حاوره/ شايف العين - لا ميديا -

يعرف الجميع أن الفساد المالي والإداري كان من أبرز السمات لدى أنظمة الوصاية التي حكمت اليمن طيلة عقود، وكان مستشرياً في جميع مفاصل مؤسسات الدولة.
وكثيرون لا يعلمون أن المشرع سن قوانين ودساتير تتماهى وتفشي الفساد بشقيه المالي والإداري، ومع تأكيدات قيادة ثورة 21 أيلول 2014 التي عقد أبناء الشعب آمالهم عليها لتخليصهم من تركة عبث عمدت الوصاية الى تضخيمها طيلة سنين، ولاحظ العالم نجاحها في استعادة القرار والسيادة من أرباب الهيمنة والاستكبار، إلا أن الاستياء يعم الشارع الوطني من أداء حكومة الإنقاذ الوطني التي نتجت عن الاتفاق السياسي بين المكونات الوطنية الرافضة للعدوان والمقاومة له، والملاحظ أن نسبة كبيرة من ذلك السخط تصب في عدم مكافحتها للفساد، وهنا أجرت صحيفة «لا» حوارا مع رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة علي العماد، وطرحت عليه أسئلة الشارع، وخرجت بصورة كاملة عن سبب التقاعس وعدم محاكمة الفاسدين، وكل ما يتعلق بجانب محاربة الفساد، تعرضها في هذا النص.

جهاز مراقبة لا محاسبة
 ما هي مهام الجهاز ومجالات عمله والقضايا المعني بها؟

 في ما يخص المهام إذا ما تكلمنا من الشق القانوني، صدر قانون عمل الجهاز في 1992، أي قبل 30 سنة، وجعله سلطة رقابية تقوم بالمراجعة، لكنه للأسف لم يتضمن أو يسن أدوات المحاسبة أو مكافحة الفساد، وبالتالي فإنه جهاز مراقبة لا جهاز محاسبة.
والتسمية الموجودة لديه «المحاسبة» لها صلة بالرياضيات أي عملية المحاسبة الرقمية لا الإجرائية، وعلى سبيل المثال صدر قانون الجهاز في 33 مادة لم يذكر في أي منها لفظ «فساد».
وقد حاولنا في الإعلام حشد رأي عام للضغط على السلطة التشريعية القائمة بغية الخروج من هذا المأزق.
فالجهاز يمتلك قدرة للقيام بالمراجعات على مستوى الحسابات الختامية، وهذه نواة عمله التي وللأسف جعلت منه مكتباً محاسبياً له رقابة لاحقة، غير أنه وجدت في القانون نصوص طارئة، مثلا أن يحق لرئيس الجهاز أن يوجه بالقيام بمهمة رقابة مصاحبة جزئية، ورقابة أداء، وهذه النصوص ليست جوهر عمل الجهاز، وإنما إجراء يقوم به رئيسه، ما جعل دوره رقابة لاحقة.
وكنموذج للوضع الحالي، الدولة لم تغلق موازنتها ولم ترفع بحساباتها الختامية لعام 2014، ومعنى ذلك أنه يفترض على الجهاز مراجعة ذلك العام بناء على القانون الموجود حاليا.
ونحن حاولنا تجاوزه وكسر هذا الروتين من خلال عدة إجراءات تظل مجرد مبادرة لا قوانين.

في وضعه الحالي ليس أداة لمحاربة الفساد
 هل الجهاز قادر في وضعه الحالي أن يكون رافعة لمكافحة الفساد المالي والإداري أم أنه بحاجة إلى إعادة هيكلة؟

 هناك شقان للإجابة على هذا السؤال، الأول أن ذلك يعتمد على التوجه العام للدولة وقيادتها وقيادة الجهاز لجعله أداة حقيقية لمواجهة الفساد، وهذه جزئية مهمة جدا. ولكن في ما لو دفعنا الجهاز فقط ليقوم بدوره القانوني فلا يمكن أن يكون أداة لمحاربة الفساد أبدا.
بالمقابل حاولنا منذ عام 2018 كسر هذا الروتين إلى حد ما، ولو كان لدينا الصلاحيات والقانون المناسب لكان أداؤنا في الجهار أفضل، حيث صبرنا على الكثير من المساءلات المجتمعية والجلد، وهذا من حق المجتمع كونه لا يدرك عدم امتلاكنا الصلاحيات.
ما يقوم به الجهاز الآن هو إعداد تقارير لحسابات ختامية قد مرت ترسل للجهة المعنية، فترد بدورها: «سنعمل على تلافي هذه الملاحظات». وفي حال كانت هناك قضايا جنائية كالرشوة أو الاختلاس نقوم بإحالتها للنيابة، وهذه القضايا يكون فيها غموض كبير ويصعب التقاطها أو القبض على مرتكبيها.
وقد أطلقنا في 2018 خطة سميناها «المائة يوم»، ونفذت عبر نزولنا في 47 مهمة إلى الجهات الحكومية الإيرادية، وقمنا برقابة مصاحبة، ووقفنا على عدة اختلالات، ومنها الـ73 الذين تمت إحالتهم للرئيس، واستمررنا بعدها في عمل رقابة مصاحبة، وتجاوزنا العمل الروتيني داخل الجهاز، وهذا تطلب منا بذل جهد وتعب كبير كون موظفي الجهاز غير مكيفين على هذا العمل، فهم متعودون على دراسة الحسابات الختامية.
ومع استمرارنا تكيف الموظفون، وحتى الآن مازلنا نقوم بهذا حيث لدينا حاليا 60 مهمة رقابة مصاحبة للعام 2020 وليس للأعوام السابقة، والمشكلة التي نواجهها في هذا الأمر هي قانونية، حيث إننا ملتزمون قانونا بمراجعة الحسابات الختامية للأعوام السابقة، فأصبحت الجهات الحكومية تسائلنا بدلا من أن نسائلها نحن.
وقبل أيام أرسل مجلس النواب إلينا مذكرة يخاطبنا بإعطائه الحساب الختامي الخاص بعام 2014، والقانون يمنحه الحق في مطالبتنا، غير أن كادر الجهاز لا يستطيع تغطية ذلك، علاوة على أن ثلثي من كانوا مسؤولين في الجهات الحكومية لذلك العام ذهبوا للاصطفاف في صفوف مرتزقة تحالف العدوان الأمريكي السعودي.
 وما يهم الآن هو مواكبة المرحلة الحالية، وهذا ما يطلبه منا الشعب والقيادة الثورية والسياسية، كما أننا كلفنا بعض الفرق تغطية 2014 وتجهيز حسابات ختامية، وكي يلحظ الجميع الكارثة، سن مجلس النواب قانونا لا يطالب الجهاز إلا بالحساب الختامي للسنوات الماضية، ولا يسأله عن المرحلة الراهنة، وهذا يعني أنه في حال قام الجهاز بذلك لا تواجهه أية مشاكل قانونية، ولا يمكن لأي كان تقييمه بأنه قصر في مكافحة الفساد، وهذه هي القوانين التي تفنن السابقون بوضعها لمواكبة الفساد وليس لمحاربته.
ومنذ تولينا رئاسة الجهاز في 1 يناير 2018 إلى قبل 3 أشهر قمنا بإحالة 534 قضية إلى القضاء بتهم فساد، وهذا يظل دورنا، ووصل الأمر إلى عدم وجود نصوص في القوانين تمنحنا حق متابعة القضاء كأن نعين محاميا يقوم بذلك، ويبقى الدور على النيابة كونها المدعي العام وسلطة مستقلة، وبالتالي بمجرد إحالة القضايا والمتهمين إلى النيابة ينتهي دور الجهاز.
ونحن هنا لا نحمل النيابة مسؤولية هذه المشكلة، فهي تعاني أيضا من مشاكل كثيرة، فكثير من القضاة ذهبوا إلى عدن، ومن تبقى هنا يتسلمون مرتباتهم من تحالف العدوان وحكومة مرتزقته ليمتنعوا عن الدوام، وحاولنا تجاوز هذا عبر تأهيلنا أشخاصاً من الـ200 الذين قمنا بإدخالهم عن طريق المفاضلة، وكان أداؤهم جيدا ومازالوا يعملون.

بلاصلاحيات
 ما هي الصلاحيات التي يجب أن يضطلع بها الجهاز ليكون أكثر فاعلية في مكافحة الفساد وتحقيق أقصى درجات الشفافية المالية والإدارية؟

 نحن نريد من المعنيين احترام كلمة «محاسبة» التي منحوها الجهاز، والتي تفرض عليهم منحنا أدواتها الفعلية، ولسنا نطلب هنا شيئاً يمتاز به الجهاز في صنعاء، بل ننظر إلى نظيراته حول العالم والصلاحيات الممنوحة لها نريد منحها لنا.
ونشير هنا إلى أن صلاحيات كبيرة أعطيت لهيئة مكافحة الفساد، ومطلبنا ليس سحبها منهم فهم بحاجتها، ولكن نريد صلاحياتنا، ويجب عليهم إدراك أن القانون الذي يعمل به في بلدنا قديم وعمره أكثر من 30 عاماً، وبالتالي الجلوس ومراجعته كونه لم يحدث ولو لمرة أن تم تعديل مادة فيه.
ونرجو على سبيل المثال أن يكون للجهاز مثلا في حال وقف على فساد في مؤسسة معينة الحق في إيقاف حساباتها، أو في حال وقف على فساد جنائي لفاسد معين اختلاس أو غيره يكون للجهاز الحق في إيقافه عن عمله كما هو في الهيئة، أو وقفنا على مسؤول أيا كان منصبه في قضية فساد يحق لنا استدعاؤه للتحقيق معه، وأنوه هنا إلى أننا نملك الحق حاليا في استدعاء جهة معينة أو مسؤول معين للحديث معه وليس للتحقيق وتثبيت محاضر تحقيق.
كما نطالب بأن يكون للجهاز أدوات ضبط عديدة حيث إذا صادفنا جناية معينة من مسؤول نمنعه من الاستمرار في منصبه ونحيله إلى القضاء.
وقد وقفنا منذ فترة على قضايا مختلسين في عدة جهات، وأحلنا قضاياهم إلى النيابة، ومنهم من لايزال في عمله وقد تمت إحالته قبل سنتين، ولسنا قادرين على إيقافه، بمعنى أنه لايزال يسرق ويختلس، وبعضهم يطلب منا بنفسه إحالته للنيابة.
فعشرات الآلاف من القضايا يمكن للنيابة دراستها، لكن لا يمكن لها أن تقوم بما سيقوم به الجهاز المركزي في إطار المحاسبة.
كما نطالب بمنح الجهاز الحق في مساءلة أي مستوى إداري، وعلى سبيل المثال وقف الجهاز على فساد في مؤسسة حكومية حساباتها في بنوك تجارية، لا يستطيع الدخول إلى حساباتها في تلك البنوك بحسب القانون، بينما هيئة مكافحة الفساد بإمكانها الدخول إلى حسابات في أي بنك كان.
كما أن القانون يمنع الجهاز من مراجعة حسابات البنك المركزي، والمبرر هو أن قانونه لاحق لقانون الجهاز، وهذه مشكلة بحد ذاتها، ويجب التنويه إلى أنه صدر نص في قانون الجهاز يقضي بأنه أينما تواجد المال العام تواجد الجهاز، ثم صدرت بعد ذلك قوانين استثنت عدة جهات منها البنك المركزي والقطاع المختلط والقطاع الخاص والقطاع النفعي، ولم يتبق للجهاز سوى وزارة الشباب وغيرها من المؤسسات.
حتى إن قطاعات الدعم الخارجي تم استثناؤها، والتي تملك الآن إيرادات أكبر بكثير مما تملكه الدولة، لأنه يتم توريدها إلى بنوك خاصة، ورغم امتلاكنا قانون مراجعة لجهات إلا أنه يتم مواجهتنا بأن وزارة الشؤون القانونية أصدرت فتاوى تمنعنا من مراجعة جهات حكومية بسبب أن لديها دعماً خارجياً وهذا هو الوضع القائم، ونطالب بتصحيحه، فمثلا مجلس النواب يعتبر أعلى سلطة رقابية، وبإمكانه استدعاء وزير لمحاسبته وعزله، بل باستطاعته عزل حكومة بأكملها، بدلا من استمراره في جلد الجهاز المركزي في فيسبوك وغيره. وقد طالبنا بعضاً من أولئك الذين يستمرون في جلد الجهاز بالقدوم كي نمنحه تقارير يشتغل عليها، وآخر تقرير لدينا هو بشأن السوق السوداء للمشتقات النفطية، ولو كان هناك سلطة تشريعية بالفعل لطلبته منا ووقفت عليه ودرسته بدلا من كذبهم على أبناء الشعب.
وإذا كانوا عاجزين فليمكنوا الجهاز المركزي من صلاحيات، وعليهم اليوم الوقوف على القوانين، ومنها قانون العقوبات الذي تنص بعض مواده على أن عقوبة المسؤول المرتشي هي دفع مبلغ 20 ألف ريال غرامة وحبس مدة معينة وإجراءات تافهة، وقد وصل الحال إلى أن فاسدين طلبوا منا تعجيل إحالتهم للإجراءات القانونية بدلا من استمرارنا في استدعائهم، لذلك من الضروري مراجعة شاملة لكل القوانين، قانون العقوبات والقانون المالي بما فيه قانون الضرائب والجبايات والتحصيلات التي انتشرت مؤخرا وبسببها تتواجد عصابات في فرز الباصات وفي أماكن عامة عدة، وقد قمنا بدراسة كاملة عليها أرسلناها إلى رئيس الوزراء وحذرناهم بأننا سننشرها في وسائل الإعلام، فجميع تلك الجبايات تورد إلى جيوب المسؤولين وليس للبنك المركزي، ولكن لا حياة لمن تنادي.

تصحيح التشريعات
 هل يعني ذلك أن القوانين الموجودة حاليا لا تخدم عمل الجهاز، أم ماذا؟

 إذا وقفنا على أهم القوانين وهو قانون الجهاز الذي يجعل منه مكتباً محاسبياً في الرياضيات، وبمعنى أدق عمله هو (1+1=2 أم لا = 2)، لكنه كإجراءات محاسبية تملك أدوات محاسبة فهذا ليس موجوداً، والمطلوب اليوم هو تصحيح وضع التشريعات الموجودة.
 هناك من يتهم الجهاز بأنه لا يقوم بمكافحة الفساد أكثر من قيامه بالبحث عن مخارج لما يحدث في بعض الجهات من فساد، ما هو ردكم على هذا؟
 أولا أدعو المهتمين من الإعلاميين والصحفيين والاستقصائيين وأيضا مجلس النواب كونه سلطة رقابية، أن يهتموا بالاطلاع وزيارة الجهاز والبحث في أروقته وفي المؤسسات عن تقاريره، سيرون العجب العجاب، فهو يطرح كلاماً لا يمكن أن يناقش، فقد أصدرنا منذ قبل عيد الأضحى وحتى الآن تقريرا في الكهرباء بعد وقوفنا على أشياء كبيرة، وتقريراً في أمانة العاصمة، وتقريراً في هيئة الأدوية، وتقريراً في السوق السوداء، وتقريراً في مؤسسة الحبوب، وغيرها العشرات من التقارير النوعية المتضمنة لرقابة أداء ورقابة مصاحبة خلال شهر ونصف إلى شهرين، ونطالب الجميع بالقدوم لجعل هذه التقارير ترى النور سواء المجتمع أو مجلس النواب ليقف عليها.
وللعلم يوجد يمين أو قسم يؤديه من يتبوأ منصب رئاسة الجهاز بأن يحافظ على أسرار الجهاز وألا يفشي معلومة واحدة، وقد رفضت أداء هذه اليمين، وقد تعود موظفو الجهاز طيلة 30 عاماً على ألا يشاركوا الإعلام أو يمدوه بأي شيء.
وللعلم فقد كانت موازنة الجهاز في فترة سابقة كبيرة، والموظفون جيدون وعمالقة في مجال عملهم، وهو المحاسبة، ويستلمون رواتب مجزية وكأنهم يقولون لهم أنتم لستم أداة لمحاربة الفساد.

رقابة بلا مندوبين
 يوجد في كل مرفق أو جهة حكومية مندوب للجهاز مهمته مراقبة الإجراءات المالية والإدارية، إلا أن البعض يقول بأن أولئك المندوبين يدخلون في علاقات مصالح متبادلة مع مسؤولي تلك الجهات، ويقومون بمهمة اقتراح وتقديم مخارج للفساد مقابل حصولهم على مكافآت مالية. كيف عالجتم هذه المعضلة؟

 حقيقة منذ أن توليت رئاسة الجهاز قمت بإلغاء فكرة المندوبين تماما، ولم يعد يوجد لدينا مندوب في أية جهة، وأعلنها عبركم بالبنط العريض أنه إذا كان لايزال هناك من يبتز جهة حكومية فعلى تلك الجهة إبلاغنا باسمه.
وبدلاً من المندوبين شكلنا فرقاً تقوم بالنزول إلى المؤسسات والجهات لمدة 3 أشهر، وأصدرنا توجيهات صارمة بأن من نزل إلى جهة معينة لاينزل إليها مرة أخرى، وذلك من أجل قطع موضوع العلاقات المصلحية وإبعادهم عن الإحراج.

أخطر باب للفساد
 هناك جهات تضطر إلى اتخاذ إجراءات تصب في مصلحة العمل، لكنها بنظر الجهاز تعد من المخالفات، كمسألة العمولات أو شراء آلات ومعدات بسعر أقل مما هو مرصود لها في الموازنات، كيف تنظرون إلى هذا؟

 أولاً لا بد لنا من رفع الصوت عالياً في نقطة مهمة، وهي قيام الدولة بإغلاق الباب المالي الرابع نظرا للظروف التي يمر بها البلد بفعل العدوان والحصار، ولكن يجب إعادة النظر في هذا الأمر، لأن معناه أنه لا يوجد مشتريات، بينما جميع الجهات والمؤسسات لديها مشتريات بالمخالفة بسبب هذا القرار، بما فيها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
وبالنسبة لقانون المناقصات يجب أن تتم دراسته بعناية، حيث يوجد فيه منافذ تستطيع أية جهة الولوج منها، ومشكلة الدولة مركبة ومعقدة.
فمثلا في المشتريات ليست المشكلة فقط في قانون المناقصات والإجراءات المتخذة، المشكلة هي أنه لا يوجد لدى الدولة نظام مخزني موحد، ولإيضاح ذلك مثلا لدى الجهاز المركزي كمية من الأوراق تغطي احتياجه لـ25 عاماً، ومع ذلك كانوا يشترون كل عام، ولو وجد هذا النظام ستلتزم أية مؤسسة في حال أرادت شراء شيء، بالتأكد إذا ما كانت تملكه في مخزنها أم لا.
ورغم أن الظروف تستدعي من بعض المؤسسات المستهدفة عدم الإعلان عن مناقصات، إلا أنه يجب أن يقبض، لأنه بعدم قبضه ستحدث اختلالات، وقد وقفنا على عدد منها، ويجب التنويه هنا إلى أن أخطر باب للفساد هو باب المشتريات.

سنة أساس للتصحيح
 بعض المرافق والجهات الحكومية تعاني من عجز متراكم للموازنات، كما أن النظام المالي والرقابي يشجع على التواكل لا على تنمية الموارد المالية، والعذر أن ذلك العجز متراكم من فترات سابقة ولا تستطيع الخروج منه، وهنا الجهاز يراعي ظروفها تلك ولا يضغط عليها لتنمية مواردها المالية، ما تعليقكم على هذا؟

 لا بد من إعادة النظر بعد ثورة 21 أيلول في الوضع بشكل عام، وكنا قد طرحنا مقترحاً بضرورة أن تكون هناك سنة أساس يبدأ منها البناء الصحيح، والفترات السابقة سنعود إليها لا محالة.
فعندما ينزل الجهاز حالياً وهناك عهد عند مسؤولين أو جهات وكذلك تراكمات كما أشرتم في سؤالكم، ولا تقوم بتوريد إيراداتها، وبالتالي يستمر التراكم، لا يمكن أن يقوم الجهاز بالتبرير لها كونها مسجلة عليها، وهناك البعض يسألنا عن سبب مطالبتنا بأشياء قديمة، ولا يوجد ما يلزم الجهاز بإسقاط تلك الالتزامات إلا قرار سيادي من القيادة السياسية.
فجميع الثورات الناجحة لديها سنة أساس، ويفترض أن تعلن القيادة عنها وتصرح بأن سنة كذا هي سنة أساس، والجهاز المركزي عليه ألا يشغل عمله في مراجعة الحسابات الخاصة بالسنوات الماضية.
والقانون يلزم الجهاز بمخاطبة المسؤول المتواجد في المنصب حاليا وليس السابق، إلا في حال إحالته إلى النيابة وتقوم الأخيرة باستدعائه.

ممنوعون من الدخول
 هناك شركات شبه حكومية تمتلك موارد مالية كبيرة وضخمة تجعلها من أهم الجهات الرافدة لخزينة الدولة، إلا أنها بعيدة تماما عن رقابة الجهاز وترفض استقبال أية لجان رقابية يرسلها بمبرر أنها شركة مساهمة تمتلك الحكومة فيها ما لا يزيد عن 50٪ . ما رأيكم في هذا؟

 القانون يقول بأن المؤسسة أو الجهة التي تمتلك فيها الدولة 50٪ أو أقل لا يحق للجهاز المركزي دخولها وليست ضمن اختصاصه، لأن القطاع الخاص والمختلط لديه قوانينه وله أن يعبث في تلك النسبة كيف ما يشاء.
كما أن هناك جهات ومؤسسات ليس لديها قانون عمل مثل المؤسسة الاقتصادية ممنوع عنا دخولها، وكانت أكبر إيرادات لدى الدولة منها، ودائماً حججهم هي التشريعات والقوانين التي نطالب بتغييرها ومراجعتها كون هذا هو الحل.
وقد تقدمنا بخطة مشروع متكامل لمجلس النواب تضمنت تعديل قانون عمل الجهاز وقانون المراجعة الداخلية لأنها أهم سلطة رقابية تتواجد داخل مؤسسات الدولة وخط الدفاع الأول، وقد اعترضنا على عزلهم وطرحنا أنه من حق الجهاز الاعتراض على قيام مسؤول معين بعزلهم كما يتم تعيينهم من مجلس المؤسسة أو الجهة وليس من المسؤول.
وطالبنا بتأسيس جزء من مبدأ الحوكمة، ويتمثل ذلك بعزل الرجل الأول في المؤسسة عن السلطة التنفيذية بحيث يتم توزيع صلاحياته حتى يتمكن من التفكير والإبداع بدلا من ملاحقته حتى لأبسط الأمور.
ويجب أن يكون أبناء المؤسسة الدائمون هم السلطة التنفيذية وليس الوزير أو المسؤول الذي حاليا بيده السلطة التنفيذية والإشرافية والجزائية والعقابية، وبالتالي يتحول إلى «فرعون».
كما طالبنا بإعادة النظر في العلاقة بيننا نحن وبين نيابة الأموال، فحالياً تقرير الجهاز لا يعتبر وثيقة أو مستنداً ملزماً في النيابة، وإنما دليل قد يؤخذ به أو لا، والمتعارف عليه هو أن الجهاز المركزي يكون لديه نيابته الخاصة به، فهناك أجهزة في بعض الدول وصلت صلاحياتها إلى تمكنها من تقليص موازنة أية جهة حكومية في حال اتضح لهم عبثها. 
وقد اتخذنا هنا بعض الإجراءات الجيدة كتوقيع المصفوفات، فسابقا في حال اكتشف الجهاز خللاً لدى جهة في محافظة من المحافظات يقوم بإرسال تقرير إلى تلك الجهة والتي بدورها ترد أنها ستعمل أو ستتلافى، ويتكرر هذا سنوياً، أما الآن فور خروج تقرير الجهاز تتم مناقشته مناقشة مستفيضة، ويأتي المعنيون للتوقيع على المصفوفة التي تتضمن الاختلالات ومدة مزمنة لمعالجتها وتتم محاسبتهم على أساسها، وهذه الخطوة ليست قانونية، وإنما اتخذناها كإجراء للحد من الاختلالات والفساد، وقد وجه الرئيس المؤسسات والجهات الحكومية بالالتزام بها.
وهناك البعض رفض الالتزام بها وتمت إقالته، آخرهم صندوق مؤسسة الطرقات.

العدو والماء العكر
 يرى البعض أن تقارير الفساد التي يقدمها الجهاز لا تظهر إلا عندما يريد لها النظام ذلك لاستخدامها للتخلص من مسؤول ما أو كوسيلة للضغط والابتزاز ولي ذراعه وكسب الولاءات وأحيانا للاستهلاك الإعلامي فقط ولا تجد طريقها إلى القضاء؟

 نحن لم نتورط في هذا الجانب ولن نتورط، فقد حصلت مناكفات واطلع عليها الجميع في الإعلام لكن لم تسرب وثيقة واحدة من الجهاز، مع أمنيتي أن تنشر كل تقاريره وأسعى إلى ذلك، إما شفافية على الجميع أو ننتظر حتى يتم تعديل القوانين ويضطلع الجهاز بدوره.
وأطالب هنا بتفعيل قانون حق الحصول على المعلومة، ونحن على استعداد لنشر كل التقارير أفضل من بقائها حبيسة الأدراج، وهذا لن يتم إلا بعد أن يتم تمكيننا من أدوات محاربة الفساد حتى لا يصطاد العدو فيها حال تم نشرها.

نراقب ولا نحاسب
 نسمع عن إحالة مسؤولين للتحقيق بتهم فساد، لكننا لا نجد إقامة محاكمات لهم، ما هو السبب؟

 إذا كان المقصود هم مسؤولين بدرجة وزير وما فوق، فيوجد نص دستوري وليس مجرد قانون يقول إنه لا يتم تغييرهم إلا باستفتاء شعبي، ويقضي بعدم محاسبة شاغلي الوظائف الأولى وهم من درجة نائب وزير وما فوق، وذلك لا يحق إلا لرئيس الدولة، أما كأجهزة رقابية وقضاء فلا يحق لهم.
وبالنسبة لما دون أولئك فالجهاز أساسا لا يحق له محاسبة أي منهم، ولا متابعة الإجراءات القانونية بحقهم بعد إحالتهم.

شماعة المحاصصة
 في الظروف الراهنة وفي ظل المحاصصة الحكومية كيف يقوم الجهاز بعمله؟ وهل يتم التغاضي عن بعض المخالفات تحت مبرر المحاصصة؟

 كي أكون صادقاً معكم أنا لست مع هذه الشماعة، فالفاسدون وإن وجدوا حالياً لديهم رُكَب (مراكز قوى يتكئون عليها)، فالموضوع ليس له صلة بالشراكة، بل بمدى الحضور داخل الدولة.
ويمكن القول إن الفساد الموجود حاليا إما نتيجة لخلل في القوانين أو لتقصير منا أو لعدم التفاتة حقيقية من القيادة السياسية.

البرلمان لا يقوم بدوره
 إلى أي مدى تحد المحاصصة الحكومية من قدرة الجهاز على إدارة عمله ومحاكمة من يثبت تورطهم في جرائم فساد؟

 الحد يتمثل في أن مجلس النواب المحسوب على الإخوة في المؤتمر الشعبي العام لا يقوم بدوره في تصحيح الوضع القانوني، ولو وقف وقفة جادة مع القوانين الموجودة بدلا من مناقشته قضايا عرضية داخل مجلسه، كانت الأمور في خير، والسؤال هنا مثلا هل سيقبل بمناقشة القانون المالي وأكثر أعضائه تجار؟

نسبة فساد ضئيلة ووفرة فاسدين
 أمور أغفلناها وترى توضيحها مهما؟

 ما يهم التركيز عليه أولاً هو أنه لا يعني عندما يرفع المسؤول صوته عاليا في محاربة الفساد، أن المرحلة هي في أسوأ حالاتها، وإنما هناك إرادة لمحاربته، ونسبة الفساد لا تذكر كونها قليلة جدا بسبب غياب الإيرادات وليس لعدم وجود فاسدين. 
ويجب على الشعب أن يواكب هذه الإرادة بوعي يبدأ من محاربة الفساد داخل الأسرة الواحدة وعدم القبول بأي شكل من أشكاله.
ونشدد على المواطنين ضرورة مواجهة الفساد بدءا من الفاسدين التابعين للسلطة المحلية الذين يأخذون الجبايات منهم في كل مكان يذهبون إليه سواء المنتزهات أو فرز الباصات وغيرها، وعليهم مقاومتهم.
وأدعو إلى الاهتمام بالأتمتة والجانب التقني داخل مؤسسات الدولة جميعها بشكل مركزي لأن ما يحصل حاليا هو عبث، حيث يفترض أن يكون مركز النظام المالي لدى وزارة المالية، ومركز النظام الإداري لدى وزارة الخدمة المدنية، بدلاً من هدر الأموال في عمل الأنظمة، والأهم من ذلك هو النظر بعين الاعتبار في تعديل القوانين أبرزها قانون الجهاز، وكذلك الاهتمام بالتنسيق بين الأنظمة والجهات الرقابية كما نوه الرئيس مهدي المشاط.