غازي المفلحي / لا ميديا -

لم تكن اليمن خلال العقود الماضية تسخر طاقتها الإنتاجية الزراعية إلا بجزء يكاد لا يقارن بقدراتها، وذلك نتيجة الوصاية المفروضة على لقمة اليمني، حرصا على ألا تتوفر من أرضه، ويبقى رهينة الاستيراد وعرضة الحصار والابتزاز. فكان المشروع الزراعي من أولويات التحركات التي دعا إليها السيد القائد حسين الحوثي (رحمة الله عليه) في البداية، ثم كان نهج حركة أنصار الله في محافظة صعدة منذ الحرب الرابعة، وقد آتى ثماره عندما كانت المحافظة تتعرض للحصار، وبعد قيام ثورة 21 أيلول 2014، حظيت الزراعة باهتمام كبير من قبل القيادة الثورية التي وجهت بضرورة إحداث ثورة زراعية شاملة لكسر الحصار المفروض على بلادنا عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي، والثورة الزراعية التي تشهدها صعدة تأتي ترجمة لهذه التوجهات.
نقف في هذا التقرير عند التجربة الزراعية في محافظة صعدة أين كانت وماذا حققت وإلى أين تتجه؟

بداية المسار
تمتاز محافظة صعدة بأن المساحة الصالحة للزراعة فيها 40,700 هكتار من إجمالي مساحة المحافظة البالغة 50,700 هكتار. وهذه ليست ميزة محصورة في صعدة فقط، بل أغلب المحافظات اليمنية الخصبة أرضاً ومناخا.
والمزروع حاليا في صعدة 35 ألف هكتار تقريبا. وهذا التوسع في صعدة تم في مرحلتين توسع أفقي وتوسع رأسي، أفقي بزيادة المساحة المزروعة، ورأسي بزيادة التقنيات الحديثة في الزراعة والري.
ومن بعد الحرب الرابعة زاد التوسع الرأسي فاتجه الناس إلى الري الحديث (الري الفقاعي، الري بالرش)، وهذا أدى إلى زيادة المحصول في نفس وحدة المساحة.
وبعد العدوان اتجه المزارعون للتوسع الأفقي نتيجة وقوع أكثر من 6 مديريات في نطاق هجمات العدوان، منها غمر ومنبه وكتاف والبقع جزئيا وشدا والظاهر كليا. فاتجه الناس إلى مديريات ما يسمى الصعيد، وهي سحار والصفراء وصعدة ومجز، كونها مديريات آمنة وتتوفر فيها التربة والمياه والمناخ المناسب، وتوسعوا فيها أفقياً ورأسياً وفتم تعويض ما تم فقده في المديريات التي هاجروا منها.
وبعد أن لمس المزارع الفائدة من استخدام التقنيات الحديثة كإدخال الطاقة الشمسية والزراعات المحمية أو إدخال الري الفقاعي أو الري بالرش أو المصاعد الفرمونية أو اللاصقة التي أدت إلى تخفيض تكاليف الإنتاج، انتشرت هذه التقنيات في صعدة في غضون أشهر وليس سنين، فكانت صعدة واحدة من أكثر المحافظات تطورا في مجال الزراعة.

ثورة وعي زراعي
في البداية كان للمنظمات المحلية والخارجية أعمال في جانب تنمية الزراعة في صعدة، لكنها جعلت المزارعين اتكاليين، كما يقول مدير مكتب زراعة صعدة المهندس زكريا الشامي، حيث وزعت لهم مواشي ودواجن وأدوات ري ومدخلات زراعية كالبذور والأسمدة، فظلوا بحاجتها دائما.
لكن الآن ـ وبحسب زكريا الشامي ـ تم العمل على توعية المزارع، بحيث ينتخب البذور من نفسه ويحفظها في الحر، ويقلل تكاليف إنتاج الخضار والفواكه باستخدام التقنيات الحديثة، ويبث راديو «صعدة FM» حلقات بواقع ساعة كل يوم للإرشاد والتوعية الزراعية، وأنشئت مدارس زراعية ومدارس حقلية، في كل واحدة منها 30 مزارعاً، تدرس منتجات العنب والبن والتفاح والرمان كأبرز المنتجات. 
ويملك مكتب الزراعة بصعدة مشتلين الطاقة الإنتاجية لهما مليون شتلة، توزع مجانا على المزارعين أو بسعر التكلفة، وهي لمحاصيل وفواكه بديلة لتلك التي تستورد من الخارج، وأبرزها التفاح السكري المقاوم للنقل والتخزين والذي يشبه في طعمه وشكله ولونه التفاح الأمريكي والتشيكي والإيراني المستورد. كما يقوم بمتابعة الجهات المعنية لإلغاء استيراد الفواكه التي يوزع شتلاتها على المزارعين. يقول الشامي: «تفاجأنا بوجود برقوق ومشمش وكمثرى وجوافة خارجية وعنب مصري، في حين أن اليمن قادرة على إنتاج كل ذلك وبأضعاف كبيرة، ولذلك قمنا بزراعة أكثر من 30 ألف شتلة من الجوافة واللوز والبرقوق والفرسك»
ويضيف: «يتصدر البن المنتجات في صعدة، وهناك 500 ألف شتلة ستوزع الموسم القادم في موسم التشجير، ويليه اللوز، وقد تم استبداله بالقات، حيث يتم تشجيع المزارعين فمن يقلع شجرة قات يستلم شجرة لوز أو بن مجانا».
نظراً لأن القات يستنزف 90٪ مما يستنزفه القطاع الزراعي كاملاً من المياه، فتمت مواجهة التوسع الأفقي في زراعته، خصوصاً في المناطق الجبلية المناسبة لزراعة اللوز والبن.

استغلال الأمطار 
موسم الأمطار في اليمن يتواكب مع موسم زراعة الذرة، فتتحقق فائدتان؛ زراعة أكبر مساحة بدون حاجة لري تحويلي، وفي صعدة تم استغلال ماء المطر فزرع الناس كل المدرجات في المناطق الغربية بصعدة كساقين وغمر وحيدان ورازح ومنبه، وكذلك زرعت الأراضي البيضاء التي مر عليها عامان دون زراعة.
ومن الآن تبقى أسبوع على موعد حصاد الذرة والناس لم يسقوا الذرة بري تحويلي نهائيا لأن المطر قد سقاها.
والذرة محصول ثنائي الغرض، بذور وحبوب للأكل وأعلاف للماشية من «القصب والشرياف» وغيره.
لذلك فموسم المطر يجعل الناس يتوسعون في الشق الحيواني، ففي المناطق الغربية من صعدة يملك أغلب الناس ثروة حيوانية، ويساعد في نمو الثروة الحيوانية في صعدة الأمطار والمناخ الدافئ والغيول.
يقول الشامي إن الإنتاج الزراعي شقان في المحافظة؛ شق نباتي وشق حيواني، والشق الحيواني هو الأهم ويمثل 60٪ والمديريات الغربية في المحافظة كشدا والظاهر تمثل ثروة حيوانية بنسبة 90٪ أما حيدان وغمر ورازح ففيها ثروة حيوانية بنسبة 70-80 ٪ ومنبه وباقم تمثل ثروة حيوانية بنسبة 50٪ ونسبة الثروة الحيوانية في مديريات الصعيد 30٪ يقابلها 70٪ إنتاج نباتي.
ومن ضمن الثروة الحيوانية المهمة في المحافظة النحل، فالعسل الشعفي يباع الكيلو منه بـ1500 ريال سعودي.
ويعمل مكتب الزراعة في صعدة على إنشاء مركز إرشادي وعيادة بيطرية في كل عزلة، تقدم خدمات التحصين والمعالجة والوقاية للمواشي من جميع الأمراض كطاعون المجترات الصغيرة وبأسعار رمزية. وقد تم تأهيل أفراد من العزل نفسها وأقيمت لهم ورش تعليمية وتخرجوا باسم عامل صحة حيوانية، حسب مكتب الزراعة في صعدة.
وسائل حديثة
طريقة الزراعة المحمية في صعدة من الطرق الحديثة، وميزتها أنها تحمي المحصول من تغيرات الطقس الخارجي، لذلك البيبار والبسباس والخيار والطماطم ينتج على مدار العام في صعدة، وأنتج منها عام 2019، 60 ألف طن، وحوالي 55 ألف طن تفاح، و80 ألف طن رمان، حسبما أوضح زكريا الشامي مدير مكتب زراعة صعدة.
وتسوق منتجات صعدة محليا عبر الأسواق المركزية ووسطاء وتجار فيتم شراء المنتجات من صعدة ثم توضيبها وفرزها وتدريجها وتغليفها وتعبئتها ونقلها وتسويقها إلى المحافظات من عمران وحتى المهرة وحضرموت.
أما التسويق الخارجي فلا يصدر من صعدة سوى محصول الرمان الذي له قدرة تنافسية في السوق المحلية والخارجية، ويصدر حوالي 35-40 ٪ من محصول الرمان في المحافظة، وبقية النسبة تسوق إلى بقية المحافظات، ويتم تصديره خارجيا، من منفذ الوديعة نحو السعودية ومنها إلى بقية الدول العربية كسوريا والعراق والكويت وقطر وعُمان والإمارات، وإلى إندونيسيا وماليزيا وبعض دول الشرق، وعندما تغلق السعودية منفذ الوديعة يضطر المصدرون للتصدير عن طريق عمان ثم من البحر نحو ذات الوجهات العربية ووجهات الشرق الأوسط وشرق آسيا، ولكن التكاليف كانت كبيرة، وهذا ضمن الاستهداف الممنهج والحصار على الزراعة في اليمن. 
اما الخطة الأساسية فهي تحسين تسويق المنتج، حسبما يرى الشامي، وقد تمت توعية المزارعين أن التسويق عنصر جوهري، فتم التسويق بشكل متطور وراق، في ناحية التعليب والعبوات وسعاتهن ونقلهن وحتى الدعاية لها كذلك. ومن التجارب أنه قبل 3 سنوات كان الرمان يصدر في كراتين سعة الكرتون 50 كجم، وكان يصل قطر والبحرين وقد أصبح رديئاً وشبه تالف، وبعدها استبدلت بكراتين أخرى تتكون من قطعتين لا يتجاوز سعتها 12 كيلو حسب المعايير الدولية، فكانت من التجارب التي استحسنها المنتجون بالرغم من أنهم لم يتقبلوها في البداية.
وهناك حاجة لتوفير البرادات المركزية لتخزين المنتج من أيام الذروة إلى أيام الندرة، وخصوصا محصولي التفاح والرمان، وتمتلك محافظة صعدة تقريبا مخازن تبريد تتسع لـ600 ألف إلى مليون سلة، لكن هذا رقم صغير بالمقارنة برقم الإنتاج.
«طالبنا الجهات المعنية بإلغاء الرسوم الجمركية على البرادات المركزية الخاصة بالخضار والفواكه، ويقابله رفع الرسوم الجمركية على الفواكه المستوردة، كالتفاح والعنب المصري، والتي تنتج محليا بوفرة وجودة أعلى بكثير» يقول زكريا الشامي.

مشاكل 
عدم استقرار أسعار الخصار والفواكه وكسادها وخسارة المزارعين ناتج عن عدم التزام المزارع بإرشادات وزارة الزراعة وعدم وجود تبويب الكتروني أو ما يسمى في الدول الأخرى رزنامة الإنتاج كما يرى زكريا الشامي.
ويشرح الشامي في كثير من الدول لا يمكن أن تزرع الأرض إلا بتوصية من مكتب الزراعة، فعند الحكومة أرقام دقيقة لحاجة السوق من المنتجات المحلية، وعليها تتم التوصية بكمية زراعة كل منتج. وهناك نظام يوجه المزارعين ماذا ومتى وكم يزرعون. وهناك قاعدة بيانات تفاعلية يلجأ إليها المهندس الزراعي ليعرف المحاصيل التي لايزال هناك حاجة لزراعتها ولم تصل لمرحلة الامتلاء، فإذا أصبح عمود الاحتياج والإنتاج لصنف معين ممتلئاً فزراعتها تعني الدخول في مرحلة الكساد، فينظر المهندس بقية الأعمدة التي مازالت تتسع لإنتاج فيوصي المزارع بزراعتها، وهذا أيضا باحتساب عامل الوقت الذي يحتاجه المحصول حتى الحصاد.
وفي بلادنا ليس هناك قاعدة بيانات يستند عليها المزارع ليتخذ قراراً، ولو وجدت والمزارعون يزرعون بموجب البيانات وتوصيات المشرفين أو المهندسين الزراعيين، فلن يصل سعر سلة الطماطم مثلا إلى 15 ألف ريال، ثم تنخفض إلى ألف ريال، ولكان هناك توازن في الأسعار وبدون كساد محصولي.
ومن حاجات التطوير أيضا التي أشار إليها الشامي، الحاجة إلى ارتباط وزارة الزراعة بكامل فروعها من هيئة البحوث إلى المؤسسة العامة لإكثار البذور إلى المؤسسة العامة لإنتاج الحبوب، فهذه المراكز تراقب وتواكب من مراقد البذور وحتى الإنتاج والحصاد، ليتسنى تعديل الممارسات الزراعية وتصحيحها وتطويرها في مرحلة الإنتاج السمري أو الخضري ومراحل الإنتاج أو التسويق.
ويطالب الشامي بشدة بإعادة النظر في القوانين والتشريعات الجوفاء التي أعاقت العمل بدل أن تسهله وتنظمه في وزارة الزراعة، فالوزارة كما يرى مهيكلة برغبة أمريكية صهيونية غربية ولا شك، في هيكل يجعلها لا تقوم لها قائمة، وقوانينها وتشريعاتها وتداخل إداراتها أثقل كاهلها وكاهل الزراعة في كل محافظة. والمطلب الثاني هو الاهتمام بالكليات الزراعية والمعاهد البيطرية لأن كادرها ينتشر في عموم اليمن في كل قرية وبيت، فيجب أن يكون على مستوى من العلم والفهم والوعي بأهمية الزراعة وكيف ينهضون بها.

اليمن قارة وكل محافظة دولة
مناخ وتضاريس صعدة تشبه اليمن ككل، ففيها مناطق جبلية وسهلية وصحراوية ومناطق حارة وأخرى باردة، لذلك لها القدرة على إنتاج أغلب الخضار والفاكهة، وبأقل التكاليف، والآن بعد أن تمدد الوعي بأهمية ثورة الزراعة ستصبح صعدة سلة غذائية لليمن بشكل عام.