حاورته/ دعاء القادري - مرافىء -

يقول الفلاسفة إنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الصمت عندما يتعلق الأمر بما لا يوصف. وهي بالنسبة لضيفنا مطلب عزيز وغاية نبيلة تربى على حبه وعشقه الدائم لها، بحيث لم تفارقه حتى في أحلك الظروف. رغم أن الفرصة تأخرت عليه، إلا أنها لم تخذله وجاءته على الموعد المنتظر. 
الفنان الموسيقي إسماعيل طه بدر الأغبري، من مواليد 1992 في مديرية حيفان بمحافظة تعز، درس المرحلتين الأساسية والثانوية في مدرسة المحبوب بحيفان، ثم انتقل إلى صنعاء ليلتحق بكلية الإعلام - تخصص إذاعة وتلفزيون. متفائل بطبيعته، ولكن لا يعجبه القفز على واقعه المعاش، مشدداً على مسايرة الظروف والتجاوب معها بكل طاقة وإيجابية، وأنه مهما كانت الأيام قاسية فحتما ستأتي أيام جميلة. أما الموسيقى فتعطي القدرة على تهدئة ثائرة النفس، لأنها اللذة الحسية الوحيدة التي يمكن للناس أن يستمتعوا بها رغم ضجيج الحياة الصاخبة.
مرافئ «لا» التقى عازف الكمان الفنان إسماعيل الأغبري في حوار حول تجربته الفنية والصعوبات التي تكتنف الموسيقى في اليمن، فإلى الحوار:

اقتناص الفرصة
 كيف كانت بداياتك مع الموسيقى؟
منذ طفولتي وأنا شغوف بالموسيقى، لكن ذلك الشغف ظل مصحوباً بحب دراستها أكاديمياً، خصوصاً مع وجود أستاذ للتربية الفنية مؤهل تأهيلاً عالياً من خارج اليمن، كان قد وعد بتعليمي الموسيقى بالنوتة. وعندما انتقلت إلى صنعاء لم أجد الفرصة للالتحاق بمعهد أكاديمي. تأخرت في تعلم الموسيقى، رغم أني كنت أعيش مع أحد أقاربي، وهو فنان وعازف جميل. لكن لأن الهدف الذي رسمته لنفسي كان كبيراً جدا، فإنني لم أتعلم منه العزف، وأجلت مسألة الموسيقى حتى تحين الفرصة المناسبة. ثم بادرنا في منتدى الحداثة والتنوير، بالتعاون مع الأستاذ عبدالله الدبعي في وزارة الثقافة، إلى تأسيس دبلوم للموسيقى في المركز الثقافي، وكنت من أوائل الطلاب، بل تميزت عنهم كثيراً.

تحدي «الكمان»
  ما نوع الآلات الموسيقية التي تدربت عليها؟ 
في البداية كان تدربي على آلة العود، لكن سرعان ما شدني صوت الكمان، فأحببت تلك الآلة، حتى أصبح بيني وبين الكمان علاقة قائمة على أساس حب معرفة أسراره. انتقلت قناعتي من العزف على العود إلى الكمان من باب التحدي، لأن الكمان أسراره كثيرة وأكثر صعوبة، فقررت تحدي نفسي والعزف على الكمان. مع مرور الأشهر الأولى وجدت نفسي أفهم أسرار جميع الآلات الموجودة في المركز (عود وكمان وجيتار وبيانو)، وبدأت أساعد أستاذي في التدريب لأني كنت أكثر فهما وتحصيلا، وكذا اطلاعا من بين الزملاء. 

أستاذ واحد
  وما هي برامج تدريباتك؟
تفاجأت بأن وزارة الثقافة شحيحة الإمكانيات من حيث الآلات والمدربين، حيث لا يوجد سوى أستاذ واحد فقط. وبجهد ذاتي ومحدود، وبدون منهج واضح أو شروط لاستقبال الطلاب، بدأنا، في المنتدى، الترتيب بحسب الإمكانيات المتاحة في تقسيم الطلاب إلى مجموعات صباحية ومسائية. كما أنني كنت أطلع على كتب الموسيقى، في المكتبة وفي النت ومن اليوتيوب، والقيام بنقل كل معلومة إلى رفاقي المتدربين، بحيث كل منا يساعد الآخر. ويتم كل ذاك تحت إشراف الأستاذ عبدالله الدبعي. 

فقيرة بالموسيقى
  كيف تنظر إلى الساحة الموسيقية في الوقت الحالي؟
بكل تأكيد، الساحة الفنية في اليمن فقيرة جدا جدا، من حيث نوع الموسيقى. فالموسيقى الحقيقية انعدمت، وبقيت فقط الأغنية الهابطة في معظم الأحيان. وهذا انعكاس طبيعي لثقافة المجتمع المتدنية بفعل ضعف العملية التعليمية في اليمن، بالإضافة إلى كونه مجتمعا متأثرا جدا بآراء الجماعات الدينية، وهذه الأخيرة معروف رأيها في الفن ونظرتها إليه. وللأسف الشديد، أصبحت الموسيقى جهدا ذاتيا لا يلقى أي دعم، وبالتالي من الطبيعي أن تتسم بالركاكة والهشاشة.

الأعراس توجه إجباري
  وكيف هو وضع الفنانين المحترفين؟
لا شك أن الفنان هو انعكاس لبيئته ومجتمعه، كما أنه انعكاس لنوعية التعليم الذي تلقاه. وبسبب ترهل المجتمع اليمني وتدني الوعي والثقافة، قلما نجد فنانا يحمل رسالة هادفة. هذا من حيث الوضع الثقافي، أما من حيث الوضع الاقتصادي، إذا كنت تقصدين ذلك، فالفنان اليمني في الأخير هو مواطن متأثر بحال بلده. لكن لعدم تأهيله التأهيل الكافي، فإنه لا يستطيع أن يشتغل ويكسب المال إلا من خلال الأعراس والحفلات المحدودة، وهذا بدوره أيضا انعكاس طبيعي يتناسب جدا مع إمكانياته. فهو لا يستطيع أن ينقل فنه إلى الخارج، لأن نتاجه محلي بحت، ولا يستطيع أن يؤلف ألحانا وبيعها للفنانين، لأنه غير كفء لذلك. 
  من الفنانون الذين عملت معهم؟
نحن كفرقة شبابية مشاركاتنا كانت محدودة جدا لعدة أسباب، أولها أننا في مجتمع يحب الاستماع إلى العود والإيقاع فقط. لكننا نشارك في احتفالات الوزارة مع الزملاء والزميلات، ولنا أيضاً مشاركات في عدة احتفالات مع فنانين من نفس الفرقة. 

ذائقة متدنية
  وكيف تنظر إلى الذوق العام للموسيقى بشكل عام، خصوصاً عند موسيقى الشارع؟ 
تحدثت في بداية المقابلة أن الذائقة متدنية بشكل كبير، خصوصاً هنا في صنعاء. فالشارع يريد موسيقى يغلب عليها الإيقاع، ربما لأنه مجتمع حزين ويريد ما يبهجه. لذلك لا يرغب بسماع موسيقى حية فيها كمان وقانون وناي. 
لكن أكون سعيدا جدا حينما أجد شبابا متنورا وذائقته مرتفعة. وفي الحقيقة أعدادهم في تزايد، وهذا من دواعي سروري ويبعث فيّ الأمل.

نفور المواهب
  هل تعتقد أن هناك إقبالا من قبل الشباب على تعلم الموسيقي؟ 
هناك إقبال متزايد من قبل الشباب، لأنهم في الأخير لم يجدوا سوى الموسيقى ليتغلبوا على اليأس والحرب والفشل. لكن لقلة الإمكانيات في مجال التعليم والتدريب، ولأن الشاب نفسه لا يستطيع توفير آلة ليعزف عليها، فإن الكثير من المواهب تنفر عن الموسيقى. 

حلم قد لا يرى النور
  سمعنا أن وزارة الثقافة سوف تؤسس معهدا للفنون الجميلة.. كيف تنظر لهذه الخطوة؟
حلم جميل جدا، لكن لا أظن أنه سيرى النور، على الأقل في المدى القريب.
  وهل تعتقد أن من الضروري الاستعانة بالخبرات المصرية أو العراقية لتعليم الموسيقى؟ 
في الحقيقة، لا يوجد في وزارة الثقافة كفاءات يمنية قادرة على إنشاء وتسيير معهد لتعليم الموسيقى، وبالتالي الحل الوحيد هو استضافة موسيقيين أكاديميين وخبراء، بالإضافة إلى ابتعاث عشرات ومئات الطلاب لدراسة الموسيقى في الخارج. 

غياب الإمكانات والنقاد
  ما هو تقييمك لبرامج المسابقات؟ وهل يمكن أن تقدم نسخة من أعمالك في إحدى القنوات اليمنية؟
برامج المسابقات تقوم بعمل ضخم من حيث اكتشاف وتدريب المواهب، وينعكس ذلك بالطبع على الذائقة عند الشباب وعلى المواهب. وكانت هناك محاولات لعمل نسخة في القنوات اليمنية، لكن الإمكانيات من حيث الموسيقى ضعيفة جدا، وكذا النقاد محدودون جدا، لذا توقفت هذه البرامج. 
مؤخرا كان هناك نسخة غير تلفزيونية لبرنامج «ذا فويس كيدز»، الذي يعرض على شاشة mbc، وأخذت القناة من المواهب التي شاركت في النسخة اليمنية. 

كلمة أخيرة..؟
أحلم بمجتمع يقدر الموسيقى، كما أرجو نشر الثقافة الموسيقية. ينبغي علينا إضافة الموسيقى كمقرر في الفصول الدراسية، وافتتاح معاهد أكاديمية، وابتعاث طلاب، واستقطاب خبرات أكاديمية من الخارج لتدريس الموسيقى. كما أرجو أن نجعل مساحة للموسيقى في أرواحنا لتتحدث، فالموسيقى أتت لتهذيب الروح، وستنعكس بالتأكيد على سلوكنا.