما سبق من الأعوام السابقة، فقد أوضح عيسى لصحيفة «لا» أن الأسباب كثيرة جدا من ضمنها: «الحالة الاقتصادية والمالية للطلاب، وهناك أسباب تتعلق بالكلية نفسها، فمثلا الطلاب يتناقلون الأخبار في ما بينهم، وطالب يخبر طالباً آخر ويقول له أنا سجلت بالقسم الفلاني.. فيرد عليه الطالب الآخر لا تسجل بذلك القسم، لأن فيه دكتوراً يرسّب الطلاب كلهم، أو يخبره: أيش تستفيد لما تتخرج. كذلك من الأسباب عدم ارتباط الأقسام بسوقِ العمل، فأي واقع في العالم بأكمله لا بد أن يكون سوق العمل عاملاً مؤثراً في هذا الجانب ومهماً لجميع الأقسام، فمثلا نطلب من جهات سوق العمل التي ستستوعب الخريج بعد تخرجه ما هي المواصفات المطلوبة، كـ(اللغةِ الإنجليزية) مثلا نقوم باستدعاء جهات العمل التي ستستوعبهم كالمنظمات، ومكاتب الترجمة ليحضروا للنظر في هذا الموضوع، ولا يصاغ البرنامج التدريسي بناء على فكرةِ الأكاديميين فقط، وهنا لا بد من إشراك تلك الجهات التي ستستوعب الخريجين في سوق العمل».

لن يغلق أي قسم
وعما يشاع من وجود قرار بإغلاق بعض الأقسام، نفى الدكتور عبدالملك عيسى، وجود قرار كهذا، حيث يقول: «لا يوجد قرار لإغلاق أي قسم من الأقسام، لا من الكلية، ولا من مجلس الجامعة، ولا من أي طرف مطلقا، وإنما يوجد خلل في بعض الأقسام، وهنا لا بد من عمل ورشة استثنائية لمعالجة وضع هذه الأقسام، وكيف تستطيع النهوض بنفسها، لأن هناك إشكالية كبرى كالوضع الاجتماعي، والوضع الاقتصادي، وإشكالية إجراءات التوصيف لم تكن بالشكل السليم، لأنه وصّفت جامعة صنعاء بالكامل، ولا بد من إعادة النظر في ذلك، وأيضا إشكالية لدى الأستاذ الجامعي، فالبعض منهم يوجد صعوبة في التعامل معهم».
وعما إذا هناك حلول لإشكالية سوء تعامل بعض الدكاترة مع الطلاب، حيث إن معظم الطلاب والطالبات الذين استطلعنا آراءهم أبدوا امتعاضهم من هذا الأمر، قال: «هذا صحيح للأسف، والآن نحن نسعى لحل هذا المعضلة، والمطلوب أولا أن نعترف بأن هناك مشكلة، لا أن نقف موقف المتفرج، فمن الخطأ الإصرار على أن كل شيء جميل وتمام دون الاعتراف بوجود مشاكل، أمامنا إشكالية حقيقية ولا بد من حلها، وليس إغلاق هذه الأقسام».
واستطرد: «تم تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الجامعة لشؤون الطلاب لحل المشكلة، أما الإغلاق فمستبعد تماما، وتناول الأمر بهذه الطريقة هو تسخيف للإشكالية التي نسعى لحلها، ومشكلة العزوف ليست في كلية الآداب فقط، وإنما في معظم أقسام جامعة صنعاء، فبعض الأقسام لا يتجاوز المتقدمون لها طالبين، وأقسام تقدم لها طالب واحد فقط، لكن هذا لا يعني أننا سنغلق القسم أو نعلقه، وإنما نقوم بحل المشكلة التي ليست وليدة اللحظة، وإنما ممتدة من العام الماضي، والآن أخذت رئاسة الجامعة على عاتقها حل هذه الإشكالية».
وأضاف: «وجود مشكلة، لا يعني أن ننظر لها بمنظور سلبي ومهاجمة القائمين على العمليةِ التعليمية، بل المطلوب أن نشجعهم لمعالجة أية إشكالات في أي قسم من الأقسام، وهذه المشكلة ليست فقط على مستوى كلية الآداب، بل طرحت على مستوى مجلس الجامعة الذي شكّل لجنة مخولة بطرح الحلول المطلوبة، ومن ضمن هذه الحلول ضم طلاب الأقسام المتشابهة في كليتي التربية بأرحب وخولان، إلى طلاب جامعة صنعاء، وقد أبدى رئيس الجامعة استعداده لتوفير السكن للطلاب الذين سيأتون إلى صنعاء من كليتي التربية بأرحب وخولان، وتسجيلهم في الكليات المشابهة في جامعة صنعاء، ليصبح عدد الطلاب مقبولا في هذه الأقسام».
واختتم الدكتور عبدالملك عيسى حديثه بالتأكيد على أن مسألة إغلاق أو تعليق الدراسة في بعض الأقسام متروك للجنة المشكلة مؤخراً لمعالجة الإشكاليات القائمة في بعض الأقسام، وما سترفعه من مقترحات سيتم مناقشتها في مجلس الجامعة.

تجميد القبول هذا العام
ولمعرفةِ تفاصيل أكثر التقت «لا» الدكتور محمد شكري، نائب رئيس جامعة صنعاء لشؤون الطلاب، رئيس اللجنة المشكلة من قبل مجلس الجامعة، الذي أوضح أن «القرار ليس خاصا بكلية الآداب، وإنما في جميع الكليات التي يقل فيها عدد الطلاب عن 15 طالبا، والعملية ليست إغلاقاً، وإنما تجميد القبول لهذا العام في تلك الأقسام».
وأرجع د. شكري السبب إلى الوضع الاقتصادي للطلاب، والأسباب الخاصة بكل قسم. مختتما حديثه بالقول: «عندما نجتمع مع الأقسام سوف نحدد الأسباب، وعلى ضوئها سنتخذ الحلول والإجراءات المناسبة، والاقتراح المطروح حاليا، هو تحويل الطلاب بين الأقسام، وهو ما سنناقشه في اجتماع اللجنة». 

عمل إجرائي وليس ملزماً
د. عبدالله يحيى الحوثي، نائب عميد كلية الآداب لشؤون الدراساتِ العليا، تحدث عن أسباب عزوف الطلاب هذا العام عن بعض الأقسام مقارنة بالأعوام، السابقة بالقول: «السبب واضح ومعروف، فالحرب تفاقمت، والحصار زاد، ووباء كورونا عشش، والسيول والأمطار أيضا أثرت، والحالة الاقتصادية، والمالية كذلك لها دور، فلم يأتِ ذلك عن قصورِ من الجامعة أو من الحكومة أو الدولة، ولكنها الظروف الطبيعية التي تمر بها البلاد، هذا العزوف لا أظنه ناتجا عن قصور على الإطلاق، ومع ذلك التعليم قائم، والقضاء قائم، والصحة قائمة، والقصور يحصل حتى في الدول الكبرى، فالاقتصادي الأمريكي الآن يترنح وهي الدولة العظمي والمسيطرة على العالم، ونحن رغم كل ظروفنا التعليم قائم وأمورنا إلى خير بإذن الله، ولولا فسحة الأمل لانهارت المعنويات».
وفي ما يخص ما يقال عن قرار الجامعة بشأن تعليق الدراسة في بعض الأقسام، أكد الحوثي أن القرار لايزال مشروعاً قابلاً للنقاش، وليس إلزاميا، وهناك لجنة تم تشكيلها ستناقش مسألة تطبيقه، وهل يجوز تطبيقه أم لا يجوز؟ واللجنة سيكون لها حق الإقرار من عدمه، والإجراء هذا هو عمل إجرائي وليس ملزماً، لذلك هذه الأقسام ماتزال تمارس عملها ولم يعلّق أي قسم حتى الآن، وهذا دليل على أن الموضوع مشروع قابل للنقاش، وما ستقرره اللجنة سيكون الفيصل في هذا الموضوع.

دكاكين الجامعات الخاصة
أما د. عبدالرحمن الصعفاني، أستاذ الأدب والنقد، نائب عميد كلية الآداب للشؤون الأكاديمية السابق، فقد لخص وجهة نظره عن أسباب ضعف الإقبال في التخصصات ذات الطابع الإنساني، في ثلاثة أسباب: الأول، والأهم، وهو الوضع الاقتصادي العام، وانقطاع المرتبات منذ العام 2016، وهذا الأمر فرض حالة من عدم الاستقرار النفسي، والاقتصادي، والاجتماعي لدى نسبة كبيرة من شرائح المجتمع، وبالتالي جعل الناس يبحثون عن فرص عمل ربما على حساب الدراسة، فيدفعون بأبنائهم وبناتهم للعمل من أجل لقمة العيش، أو ربما جعلهم يندفعون للبحث عن تخصصات أو طرق تأهيلية سريعة ومطلوبة في سوق العمل.
أما السبب الثاني، فيكمن في اعتماد آلية التنسيق عبر منصة وزارة التعليم العالي، الذي قد يكون خلق صعوبة لدى بعض الأهالي، وبالذات أولئك الذين لا يحسنون استخدام وسائل العصر والتكنولوجيا الحديثة. أما السبب الثالث، فهو يتمثل في انتشار دكاكين الجامعات الخاصة، وهو انتشار صار مقلقا، لأن من امتلك عمارة وفيها عدد من الشقق فتح جامعة ويندفع الناس إليها، وحتى لا ندخل في محظور التعميم، يندفع الطلبة لما تقدمه تلك الجامعات من عروض مغرية في ما يتعلق بالنسب، وأيضا عدم الجدية في التعامل مع المسألة المعرفية، والمسألة العلمية، فيضمنون مناهج مخففة إلى درجةٍ كبيرة، وأيضا النجاح مضمون على اعتبار أنهم يدفعون مالا مقابل حصولهم على الشهادات. 

اجتذاب الطلاب للجامعة
د. محمد ناصر حميد، أستاذ مساعد، رئيس قسم اللغةِ العربية، يؤكد إيمانه الكامل بأن «مسألة العمل الأكاديمي تعتمد بالأساس على مراعاة حل مشاكل كيفية اجتذاب الطلاب إلى الجامعة، ولا أؤمن على الإطلاق بالفكرة التي تقول بأنه إذا كان العدد قليلاً في قسم ما فلا يصح أن يبقى مفتوحا».
ويستطرد حُميد: «علينا أن نحل المشكلة ونعالجها لنرى السبب، لكن حتى لو وجدنا أن السبب ليس له حل إلا أن نؤجل أو نغلق القسم، فلستُ مع هذا الرأي، بل مع حل عملي يبقي الأكاديمية قوية في الكليات كلها، وفي الأقسام كلها، ومع حل عملي أيضا يقدر أهمية أن نضيف كليات، وهذا شيء جميل، وليس معنى ذلك أن نضيف كليات ثم نضغط أو نؤجل أو نعلق الدراسة في الأقسام الأخرى». 
مما سبق تظل العلوم الإنسانية ذات أهمية كبيرة، يبقى فقط الطريقة والأسلوب الذي يجب أن تعتمده الجامعة والمختصون لاجتذاب الطلاب وترغيبهم بهذه التخصصات ودراستها بكلِ رضا وحب، ولكي يسهم كل علمٍ لما خُصص له، وحل الفجوة بين الطالب والأكاديمي الذي أسهم بشكلٍ غير مباشر في عزوف الطلاب عن دراسة بعض التخصصات.