دمشق - أحمد رفعت يوسف / لا ميديا -
كان ملفتاً لجوء أطراف تحالف العدوان برأسه الأمريكي وإدارته الصهيونية للحديث عن الاغتيالات، سواء بالتنفيذ أم بالتهديد أم بالتحذير أم بالكشف عن اغتيالات سابقة.
افتتح هذا المسار الإجرامي الجديد على الحياة السياسية في المنطقة والعالم كسياسة علنية تنتهجها وتجهر بها دول، باغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني وأبو مهدي المهندس نائب قائد الحشد الشعبي في العراق، لكن الأمور أخذت بعد ذلك منحى آخر باتجاه تكريس موضوع الاغتيالات كسياسة معلنة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني للتعامل مع قضايا وتداعيات الأحداث في المنطقة.
التهديد الأكبر كان حديث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه "أصدر أوامره باغتيال الرئيس السوري بشار الأسد عام 2017 غير أنّ وزير دفاعه وقتها جيمس ماتيس رفض التنفيذ".
تلاه تحذير أمريكي بأن إيران تخطط لاغتيال سفيرتها في جنوب أفريقيا رداً على اغتيال سليماني والمهندس، تلاه تهديد "إسرائيلي" باغتيال السيد حسن نصر الله، ثم الكشف عن المخَطِّط لاغتيال القائد في حزب الله عماد مغنية، وهو الضابط في الموساد "الإسرائيلي" نعوم إيرز، والذي كان في موقع نائب رئيس جهاز الموساد، وهو الآن يدير شركة معلوماتية في الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا التطور الخطير بأن يصبح أسلوب الاغتنيالات سياسة رسمية، غير مسبوق في السياسات الدولية، خاصة لدولة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تتوقف يوماً عن تنفيذ هذا الأسلوب الإجرامي بحق معارضيها من رؤساء الدول والقادة والسياسيين وحتى الشخصيات الفكرية والثقافية، وكذلك الكيان الصهيوني وهو الأكثر إجراماً بين دول العالم في تنفيذ الاغتيالات؛ لكن الجهر به وتبنيه كسياسة رسمية من قبل ترامب نفسه هو الجديد وهو الخطر، لأنه سيكرس نهجاً في السياسات والعلاقات الدولية تسير فيه دول وأنظمة وتتخذه كنموذج. لكن السؤال الأهم هو: إلى ماذا يؤشر هذا النهج؟
بداية قد يبدو هذا النهج مستنداً إلى عوامل قوة ونفوذ تجعل الولايات المتحدة ومعها الكيان الصهيوني بعيدين عن أي إمكانية للملاحقة أو للمحاسبة، رغم أن إطلاق مثل هذه التهديدات تضع أصحابها أمام مسؤولية قانونية شخصية وبموجب القانون الدولي.
وإضافة إلى ذلك فترامب ونتنياهو، اللذين يواجهان صعوبات كبيرة في موضوع الانتخابات، يحاولان الظهور بمظهر القوة وصرف ذلك في صندوق الانتخابات ضد خصومهما.
ومع أن هناك شيئاً كبيراً من الصحة في هذا الموضوع، بسبب البلطجة التي تمارسها الولايات المتحدة في العالم وبسبب حمايتها للكيان الصهيوني من أي ملاحقة من هذه الممارسات، فإن نظرة هادئة وموضوعية للتطورات السياسية والميدانية في المنطقة تظهر الأمور بشكل مختلف تماما عن جانبها القانوني والشخصي.
فأي نقطة يصل إليها أي مسار سياسي أو ميداني تكون له أسباب ونتائج، وأن تصل دولة عظمى إلى حد التبني الرسمي لسياسة القتل والاغتيالات وعلنا لم يأت من فراغ، ولم يكن وليد لحظة جنون من ترامب، رغم ما عرف عنه من بلطجة ودونية أخلاقية، فقد سبق ذلك جملة من الأسباب والعوامل التي أدت إلى هذه النقطة، وتؤكد أن هذا الأمر ناتج عن عوامل ضعف وعجز وخيبة أمل، وليس لعوامل قوة ونفوذ. ويمكن تلخيص تلك الأسباب في هذه النقاط:
1 ـ فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد في الوصول إلى أهدافه، بسبب اصطدامه بالصخرة السورية التي حولت مسار الأحداث، وبالتالي لن يغفر قادة هذا المشروع للرئيس الأسد قيادته لمعركة إفشال مشروع الشرق الأوسط الجديد.
2 ـ فشل إسقاط سورية في براثن العصابات الإرهابية، ونجاح القيادة السورية برئاسة الرئيس الأسد في تحرير معظم الجغرافيا السورية التي كانت تحت سيطرة العصابات الإرهابية، ونجاحها بترسيخ أسس الدولة بعد إجراء الانتخابات التشريعية وتشكيل الحكومة الجديدة، والموقف السوري الصلب المسنود بأصدقائه الروس والإيرانيين وحتى الصينيين في معالجة ملفات إدلب والشمال والنفط والوجود الأمريكي والتركي وفي ملف محادثات جنيف حول اللجنة الدستورية.
3 ـ فشل تكريس الصراع السني الشيعي، بسبب تنبه حلف المقاومة لهذا الموضوع، رغم الاستفزاز الكبير الذي تقوم به أطراف تحالف العدوان وأدواته في المنطقة، وتحديداً السعودية وملحقاتها.
4 ـ خشية "إسرائيل" من حرب تراها وجودية مع المقاومة اللبنانية، لكن قادتها السياسيين والعسكريين يدركون شبه استحالة خوض هذه المعركة، لأن أي خطأ سيكون مكلفاً للغاية وسيضع مصير الكيان الصهيوني ككل على المحك.
5 ـ فشل الخطة البديلة لضرب المقاومة اللبنانية من خلال عدوان عسكري، بعد فشل إحداث التحول في لبنان والمنطقة لصالح تحالف العدوان بصدمة تفجير مطار بيروت، وإفشال مخططات إسقاط البرلمان اللبناني ثم الرئاسة الأولى ثم في تشكيل حكومة تحاول استدراك ما فشلوا فيه في الخطوات السابقة، والهدوء المقرون بالصلابة والثقة الذي يبديه حزب الله وحركة أمل في معالجة هذا الملف الشائك.
6 ـ الصلابة التي تبديها إيران في مواقفها السياسية والعسكرية لإفشال محاولة استهدافها، واستنادها إلى عوامل قوة اختبرتها أمريكا والكيان الصهيوني في أكثر من موقع وميدان وكانا خاسرين فيها، يضاف إلى ذلك الفشل الذريع وغير المسبوق الذي منيت به الدبلوماسية الأمريكية في موضوع الملف النووي الإيراني وتمديد حظر الأسلحة على إيران.
7 ـ التطورات الدراماتيكية التي يشهدها الميدان اليمني، وأهمها التقدم الكبير الذي أحرزه الجيش وأنصار الله في جبهة مأرب، والذي سيغير المشهد اليمني لصالح اليمن وحلف المقاومة وسيؤكد فشل استهداف اليمن من قبل تحالف العدوان وبرأسه السعودي.
كل ما تقدم من مقدمات أدت إلى الوصول بأمريكا والكيان الصهيوني إلى استخدام لغة الإجرام والاغتيالات والتهديد بها كبديل للفشل في مخططات استهداف المنطقة والسيطرة على ثرواتها وإرادة شعوبها، وفي مقدمتها مشروع الشرق والأوسط الجديد، وكذلك فشل المشاريع والخطط البديلة، وفشل الاستهداف بالطرق العسكرية والسياسية وبالحصار والضغوط الاقتصادية.
والخشية الأكبر عند تحالف العدوان إدراكه أن سياسة الصبر الاستراتيجي الذي تنتهجه أطراف حلف المقاومة، والذي يستهدف مراكمة الانتصارات وتآكل كل عوامل القوة عند تحالف العدوان، والذي جعله يقف حتى الآن في موقف الدفاع، يدرك قادة حلف العدوان أن هذه المرحلة لن تستمر، وسيأتي اليوم الذي سينتقل فيه حلف المقاومة إلى مرحلة الهجوم، وهو ما اتخذ فيه قرار بإنهاء الوجود الأمريكي في كامل منطقة المشرق العربي (بلاد الشام والعراق)، وأن التنفيذ سيبدأ حينما تصبح الأجواء مهيأة لهذه الخطوة الاستراتيجية، وتحديداً بعد الانتخابات الأمريكية، وعندها ستكون المنطقة أمام مفصل تاريخي سيكون ما بعده غير ما قبله.
لا بد من الإشارة في ختام هذا الحديث إلى أن نهج البلطجي الأمريكي الصهيوني لن يمر هكذا ببساطة، وإنما سيضاف إلى جملة التراكمات التي ستؤدي إلى إنهاء عصر الهيمنة الأمريكي، والذي سيكون من تداعياته الدعوة إلى أمم متحدة جديدة تنهي معها عصر الهيمنة الأمريكية على المنظمة الدولية ومؤسساتها، بعدما أصبحت عاجزة عن مجرد توجيه كلمة لوم تدين هذه البلطجة الترامبية.
المصدر أحمد رفعت يوسف / لا ميديا