علي نعمان المقطري / لا ميديا -

واجهت الحركة الوطنية في جنوب الوطن وشماله مشكلات تاريخية عديدة ظلت تتحكم بمسارات تطوراتها ومتغيراتها ومآلاتها، وهي مشكلات ناتجة عن تاريخ الإقليم المحلي وخصوصياته الاجتماعية، وناتجة أيضاً عن علاقاته المتشابكة بالإقليم العربي والدولي، وتداخل علاقاته الجيوسياسية خلال مراحل التحرر الوطني من الاستعمار، وآثار تلك العلاقات على مستقبله ومآلاته وعلى طبيعة الاستقلال ودولته وتناقضاتها، وعلى صراع القوى الداخلية وأجنحة الحكم السياسية، وكان لها آثار على علاقات الوحدة الوطنية واليمنية والقومية.
وكان العامل الرئيسي الذي تحكم بطبيعة العلاقات البينية هو حقيقة عدم نضوج الحركة الوطنية المحلية واليمنية الحديثة، وعدم امتلاكها لقواها وقدراتها المستقلة المكافئة لقوى وقدرات المستعمر الأجنبي المسيطر على البلاد المتحكم بمصائرها والقادر على إفشال وإحباط كل التحركات الوطنية المناهضة لوجوده، مما اضطر الحركة المحلية الوطنية إلى طلب العون الأخوي والقومي من الإقليم العربي الأكبر في مصر عبدالناصر الذي تبنى العقيدة القومية العربية وتحرير الوطن العربي من الاستعمار والرجعية والصهيونية.
وكان هذا ناتجاً عن عجز الحركة الوطنية المحلية عن تبني النضال المستقل لتحرير الوطن اعتمادا على الذات وحدها، وكانت الذات الوطنية المحلية في حالة من العجز والشلل في مواجهة القوى الاستعمارية الحديثة استنادا إلى طاقاتها الداخلية وحدها، للكثير من العوامل والأسباب والظروف التي صاحبت وجودها وتطورها، وهذا فتح الباب بالضرورة لتدخلات الآخرين سلبا وإيجابا، وتجلى ذاك في حدوث تدخل حتمي في القرار الوطني، وجاء التدخل من أطراف قومية أولاً ثم أممية ودولية بعد ذلك، وتلك هي العقدة الرئيسية التي صاحبت الحركة الوطنية اليمنية. وكانت النتيجة المحتمة هي تحقيق الاستقلال ناقصاً، وفقدان الإرادة الوطنية اليمنية المستقلة.

استقلال تقليدي جزئي
كان التحرير الثاني مطلع القرن العشرين قد تحقق جزئيا في الإقليم الشمالي الواقع تحت الاحتلال العثماني، وهو الإقليم الرئيسي الأكبر سكانيا، حيث يتركز فيه أغلبية السكان اليمنيين. وقد تحملت القبائل المحلية الشمالية مسؤولية وأكلاف الحرب التحريرية، اعتمادا على ذاتها بدون أي دعم خارجي أو إقليمي، مما حصر حركتها وضيقها في نطاقها الإقليمي المحدود في مواجهة العدو الرئيسي آنذاك والمتمثل في الأتراك، عكس التحرير الأول الذي تحقق ضد الاحتلال العثماني الذي كان وحده يشمل اليمن ككل. أما الوضع الجديد للاحتلال فقد كان ثنائيا هذه المرة بين احتلالين (تركيا وبريطانيا)، احتلال للشمال كان يقوم به الأتراك، واحتلال للجنوب كان يقوم به الإنجليز، ضمن توافق بين الدولتين الاستعماريتين جرى فيه تقاسم العديد من الدول العربية بين الإمبرياليتين، وتم تقسيم مناطق نفوذ بينهما. وقام بناء على ذلك إقليمان تحت الاحتلال يفصل بينهما حدود وقوات وأسلحة واتفاقيات وتنازلات، إضافة إلى ما دار من تطورات وأحداث انفصالية سبقت الاحتلال الثاني للأتراك والأول للإنجليز، وخاصة بيع عُمان وعدن والجنوب للإنجليز من قبل سلاطينها المحليين المنفصلين عن المركز  الذين سبق أن طردوا عسكريا قوات المركز اليمني بالتواطؤ مع الإنجليز والأتراك مباشرة وغير مباشرة.
ولم تكن التحركات الانفصالية في حقيقتها، والتي استمرت خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، إلا تغطية للمشروع الاحتلالي البريطاني والتمهيد له، وتمت ضمن مخططات مشتركة تكشفها بوضوح الأحداث التي تلتها وصاحبتها وسبقتها والوثائق التاريخية.
فدخول الإنجليز إلى عدن والجنوب تم "سلميا" تقريبا، رغم مقاومة سكان عدن الفقراء والصيادين بقيادة الشيخ الديني العيدروس، والذين استشهدوا جميعا وعددهم حوالي 500 شهيد قاتلوا الإنجليز والمحتلين بالسلاح الأبيض في المعارك الأولى، حيث تم قصفهم بالمدافع الثقيلة والبواريد الحديثة، ولم يكن لديهم أي دعم من قوات ومقاتلي السلاطين الذين كانت قواتهم بمستوى قوة دولة، بدليل قدرتهم على شن حرب لدحر القوات المركزية اليمنية عن الجنوب. وكان لسلاطين لحج ويافع الدور الحاسم والأكبر. وقد انكشف المستور بعد أن كشفت الاتفاقية التي بموجبها بيعت عدن والجنوب للإنجليز من قبل سلاطين لحج وأبين، وجميعهم كانت لهم جيوش وقوات وأسلحة ومدافع ومحاربون تعدادهم بعشرات الآلاف، ولم يتحرك أحد لمواجهة الإنزال البحري البريطاني محدود العدد، والذين لم تتجاوز أعدادهم بضعة كتائب من المرتزقة الهنود لا يصلون إلى 5 كتائب، أي بضعة آلاف من المرتزقة الهنود بقيادة النقيب أو الكابتن هانس.

 مؤامرة إقطاعية بشعة ضد الوطن
هذا كشف حقيقة المؤامرة التي حاكتها الإقطاعية السلاطينية الجنوبية والتحالف الذي عقدته ضد اليمن والوطن تحت شعارات طائفية زائفة تم فيها شحن قطاعات واسعة من الشعب بالكراهية والانعزالية والانفصالية وتصويرها بأنها "تحرير" موهوم من "الزيود" لصالح "استقلال الشوافع". وكانت هذه أقذر أكاذيب السياسة الرجعية الاقطاعية، وسرعان ما كشفت عن وجهها الحقيقي البشع وحقيقة عمالتها للإنجليز والأتراك والعمل في سياق مخططاتهما وأجنداتهما على الأرض.
هناك عقدة استقلال ناقص فمن المسؤول عن هذا النقص؟
إنهم سلاطين الاحتلال والانفصال في الجنوب قبل غيرهم، لأنهم كانوا قادة الشعب آنذاك وحكومته المحلية عشية الاحتلال. هذه الطبقة الحاكمة كانت هي المستفيدة من الاستقلال السابق ومن الاحتلال الجديد في وقت واحد، وقد تمثل هذا في التخادم المتبادل بين الطرفين: الاستعمار الأجنبي، والطبقة الإقطاعية المحلية.
وكانت تلك تنطوي على عقدة فكرية تواجه عقدة فكرية مقابلة مرتبطة بالاستقلالية التقليدية التي تحققت في مواجهة العثمانيين في التحرير الثاني، فقد تمكن الوطنيون الإماميون من تحقيق الاستقلال للإقليم المحتل من الأتراك وبدون ارتهان إلى أي طرف خارجي أو داخلي، ومع ذلك ووجهوا بنقد وامتعاض شديدين من أطراف وطنية عديدة لاحقة وجديدة، وبأنهم لم يحققوا التقدم والتنمية المنشودين والحداثة والازدهار، وأنهم تجمدوا ولم يحققوا تحرير الجنوب من الإنجليز، وكانت مهمة تالية كمرحلة قادمة هي مهمة جميع اليمنيين وليس مجرد فئة أو جماعة منهم في ظل تعاون وتواطؤ وتفاهم مع الاحتلال البريطاني من قبل طلائع ورؤساء الإقليم المحتل.
كانت الحركة التحريرية قد استزفتها ماديا وبشريا وجغرافيا واقتصاديا طوال 200 عام من المواجهات منفردة بدون دعم يعتد به. وما زالت القوى التقليدية إلى الآن تعتبر محاربة الشعب للاحتلال جريمة وفتنة وخروجا على صحيح الدين، وأن ضحايا الأتراك كانوا شهداء، بينما ضحايا الوطن كفار في جهنم. وكان السلفيون السلطانيون في ركب الاحتلال دوما يفتون بما يروق للسلطان.
كانت الحركة التقليدية المعارضة مرتبطة بـ"الإخوان والسلفية والإنجليز والسعوديين"، وقد أدانت الإماميين الوطنيين لأنهم لم يتعاونوا مع الاستعمار في عدن والشمال لتحقيق الازدهار التجاري والاقتصادي وفتح الأبواب أمام الشركات الأجنبية المستثمرة وفتح المجال أمام التجار المستوردين الكبار وكبار الملاك وكبار الموظفين لكي يستثمروا أموالهم المكدسة بالتشارك مع الشركات الأجنبية والبريطانية. فالإمام يحيى وابنه كانا في مواجهة مستمرة مع الاحتلال في الجنوب والشمال ولم يكونا قادرين على الثقة بهم، أي أنهما لم يفتحوا الأبواب أمام الاحتكارات الغربية الكبرى لنهب اليمن في الحقيقة.
لم يكن النقد صادرا من موقف وطني استقلالي، بل من موقف رفض التشدد في مسائل الاستقلال والحفاظ على الحقوق الوطنية اليمنية على كامل التراب اليمني. وكان هذا يؤذي الوجود البريطاني ومشروعاته، ولذلك قدم البريطانيون الدعم للمعارضة التقليدية لاغتيال الإمام يحيى والسيطرة على الحكم وإقامة نظام موالٍ للبريطانيين والسعوديين بعد أن تنازلوا عن هدف التحرير الوطني والوحدة اليمنية، وهذا كان واضحا في وثائقهم وبرامجهم ودعواتهم المعلنة وارتكازهم على الاحتلال في عدن وحصولهم على الدعم المالي والسياسي، أي بمعنى آخر كانوا يتواطؤون مع الاستعمار الإنجليزي في عدن ويتنازلون له عن عدن والجنوب وعن عسير وجيزان ونجران بشكل نهائي، ويحصرون اليمن في الشطر الشمالي المتوكلي وحده، وفي صحفهم في عدن كانوا يهللون لكل انتصار استعماري يتحقق على القوات اليمنية المدافعة على الحدود الوطنية المحررا في مواجهة الحملات الاستعمارية التي لم تكن تنقطع أو تتوقف، وهذا أحد أسباب عجز الحركة الوطنية اليمنية التقليدية والحديثة وعدم استقلالها، وأن تبعيتها الخارجية كانت قانونا قائما.
ملخص لما سبق: لم يكن النقد صادرا من موقف وطني استقلالي، بل من موقف رفض التشدد في مسائل الاستقلال والحفاظ على الحقوق الوطنية اليمنية على كامل التراب اليمني، وكان هذا يؤذي الوجود البريطاني ومشروعاته، ولذلك قدم البريطانيون الدعم للمعارضة التقليدية لاغتيال الإمام يحيى والسيطرة على الحكم وإقامة نظام موالٍ للبريطانيين والسعوديين، بعد أن تنازلوا عن هدف التحرير الوطني والوحدة اليمنية.

اختراق أجنبي في الصميم
إن الحركة المعارضة، التقليدية والحديثة، كانت مخترقة بتبعيتها للإنجليز والوهابية السعودية والإخوانية في مصر، والتي كانت تتكالب للسيطرة على اليمن باسم الدعوات إلى الإصلاح والتجديد والتحديث والتعاون.
إن مشكلات الحركة الوطنية عامة تشمل الجنوب والشمال أيضاً، مع بعض التمايزات والاختلافات النسبية التي يجب الانتباه لها. والأهم هو معرفة أن الاختراق الذي عانته الحركة الإصلاحية ليس مجرد اختراق أفراد وزعماء محدودين فيها، بل هو ظاهرة موضوعية عامة ميزت شريحة الإقطاع البيروقراطي الريعي الطفيلي، التي نشأت من الأساس مرتبطة وملتحمة ببيروقراطية المركز الارستقراطي الحاكم في مركز الدولة (الأموية والعباسية والعثمانية)، ووكيلا لها في الإقليم، قبل أن تتفتت أقاليم الدولة في القرون الأخيرة. كانت تلك أرستقراطية مالية اجتماعية جائرة في علاقاتها بالشعب الكادح.
لقد انهارت مقاومة تلك الشريحة أمام الغازي العثماني بسرعة، فلم تصمد لوقت طويل، ولم تواصل قيادة المقاومة الشعبية التي كانت معنية فيها بوصفها الشريحة الحاكمة للدولة اليمنية التي تعرضت للاجتياح من مركزها في عدن والساحل الغربي، فقد كانت الوظائف الإدارية بشكل عام محصورة في تلك الشريحة الاجتماعية المسيطرة، وكذلك أغلب الثروات تحت سيطرتها، وهي التي عبرها تحول الولاء من الدولة الوطنية إلى الدولة المستعمرة الغازية وعبرت عنه في سلوكها السياسي واليومي والعملياتي في علاقاتها مع الغازي وقادته، حيث أدى ذلك إلى انحسار موجة المقاومة الوطنية إلى أدنى مستوياتها، خاصة في السهول والمناطق الساحلية، ثم في الهضبة الجبلية الداخلية لبعض الوقت قبل أن تنتفض الهضبة في وجه الغزاة بقيادة الأئمة الزيديين والقبائل الوطنية.
كان ذلك إيذانا بعجز الإقطاع وشرائحه عن حمل لواء التحرير الوطني ومتابعة معارك الاستقلال والكرامة. ولا شك أن حياة الدعة والراحة والترف التي كان الإقطاع يحياها ولو نسبيا قد منعته من اختيار درب التضحية والجهاد والتقشف والجلد، التي توجبها الحرب الوطنية الطويلة. كما أن تشابك علاقاته ومصالحه الاقتصادية الجديدة التي خلقها الاحتلال وأنشطته المتصاعدة قد وضعته أمام إغراءات كبيرة من جانب المحتل نقلته من مركز العاجز إلى مركز المشارك للاحتلال وتولي مهمة تثبيط حركة المقاومة وتخذيل الناس عن الالتحاق بها، من خلال تبرير الوجود الأجنبي وشرعنته وإدانة الخروج على أولياء الأمور ولو كانوا غزاة استعماريين، وهو ما يوصل إلى مذاهب الاستعباد باسم الدين.
كانت تلك أفضل أيديولوجيا رجعية إمبريالية تجعل من المذهب الديني المزور أفيوناً للشعب المقهور والمظلوم والمستضعف، وتجعله يعتاد القبول والخضوع أمام الأمر الواقع، وأنه قدر من الله وحرب ضد الدين والخلافة الإسلامية ولا يجوز معاكسته ولا مقاومته، وأن مقاومته فتنة... ثم انتقلت إلى مرحلة تقسيم الشعب اليمني، بهدف تقسيم مقاومته وشرذمتها وتمكين الغازي منها وهزيمتها، بل وذهبت هذه الشريحة الطبقية إلى حد تجنيد الكثير من أتباعها ورعاياها في قوات وجيوش الاحتلال التركي العثماني ليقاتلوا أبناء شعبهم المقاوم، وهو ما أدى إلى انقسام القوى المحلية اليمنية بين مؤيد للمقاومة ومعارض لها ومشارك للغازي حملاته يعمل في خدمته ويواصل إخماد بؤر الثورة والمقاومة حيث تطالها أيديهم، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، وهو الأمر الذي أوجد ضعفا في صفوف المقاومة وضاعف أكلافها وأطال حروبها ومنعها من تحقيق انتصاراتها إلا بعد آماد طويلة امتدت أكثر من قرن ونصف.
لقد باعت الشريحة الإقطاعية العميلة الرجعية مقومات الحرية والاستقلال والكرامة، مقابل حفنات من الأموال الحرام كانت تتسلمها من المحتل الذي كان يخلسها من جسد الأمة المقهورة، وهو نفسه ما تفعله اليوم مع الاحتلال الجديد القديم، فالدوافع السابقة لموالاة الاحتلال الغازي هي نفسها في أساسها رغم اختلاف أشكال الغزو وأسمائه، إلا أن جوهره واحد.

اختراق الطبقة الإقطاعية التقليدية من قبل الأجنبي خلال السيطرة العثمانية والبريطانية المشتركة
إذا راجعنا تاريخ التدخلات الأجنبية في اليمن نجد أن التدخل العثماني التركي قد جاء ليسقط دولة محلية وطنية كانت تحكم اليمن وتحميه وتذود عن استقلاله وتسيطر على كامل اليمن في وحدة واحدة. وكانت تتطور التجربة الوطنية الموحدة ابتداء من القرون الثلاثة التي سبقت الاحتلال العثماني، أي خلال القرون (13 و14 و15) الميلادية، وهي فترة ازدهار الدولة الرسولية والطاهرية والعامرية والصليحية.
وكانت البلاد تسير نحو إعادة توحيد ذاتها واستيعاب أجزائها، عبر دمج الإمارات والدويلات الصغيرة في إطار المركز الوطني الجديد الكبير الذي يتكون بقيادة الشريحة التقدمية التوحيدية من الإقطاعيين العسكريين والأمراء والقيادات القبلية الطموحة الملتفة حول الدولة وعائلات الملك والحكم، وآخرهم كان الملك عامر بن عبدالوهاب العامري، الذي تعرض للاغتيال ومعه جميع أمراء دولته من قبل قيادة القوات العثمانية عشية احتلالها لعدن والجنوب ومناطق اليمن، وبعدها انهارت المقاومة اليمنية وتساقطت المناطق بالتوالي، وكان هذا في مطلع القرن السادس عشر الميلادي. وسيطر العثمانيون على المناطق والأقاليم اليمنية بالتوالي، مع بقاء بؤر وطنية منتشرة في العديد من المراكز واصلت المقاومة حتى النهاية استنادا إلى طاقاتها الشعبية القبلية الذاتية في مواجهة العدو المزدوج (الأتراك والإقطاع الرجعي المحلي الذي صار يشغل رديف الاحتلال الإداري والسياسي والأمني والعسكري).

الانقسام الوطني العامل الرئيسي
هناك أربعة أسباب وعوامل تفسر بعض التعقيدات التي صاحبت المسار الوطني، وهي: 
1 ـ الطبيعة الجغرافية للسهول والسواحل اليمنية.
2 ـ عمالة الشريحة الإقطاعية واستعدادها للتعاون مع المحتل حفاظاً على امتيازاتها ومصالحها الخاصة البيروقراطية والريعية والمالية والأرض والوقف والمكانة الاجتماعية.
3 ـ الانقسام المجتمعي من حيث تعدد أنماط وأنظمة الاستغلال والإنتاج والعيش بين الهضاب الجبلية والسهول الزراعية والساحلية.
4 ـ انقسام القبائل الكبرى اليمانية السبئية الحميرية وتنافساتها على السيادة السياسية وامتداداتها الجغرافية السياسية.

 تحــول حركــة النضــال الوطنـي من الإقطاعية العميلة إلى الديمقراطية الشعبية التحررية 
بعد سيطرة العثمانيين على اليمن بشكل كامل حدث ما يشبه -بمنطق اليوم- صفقة تفاهمات بين الإقطاعيين السلفيين وبين العثمانيين المحتلين. وتحول الإقطاعيون بموجبها إلى شركاء في إدارة النظام القائم مع قيادات العثمانيين المحتلين، وتسلموا وظائف محلية أبرزها جباية الضرائب من الفلاحين والشغيلة والكادحين لتمويل نفقات الاحتلال وإرسال الباقي إلى المركز في الأستانة. وكان هذا عهد مظالم ومعاناة لا شبيه لها في التاريخ عاناها الفلاحون والكادحون اليمنيون.
كما تم إعفاء الإقطاعيين من الضرائب مقابل قيامهم بمهمة تحصيل وخلس الشعب بضرائب للعثمانيين بشتى طرق العسف، وجرى أثناء ذلك إعادة إنشاء وتنظيم طبقة الإقطاع المحلية بإشراف المحتل العثماني، حيث جددت بعناصر عثمانية الأصول والولاء.

يأس الشعب يقود إلى انتفاضته الشعبية القبلية المسلحة
كانت الحركة العثمانية تنحل وتتحول إلى طبقة إقطاعية بيروقراطية، عسكرية، استعمارية مركزية، وشوفينية متعصبة، ومعها كانت الإقطاعية اليمنية تواصل انحلالها منذ عجزت عن مواصلة قيادة الدفاع عن الوطن وعن الدولة اليمنية التي كان لها المركز الأول الحاكم فيها، وخاصة بعد أن انتقلت من حالة الإقطاعية (الوطنية) إلى حالة التبعية للإقطاعية الأجنبية المستعمرة وصارت بهذا جزءاً من إدارة الاحتلال الأجنبي.